بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله. نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وانفعه وانفع به يا رب العالمين. قال الامام ابو عبد الله محمد ابن ابي بكر ابن القيم رحمه الله تعالى في الرسالة التبوكية. فصل وبعد حمد الله بمحامده التي هو لها والصلاة والسلام على خاتم انبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وسلم. فان الله سبحانه يقول في كتابه وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب. احسنت. ان الحمد لله. نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا. من يهده الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان نبينا محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه على اله واصحابه وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فاسأل الله تعالى ان ارزقني واياكم العلم النافع والعمل الصالح والاخلاص في القول والعمل كما اسأله سبحانه ان يوفقنا لما يحب ويرضى وان يستعملنا في مراضيه اما بعد فهذا درس معقود لمدارسة وقراءة الرسالة التبوكية الامام العلامة ابن القيم رحمه الله وسنحرص بتوفيق الله وعونه على قراءتها والتعليق عليها خلال الخمسة المجالس القادمة ان شاء الله هذه الرسالة موضوعها في بيان الهجرة الى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فصل المؤلف رحمه الله وبين حقيقة هذه الهجرة التي هي فرض عين على كل مسلم لا ينفك عن هذا الواجب في لحظة من اللحظات انما هو واجب عيني على قدر انفاسه الهجرة الى الله عز وجل بالعبادة والهجرة الى رسوله صلى الله عليه وسلم بالاتباع هذا موضوع هذه الرسالة القيمة وقد كتب هذه الرسالة مؤلفها نصيحة اهداها لبعض اخوانه وكان اذ ذاك في مدينة تبوك ولذا سميت بالتبوكية ارسلها لبعض اخوانه في الشام واراد ان تكون هدية يهديهم اياها فذكر انها لاخوانه ورفقائه في طلب العلم ذكر هذا في اواخر الرسالة وذكر كلمة لطيفة وهي ان احسن هدية يهديها المسلم لاخوانه الكلمة الطيبة او النصيحة وهذا فيه فائدة لنا معشر طلاب العلم وهي انه ينبغي ان تؤسس الصداقة والاخوة في الله على اساس التناصح التعاون على البر والتقوى على ان يحب المسلم لاخيه ما يحب لنفسه ولذا فانه ينصح لاخيه يوجهه يأمره بالحق وينهاه عن الباطل هذا هو الذي ينبغي ان يكون عليه الصاحب مع صاحبه والا فان هذه الصحبة وبال على صاحبها وانظر هدي خير الناس لاصحابه صلى الله عليه وسلم كيف انه قال كما عند ابي داوود لصاحبه معاذ بن جبل رضي الله عنه قال يا معاذ والله اني لاحبك فلا تدعن دبر كل صلاة ان تقول اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك فانظر كيف كان اعظم الناس قياما بحق الاخوة والصحبة والمحبة في الله صلى الله عليه وسلم كيف كان محبا للخير لاصحابه ومن ثمرة ذلك انه كان يهديهم الخير ينصح لهم توجههم الى كل ما ينفعهم عند الله سبحانه وتعالى وعلى هذا السنن درج ابن القيم رحمه الله في هذه الرسالة اراد موعظة اخوانه ونصيحتهم فيما يحتاجونه بل في اهم ما يحتاجونه في سيرهم الى الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة ونحن يا معشر طلاب العلم نحتاج فيما بيننا ان نتخلق بهذا الخلق ان ينصح الانسان لاخوانه وان يتقبل نصيحتهم اليوم مع الاسف الشديد ربما تمر الايام الطويلة ولا يسمع المرء من اخيه نصيحة يوجهه بها ويسدده بها نجد ان المرافقة والملازمة والصحبة كثيرة لكن اقل شيء فيها هذا الامر وهو التناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر مع ان هذا هو سبب النجاة والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر المسلم يحب يحب اخوانه في الله ويريد ان يكون واياهم في اعلى المراتب يحب لنفسه الخير ويحب لاخوانه الخير اذا رأى على اخيه ولو قذاة صغيرة فانه يحب ان ينزه اخاه عنها لا يريد ان يكون اخوه الا في احسن حال وخير حال فاسأل الله جل وعلا ان يعيننا على القيام بهذا الواجب هذه الرسالة التي بين ايدينا بعثها مؤلفها رحمه الله كما يقول راوي هذه الرسالة انه سير هذا الكتاب من تبوك ثامنا محرم سنة ثلاث وثلاثين وسبعمئة يعني قبل وفاته بنحو ثمانية عشر عاما وعمره نحو من اثنتين واربعين سنة رحمه الله و بدأ المؤلف رحمه الله الحمد لله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم ابتدأ هذه الرسالة التذكير بقول الله سبحانه وتعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب المؤلف بدأ او بنى رسالته على تفسير هذه الاية لانها كما ذكر فعل المحرمات وترك الواجبات وكذلك الشأن اذا ذكر العصيان وحده وقل مثل ذلك في المنكر والفاحشة جاء في النصوص جمعهما وينهى عن الفحشاء والمنكر فاذا جمع فان الفحشاء هي ما فحش جامعة لكل خير في الدنيا والاخرة فيما بين العبد والناس وفيما بينهم وبين رب الناس وهذا سيتجلى لك في صفحات واسطر هذه الرسالة. