يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون هذا امر من الله لعباده المؤمنين ان يتقوه حق تقواه. وان يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه. ويستقيموا الى الممات فان من عاش على شيء مات عليه. فمن كان في حال صحته ونشاطه وامكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته. منيبا اليه على الدوام. ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة. وتقوى الله حق تقواه. كما قال ابن مسعود وهو ان يطاع فلا يعصى. ويذكر فلا ينسى ويشكر لا يكفر وهذه الاية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى. واما ما يجب على العبد منها فكما قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جدا. يجمعها فعل ما امر الله به وترك كل ما نهى الله عنه واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعلنوا فالف بين قلوبكم فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تهتدون. ثم امرهم تعالى بما يعينهم على التقوى. وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله وكون دعوة المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين. فان في اجتماع المسلمين على دينهم وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم. وبالاجتماع يتمكنون من كل امر من الامور. ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدوها من التعاون على البر والتقوى. كما ان بالافتراق والتعادي يختل نظامهم. وتنقطع روابطهم. ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوته في نفسه ولو ادى الى الضرر العام ثم ذكرهم تعالى نعمته وامرهم بذكرها. فقال واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء يقتل بعضكم بعضا ويأخذ بعضكم مال بعض. حتى ان القبيلة يعادي بعضهم بعضا. واهل البلد الواحد يقع بينهم التعادي والاقتتال وكانوا في سر عظيم. وهذه حالة العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. فلما بعثه الله وامنوا به واجتمعوا على الاسلام قلوبهم على الايمان. كانوا كالشخص الواحد من تآلف قلوبهم وموالاة بعضهم لبعض. ولهذا قال انقذكم منها. اي قد استحقيتم النار ولم يبق بينكم وبينها الا ان تموتوا فتدخلوها. فانقذكم منها بما من عليكم من الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. كذلك يبين الله لكم اياته ان يوضحها ويفسرها ويبين لكم الحق من الباطل والهدى من الضلال. لعلكم تهتدون بمعرفة الحق والعمل به. وفي هذه الاية ما يدل على ان الله يحب من عباده ان يذكر نعمته بقلوبهم والسنتهم. ليزدادوا شكرا له ومحبة. وليزيدهم من فضله واحسانه. وان من اعظم ما يذكر من نعمه نعمة الهداية الى الاسلام واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. واجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقها امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. واولئك هم المفلحون. اي وليكن منكم ايها المؤمنون الذين من الله عليهم بالايمان والاعتصام بحبله. امة اي جماعة يدعون الى الخير وهو اسم جامع لكل ما يقرب الى الله ويبعد من سخطه. ويأمرون بالمعروف وهو ما عرف بالعقل والشرع حسنه. وينهون عن المنكر وهو ما عرف بالشرع والعقل قبحه. وهذا ارشاد من الله للمؤمنين ان يكون منهم جماعة متصدية للدعوة الى سبيله وارشاد الخلق الى دينه ويدخل في ذلك العلماء المعلمون للدين. والوعاظ الذين يدعون اهل الاديان الى الدخول في دين الاسلام. ويدعون المنحرفين الى الاستقامة والمجاهدون في سبيل الله والمتصدون لتفقد احوال الناس والزامهم بالشرع كالصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من شرائح الاسلام وكتفقد المكاييل والموازين وتفقد اهل الاسواق ومنعهم من الغش والمعاملات الباطلة. وكل هذه الامور من فروض الكفايات كما تدل عليه الاية الكريمة في قوله ولتكن منكم امة. اي لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في هذه الاشياء المذكورة. ومن المعلوم المتقرر ان الامر بالشيء امر به وبما لا يتم الا به. فكل ما تتوقف هذه الاشياء عليه فهو مأمور به. كالاستعداد للجهاد بانواع العدد التي يحصل بها نكاية الاعداء وعز الاسلام. وتعلم العلم الذي يحصل به الدعوة الى الخير وسائلها ومقاصدها. وبناء المدارس للإرشاد والعلم ومساعدة النواب ومعاونتهم على تنفيذ الشرع في الناس بالقول والفعل والمال. وغير ذلك مما تتوقف هذه الامور عليه هذه الطائفة المستعدة للدعوة الى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين. ولهذا قال تعالى عنهم واولئك هم المفلحون الفائزون بالمطلوب الناجون من المرهوب. ثم نهاهم عن التشبه باهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم. فقال كونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ومن العجائب ان اختلافهم من بعد ما جاءهم البينات. الموجبة لعدم التفرق والاختلاف. فهم اولى من غيرهم بالاعتصام بالدين. فعكسوا القضية مع علم بمخالفتهم امر الله فاستحقوا العقاب البليغ. ولهذا قال تعالى واولئك لهم عذاب عظيم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. واما الذين وجوههم ففي رحمة الله. ففي رحمة الله هم فيها خالدون يخبر تعالى عن حال يوم القيامة وما فيه من اثار الجزاء بالعدل والفضل. ويتضمن ذلك الترغيب والترهيب الموجب للخوف والرجاء. فقال يوم تبيض وجوه وهي وجوه اهل السعادة والخير. اهل الائتلاف والاعتصام بحبل الله. وتسود وجوه وهي وجوه اهل الشقاوة والشر اهل الفرقة والاختلاف هؤلاء سدت وجوههم بما في قلوبهم من خزي والهوان والذلة والفضيحة. واولئك بيضت وجوههم لما في قلوبهم من البهجة والسرور والنعيم. والحبور الذي ظهرت اثاره على وجوههم. كما قال الله تعالى ولقاهم نظرة وسرورا. نظرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم. وقال تعالى والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة. كأنما اغشيتهم وجوههم قطعا من الليل مظلمة. اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. واما الذين اسودت وجوههم فيقال لهم على وجه التوبيخ والتقريع اكفرتم بعد ايمانكم؟ اي كيف اثرتم الكفر والضلال على الايمان والهدى؟ وكيف تركتم سبيل الرشاد وسلكتم طريق الغي فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. فليس يليق بكم الا النار. ولا تستحقون الا الخزي والفضيحة والعار. واما الذين ابيضت فيهنئون اكمل تهنئة ويبشرون اعظم بشارة. وذلك انهم يبشرون بدخول الجنات ورضا ربهم ورحمته. ففي رحمة هم فيها خالدون. واذا كانوا خالدين في الرحمة فالجنة اثر من اثار رحمته تعالى. فهم خالدون فيها بما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم في جوار ارحم الراحمين. لما بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الاحكام الامرية والاحكام الجزائية. قال تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين وما الله يريد ظلما للعالمين. تلك ايات الله نتلوها اي نقصها عليك بالحق لان اوامره ونواهيه مشتملة على الحكمة والرحمة. وثوابها وعقابها. كذلك مشتمل على الحكمة والرحمة والعدل الخالي من الظلم هذا قال وما الله يريد ظلما للعالمين. نفى ارادته ظلمهم فضلا عن كونه يفعل ذلك. فلا ينقص احد شيئا من حسناته. ولا في ظلم الظالمين بل يجازيهم باعمالهم فقط. ثم قال تعالى اي هو المالك لما في السماوات وما في الارض الذي خلقهم ورزقهم ثم يتصرف فيهم بقدره وقضائه وفي شرعه وامره واليه يرجعون يوم القيامة فيجازيهم باعمالهم حسنها وسيئها