بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله في الحلقة الثانية من حلقات اشهار امثال العرب كنت في الحلقة السابقة قد وقفت وقفة متأنية مع تأليف العرب في باب الامثال وخلصت منها الى فوائد منها ان التأليف في الامثال بدأ مبكرا في عهد معاوية رضي الله عنه وان في اجتماع كبار ائمة العربية على التأليف في الامثال دليلا ظاهرا على منزلتها العالية من اللغة واهميتها البالغة من العربية وفي هذه الحلقة اخترت لكم نخبا من اقوالهم رحمهم الله عن الامثال لاكشف بها وجها اخر من تلك المنزلة العالية والاهمية البالغة قال عبدالله بن المقفع المتوفى عام اثنين واربعين ومئة من الهجرة الادب الصغير اذا جعل الكلام مثلا كان ذلك اوضح للنطق وابين في المعنى وانق للسمع واوسع لشعوب الحديث وقال ابو عبيد القاسم ابن سلام الهروي المتوفى عام اربعة وعشرين ومئتين من الهجرة في مقدمة كتاب الامثال هي حكمة العرب في الجاهلية والاسلام وبها كانت تعارض كلامها اتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق بكناية غير تصريح فيجتمع لها بذلك ثلاث جلال ايجاز اللفظ واصابة المعنى وحسن التشبيه واستمعوا الى هذا النص الباذخ والكلام الفاخر الذي قدم به ابو بكر الانباري المتوفى عام ثمانية وعشرين وثلاثمائة من الهجرة لكتابه الزاهر في معاني كلمات الناس يقول الحمد لله القديم الدائم الذي ليس لقدمه ابتداء ولا لديمومته انتهاء الذي حجت الالباب بدائع حكمه وخصمت العقول لطائف حججه وقطعت عذر الملحدين عجائب صنعه وكلت الالسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول عن كنه معرفته لا تحويه الاماكن ولا تحده لكبريائه الفكر محرم على نوازع ثاقبات الفطن تحديده وعلى عوامق الفطر تكييفه وعلى غوائصي سابحات النظر تصويره ممتنع على الاوهام ان تكتنها وعلى الافهام ان تستغرقه قد يأست من استنباط الاحاطة به طوامح العقول وتراجعت بالصور عن السمو الى قدرته لطائف الخصوم واحد لا من عدد دائم لا بامد قائم لا بعمد صادق لا يكذب وعالم لا يجهل وعدل لا يجور وحي لا يموت ذو بهجة لا تفقد ونور لا يخمد ومواهب لا تنكد وعطايا لا تنفد وعز لا يذل وايد لا يكل ودؤوب لا يمل وحفظ لا يضل وصنع لا يقل الجبار الذي خشعت لجبروته الجبابرة والعزيز الذي ذلت لعزته الملوك الاعزة والعظيم الذي خضعت له الصعاب في محل تخوم قرارها واذعنت له رواصن الاسباب في منتهى شواهق اقطارها مستشهدا بكل الاجناس على ربوبيته وبعجزها على قدرته وبحدوثها على فطرته ليس له حد منسوب ولا مثل مضروب ولا شيء عنه تعالى جده محجوب فالسن ادلته الواضحة هاتفة في اسماع عباده الواعية شاهدة انه الله الذي لا اله الا هو الذي لا عدل له معادل ولا مثل له مماثل ولا شريك له مظاهر ولا ولد له ولا والد الذي خلق الخلائق بعلمه فاختار منهم صفوته فجعلهم امناء على وحيه وخزنة على امره وسفراء بينه وبين خلقه وجعلهم دعاة الى ما اتضحت لديهم صحته وثبتت في القلوب حجته وامدهم بعونه وابانهم من سائر خلقه بما دل به على صدقهم من الادلة وايدهم من الحجج البالغة والاية المعجزة واستودعهم في افضل مستودع واقرهم في خير مستقر تناسخهم مكارم الاصلاب الى مطهرات الارحام حتى انتهت نبوة الله وافضت كرامته الى نبينا محمد صلى الله عليه وعلى اله الطاهرين فبعثه بالبرهان الواضح