ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد فمرحبا بكم معاشر الاخوان والاخوات. واسأل الله تبارك وتعالى ان يتقبل منا ومنكم اجمعين وان يعيننا واياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته ايها الاحبة نواصل الحديث في هذه الليلة عن الامثال القرآنية وكان حديثنا في ليلة مضت عن اية الانعام وما ضرب فيها من المثل بقوله تبارك وتعالى او من كان ميتا فاحييناه وان ذلك المثل ضرب الكافر والمؤمن. فالميت هو الكافر احياه الله تبارك وتعالى بالايمان. اذا شاء له الهداية وبقي في هذا المثل قوله تبارك وتعالى وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها فكما ان الله تبارك وتعالى يضرب المثل بالحي والميت فكذلك يضرب المثل بالظلمات والنور كما يضرب المثل بالاعمى والبصير. وسيأتي الحديث عن ذلك ان شاء الله تعالى في موضعه. لكن لما تضمنت هذه الاية هذا القدر المتضمن لهذا المثل وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج من كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون وقد جاء ذلك في مواضع من كتاب الله تبارك وتعالى كقوله قل هل يستوي الاعمى والبصير هل تستوي الظلمات والنور؟ وكقوله وما يستوي الاعمى والبصير. ولا الظلمات ولا النور كما سمعنا في اية فاطر وكذلك كقوله تبارك وتعالى في سورة البقرة الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات ولم اتحدث عن هذا المثل هناك لان هذا الموضع من سورة الانعام اعلق به. قال كما ام مثاله في الظلمات؟ وقد ذكرت ان مواضع من كتاب الله تبارك وتعالى جاءت فيها تشبيهات وما يسميه لاغيون بالاستعارات وما اشبه ذلك. وقد لا يكون ذلك جميعا من قبيل الامثال ولكنه قد يأتي في بعض المواضع ما يكون في صورة المثل فاجمعوا نظائره واتحدث عن ذلك كله باذن الله تبارك وتعالى. وهكذا قوله جل جلاله هو الذي ينزل على عبده ايات بينات ليخرجكم من الظلمات الى النور وقوله ليخرج الذين امنوا وعملوا الصالحات من الظلمات الى النور. كما ان الله تبارك وتعالى سمى كتابه نورا كما في قوله قد جاءكم من الله وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور اذنه ويهديهم الى صراط مستقيم. وكقوله يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وانزلنا اليكم نورا مبينا وكقوله واتبعوا النور الذي انزل معه وقوله فامنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا. فسمى كتابه نورا ومن اهل العلم من يقول ان المراد بذلك هو الاسلام ولا منافاة فان الاسلام نور والقرآن نور واتباع الاسلام هو اتباع القرآن واتباع القرآن هو اتباع الاسلام هذا كله من قبيل اختلاف التنوع والمقصود ايها الاحبة ان الايمان نور والكفر والجهل والشبهات والريب كل ذلك ظلمات ومن دخل في هذا النور استنار قلبه وحصل له الانشراح فاهل الايمان كما يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله في النور وانشراح الصدر واهل الضلال في الظلمة وضيق الصدر فاضاءة القلب واشراقه بهذا النور الذي انزله الله تبارك وتعالى هو مادة كل خير فيه. وكما ان موته وظلمته هو مادة كل شر فيه ولما تكلم الحافظ ابن القيم رحمه الله في كتابه في الهدي النبوي زاد المعاد عن اسباب انشراح الصدر ذكر من ذلك النور الذي يقذفه الله في قلب العبد وهو نور الايمان فانه يشرح الصدر ويوسعه ويفرح القلب فاذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج. وصار في اضيق سجن واصعبه. فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور وهكذا يحصل الضيق بحسب ما يفقد من هذا النور نسأل الله العافية ولذلك تجد الناس في ذلك في غاية التفاوت فالقرآن ايها الاحبة نور وذلك من اوصافه لانه يضيء الحق ويزيل الظلمات الجهل والشك والشرك والريب والاوهام التي تعتام النفوس ويبقى العبد في حيرة واضطراب لا يدري المخرج منها وقوله تبارك وتعالى وجعلنا له نورا يمشي به في الناس. يعني يهتدي به كيف يسلك كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله كيف يسلك؟ كيف يسير؟ كيف يتصرف اين يتجه كمن مثله في الظلمات يعني كما يقول الحافظ ابن كثير اي في الجهالات والاهواء ضلالات المتفرقة ليس بخارج منها لا يهتدي الى منفذ ولا مخلص مما هو فيه وهكذا في قوله تبارك وتعالى حينما يذكر الظلمات والنور وانها غير مستوية يقول كبير المفسرين ابو جعفر ابن رحمه الله هل تستوي الظلمات التي لا ترى فيها المحجة فتسلك ولا يرى فيها السبيل فيركب. والنور الذي تبصر به الاشياء ويجلو ضوءه الظلام. يقول ان لا شك لغير مستويين فكذلك الكفر بالله. انما صاحبه منه في حيرة يضرب ابدا في بغمرة لا يرجع منه الى حقيقة. والايمان بالله صاحبه منه في ضياء يعمل على علم بربه ومعرفة منه بان له مثيبا يثيبه على احسانه ومعاقبا يعاقبه على اساءته ورازقا يرزقه ينفعه والمقصود ايها الاحبة ان هذا النور اذا اشرق قلب العبد منه استنار له كل شيء. واتضحت له الرؤية وعرف غاية الحياة وعرف ما يصير اليه في اخرته وعرف ربه وعرف الطريق الموصلة اليه وتبددت عنه تلك الشكوك والريب التي تجعله في قلق يحرق قلبه. ولهذا قال الله تبارك وتعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه. فهو متظمن لكمال الصدق. لا طيب فيه لا تجد فيه ما يورث ريبا وشكا. من تعارض تناقض كما انه ايضا لا ريب فيه من جهة مصدره انه من الله تبارك وتعالى وانه كلام الله جل جلاله واذا كان هذا الكتاب لا ريب فيه فان ذلك يقتضي ان يكون هذا الكتاب مزيلا للريب او مزيلا للريب الذي يتلجلج ويتردد في نفوس الكثيرين ممن لم يعرفوا هذا الكتاب ولم يستنيروا بنوره فنحن ايها الاحبة متى ما اراد العبد ان يحصل له الانشراح واستنارة القلب واشراق النفس والمعرفة كاملة فيما تطلب معرفته. مما يزيل الحيرة عن العبد. فعليه ان يقبل على هذا القرآن وان يتبصر بمعانيه وهداياته وان يعمل بمقتضى ذلك وعلى قدر دخوله في هذا النور على قدر ما يكون له من النصيب من هذا الاشراق والهدى الذي ضمنه الله تبارك وتعالى في هذا الكتاب وجعل هذا الدين هاديا هاديا اليه فاهل الكفر في حنادس الظلام. الظلام التام الذي لا يستطيعون معه الابصار. نسأل الله العافية واهل الايمان الكامل هم في نور تام. ثم بعد ذلك يكون الناس على مراتب كما سمعنا في هذه الاية العظيمة التي قرأها الامام في هذه الصلاة وهي قوله تبارك وتعالى ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله. ذلك هو الفضل الكبير فاهل الايمان الذين اصطفاهم الله عز وجل هذا الكتاب اولئك طائفة غير الكفار الذين يخبطون في لا يعرفون طريقا للخروج منها. فهؤلاء اعني اهل الايمان هم ايضا على مراتب في الاستضاءة بهذا النوع والانتفاع بهذا القرآن والعمل بما تضمنه. ولذلك تجد الناس في مراتب العبودية على على درجات ورتب عظيمة جدا سواء كان ذلك في العبادة الواحدة او كان ذلك في العبادات المتنوعة. فمنهم من ان يفتح له في باب ومنهم من يفتح له في ابواب ومنهم من يضرب في كل باب بسهم. فنسأل الله عز وجل ان يشرح صدورنا بنور القرآن وان ينور به قلوبنا وان يجعله ربيعا لها وجلاء لهمومنا وذهابا لاحزاننا. وان يذكرنا منه ما نسينا وان يعلمنا منه ما جهلنا وان يرزقنا تلاوته اناء الليل واطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا. وسيأتي حديث اكثر تفصيلا باذن الله حول الظلمات والنور عند الكلام على اية النور في المثل الواضح المضروب هناك في قوله او كظلمات في لجي والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه