الحمد لله رب العالمين وبعد. كما ذكرت لكم في المقدمة بان هذه القاعدة اعظم قواعد الدين واعظم مفاتح التعلم والتعليم على الاطلاق ولاهميتها فقد افردها جمع من اهل العلم رحمهم الله تعالى بالتأليف بالمؤلفات الخاصة. كالعز بن عبد وغيره من اهل العلم. وهي قاعدة عبارة عن ام واولاد واحفاد. اما الام فنصها يقول الشريعة جاءت لتقرير المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها. الشريعة جاءت المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وهي تبين لك ان الواجب في المصالح امران. وان الواجب في المفاسد امران. اما واجب الشريعة في المصالح فهو ان لم تكن موجودة. فان كانت موجودة وكانت ناقصة فواجب الشرع فيها تكميلها. فقولنا لتقرير المصالح اي فيما اذا لم تكن موجودة اصالة فالشريعة توجب عليك ان توجد هذه المصلحة. وان كانت المصلحة اصلها موجودة وان كانت موجودة ولكن فيها شيء او اعتراها شيء من النقص فان الواجب الشرعي عليك ان تكمل هذه المصلحة. فالواجب الشرعي في المصالح هو انشاؤها اي تقريرها وتكميلها. وعكس ذلك في المفاسد فان الواجب الشرعي في المفاسد هو اعدامها واتلافها وان واغلاق بابها وسد احكام اغلاقه. فلا نبقي من المفسدة شيئا مطلقا فلابد ان تعدم المفاسد من جذورها وان تجتث من عروقها. فان لم نستطع ان نجتث المفسدة كلها فلا اقل من ان نجتثا رأسها او كتفيها فكلما خففنا من المفسدة التي لا نستطيع ان نجتثها من عروقها فهو الواجب الشرعي. فواجب الشريعة في باب سيدي اعدامها بالكلية او تخفيفها على الاقل. وعلى ذلك نزلت نزلت الشرائع كلها ولا اقصد بذلك شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بل كل الشرائع على الاطلاق هذه قاعدتها الاولى. فشريعة ادم تحقق هذه قاعدة وشريعة نوح تحقق هذه القاعدة. بل شرائع الانبياء من اولها الى اخرها انما مدار فلكها هو تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها. ولذلك الله عز وجل امر بالتوحيد لجلب المصالح والتوحيد مأمور به في كل شريعة. ونهى عن الشرك لدفع المفاسد والشرك منهي عنه في كل الشرائع. والعدل مأمور به في كل الشرائع. ليس ثمة شريعة يأمر الله فيها بشيء من الظلم. فالعدل هو المصلحة الكبرى التي جاءت بها الشرائع كلها. والظلم هو المفسدة الكبرى والتي جاءت الشرائع كلها بتحريمه. فالشرائع كلها مدارها على تحصيل مصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها. والشريعة جاءت بالامر باتباع السنة لتحصيل المصالح. وجاءت بالنهي عن للاحداث والابتداع والاختراع في الدين لدفع المفاسد. وجاءت بالامر بالصدق لتحصيل المصالح. ونهت عن الكذب لدفع المفاسد جاءت بالامر باداء الامانة لجلب المصالح. ونهت عن الخيانة قولا وعملا لدفع المفاسد. وجاءت بالامر بالزواج لجلب مصالح ونهت عن الزنا والسفاح لدفع المفاسد. وجاءت ببر الوالدين لجلب المصالح ونهت عن الحقوق لدفع المفاسد. فهذا اعظم مفتاح علمي يجب عليك ان تقيس عليه كل ما يتعلق بامور الناس. فكل من قال قولة ونسبها للشرع فان قولته دونها باب موصد. لا يجوز نسبة قولته للشرع الا اذا نظرنا. الى ما يقف وراءها من مصالح تجلب او مفاسد تدفع فمن قال قولة ونسبها للشرع ولا تتضمن جلب مصلحة خالصة او راجحة. ولا تتضمن دفع مفسدة خالصة او فان قبلته رد عليه. وان لبسها بلبوس الشرع وان ايدها بالاف الادلة من الكتاب والسنة. فان العبرة في في المقولة ليست الاستدلال وانما قضية ما يقف ورائها من المصالح. فكم من قول فاسد قد ايده اصحابه بمئات الادلة فليست القضية قضية مقولة تنسب للشرع وانما القضية ما يقف وراء هذه المقولة من المصالح. فلا يجوز الانسان ان يغفل هذا الميزان ابدا. هذا هو ميزان الحق وميزان