الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فبقيت بقية يسيرة اختم بها الكلام على المثل المضروب لقوله تبارك وتعالى او كصيد من السماء والله تبارك وتعالى يقول ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم ان الله على كل شيء قدير جاء هذا التعقيب كأن الله تبارك وتعالى يجازيهم على تركهم الانتفاع بالاسماع والابصار وذلك ان هؤلاء بمنزلة الصم البكم العمي لان الله اعطاهم اسماعا لم يعملوها بما ينفعهم ويرفعهم واعطاهم ابصارا لم يعملوها فيما ينفعهم وجعل لهم قلوبا لم يعقلوا بها فصارت طرق الايمان مسدودة عليهم. فالله تبارك وتعالى يقول ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم الحسية. لانهم لم ينتفعوا بها معنى فخوفهم بهذه العقوبة ليرتدعوا من كفرهم ونفاقهم واعراضهم. ولهذا قال ابن ابن عباس رضي الله عنهما اي لما تركوا من الحق بعد معرفته. وجاء عن ابي العالية ذكر اسماعهم وابصارهم عاثوا بها في الناس يعني في الافساد والاشتغال بما لا ينفع. والله قادر على ذلك وهو امر يسير بالنسبة اليه جل جلاله هذا المراد بتفارق هذا المثل. وكبير المفسرين ابو جعفر ابن جرير رحمه الله. بعد ان ذكر بعض اقوال التي اشرت اليها في معاني الجمل المذكورة في هذا المثل اعتبر ذلك من قبيل المتقارب في المعنى. وان اختلفت الالفاظ مع انه يقرر بان الصيب هو ظاهر ايمان المنافق او كصيد من السماء وان الظلمات هي ضلالته. وان الضياء والبرق هو لنور ايمانه. يحصل له اضاءة ثم ما يلبث ان ينطفئ وان اتقاءه من الصواعق لتصير الاصابع في الاذان هذا يدل او اشارة الى ضعف بصيرته كذلك ايضا ان مشيه في ضوء البرق هو اشارة الى استقامته على نور ايمانه وان قيامه في الظلام يراد به خيرته في ضلالته وارتكاسه بعمه هذا الذي ذكره ابن جرير رحمه الله وقد ذكرت الاقاويل الاخرى وبعض العلماء ذكر سبعة اوجه في هذا المثل هي من وجوه المشابهة بين حال هذا السائر في المطر الصيب. وما وصف الله عز وجل من خبره وبين المنافق فاول هذه الاوجه من الشبه ان هذا الذي يمشي في ظلام اجتمع عليه ظلام الليل مع ظلام السحاب مع ظلام المطر اذا لمع له البرق واضاء ثم ذهب نوره عاد في ظلام اشد من الظلام الاول لما سبق فهذه حال المنافق حينما يظهر الايمان ثم بعد ذلك يرتكس فيصير الى حال اسوأ مما كان فيه وتزداد حيرته وتعظم الظلمة في عينه والوجه الثاني ان المطر وان كان نافعا الا انه لما وجد في هذه الصورة مع هذه الاحوال الضارة صار النفع به زائلا فكذا اظهار الايمان نافع للمنافق لو وافقه الباطن فاذا فقد منه الاخلاص حصل معه النفاق صار ضررا في الدين كما يحصل لهذا السائر في الليل الضرر بهذا المطر والبرق والرعد وهو يتخوف من الصواعق والثالث من اوجه المشابهة ان من وقعت له هذه المخاوف خاف من الرعد الاصوات المزعجة يخاف من الصاعقة ويتوقى ذلك بوضع اصابعه في اذانه ويظن ان ذلك يخلصه مع ان ذلك لا ينجيه مما اراد الله عز وجل به هكذا المنافق ظن ان اظهاره للايمان عند المؤمنين ان ذلك يخلصه عند الله عز وجل وليس كذلك مثل هذا المسكين الذي يضع اصابعه في اذانه يظن ان الصاعقة تفوته بهذا ووضع الاصبع لا يغني عنه شيئا من هذه الحيثية اذا جاءت الصاعقة وضع اصبعه او لم يضع الامر سيان. فكذلك هذا المنافق الرابع من اوجه المشابهة ان من عادة المنافقين التأخر عن العبادات التي تحصل بها الامور المخوفة كالجهاد في سبيل الله عز وجل فرارا بزعمهم من الموت والقتل. فحالهم هذه تشبه قال من وضع اصبعيه في اذنيه ليتقي الصاعقة لانه كما سبق ايضا ان الرعد على قول بعض اهل العلم هي تلك العبادات الشاقة التي تخالف اهوائهم. مع ان وضع اصابعه في اذانه لا يخلصه ولا ينجيه هكذا قل لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل واذا لا تمتعون الا قليلا والخامس ان هؤلاء الذين يجعلون اصابعهم في اذانهم قد لا تصيبهم صاعقة ليس بسبب وضع الاصبع في الاذن فلا يموتون في تلك الساعة لكن الهلاك واقع بهم لا محالة اينما تكونوا يدرككم الموت قل ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم. فكذلك حال المنافق فهذا الذي يقع منهم لا يخلصهم من عذاب الله تبارك وتعالى الايمان فالنار مأواهم ومثواهم. ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار فصاحب الصير الذي يخاف الصواعق هل سينجو من الموت؟ لا وكذلك هذا المنافق لن ينجوا من عذاب الله عز وجل في الاخرة بحال من الاحوال والسادس من هذه الا وجه ان من هذا حاله فقد بلغ الغاية في الحيرة. اجتمعت عليه انواع الظلمات وهو لا يرى النجوم ليهتدي الى الطريق ويعرف الجهاد ولا يبصر مواضع قدميه. ولا يرى اشياء من المعالم التي يعرفها في طريقه وسيره. فكذلك ايضا هؤلاء من اهل النفاق هم في حيرة في باب دين نسأل الله العافية وهم في غاية الخوف في الدنيا لان هذا المنافق دائما في قلق لا يدري ماذا سيواجه ولو اطلع على نفاقه ماذا ساء يقع له وقلق يخشى ان يكتشف فلا يأمن على نفسه ولا يجد طعما للراحة واما السابع وهو ان المراد من الصيد على القول الذي ذكرناه اولا هو الايمان او القرآن وان الظلمات والرعد والبرق هي الاشياء الشاقة على المنافقين. تكاليف الشاقة صلاة وصيام وما شابه ذلك من هجرة وترك الاهل والوطن والعشيرة واتباع النبي صلى الله عليه وسلم وهم يستنكفون من هذا غاية الاستنكاف فكما ان الانسان يبالغ في الاحتراز عن المطر الصيب الذي هو اشد الاشياء نفعا فيحاول ان يتوقاه بسبب هذه المقارنة من برق ورعد خشية الصواعق فهكذا اهل النفاق يتوقون الايمان ويشق عليهم سماع القرآن. لما يحصل مقارنا لذلك من الامور المزعجة لهم وكما ذكرت من قبل بان من كان في قلبه شيء من النفاق او الضعف او نحو ذلك ولو كان في عداد اهل الايمان في الجملة فانه يشق عليه سماع ما يخالف هواه قد ذكر الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله في كتابه التنكيل وقد افرد هذا الجزء منه بكتاب سمي بالقائد الى تصحيح العقائد ذكر اثر الاهواء في النفوس ومن ذلك ان من كان له هوى في شيء فانه يشق عليه سماع ما يخالف هواه سماع الايات احاديث له هوى في الربا له هوى في الاختلاط امرأة لها هوى في التبرج يشق عليه ان يسمع ما يخالف هواه ويبطله وينقضه فاذا ابتلي بحضور خطبة او محاضرة او درسا تقرر في هذه المعاني ويستدل عليها من نصوص الكتاب والسنة كأن ذلك قاتله او يتأذى من مجرد سماعه. ولربما انفرط صبره فبادر من يتحدث وحاول ان يرد كلامه ولو بالصياح والضجيج وهذا امر معلوم لا يخفى فالهوى يفعل فعله في النفوس فكيف بالنفاق هذا اذا كان مؤمن عنده شيء من الهوى او عنده يشق عليه هذا السماء. كيف اذا كان الانسان منافقا فما ظنكم حينما يسمع نصوص القرآن تذكر الوعد والوعيد وتذكر الاحكام عشاق وتذكر اوصاف المنافقين يوصفهم كانك تنظر اليهم ومنهم ومنهم ومنهم ومنهم ولهذا قيل لسورة براءة المقشقشة والمبعثرة والفاضحة ففضحتهم وبعثرت ما في نفوسهم وهذا من اصعب الاشياء عليهم اذى نهاية الكلام على هذا المثل. واسأل الله تبارك وتعالى ان ينفعنا واياكم بالقرآن العظيم وان يجعله ربيع قلوبنا ونور صدورنا وذهاب احزاننا وجلاء همومنا اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته اناء الليل واطراف النهار على الوجه الذي يرضيك ان نسأل الله عز وجل ان ينفعنا واياكم بالقرآن العظيم وان يجعلنا واياكم هداة مهتدين. اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا وعافي مبتلانا واجعل اخرتنا خيرا من دنيانا. وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه