ان هذه الدعوة التي سنعرض الى موضوعات متصلة منها متنوعة المشارف ومتنوعة الطرح ونخاطب فيها فئات كثيرة ونرى ان الحاجة ملحة الى ذلك لاننا نرى في هذا الزمن انه مع انتشار الفساد وانتشار الموبقات وانتشار الفواحش وتيسير سبل ذلك للناس في هذه البلاد وفي غيرها نجد ان الناس المستقيمين اختلفوا فيها بل ان الناس على جميع طبقاتهم اختلفت نظرتهم معالجة ذلك الفساد ومعالجة تلك الموبقات. وقد قسمنا من قبل بالاستقراء فئات الناس فيما يحصل من فساد وما يحصل في المجتمعات من موبقات ومخالفة لشرع الله ولدينه تبناهم الى طبقات فمنهم اهل العلم فئة من المجتمع اهل العلم ومنهم طائفة كبيرة ليسوا باهل علم ولكنهم اهل غيرة على دين الله. واهل حمية في الدين ومنهم طائفة اهل علم واهل غيرة جميعا. ومنهم طائفة ايضا ليسوا باهل علم ولا باهل غيرة. فهذه الطائفة الاخيرة الذين ليسوا باهل علم ولا باهل غيرة هم ارباب الشهوات الذين همهم الذين لا تهمهم الا دنياهم وقلوبهم معلقة بالارض وقلوبهم معلقة بالدنيا والمال والجاه والسمعة وملذات هذه الحياة الدنيا وقلبه لم ينتقل الى الاخرة ولم تحركه الاخرة ولم الجنة ولم تخوفه النار. فهؤلاء اتباع كل ناعق ليس الحديث معهم. الدعوة ايضا تحتاج الى تقسيم هذه الفئات. وان من مجتمعنا في في علاج تلك الموبقات وعلاج ذلك الفساد من سرى في علاجه بالعلم دون الغيرة فتجد انه يقلل القوانين ويقعد القواعد العلمية ولكنه غير متحرك للامر بالمعروف والنهي عن المنكر غير متحرك لمجابهة اهل الفساد غير متحرك لمجابهة العلمانيين غير متحرك لمجابهة المشركين غير متحرك لمجابهة اهل البدع غير متحرك نصرة دين الله في ميادين كثيرة. علمه نافع في نفسه وفيما ينشره من العلم. لكن هذا ينبغي ان يكون تقعيده موافقا لتقعيد الطائفة الذين اتسموا بالعلم والغيرة جميعا على دين الله. لان من لم يكن قد عاد شر السرور من لم يكن قد رأى هذه الشرور وعاش المشاكل في نفسها فانه قد لا يتحرك في تقرير المسائل العلمية لا يتحرك فيها تحركا صحيحا ولا يقعدها بفقه في النصوص بالفقه الصحيح. ولهذا في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما حيث انه جعل ايات القرآن في زمنه مصبة على الواقع الذي عاناه وعاشه ومن الناس حتى من اهل العلم في زمنه من لم يوافقه على ذلك وذلك انه ما عاش ما عاشه الشيخ ولا تحرك بالهم الذي تحرك به امام هذه الدعوة رحمه الله تعالى من الناس وهو قطاع كبير من الناس اهل غيرة عندهم غيرة على المحرمات ان توجد عندهم غيرة على الفساد غيرة على وجود بعض انواع الظلم حريرة على وجود بعض انواع الفساد. غيرة على وجود اهل الشر بطبقاتهم المختلفة. لكن هذه الغيرة حملتهم على ان تحركوا بها بغير ما يقتضيه العلم الشرعي الصحيح. فتحركوا بالغيرة وجاوزوا الحد الذي يمليه العلم على الغير صاحب الغيرة السبيل الى النجاة والسبيل الى تصحيح هذه الغيرة. من الشباب كثير ومن الناس من الشيب كثير تحركوا وفي غيره حتى احيانا حرموا ما احل الله جل وعلا تحركوا بغيره فانكروا اجيال لا يسوغ الانكار فيها بغيره فوصفوا بعض من ارتكب شيئا من المعاصي بانهم مبتدعة او كفار او مارقون من الملة والعياذ بالله نعم ان الغيرة مهمة وكما قال ابن القيم رحمه الله تعالى ان القلب بلا غيرة قلب ميت. لان الغيرة هي التي تجعل المرء يحافظ على ما من الايمان والتقوى والصلاح. اما الذي لا يغار على حرمات الله فانه لا يحمل المحافظة على رأس ماله وايمانه دونك طائفة كبيرة في هذا البلد وفي غيره ايضا من المسلمين في كل مكان نعم تحركوا بالغيرة ولكن هذه الغيرة منها ما كان على موجب العلم ومنها ما لم يكن على موجب العلم وما لم يكن على موجب العلم من الغيرة فانها غيرة مذمومة ولهذا ترى ان من اهل العلم يقول ان الغيرة ليست محمودة في نفسها فالخوارج حينما خرجوا وقتلوا عثمان انما حركتهم الغيرة على مكافحة ظلم والغيرة على التصرف في الاموال ولكن الت بهم هذه الغيرة المذمومة لانهم لم يهتدوا بهدي الصحابة الى ان قتلوا عثمان رضي الله عنه ايضا من انواع المجتمع من اصناف الناس في هذا المجتمع في هذا التقسيم الرباعي اهل العلم من هم اهل العلم والغيرة؟ وهؤلاء هم الراسخون في العلم الذين علموا حدود ما انزل الله جل وعلا وفقهوا الكتاب والسنة دعوا في الانكار على ما يقتضيه العلم. لم يكن العلم عندهم منعزلا عن الغيرة بل الغيرة تحركهم على الانكار. وهؤلاء يصلحون ولا يفسدون وان كان اصلاحهم انما يكون على المدى الطويل لكنه اصلاح كمثل الغيث الذي ينبت الارض وينفع الناس ولكن من الناس لمن لا يشاهد لانك ترى الارض وقد امطرت في جو اللحظة ولم ينبت منها النبات ولكن تأتيها بعد مدة زمنية طويلة شهر او شهرين فتراها انبتت باذن الله والدعوات والدعوة لا يظن انها تقاس في الزمن. فهذه اول الدعوات الى دين الله جل وعلى دعوة رسول هي دعوة نوح عليه السلام اذ هو اول المرسلين دعا قوما مخالفين قوما مشركين الى دين الله جل وعلا. فهذه الدعوة مكثت في الارض الف سنة الا خمسين عاما ومع ذلك ما استجاب لنوح الا قليل كما قال جل وعلا وما امن معه الا قليل. قال المفسرون هم بضعة وسبعون رجل وامرأة. وقال اخرون بل لم يزيدوا عن اثني عشر رجلا وامرأة. وهذا لا شك انه غريب للدعوة تمكث في الارض هذا الزمن الطويل ورسول مؤيد بالمعجزات ومؤيد بالبراهين ولا يكون معه الا هذا العدد القليل اذا هذا برهان على ان الامر في الدعوة لابد ان يكون الصواب وليس المدة وليس كمن مستجيب ان نوحا عليه السلام مكث تلك المدة وكان كانت دعوته صوابا لانه ورسول من عند الله وفي دعوته ما ينبغي بل ما يجب ان نأتسي به اذ لا بد ان نصدق المرسلين ونتبع المرسلين ان الدعوة لا شك انها لا تقاس بزمن بل الامر في الدعوة ان تكون في دعوتك على صواب. ان استجاب الناس في او في عشر او في مئة فان الامر ليس هو ذاك وانما الامر ان تكون داعيا الى الله على صواب. اذا اذن الله جل وعلا بانتصار الدين اذا اذن الله جل وعلا بفشوه والا يبقى بيت في حجر ولا مدر من حجر ولا مدر الا قام اهله فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ولكن اذا لم يكن كذلك فلله الحجة البالغة وكما قال جل وعلا قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم اجمعين