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله وقد اشتملت هذه الاية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم في بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم فان كل عبد لا ينفك من هاتين الحالتين وهذين الواجبين واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق. فاما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والصحبة فالواجب عليه فيها ان يكون اجتماعه به وصحبته لهم تعاونا على مرضات الله وطاعته. التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه. ولا سعادة له الا به وهي البر والتقوى اللذان هما جماعة الدين كله. واذا افرد كل واحد من الاسمين دخل فيه المسمى الاخر. اما تظمنا واما لزوما ودخوله فيه تظمنا اظهر لان البر جزء مسمى التقوى وكذلك التقوى فانه جزء مسمى البر وكون احدهما لا يدخل في الاخر عند الاقتران لا يدل على انه لا يدخل فيه عند الانفراد نعم مر بنا في دروس سالفة ان انواع الدلالات ثلاثة دلالة دلالة المطابقة ودلالة التظمن ودلالة اللزوم والمؤلف رحمه الله يقول ان احد الاسمين البر والتقوى يدخل في الاخر ويفهم منه اما بدلالة التضمن او بدلالة اللزوم وان كان يميل الى ان دخوله فيه بدلالة التظمن اظهر ودلالة التظمن دلالة اللفظ على بعض معناه دلالة اللفظ على بعض معناه اما دلالة اللزوم فانها دلالة اللفظ على امر خارج عنه لا ينفك عنه دلالة اللفظ على امر خارج عنه ولكنه لا ينفك عنه بدأ المؤلف رحمه الله ب بيان ان هذه الاية اشتملت على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم وبين ربهم وبينهم وبين العباد وذلك ان الواجب في المعاشرة بين العباد ان تكون على سبيل التعاون على البر والتقوى والا فانها وبال على اهلها وهذا المعنى سيكرره المؤلف رحمه الله في اثناء هذه الرسالة. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله ونظير هذا لفظ الايمان والاسلام والايمان والعمل الصالح والفقير والمسكين والفسوق والعصيان والمنكر والفاحشة ونظائره كثيرة وهذه قاعدة جليلة من احاط بها زالان اشكالات كثيرة اشكلت على طوائف كثيرة من الناس. ولنذكر من هذا مثالا واحدا به على غيره وهو البر والتقوى. نعم هذه قاعدة مهمة وهي انه في الالفاظ دلالة الاقتران تختلف عن دلالة الانفراد في الالفاظ دلالة الاقتران تختلف عن دلالة الانفراد ومثل لي هذا بامثلة قال رحمه الله ونظير هذا لفظ الايمان والاسلام. نعم الايمان هو الاسلام من حيث ذاتهما اذا اجتمع افترقا واذا افترقا اجتمعا اذا ذكر كل واحد من هذين اللفظين في سياق فانه يدل على ما يدل عليه الاخر اما اذا ذكر في سياق واحد فان الاسلام يفسر بالدين الظاهر والايمان يفسر بالدين الباطن كما دل على هذا حديث جبريل المشهور وكذلك الامر في الايمان والعمل الصالح فان الايمان يشتمل على العمل الصالح لانه قول واعتقاد وعمل وكذلك من العمل الصالح الايمان لكن اذا ذكرا معا فان ذكرى العمل الصالح هو من اه ذكري الخاص بعد العام كما جاء في ايات كثيرة يعطف فيها العمل الصالح على الايمان. ان الذين امنوا وعملوا الصالحات. فهذا من باب عطف الخاص على العام تنبيها على اهميته هذا وجه ووجه اخر عند اهل العلم وهو انه اذا عطف على بعضهما فالايمان هو الدين الباطن والعمل الصالح هو الدين الظاهر. هذان توجيهان عند اهل العلم للنصوص التي جاء فيها ذكر العمل الصالح مع الايمان في سياق واحد يقول والفقير والمسكين كذلك الامر في هاتين الكلمتين الفقير والمسكين اذا ذكر معا فان هاتين الكلمتين تفترقان في في المعنى فالفقير اشد حاجة من المسكين الفقير هو الذي لا يجد شيئا او يكاد ان لا يجد شيئا اما المسكين فانه من يجد ما لا يكفيه واما اذا ذكر كل واحد منهما بانفراد فان احدهما يدل على الاخر وقل مثل ذلك في الفسوق والعصيان اذا جمعا معا كما في قوله تعالى وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان اذا ذكرا معا فان هاتين الكلمتين تفترقان في المعنى فيفسر الفسوق بانه فعل المحرمات ويفسر العصيان بانه ترك الواجبات اما اذا افترقا في السياق فذكر كل لفظ على حدى فان احدهما يدل على ما يدل عليه الاخر. فاذا ذكر الفسوق شمل وغلظ من الذنوب والمعاصي والمنكر هو ما كان دون ذلك واما اذا ذكر المنكر وحده فانه يشمل الصغير والكبير وما فحش وما دونه واذا ذكر الفاحشة او الفحشاء وحدها فالذي تدل عليه موارد النصوص هو ان الفاحشة او الفحشاء انما هي للامر الكبير العظيم الذي فحش وغلظ النهي عنه قال ونظائره كثيرة وهذه قاعدة جليلة نعم ينبغي التنبه اليها وهي الالتفات والاعتبار باختلاف حال الدلالة من حيث الاقتران او الانفراد. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله فان حقيقة البر هو الكمال المطلوب من الشيء والمنافع التي فيه والخير كما يدل عليه اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها في ومنه البر بالضم لكثرة منافعه وخيره بالاضافة الى سائر الحبوب. هذه المادة تدل على الاتساع وهي مادة برأ ويقول المؤلف ومنها البر يعني هذه الحبوب الحنطة والقمح يقول كأنها سميت بذلك لكثرة منافعها والراغب الاصفهاني في المفردات اه يذكر شيئا قريبا من هذا وهي ان البر وهي ان البر سمي برا لاتساع حاجة الناس اليه عاد الامر الى جهة الكثرة والاتساع اما لكثرة الخير والانتفاع واما لكثرة الحاجة والله اعلم نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله ومنه رجل بار وبر وكرام بررة والابرار. فالبر كلمة لجميع انواع الخير والكمال المطلوب من العبد هذا هو البر كلمة جامعة لجميع انواع الخير والكمال المطلوب من العبد او كما قال الراغب في المفردات انها تدل على التوسع في فعل الخير وهذه الكلمة قد تدل على فعل الخير عموما وقد تخص بعض افراده كما في الاحسان الى الخلق ولا سيما الى الوالدين فيقال بر الوالدين وقد تطلق ويراد جميع انواع الخير كما سيأتي فيما يذكر المؤلف رحمه الله اذا كلمة البر في النصوص تأتي مفهوم عام واسع وتأتي بمفهوم خاص وكونها تدل على معنى خاص لا ينفي دلالتها على المعنى العام انما هذا لمزيد تأكيد على هذا الامر نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله وفي مقابلته وفي مقابلته الاثم وفي حديث النواس بن سمعان وفي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له جئت تسأل عن البر والاثم فالاثم كلمة جامعة للشر والعيوب التي يذم العبد به عليها. نعم. كذلك الاثم ينبغي ان تتنبه الى انه جاء في النصوص على معنيين جاء بمعنى الذنب يعني المعصية والمنكر كما ذكر المؤلف رحمه الله جئت تسأل عن البر والاثم يعني الطاعة والمعصية ويطلق الاثم ويراد به ما يلزم على الذنب وهو عقوبته او الذم عليه كما قال تعالى فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه فلا اثم عليه يعني ليس هناك عليه في هذا عقوبة و قل مثل ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم لما خرجه مسلم في الصحيح ومن دعا الى ضلالة كان عليه من الاثم ها مثل اثام من تبعه فهذا جاء بمعنى ما يلزم على الذنب. اذا ما يلزم على الذنب من العقوبة والذنب هو ماذا الاثم والسبب الموصل اليه ايضا اثم فهمنا الذم والعقوبة اثم والسبب الموصل الى ذلك اثم ايضا نعم قال رحمه الله فيدخل في مسمى البر الايمان واجزاؤه الظاهرة والباطنة ولا ريب ان التقوى جزء هذا المعنى هو اكثر ما يعبر واكثر ما عبروا بالبر عن بر القلب وهو وجود طعم الايمان فيه وحلاوته. وما يلزم ذلك من من طمأنينته وسلامته وانشراحه وقوته وفرحه بالايمان ان وقوته وفرحه بالايمان فان للايمان فرحة وحلاوة ولذاذة في القلب. فمن لم يجدها فهو فاقد للايمان او ناقصه. وهو من القسم الذين قال الله عز وجل الذين قال الله عز وجل فيهم قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم فهؤلاء على اصح القولين مسلمون غير منافقين وليسوا بمؤمنين ان لم يدخل الايمان في قلوبهم فيباشرها حقيقته. نعم والصحيح في هذه الاية ان هؤلاء مسلمون غير مؤمنين وليسوا منافقين كما قال طائفة من اهل العلم. هذا القول ليس بصواب لان الله سبحانه وتعالى امر ان يقولوا ولكن قولوا اسلمنا والمنافقون ليسوا مسلمين لا سيما وان الله جل وعلا قد قال ولما يدخل الايمان في قلوبكم فهم ليسوا في هذه الحال او في ذاك الوقت قد بلغوا مرتبة الايمان لكنهم سيبلغونه لانه قال ولما يدخل الايمان في قلوبكم