والبيان اللائح والكتاب الناطق والشهاب المتألق على حين فترة من الرسل وطموس من السبل ودروس من اثار الانبياء والناس في عمى لا يعرفون معروفا فيأتوه ولا منكرا فيجتنبوه تفضله صلى الله عليه من الدرجات بالعلى ومن المراتب بالعظمى وحباه من اقسام كرامته بالقسم الاكرم وخصه من درجات النبوة بالحظ الاجزل ومن الاتباع والاصحاب بالنصيب الاوفر فاستنقذ به الاشلاء المتفرقة وجمع به الاهواء المختلفة ودمغ به سلطان الجهالة واخمد به نيران الظلالة حتى اظى الباطل مقموعا والجهل والعمى مردوعا بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا. يبشر من اطاعه بالجنة وحسن ثوابها ويخوف من عصاه بالنار وما حذر من عقابها لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فصدع صلى الله عليه بما امر وبلغ ما حمل حتى اذعن لله بالربوبية واقر له بالوحدانية فعاش كريما محمودا ومات موجعا مفقودا صلى الله عليه وشرف وكرم وعظم قال ابو بكر ان من اشرف العلم منزلة وارفعه درجة واعلاه رتبة معرفة معاني الكلام الذي يستعمله الناس في صلواتهم ودعائهم وتسبيحهم وتقربهم الى ربهم وهم غير عالمين بمعنى ما يتكلمون به من ذلك وانا موضح في كتابي هذا ان شاء الله معاني ذلك كله ليكون المصلي اذا نظر فيه عالما بمعنى الكلام الذي يتقرب به الى خالقه ويكون الداعي فهما بالشيء يسأله ربه ويكون المسبح عارفا بما يعظم به سيده ومتبع ذلك تبيين ما تستعمله العوام في امثالها ومحاوراتها من كلام العرب وهي غير عالمة بتأويله وباختلاف العلماء في تفسيره وشواهده من الشعر ولن اخليه مما استحسن ادخاله فيه من النحو والغريب واللغة والمصادر والتثنية والجمع ليكون مشاكلا لاسمه ان شاء الله اسأل الله المعونة على ذلك والتوفيق للصواب ويقول الفارابي المتوفى عام خمسين وثلاثمائة من الهجرة في ديوان الادب المثل ما تراضاه الخاصة والعامة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه فيما بينهم وفاه به في السراء والضراء واستدروا به المتمنع من الدر توصلوا به الى المطالب القسية وتفرجوا به عن الكرب المكربة وهو من ابلغ الحكمة لان الناس لا يجتمعون على ناقص او مقصر في الجودة او غير مبالغ في بلوغ المدى في النفاسة وقال حمزة بن الحسن الاصفهاني المتوفى عام واحد وخمسين وثلاثمائة من الهجرة تقريبا في مقدمة كتابه الدرة الفاخرة هذا كتاب اودعته فنا من الامثال السائرة عن العرب هي اكثر ما يجري منها على السن الفصحاء ويختلطوا بخطاب البلغاء ويدخل في نوادر الادباء وبدائع الشعراء وهو ما جاء من الامثال على قولهم هو افعل من كذا وقال ابو هلال العسكري المتوفى في بداية القرن الخامس الهجري في مقدمة كتابه جمهرة الامثال ما رأيت حاجة الشريف الى شيء من ادب اللسان بعد سلامته من اللحن كحاجته الى الشاهد والمثل والشذرة والكلمة السائرة فان ذلك يزيد المنطق تفخيما ويكسبه قبولا ويجعل له قدرا في النفوس وحلاوة في الصدور ويدعو القلوب الى وعيه ويبعثها على حفظه ويأخذها باستعداده لاوقات المذاكرة والاستظهار به اوان المجاولة في ميادين المجادلة والمصاولة في حلبات المقاولة وانما هو في الكلام كالتفصيل في العقد والتنوير في الروظ والتسهيم في البرد فينبغي ان يستكثر من انواعه لان الاقلال منه كاسمه اقلال والتقصير في التماسه قصور وما كان منه