العدل وميزان الصدق. بل ان الله عز وجل يؤيد من تكلم وبنى كلامه على المصالح والمفاسد يؤيد كلامه بملائكته ويمده بمدده ويجعل لكلامه من الحلاوة وعليه من الطلاوة وللقلوب فيه من القبول. ما الله به عليم. فالله الله يا طلبة العلم اياكم ان تتصرفوا تصرف او تقولون قولا الا ولابد ان تنظروا اولا ما يقف وراء هذا القول من المصالح او المفاسد. فاننا نسمع ونرى باعيننا في هذا الزمان اقوالا وفتاوى كثيرة لا يقف ورائها لا مصلحة تجلب خالصة او راجحة ولا مفسدة تدفع خالصة او راجحة فليس كل شيء فليس كل احد يقول قال الله يكون محقا حتى ننظر الى المصلحة التي يريد تحقيقها بقول الله ليس كل من قال قال رسول الله يكون محقا حتى ننظر الى المصلحة التي يريد تحقيقها بقوله قال رسول الله فاعظم مفتاح علمي يجب على الامة كلها عموما. وعلى العلماء وطلبة العلم خصوصا ان يهتموا به في ليلهم ونهارهم حتى يحققوه احكموه ويتقنوه ويفهموه الفهم الكامل هو مفتاح المصالح والمفاسد. هذا الذي ادين الله عز وجل به وقد دلت الادلة الكثيرة على هذا على هذه القاعدة التي يؤم القواعد في هذا الباب. فمنها مثلا قول الله عز وجل ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم. هذه الاية تصلح لقواعد المصالح والمفاسد كلها بكل فروعها وكلياتها. فنهى الله عز وجل الامة عن سب الهة المشركين حتى لا يفضي ذلك الى ان يتجرأوا على سب على سب الله عز وجل. اوليس سب الهة المشركين مصلحة؟ الجواب بلى. ولكن لا يجوز للانسان ان يحصل مصلحة اذا كان يقف ورائها ورائها مفسدة اعظم منها. فهذا دليل على ان الشريعة دائما تقارن بين قضايا المصالح والمفاسد. وعلى ذلك جمل من التفريع كثيرة. فمنها مثلا باب الامر بالمعروف. لا يجوز للانسان ان يباشر امرا بمعروف الا بعد ان ينظر الى المصالح التي يريد جنايتها او المفاسد التي يريد دفعها. فمتى ما تضمن الامر بالمعروف منكرا اعظم من هذا المعروف الذي نريده فان الامر بالمعروف يحرم حينئذ. فلا يجوز للانسان ان يبادر بالامر بالمعروف اذا كان يترتب على امره بالمعروف منكر اعظم بل ولا يجوز له ان يأمر بالمعروف اذا تظمن امره بالمعروف ترك معروف ها ترك معروف فمتى ما تعارض المعروفان فقدم اعلاهما ولو فات ولو فات ادناهما. ومنها كذلك باب انكار المنكر فلا يجوز للانسان ان يبادر بانكار المنكر الا اذا رأى ما يقف وراء انكاره من المصالح من المصالح التي تجلب او المفاسد التي تدفع. فمتى ما تضمن انكار المنكر الوقوع فيما هو انكر منه واعظم مفسدة فان انكار المنكر حينئذ يعتبر حراما. فمتى ما تعارظوا منكرا فمتى ما تعارض منكرا فيراعى اعلاهما وان ارتكبا وان ارتكبا اخفهما تخريجا على هذه القاعدة. ومنها كذلك تعليم العلم. فلا يجوز للانسان متى مات تعلم العلم ان يعلمه هكذا لا بل لا بد ان تنظر الى المصالح التي تريدها انت بهذا التعليم. فاي تعليم لا يقف وراءه اي تعليم لنوع من العلوم لا يقف وراءه مصلحة خالصة او راجحة تجلد او مفسدة خالصة او راجحة تدفع فانه تعليم لا ينسب الى الشرع. ولا يثاب عليه الانسان. لماذا؟ لان التعليم الذي يثاب الانسان عليه هو ذلك التعليم المحصل للمصالح الشرعية ها يا جماعة ودافعا للمفاسد الشرعية. فمتى ما كان تعليم العلم يفضي الى اعظم من مصلحته فيحرم التعليم في هذه الحالة. ولذلك في الصحيحين من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال كنت ردف رسول صلى الله عليه وسلم على حمار فقال يا معاذ هل تدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ فقلت الله ورسوله اعلم. قال ان حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحق العباد على الله الا يعذب من لا يشرك به شيئا. الى هنا انتهى التعلم بقينا في ماذا؟ بقينا في نقل هذه المعلومة. فقلت يا رسول الله افلا ابشر الناس؟ قال لا تبشرهم فيتكل فلما كان يقف وراء هذا التعليم للغير مفسدة اعظم من هذه المعلومة نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن نقلها وهذا يؤخذ منه انه ليس كل احد علم شيئا لابد مباشرة ان ينقله. فان قواعد الادخال للعلم شيء وقواعد الاخراج للعلم شيء. فلا تخلط بينهما. فلا بد ان تكون قواعد ادخال للعلم صحيحا ولكن اعظم قاعدة من قواعد اخراج العلم هي قواعد هي قاعدة المصالح والمفاسد. وهذه القاعدة هي التي حملت ابا هريرة رضي الله عنه الا يبلغ وعاء من العلم حفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففي صحيح الامام البخاري من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم وعائين من العلم اما احدهما فبثثته فيكم واما الاخر بثثته قطع قطع هذا البلعوم يعني مجرى الطعام. هل هو شاك في هذا الوعاء الثاني؟ الجواب لا. سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فليس ثمة شك في اسناده وانما لما رأى ابو هريرة ان تعليم هذا النوع من العلم يفضي الى مفسدة اعظم من المصلحة التي يرجوها بتعليمه رأى ان المصلحة رأى ان المصلحة ان يتركه هذه القاعدة العظيمة هي التي يقصدها الله عز وجل بقوله يؤتي الحكمة من يشاء. فان اعظم مراتب الحكمة مراعاة المصالح والمفاسد مراعاة المصالح والمفاسد. ليس حكيما من يخرج الكلام على عواهنه. او يفتي على عواهن او يتصرف على عواهنه بل لا بد قبل ان يفتي وقبل ان يقول وقبل ان يعلم وقبل ان يأمر بالمعروف وقبل ان ينهى عن المنكر لابد وان ينظر الى المصالح التي يطلب جلبها والى المفاسد التي يطلب دفعها. هذا الذي ندين الله عز وجل به. ولذلك لا تجد شاذ لذة ولا فاذة في جزئيات التشريع الا وتدخل تحت هذه القاعدة. فالله لا يأمر بشيء امر وجوب او امر ندب الا ووراء هذين الامرين مصلحة تجلب. اما خالصة او راجحة. ولا ينهى عن شيء نهي تحريم او نهي كراهة الا ويقف وراء هذا النهي مفسدة خالصة تجلب ولا تدفع؟ تدفع خالصة او راجحة تدفع. واما المباح فانهما لا يتعلق به مصلحة تجلب او مفسدة تدفع من لم يراعي في تقريراته التي ينسبها للشرع هذا الاصل فربما يكون امره اعظم فسادا من ايش؟ من سكوته عنه. وربما يكون انكاره للمنكر اعظم فسادا من سكوته عنه. وربما يكون تعليمه للعلم اعظم فسادا من سكوته عنه. فالسكوت لا يمدح مطلقا. والكلام لا يمدح مطلقا انما الممدوح منهما من كان محققا للمصلحة الخالصة او الراجحة او دافعا للمفسدة الخالصة او الراجحة افهمتم هذا؟ ولذلك كان حول الكعبة في العهد المكي اصنام كثيرة في قرابة ستين وثلاث مئة وقد كان الناس يطوفون عراة وربما مر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم عكوف سجود عند هذه الاصنام ولكن لم يكن يحدث شيئا لا من تكسير ولا من ضرب ولا من شتم ولا من غير ذلك. لم؟ مع ان انكار المنكر من اوجب الواجبات الجواب لان انكار المنكر في هذه الظروف الراهنة مفاسده مفاسده اعظم من مصالحه المطلوبة. بل ان ان التعليم جهرا او سرا ليس ممدوحا لذات الجهرية او السرية. وانما ينظر في قضية الجهرية والسرية بينهما على حسب على حسب المصالح التي يراد جلبها او المفاسد التي يراد دفعها. فما اعظم هذه القاعدة وما اشد بركتها وما اعظم فائدة الطالب اذا صبر غورها واتقنها واجاد التفريع عليها. ويسر الله عز وجل ان تكون في ذهنه في كل نظرة ولحظة وتعليم وافتاء فلا يسكت الا لاقتضاء المصالح والمفاسد ولا يتكلم الا اذا اقتضت المصلحة او المفسدة ولا يعلم الا اذا اقتضت المصلحة والمفسدة. فاذا كانت افعالك ايها الطالب منبثقة من هذه القاعدة فانت على خير فانت على خير عظيم