فالصحيح انهم مسلمون لا مؤمنين المقصود بقول المؤلف رحمه الله ليسوا مؤمنين يعني انه ليس معهم الايمان المطلق وان كان معهم مطلق الايمان بمعنى القوم ليسوا فاقدين للايمان بالكلية لو كانوا كذلك لم يكونوا مسلمين انما هم فاقدون لكماله كماله الواجب الذي اوجبه الله سبحانه وتعالى. هؤلاء لم يصلوا اليه. هذه مرتبة آآ ما وصلوا اليها لان الايمان على ثلاث درجات المرتبة الاولى اصله والمرتبة او الدرجة الثانية كماله الواجب والدرجة او المرتبة الثالثة كماله المستحب وهؤلاء قد حصنوا الدرجة الاولى وهي اصل الايمان. فكانوا مسلمين لكنه ما وصلوا الى مرتبة الايمان الواجب فضلا عن ان يكونوا قد وصلوا الى الايمان المستحب. اذا المنفي عنه الايمان المطلق لا مطلق الايمان. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله وقد جمع الله تعالى خصال البر في قوله ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من امن بالله الاخر والملائكة والكتاب والنبيين واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة واتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون. فاخبر سبحانه ان بره والايمان به وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. وهذه هي اصول الايمان الخمس التي لا قوام للايمان الا بها وانه الشرائع الظاهرة من اقامة الصلاة وايتاء الزكاة والنفقات الواجبة. وانه الاعمال القلبية التي هي حقائقه من الصبر والوفاء بالعهد تناولت هذه الخصال جميع اقسام الدين حقائقه وشرائعه والاعمال المتعلقة بالجوارح وبالقلب ووصول الايمان الخمس. ثم اخبر سبحانه ان هذه خصال التقوى بعينها فقال اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون. اذا هذا دليل على ان البر يطلق ويراد به جميع خصال الخير الظاهرة والباطنة وكذلك التقوى لان الله سبحانه وتعالى قال اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله واما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله ايمانا واحتسابا امرا ونهيا فيفعل ما امر الله به ايمانا بالامر تصديقا بموعده ويترك ما نهى الله عنه ايمانا بالنهي وخوفا من وعيده. كما قال طرق ابن حبيب رحمه الله اذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى. قالوا وما التقوى قال ان تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وان تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله وهذه من احسن ما قيل في حد التقوى فان كل عمل لابد له من مبدأ وغاية فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الايمان ويكون الباعث عليه والايمان المحض لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك. بل لابد ان يكون مبدأ محض الايمان وغايته ثواب الله تعالى مرضاته وهو الاحتساب. ولهذا كثيرا ما يقرن بين هذين الاصلين في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم. من صام رمضان ايمانا من صام رمضان ايمانا واحتسابا ومن قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا ونظائره. نعم هذا الكلام الحسن من طلق ابن حبيب رحمه الله وهو احد التابعين بتفسير التقوى وقد صدق المؤلف رحمه الله حينما قال ان هذه او هذا من احسن ما قيل في حد التقوى يقول رحمه الله في تفسير التقوى ان تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وان تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله اذا التقوى فعل الواجبات وترك او فعل الخيرات وترك المنكرات مع شرطين الاول ان يكون القائم بذلك على نور من الله والشرط الثاني ان يكون راجيا ثواب الله اما الشرط الاول وهو ان يكون قائما بذلك على نور من الله فيشمل والله تعالى اعلم ثلاثة امور اولا ان يكون عمله مؤسسا على قاعدة الايمان الصحيح لان الكافر لا قبول لعمله مهما عمل وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا الامر الثاني الذي يشمله قوله على نور من الله ان يعمل بالطاعة وان يكف عن المحرم على علم بشرع الله عز وجل وذلك ان العلم هو النور الذي يستضيء به العبد في طريق سيره الى الله سبحانه وتعالى ومن عبد الله بالجهل فعل وترك بغير علم كان ما يفسد اكثر مما يصلح الامر الثالث الذي يدل عليه قوله على نور من الله ان يكون في ادائه لما احب الله وتركه لما ابغض الله مخلصا لله يريد وجه الله لا رياء ولا سمعة من حقق هذه الامور الثلاثة كان محققا لهذا الشرط وهو انه مؤدن ما احب الله وكافا عن ما ابغض الله وهو كاف عما ابغض الله على نور من الله اما الشرط الثاني فهو ان يكون راجيا ثواب الله وهذا هو المعبر عنه بمثل هذا السياق بالاحتساب الاحتساب الذي جاء في نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم من قام رمظان ايمانا واحتسابا او من صام رمضان ايمانا واحتسابا وما شكل هذه النصوص فالمراد بالاحتساب رجاء ثواب الله الاحتساب رجاء ثواب الله لابد للعبد اثناء قيامه بالعمل ان يكون راجيا ثواب الله عز وجل وبهذا يتحقق ايمانه بصفة الكرم والجود والرحمة من الله العظيم سبحانه وتعالى كما انه يتحقق تصديقه لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وبذلك يكون قائما بعبودية الرجاء التي هي من اعظم الواجبات القلبية على العباد فالعبد اثناء قيامه بالطاعة لابد ان يكون جامعا بين الرجاء والخوف يرجو ان يقبل الله عمله وان يثيبه عليه ما وعد لان الله لا يخلف الميعاد كما انه يخاف ان يرد عليه عمله اما لتقصيره في ادائه او ان يكون هذا عقوبة من الله سبحانه وتعالى له على ذنب سلف منه فالمؤمن في ادائه للطاعات لابد ان يلاحظ هذين الامرين يرجو ثواب الله ويخاف ان يرد عليه عمله. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله فقوله على نور من الله اشارة الى الاصل الاول وهو الايمان الذي هو مصدر العمل والسبب الباعث عليه. وقوله ترجو ثواب الله اشارة الى الاصل الثاني وهو الاحتساب وهو الغاية التي لاجلها يوقع العمل ولها يقصد به. ولا ريب ان هذا جامع لجميع اصول الايمان وفروعه وان البر داخل في هذا المسمى. واما عند اقتران احدهما بالاخر كقوله تعالى عرفنا الان ان كلمتي البر والتقوى اذا افترقتا اجتمعتا اذا افترقتا في السياق اجتمعتا بالمعنى فالبر هو التقوى والتقوى هي البر وكلاهما يعني فعل ما احب الله والكف عما ابغض الله. نعم الان يأتي الكلام عن حال الاقتران بين الكلمتين. نعم. احسن الله اليكم قال رحمه الله واما عند اقتران احدهما بالاخر كقوله تعالى على البر والتقوى فالفرق بينهما فرق بين السبيل المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها. فان البر مطلوب لذاته. اذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح بدونه كما تقدم واما التقوى هي الطريق فهي الطريق الموصلة الى البر والوسيلة اليه. ولفظها يدل على هذا فان فعل لا من وقى يقي وكان اصلها وقوى فقلبوا الواو تاء كما قالوا في تراث من الوراثة وتجاه من الوجه وتخمه من الوسط ونظائره فلفظها دل على انها من الوقاية فان المتقي قد جعل بينه وبين النار وقاية فالوقاية من باب دفع الضرر والبر من باب تحصيل النفع فالتقوى كالحمية برك العافية والصحة. كأن كلام المؤلف رحمه الله يشير الى ان هاتين الكلمتين اذا اجتمعتا فان البر يفسر بفعل الخيرات والتقوى تفسر بترك المنكرات وهذا ما نص عليه جماعة من اهل العلم الحافظ ابن رجب وغيره من اهل العلم ان البر والتقوى اذا اجتمعتا فالبر فعل الخيرات والتقوى الكف عن المنكرات ومن اهل العلم من ذهب الى معنى اخر وهو ان هاتين الكلمتين اذا اجتمعتا فالبر لفظ عام والتقوى لفظ خاص فالبر انما هو فعل الواجبات الكف وعفوا وفعل المندوبات مع الكف عن المحرمات واما التقوى فانها اخص فتدل على فعل الواجبات والكف عن المحرمات ولا يدخل فعل المستحبات في هذه الكلمة ومن اهل العلم من ذهب الى فرق ثالث وهو ان البر معاملة الخلق بالاحسان والتقوى معاملة الحق بالطاعة البر معاملة الخلق بالاحسان والتقوى نعم هذا من الميسر ولكنه لا يقتصر عليه بل كل ما كان مؤديا الى وقوع الباطل من البغضاء والشحناء بين المؤمنين او صد عن ذكر الله وعن الصلاة فانه داخل في معنى معاملة الحق سبحانه بالطاعة ومهما يكن من شيء فالمقام مقام اجتهاد والاقوال ليست ببعيدة عن بعد عن بعضها والعلم عند الله تعالى نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله وهذا باب شريف ينتفع به انتفاع عظيم في فهم الفاظ القرآن ودلالاته ومعرفة حدود ما انزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فانه هو العلم النافع. وقد تم سبحانه في كتابه من ليس له علم بحدود ما انزله على رسوله صلى الله عليه وسلم. نعم. هذا من العلم الذي ينبغي على المسلم ولا سيما على طالب العلم ان يعتني به وهو العلم بحدود ما انزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فهذا حقيقة العلم الذي لا ينبغي التفريط فيه وقد ذم الله عز وجل من لا يعلم هذه الحدود فقال سبحانه الاعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله والعلم بحدود ما انزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يشمل امرين معرفة المعاني والتمييز بين المتشابهات العلم بحدود ما انزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يشمل اولا معرفة المعاني فتعرف هذه المعاني التي جعلها الله سبحانه وتعالى حدودا جعل هذه الالفاظ التي بينها في كتابه وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم حدودا لما يحب ولما ولما لا يحب فيجب ان يعرف العبد ما الصلاة وما الزكاة وما الصوم وما التوحيد وما الخمر؟ وما الميسر ما سوى ذلك من هذه الالفاظ والحدود التي انزلها الله سبحانه وتعالى في كتابه وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم كذلك يعرف او يدرك التمييز بين المتشابهات حتى لا يدخل في الكلمة التي بين الله سبحانه وتعالى وبين لها حكما لا يدخل فيها ما ليس منها كما انه بهذا التمييز لا يخرج منها ما هو داخل فيها وهذا مما يتمايز فيه اهل العلم بالكتاب والسنة بقدر توفيقهم من الله سبحانه وتعالى اخذهم من هذا النور المبين من علم الكتاب والسنة تعظم معرفتهم وعلمهم بحدود ما انزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم. نعم فان عدم احسن الله اليكم قال قال رحمه الله فان عدم العلم بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين. احداهما اي يدخل ان يدخل في مسمى اللفظ ما ليس منه كما له في حكم له بحكم المراد من اللفظ فيسوى بينما فرق الله بينهما. والثانية ان يخرج من مسماه بعض افراده الداخلة تحته فيسلب عنه حكمه فيفرق بينما جمع الله بينهما. وكلا الامرين لا يجوز لا يجوز للعبد ان يسوي بينما فرق الله عز وجل آآ بينه او ان يفرق بينما جمع الله عز وجل بينه. نعم قال رحمه الله والذكي الفطن يتفطن لافراد هذه القاعدة وامثلتها فيرى ان كثيرا من الاختلاف او اكثره انما نشأ عن هذا الموضع وتفصيل هذا لا يفي به كتاب ضخم ومن هذا لفظ الخمر فانه اسم شامل لكل مسك. فلا يجوز اخراج بعظ المسكرات منه وينفى عنها حكمه. نعم يعني بعض اهل العلم خص الخمر بعصير العنب وهذا آآ يرجع الى ضعف العلم بحدود ما انزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم قد بين معنى هذا هذا الامر وهو الخمر بين المعنى بلفظ لا خفاء فيه فقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم كل مسكر خمر فلا يجوز لاحد ان يخرج من هذا الحد شيئا يقول ان ما اسكر كثيره ولا يسكر قليله من مادة غير العنب انها لا تدخل في النصوص التي حرمت الخمر هذا امر لا يجوز نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله وكذلك لفظ الميسر واخراج بعظ انواع القمار منه وكذلك لفظ كذلك الميسر يعني اه الله عز وجل حرمه مع الخمر انما الخمر والميسر والانصاب والازلام ليسوا من عمل الشيطان المؤلف رحمه الله اعتنى تأصيل معنى الميسر وبين ان كثيرا من الناس ما كان عندهم فقه ومعرفة بحدود ما انزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بكلمة الميسر بين في كتابه اعلام الموقعين ان الميسر يعم كل اكل للمال بالباطل ويعم كل ما ادى الى وقوع البغضاء وصد عن ذكر الله كل ذلك يقول داخل في الميسر او ما يسمى بالقمار لا يجوز ان يقتصر على نوع واحد وهو ما رجع الى اكل اموال الناس بالباطل او انواع البيوع التي فيها غرر الميسر ولذلك ناقش مناقشة طويلة في عدد من كتبه في الفروسية وفي اعلام الموقعين في اغاثة اللهفان وفي غيرها تكلم عن الشطرنج وانه داخل في معنى الميسر حتى ولو لم يكن على عوض حتى لو لم يكن على عوض بل انه من حيث هو للعلة المنصوص عليها في الاية فالله عز وجل بين العلة من تحريم الخمر ومن تحريم الميسر وهي ايقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهذا ينطبق تمام الانطباق على على اللعب بهذه اللعبة التي هي الشطرنج المقصود ان المؤلف رحمه الله شديد العناية بتحقيق هذه المصطلحات الشرعية وعلى اي شيء يجب حملها بحيث لا يقصر احد فيدخل في اللفظ ما ليس منه او يقصر من جانب اخر فيخرج منه ما هو ما هو منه. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله وكذلك لفظ النكاح وادخال ما ليس بنكاح في مسماه وكذلك لفظ الربا واخراج بعظ انواعه منه وادخال ما ليس بربا فيه. وكذلك لفظ الظلم والعدل والمعروف والمنكر. ونظائره اكثر من ان تحصى والمقصود احسن المحقق جزاه الله خيرا حينما احال على هذه الرسالة القيمة التي اوصيك يا طالب العلم بقراءتها وهي قاعدة في الاسماء التي علق الله بها الاحكام في المجلد التاسع عشر نبه المؤلف رحمه الله شيخ الاسلام ومن بحر علمه يغترف تلميذه ابن القيم رحمه الله فالمؤلف رحمه الله عفوا شيخ الاسلام في هذه الرسالة نبه على بعض الكلمات التي لو روعي فيها العلم بحدود ما انزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ما وقع كثير من الخلاف فيها ذكر امثلة مهمة يحتاجها طالب العلم من ذلك الحيض ما هو الحيض ومن ذلك الماء ما هو الماء ومن ذلك السفر الذي علق الله عز وجل آآ به احكاما ما هو ذلك و اشياء من هذا القبيل الخف ما هو الذي يمسح عليه الى غير ذلك من هذه الالفاظ التي يقصر فيها بعض الناس فيخرجون منها ما هو داخل في معناها او العكس اما من رزق العلم بحدود ما انزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فانه سيضع كل كلمة في موضعها بلا اه افراط ولا تفريط نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله والمقصود ان المقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم التعاون على البر والتقوى فيعين كل واحد صاحبه على ذلك كعلما وعملا فان العبد وحده لا يستقل بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه فاقتضت حكمة الرب سبحانه ان جعل النوع الانساني قائما بعضه ببعض معينا بعض لبعض. نعم وهذا لا ينكره عاقل والامر كما قال ابن خلدون في مقدمته الانسان مدني بالطبع والمعنى انه لا تتم حياته الا مع بني جنسه لا تتم حياة الانسان وتستقيم الا مع ابناء جنسه فحوائجه لا تلبى الا باعانة من اخوانه من بني جنسه فالناس يحتاج بعضهم لبعض ولابد الناس يحتاج بعضهم لبعض ولابد اذا كيف يجب عليهم ان يتعاشروا بما بين الله سبحانه وهو ان يكونوا متعاونين على البر والتقوى مجتنبين التعاون على الاثم والعدوان. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله ثم قال تعالى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان. والاثم والعدوان في جانب النهي نظير البر والتقوى في جانب الامر. والفرق ما بين الاثم والعدوان فرق ما بين محرم الجنس ومحرم القذف. فالاثم ما كان حراما لجنسه. والعدوان ما حرم الزيادة في قدره وتعدي ما ما اباح الله ومنه نعم هذا هو الفرق بينهما بين هاتين الكلمتين الاثم والعدوان اذا اجتمعت هاتان الكلمتان اما اذا اخترقتا فان احداهما تدل على الاخرى اما اذا اجتمعتا قال فالاثم ما كان حراما لجنسه والعدوان ما حرم الزيادة في قدره ولعل ما في الحاشية اوجه يعني ما حرم لزيادة في قدره وتعدي ما اباح الله منه وهو ما عبر عنه ابن رجب رحمه الله بقوله تجاوزوا ما اذن فيه الى ما نهي عنه تريد بهذا القسم تجاوز ما اذن فيه الى ما نهي عنه. نعم قال رحمه الله فالزنى وشرب الخمر والسرقة ونحوها اثم ونكاح ونكاح الخامسة واستيفاء المجني عليه اكثر من حقه ونحوه عدوان فالعدوان الزنا وشرب الخمر والسرقة الربا ونحو ذلك هذه اثم هي نفسها في انفسها ماذا حرام لا تحل في حال ولا بحال لكن الاصل في النكاح انه ماذا حلال لكن القدر الذي ابيح هو الى اربع ثم بعد ذلك هذه هذه زيادة على القدر المباح وانتقال مما ابيح الى ما حرم فهذا هو العدوان كذلك استيفاء المجني عليه اكثر من حقه اذا جاز للانسان ان يستوفي حقه من غريمه ممن اعتدى عليه اذا كسر له سنا جاز له ان يكسر من غريمه سنا فلو كسرا سنين كان منه العدوان وهكذا بعض الناس اذا قيلت فيه كلمة يجيب اذاعة اذاعة متكاملة والحق انه اذا اعتدي عليك بكلمة ان تستوفي حقك حقك بكلمة بعض الناس الناس اذا اصابه اخر اخر بقرصة فانه يحرق الاخضر واليابس وهذا لا شك انه من العدوان اذا اباح لك الشرع ان تستوفي حقك وحد لك حدا فان مجاوزة ذلك من العدوان وما اقل اهل الانصاف الذين يقفون عند الحد ولا يتجاوزون ما ابيح لهم والله المستعان نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله العدوان هو تعدي حدود الله التي قال فيها تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله اولئك هم الظالمون. وقال في موضع اخر تلك حدود الله فلا تقربوها. اذا نستفيد من هذا ان الواجبة على العبد تجاه حدود الله عز وجل امران احدهما علمي والاخر عملي اما العلمي فان يعلم حدود ما انزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم واما العملي فيقف عند حدود الله بهذا يكون العبد مؤديا للامر الواجب عليه والله اعلم نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله فنهى عن تعديها في اية وعن قربانها في اية. وهذا لان حدوده سبحانه هي النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام ونهاية الشيء تارة تدخل فيه فتكون منه وتارة لا تكون داخلة فيه فيكون لها حكم مقابله. فبالاعتبار الاول نهى عن تعديها وبالاعتبار الثاني نهى عن قربانها قال رحمه الله فصل فهذا حكم العبد فيما بينه وبين الناس هو ان تكون وهو ان تكون مخالطته لهم تعاونا على البر والتقوى علما وعملا. واما حاله فيما بينه وبين الله تعالى هو ايثار طاعته وتجنب معصيته وهو قوله تعالى واتقوا الله. اذا جمعت الاية تنظيم العلاقة فيما بين العبد والناس وفيما بين العبد ورب الناس فالله عز وجل امر بالتعاون على البر والتقوى ونهى عن التعاون على الاثم والعدوان وهذا ينظم علاقة العبد بالناس ثم قال واتقوا الله وهذا ما ينتظم به الحال الصحيحة للعبد مع ربه رب الناس سبحانه وتعالى. نعم قال رحمه الله فارشدت الاية الى ذكر واجب العبد بينه وبين الخلق وواجبه بينه وبين الحق. ولا يتم له اداء الواجب الاول الا بعزل نفسه من الوسط والقيام ذلك والقيام بذلك لمحض النصيحة والاحسان ورعاية الامر. ولا يتم له اداء الواجب الثاني الا باسر الخلق من البين والقيام به لله اخلاص ومحبة وعبودية فينبغي التفطن لهذه الدقيقة التي كل خلل يدخل على العبد في اداء هذين الواجبين انما هو من عدم مراعاتها علما وعملا وهذا هو معنى قول الشيخ عبد القادر قدس الله روحه كن مع الحق بلا خلق ومع الخلق بلا نفس ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط ولم يزل امره فرطا. والمقصود بهذه المقدمة ذكر ما بعدها. نعم هذه فائدة قيمة ولو لم يكن في هذه الرسالة الا هذه النكتة لكانت هذه الرسالة حرية بالقراءة والتأمل يقول المؤلف رحمه الله في هذا النقل القيم العظيم كلمة الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله وهي كلمة عظيمة والمؤلف رحمه الله اعتنى بها واحتفى بها ونقل في غير ما كتاب وشرحها شرحا مقتضبا في كتابه المدارج في مدارج السالكين وبين ان مدار حسن الخلق حسن الخلق مع العباد وحسن الخلق مع ربهم سبحانه مداره على هذه الكلمة وهي ان يكون العبد مع الحق سبحانه بلا خلق وان يكون مع الخلق بلا نفس ما احسن هذا الكلام ان تكون مع الحق سبحانه بلا خلق يعني الا تجعل بينك وبين الله سبحانه وتعالى وسائط في عبادته ومن كان كذلك وحده حق توحيده حقق التوحيد فعبد الله سبحانه وتعالى باخلاص بلا شرك اكبر ولا شرك اصغر لم يرائي ولم يسمع قصد وجه الله سبحانه وتعالى اذا ذكر الله تلاشى عنده كل ما سواه لا يلتفت لغير الله القصد والهمة لا تتوجه الا الى العلي الاعلى سبحانه وتعالى الذي اليه المنتهى وان الى ربك المنتهى هو في هذه الحال لا يلتفت لاحد مهما عظم ومهما كبر شأنه يقينه وكل الذي فوق التراب تراب هذه حاله مع ربه اما مع الخلق فيقول الامام نقلا عن الشيخ عبد القادر رحمه الله قال ومع الخلق بلا نفس يعني مدار هذه الكلمة على عدم رؤية النفس على عدم رؤية النفس بمعنى انه يحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه يحقق قول الله عز وجل ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن كانت هذه حاله هل يتكبر هل يفخر هل يغش هل يمكر هل يحقد هل يرتكب شيئا من الامور التي مرجعها الى رؤية النفس والسعي في حظوظها ولو كان ذلك على حساب القيام بحق الاسلامي والاخوة لا شك انه لن يكون كذلك اذا الموفق هو الذي يكون مع الحق بلا خلق ويكون مع الخلق بلا نفس او كما قال المؤلف رحمه الله هنا ولا يتم الواجب الاول يعني بينه وبين الناس الا بعزل نفسه من الوسط يحب اخوانه ويريد لهم الخير ويهضم حق نفسه ويؤثر على نفسه وبالتالي يكون قد اتى بالحق الواجب عليه فان كثيرا من التفريط والعصيان مرجعه الى رؤية النفس والسعي في حظوظها ولو على سبيل ارتكاب ما حرم الله ولو على سبيل التعدي على الخلق وظلمهم هذا الذي ينبغي ان يلاحظه الانسان لتجعل يا عبد الله هذه الجملة نصب عينيك اعبد الحق بلا خلق وعامل الخلق بلا نفس اسأل الله عز وجل ان يرزقني واياكم التوفيق والسداد والهداية والرشاد والله تعالى اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه اجمعين