مثلا سائرا فمعرفته الزم لان منفعته اعم والجهل به اقبح ولما عرفت العرب ان الامثال تتصرف في اكثر وجوه الكلام وتدخل في جل اساليب القول اخرجوها في اقواها من الالفاظ ليخف استعمالها ويسهل تداولها فهي من اجل الكلام وانبله واشرفه وافضله لقلة الفاظها وكثرة معانيها ويسري مؤنتها على المتكلم مع كبير عنايتها وجسيم عائدتها ومن عجائبها انها مع ايجازها تعمل عمل الاطناب ولها روعة اذا برزت في اثناء الخطاب والحفظ موكل بما راع من اللفظ وندر من المعنى والامثال ايضا نوع من العلم منفرد بنفسه لا يقدر على التصرف فيه الا من اجتهد في طلبه حتى احكمه وبالغ في التماسه حتى اتقنه وليس من حفظ صدرا من الغريب فقام بتفسير قصيدة وكشف اغراض رسالة او خطبة قادرا على ان يقوم بشرح الامثال والابانة عن معانيها والاخبار عن المقاصد فيها وانما يحتاج الرجل في معرفتها مع العلم بالغريب الى الوقوف على اصولها والاحاطة باحاديثها ويكمل لذلك من اجتهد في الرواية وتقدم في الدراية فاما من قصر وعذر فقد قصر وتأخر وانى يسوغ الاديب لنفسه ذلك وقد علم ان كل من لم يعنى بها من الادباء عناية تبلغه اقصى غاياتها وابعد نهاياتها كان منقوص الادب غير تام الالة فيه ولا موفور الحظ منه وقال الزمخشري المتوفى عام ثمانية وثلاثين وخمسمائة من الهجرة في مقدمة كتابه المستقصى بامثال العرب هي قصارى فصاحة العرب العرباء وجوامع كلمها ونوادي روح حكمها وبيضة منطقها وزبدة حوارها وبلاغتها التي اعربت بها عن القرائح السليمة والركن البديع الى ذرابة اللسان وغرابة اللسن حيث اوجزت اللفظ فاشبعت المعنى وقصرت العبارة فاطالت المغزى ولوحت فاغرقت في التصريح وكنت فاغنت عن الافصاح بل هل استظهار بمكانها والتمنع بجانبها عند الانتظام في سلك التذاكر وافاضة ازلام التناظر وتذوق بعظ اهل الادب بعظا وانها للمحافل اذا حوظر بهاء وللافاضل متى اوردوها ابهة وللنثر انى سلكت اثناءه طلاوة وللشعر كيف انساقت في تضاعيفه متانة ولامر ما سبقت اراعيل الرياح وتركتها كالراصفة في القيود بتدارك سيرها في البلاد مصعدة ومصوبة واختراقها الافاق مشرقة ومغربة حتى شبهوا بها كل سائر امعنوا في وصفه وشارد لم يألو في نعته اكتفي بهذا القدر وفيه ان شاء الله تعالى ما يغني في معرفة سمو قدر الامثال وسموق اهميتها وعظم الخسارة التي مني بها طلاب العلم والادب والتاريخ لجهلهم بها وفضاحة تقصير العرب باشهارها واظهارها والافادة منها في هذا الزمان فالامثال لها منزلة لغوية عالية فما قيل منها في عصور الفصاحة له قيمة غيره من الكلام الفصيح شعرا ونثرا بالتقعيد للمفردات والتراكيب وقد اثرت التأليف المعجمي بما حفظته من الغريب ودلت عليه من المعاني ولها قيمة ادبية بلاغية بما فيها من الايجاز والتشبيه والكنايات والمجازات والحبك والسبك والبدائع والبدائل وما ارتبط بها من الشعر والقصص ولها قيمة تاريخية لما ارتبط بها من الاخبار والاحداث والاعلام والايام والوقائع ولها قيمة اجتماعية عظيمة فهي مرآة تنعكس عليها اخلاق المجتمع العربي. في عصوره المختلفة وقناعاته وموجهات تفكيره ومناحي فلسفته وعاداته وتقاليده ومعتقداته واثر بيئته فيه اقف عند هذا الحد والى ان التقيكم في الحلقة القادمة ان شاء الله استودعكم الله واسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد