طيب لا يقبل الا طيبا ولا يحب الا الطيب فاختار لنبيه صلى الله عليه وسلم الطيب فكان عليه الصلاة والسلام يبقى قوله طيب وعمله طيب وما يرشد اليه طيب فصار اذا هديه اكمل هدي في حال في حق العابد غير الم تعلم غير متصور. لان طالب العلم العامل فانه ما بين طاعة يحمد الله على التوفيق عليها واليها وما بين تفريط يكون معه قلبه في المكتبة الصوتية لمعالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد بن ابراهيم بن عبداللطيف ال الشيخ. التعليق على كتاب زاد المعادن بن القيم رحمه الله ادت الرابع. وعلى اله وصحبه اللهم صلي وسلم قال ابن القيم رحمه الله تعالى والمقصود ان الله سبحانه وتعالى اختار من كل جنس من اجناس المخلوقات اطيبه واختصه لنفسه وارتضاه دون غيره فانه تعالى طيب لا يحب الا الطيب. ولا يقبل من العمل والكلام والصدقة الا الطيب فالطيب من كل شيء هو مختاره تعالى. واما خلقه تعالى فعام للنوعين. وبهذا يعلم عنوان العبد وشقاوته فان الطيب لا يناسبه الا الطيب. ولا يرضى الا به ولا يسكن الا اليه. ولا يطمئن قلبه الا به فله من الكلام الكلم الطيب الذي لا يصعد الى الله تعالى الا هو وهو اشد شيء نفرة عن الفحش في المقال. والتفحش في اللسان والبذاء والكذب والغيبة والنميمة والبهت. وقول بالزور وكل كلام خبيث. وكذلك لا يألف من الاعمال الا اطيبها. وهي الاعمال التي اجتمعت على حسنها الفطر سليمة مع شرائع النبوية وزكتها العقول الصحيحة. فاتفق على حسنها الشرع والعقل والفطرة. مثل ان يعبد الله الله وحده لا يشرك به شيئا ويؤثر مرضاته على هواه ويتحبب اليه جهده وطاقته الى خلقه ما استطاع فيفعل بهم ما يحب ان يفعلوه به ويعاملوه به ويدعهم مما يحب ان يدعوه ومنه وينصحهم بما ينصح به نفسه ويحكم لهم بما يحب ان يحكم لهم به ويحمل اذاهم ولا يحملهم هذا ويكف عن ويكف عن اعراضهم ولا يقابلهم بما نالوه في عرضه. واذا رأى لهم حسنا اذاعه واذا رأى لهم سيئا كتمه ويقيم اعذارهم ما استطاع فيما لا يبطن الشريعة ولا يناقض لله امرا ولا نهيا وله ايضا من الاخلاق اطيبها واذكاها كالحلم والوقار والسكينة والرحمة والصبر والوفاء وسهولة الجانب العريكة والصدق وسلامة الصدر من الغل والغش والحقد والحسد والتواضع وخفض الجناح لاهل الايمان والغلظة على اعداء الله وصيانة الوجه عن بذله وتذلله لغير الله. والعفة والشجاعة والسخط والمروءة وكل وكل خلق اتفقت على حسنه الشرائع والفطر والعقول. وكذلك لا يختار من المطاعم الا اطيبها وهو الحلال الهنيء المريء. الذي يغذي البدن والروح احسن تغذية. مع سلامة العبد من من تبعته وكذلك لا يختار من المناكح الا اطيبها وازكاها. ومن الرائحة الا اطيبها وازكاها ومن الاصحاب والعشراء الا الطيبين منهم. فروحه طيبة وبدنه طيب وخلقه طيب وعمله طيب وكلامه طيب. ومطعمه طيب ومشربه طيب. وملبسه طيب فروحه طيب. وبدنه طيب وخلقه طيب وعمله طيب وكلامه طيب ومطعمه طيب ومشربه طيب وملبسه طيب ومنكحه طيب ومدخله طيب ومخرجه طيب ومنقلبه طيب ومثواه كله طيب. فهذا ممن قال الله تعالى فيه الذين تتوفاهم الملائكة طيبين سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون. ومن الذين يقولوا ومن الذين يقول لهم خزنة سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين. وهذه الفاء تقتضي السببية. اي بسبب اي بسبب بطيبكم ادخلوها. وقال تعالى الخبيثات للخبيثين. والخبيثون للخبيثات. والطيبات والطيبون للطيبات. وقد فسرت الاية بان الكلمات الخبيثات للخبيثين. والكلمات الطيبات وفسرت بان النساء الطيبات للرجال الطيبين والنساء الخبيثات للرجال الخبيثين. وهي ذلك وغيره. فالكلمات والاعمال والنساء الطيبات لمناسبها من الطيبين والكلمات والاعمال والنساء الخبيثة لمناسبها من الخبيثين. فالله سبحانه وتعالى جعل الطيب بحذافير في الجنة وجعل الخبيث بحذافيره في النار. فجعل الدور ثلاثة دارا اخلصت للطيبين وهي فحرام على غير الطيبين. وقد جمعت كل طيب وهي الجنة. ودارا اخلصت للخبيث والخبائث. ولا يدخلن الا الخبيثون وهي النار ودارا امتزج فيها الطيب والخبيث وخلط بينهما وهي هذه الدار ولهذا وقع الابتلاء والمحنة بسبب هذا الامتزاج والاختلاط. وذلك بموجب الحكمة الالهية. فاذا كان يوم معادن الخليقة ميز الله الخبيث من الطيب. فجعل الطيب واهله في دار على حدة لا يخالطهم غير غيرهم وجعل الخبيث واهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم. فعاد الامر الى دارين فقط جنة وهي دار الطيبين والنار وهي دار الخبيثين. وانشأ الله تعالى من اعمال الفريقين ثوابهم وعقابهم فجعل طيبات اقوال هؤلاء واعمالهم واخلاقهم هي عين نعيمهم ولذاتهم انشأ لهم منها اكمل اسباب النعيم والسرور. وجعل خبيثات اقوال الاخرين اعمالهم واخلاقهم. هي عين عذابهم والامهم فانشأ لهم منها اعظم اسباب العقاب والالام. حكمة بالغة وعزة باهرة طاهرة ليري عباده كمال ربوبيته وكمال حكمته وعلمه وعدله ورحمته. وليعلم اعداءه انه هم كانوا هم المفترين الكذابين لا رسله البررة الصادقين. قال الله تعالى واقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت. بل لا وعدا عليه حقا ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ليبين لهم الذي يختلفون فيه. وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين والمقصود ان الله سبحانه وتعالى جعل للسعادة والشقاوة عنوانا يعرفان به. فالسعيد الطيب لا يليق به الا طيب ولا يأتي الا طيبا ولا يصدر منه الا طيب. ولا يلابس الا طيبا. والشقي الخبيث لا يليق به الا الخبيث ولا يأتي الا خبيث ولا يصدر منه الا الخبيث. فالخبيث يتفجر من قلبه الخبث. يتفجر من قلبه الخبث على لسانه وجوارحه. والطيب يتفجر من قلبه الطيب على لسانه وجوارحه. وقد يكون في بمادة فايهما غلب عليه كان من اهلها؟ فان اراد الله به خيرا طهره من المادة الخبيثة قبل الموافقة فيوافيه يوم القيامة مطهرا فلا يحتاج الى تطهيره بالنار فيطهره منها بما يوفقه له من التوبة من التوبة النصوح والحسنات الماحية والمصائب المكفرة حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ويمسك عن الاخر مواد التطهير. فيلقاه يوم القيامة بمادة خبيثة ومادة طيبة وحكمة تعالى تأبى ان يجاوره احد في داره بخبائثه فيدخله النار طهرة له وتصفية وسبكا فاذا خلصت سبيكة ايمانه من الخبث صلح حينئذ لجواره. صلح حينئذ لجواره ومساكنة الطير من عباده واقامة هذا النوع من الناس في النار على حسب سرعة زوال تلك الخبائث منهم وبطئها زوالا وتطهيرا. اسرعهم خروجا. وابطأوهم ابطأهم خروجا. جزاء وفاقا. وما ربك لا من للعبيد. ولما كان المشرك خبيث العنصر خبيث الذات لم لم تطهر النار خبثه. بل لو خرج منها على عاد خبيثا كما كالكلب اذا دخل البحر ثم خرج منه. فلذلك حرم الله تعالى حرم الله تعالى الا على المشرك الجنة. ولما كان المؤمن الطيب المطيب مبرأ من الخبائث. كانت النار حراما عليه. اذ ليس ففيه ما يقتضي تطهيره بها. فسبحان من بهرت حكمته العقول والالباب. وشهدت فطر عباده بانه احكم الحاكمين. ورب العالمين لا اله الا هو. هذا الكلام من اول ولما قرأ الى هذا الموضع المقصود منه بيان الفرق بين الخلق والاختيار وهو متصل بشرح الاية وربك يخلق ما يشاء ويختار. فخلقه سبحانه وتعالى غير اختياره فالخلق يخلق جل وعلا الطيب ويخلق الخبيث يخلق النافع ويخلق الضار بما يوافق حكمته جل وعلا تبارك وتقدس. اما الاختيار فهو جل وعلا طيب لا يختار الا طيبا فيختار سبحانه وتعالى الطيب من الاقوال ويختار الطيب من الاعمال ويختار الطيب من من الاعتقاد اختاروا الطيب من الاعيان والطيب من الاموال لعباده المؤمنين من جهة الشرع. فلم يأذن لهم في الشرع الا بالطيبين فكان عباد الله المؤمنون طيبين اختار لهم جل وعلا الطيب. ومن اختياره جل وعلا ان اختار محمد ابن عبدالله صلى الله عليه وسلم رسولا نبيا خاتم الرسل. والله جل وعلا اعلم حيث يجعل رسالته وجعل محمدا صلى الله عليه وسلم خيرته من خلقه ومعنى ذلك انه اطيب الخلق عليه الصلاة والسلام وقد قال جل وعلا الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات وهذه الاية كما سمعت فيها اوجه من التأويل والاظهر فيها انها عامة. لان الطيب اسم فاعل واسم الفاعل اذا اتى قبلها الاسم الموصول فانه يعم وهنا اسم الفاعل تقدمه الاسم الموصول. فعم كما ذكر لك ابن القيم لان هل هنا في قوله الطيب وفي قوله الطيبون هذه موصولة ليست حرفا حبس موصول كما قال ابن مالك في الالفية هو صفة صريحة صلة ال وكونها بمعرب الافعال قل الصفة الصريحة هي اسم الفاعل واسم المفعول مقصود انه رجح انها عامة. واذا كانت كذلك فكل طيب لعباد الله الطيبين الادلة دلت على ان الطيب يرجعوا الى خمسة اشياء الاول الاعتقاد الثاني القول الثالث العمل الرابع الاعيان الملابسة للذوات البشر او الاعيان التي يستخدمها المرء والخامس المال فهذه خمسة اشياء تكون طيبة وقد تكون خبيثة. فمن جهة الاعتقادات اختار الله جل وعلا لعباده المؤمنين اطيب الاعتقاد واحسنه وابرأه من تنقص الله جل وعلا او من سوء الظن به جل وعلا او من الطعن في حكمته او امره ونهيه. وامر عباده بذلك. فكان اعتقاد ما جاء في الكتاب والسنة هو اطيب الاعتقاد. ولا ذلك الا الارواح الطيبة كذلك الاقوال امر الله جل وعلا باحسن الاقوال. كذلك امر بها النبي عليه الصلاة والسلام وهكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قوله اطيب قول فلم يكن عليه الصلاة والسلام فاحشا ولا بذيئا ولا متكلفا وانما كان يختار من الكلام اطيبه ولهذا قال جل وعلا لعباده وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن ان الشيطان ينزغ بينهم والتي هي احسن هي اطيب ما تجد وكذلك من جهة الافعال اختار الله لعباده المؤمنين اطيب الافعال وكذلك من جهة الاعيان فان الله جل وعلا جعل الاعياد الطيبة للطيبين وذلك جهة الملابس والهيئات الرائحة المنظر ان الله جميل يحب الجمال وكذلك المال فالمال الطيب للطيبين والمال الخبيث للخبيثين فمن كمل هذه الخمسة فجعل اعتقاده طيبا فقوله طيبا وعمله طيبا ولا يستخدم من الاشياء الا الطيب لا يقتني من الاموال الا الطيب خلص طيبه وهكذا كان عليه الصلاة والسلام. وربما خلط شيئا من الخبيث مع فهذا اما شيئا من الخبيث في الاعتقاد واما شيئا من الخبيث في الاقوال واما شيئا من الخبيث في الاعمال او فيما او في الاموال او نحو ذلك. فان كان ذلك الذي اخذه من الخبيث محرما صار الخبيث هنا من جهة شرعية فلا يناسب ان يكون صاحبه من اهل الدار الطيبة وهي الجنة بان الجنة دار طيبة لا تصلح الا فلابد ان يقع على العبد ما يجعله طيبا خالصا يصلح للدار الطيبة فيخلص من الخبيث وهذا الخبيث الذي جاءه من جهة الاعتقاد او القول او العمل او المال او ما شابه ذلك لابد من تخليصه منه اما بمصائب مكفرة في الدنيا او مصائب مكفرة في البرزخ او مصائب مكفرة في عرصات يوم القيامة. او بحسنات ماحية او بدعاء اهل الايمان او بشفاعتهم له او بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له في الاخرة او مغفرة الله جل وعلا له. او تنكيله وعذابه في البرزخ او يوم القيامة المقصود انه باحد هذه العشرة اسباب لابد ان يحصل التطهير. فلا يدخل الجنة الا الطيب ومن كانت فيه مادتان مادة طيبة ومادة تنازعه الى الخبث وعمل عملا سيئا خبيثا وخلط عملا صالحا واخر سيئا. فلابد ان يقع ما يحصل به التطهير وان يخلص للطيب اما مغفرة الله جل وعلا له ابتداء وهذا في حق من مات غير تائب واما ان يحصل له مصائب مكفرة ونحو ذلك حتى تخلص مادته للطير. فيكون اختارا لجوار الله جل وعلا. وهذا هو مراد ابن القيم فيما اورده. فنخلص من هذا الى ان هدي النبي عليه الصلاة والسلام هو الهدي الطيب في اعتقاده وقوله وعمله وهيئته والاعياد التي يحبها والاشياء التي تطيب له وكذلك من جهة الاموال. فكل ذلك طيب. فهديه عليه الصلاة والسلام مختار من الله جل وعلا. والله فمن اراد ان يسلم من التطهير ومن نزع مادة ومن ان تنزع اليه مادة الخبث فعليه بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن كانت عنده مادة ومادة فعليه بملازمة الاستغفار والسرعة في التوبة. عسى الله جل وعلا ان يمن بالتطهير وان يعفو ويتسامح هذه جملة مهمة في كلام ابن القيم عليها مبنى فهم هذا الكتاب واهمية هذا الكتاب العظيم. نعم اللي بعده. ومن ها هنا تعلم اضطرار العباد فوق كل الى معرفة الرسول وما جاء به وتصديقه فيما اخبر به وطاعته فيما امر. فانه لا سبيل الى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الاخرة الا على ايدي الرسل ولا سبيل الى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل الا من جهتهم واسأل رضا الله البتة الا على ايديهم. طيب من الاعمال والاقوال والاخلاق. ليس الا هديهم وما جاءوا فهم الميزان الراجح الذي على اقوالهم واعمالهم واخلاقهم توزن الاقوال. توزن الاقوال والاخلاق والاعمال وبمتابعتهم يتميز اهل الهدى من اهل الضلال. فالضرورة اليهم اعظم من ضرورة البدن الى روحه والعين الى نورها والروح الى حياتها. فاي ضرورة وحاجة فرضت؟ فضرورة العبد وحاجته الى الرسل فوقها بكثير وما ظنك بمن اذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك وصار كالحوت اذا فارق الماء ووضع في المقلاة فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء لما جاء به الرسل كهذه الحال. بل اعظم ولكن لا يحس هذا الا قلب حي وما لجرح بميت ايلام. واذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على كل من نصح نفسه واحب نجاتها وسعادتها ان يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به. ويدخل به في عداد اتباعه وشيعته وحزبه. والناس في هذا بين مستقل ومستكثر بين مستقل ومستكثر ومحروم. والفضل بيد الله يؤسيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم فصل وهذه كلمات يسيرة لا يستغني عن معرفتها من له ادنى همة الى معرفة نبيه صلى الله عليه وسلم سيرته وهديه اقتضاها الخاطر المكدود على عجره وبجره مع البضاعة المزجاة التي لا تنفتح لها ابواب السدد ولا يتنافس فيها المتنافسون مع مع تعليقها في حال السفر للاقامة. والقلب بكل واد منه شعبة قد تفرقت والهمة قد تفرقت شذر مذر. والكتاب مفقود. ومن يفتح باب العلم لمذاكرته معدوم غير وجود قعود العلم النافع الكفيل بالسعادة قد اصبح ذاويا. وربعه قد اوحش من اهله وعاد منهم خاليا فلسان العالم قد ملئ بالغلول مضاربة لغلبة الجاهلين وعادت موارد شفائه وهي معاقبه لكثرة المنحرفين والمحرفين فليس له معول الا على الصبر الجميل وما له ناصر ولا معين الا الله وحده وهو حسبنا ونعم الوكيل بصم في نسبه صلى الله عليه وسلم. هذه آآ خاتمة للمقدمة الطويلة التي قرأناها من اول كتاب الى هذا وهذه المقدمة يعني هذا الموضع الذي قرأناه اشتمل على شيئين الاول ان المسلم بل كل انسان يجب عليه ان يعتقد ان حاجته الى الرسل والى معرفة ما جاءوا به فوق كل حاجة. لان بها لان بهذه المعرفة وما يتبعها من الايمان والعمل متابعة بها حياته الابدية. ولان بها سعادته التي لا تنتهي. فحاجته اليها وضرورته الى ذلك فوق كل ضرورة ومعلوم ان ذلك لا يكون الا بالبحث والعلم البحث عما جاءت به رسل وتعلم ذلك والعلم به ثم العمل. بما جاءوا به. وهذا هو سبب تفضيل طلب العلم على غيره من نوافل العبادات فطلب العلم افضل من صلاة النفل وافضل من طاعات كثيرة من النوافل. وقد اختلف العلماء ما افضل نوافل العبادات؟ والذي عليه المحققون من اهل العلم ان الجهاد هو افضل النوافل والجهاد في القرآن بتعلمه وتعليمه فان هذا افضل من غيره من نوافل العبادات ولهذا جعل طائفة من اهل العلم من محققيهم ان مع طلب العلم هو افضل النوافل وهذا حق لان بطلب العلم تحفظ الشريعة على الناس ولان بطلب العلم ينجو المرء ويعرف ما عليه من الواجبات وماله فان امتثل كان مصيبا وان لم يمتثل رجع واستغفر فيكون استغفاره عن علم بمخالفة وبمعصية وبذنب فيكون اعظم في حقه من استغفار من لا يدري هل نبأ ام لم يذنب ام خالف ام لم يخالف؟ ولهذا الكمال في حق طالب العلم متصور اما بقلق حتى يستغفر ويرجع الى الله جل جلاله. القلب الحي هو الذي يعرف ان طلب العلم والسعي في معرفة ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من حق الله في توحيده و البراءة من الشرك واهله ومن الامتثال للرسول فيما جاء به عليه الصلاة والسلام ان حاجته الى ذلك فوق كل حاجة فلا يكون الا بتعلم وسعة فيه. ولهذا فانهم لا يحس بهذا الا القلب الحي. اما قلوب المريضة او الميتة فان العلم وعدمه عندهم سواء. او علم بعض المعلومات او سمع بعض الفتاوى او اخذ من هنا وهناك وبين التوسع في العلم عندهم لا فرق. وهذا كما قال اوساق ابن القيم من قول كالمتنبي بمئمال جرح بميت ايلام الجرح بالميت لا يؤلمه ولو كان يثعب دما فانه لا يؤلمه لانه ميت ولهذا الله جل وعلا خص الانتفاع بالانذار بالقرآن اعظم الانتفاع بمن كان حيا. حي القلب حي الفؤاد حي الادراك في قوله جل وعلا لتنذر من كان حيا. فالميت لا ينتفع وهكذا الذي ينبغي علينا جميعا الا نسيء الظن بالعلم وبطلبه بل نعرف ان حاجتنا اليه فوق كل حاجة. واذا غفلت عن العلم فكما قال ابن القيم يحس المرء بنفسه وانه كالحوت التي او كالسمك الذي خرج من الماء ويحس بالقلب مضطرب حيران لان مادته وحياته بهذا الماء الطيب وهو فقه الكتاب والسنة ومعرفة كلام اهل العلم عليهما. فاذا فارق ذلك فانه يعطب ويخسر ويحس بقلق وذلك لان النور الذي كان فيه دعا هو في ان يتأخر عنه. والفصل الثاني فيما قرأنا فيه ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى انه او صنف هذا الكتاب فهو كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد وهو في السفر في رحلته الى الحج وليس بين يديه كتاب ولا مرجع ولا مذاكر من طلبة العلم يراجعه فيما يورد. وحال السفر فيها الخاطر والقلب بكل واد منه شعبة الهمة متفرقة شذر مذر الى اخر ما ذكر وهذا صحيح وابن القيم بعد ان رجع من الحج فيما ذكر نظر في هذا الكتاب واصلح منه ما اصلح فاصله الفه وهو في طريقه الى الحج وفي الحج الى ان رجع. والف ايضا كتابا اخر وهو شرح تهذيب السنن للمنذر سنن ابي داوود هذبها المنذري وعلق عليها وشرحها العلامة ابن القيم رحمه الله ولم يكن في تعليقه ذاك مراجعا لكتاب كما نص على ذلك في اخر ذلك الكتاب قال وعملت هذه التعليقات المباحث قبالة الكعبة وليس بين يدي كتاب وهذا ينبئ عن فضل ابن القيم وعن علمه وسعته وحفظه فانه كان رحمه الله من المحققين المدققين الحفاظ رحمه الله تعالى وعجل له المثوبة وجزاه عنا خيرا بما اوضح وبين من تفاصيل ما جاءت به الشريعة لأ هذه راجعة الى قاعدة وهي ان الفضل العام اذا زوحم فانه يقدم عليه الفضل الخاص ولها امثلة مثل قراءة القرآن والاستغفار فان قراءة القرآن فضلها عظيم وله بكل حرف عشر حسنات. ولكن في بعض الاوقات يفضل الاستغفار على قراءة القرآن ويكون ظلم واعظم اجرا وذلك من مثل الاسحار قبل الفجر صلاة الفجر ونحو ذلك لقوله تعالى والمستغفرين بالاسحار. مثل العشر عشرة ذي الحجة فان العمل الصالح فيها احب الى الله جل وعلا حتى من الجهاد قالوا ولا الجهاد يا رسول الله؟ قال ولا الجهاد. الا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء وآآ فلهذا الفضل العام اذا ذكر قد يعارض بفضل اخص بشرف زماني او لشرف مكاني في فضل عليه وجوده في مكان فاضل او وجوده في زمن فاضل. فطلب العلم في مثل ليالي في العشر الاخيرة من ليس فاضلا بل مفضولا. فقيام تلك الليالي والاخبات الى الله فيها والاقبال عليه. والانابة اليه فيما عنده واحياء تلك الليالي هذا افضل لان العبادة فيها افضل من الف شهر ليلة القدر خير منه خلف شهر وهكذا كانت سنة النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة والعلماء. حتى رمظان كان الامام مالك رحمه الله يمتنع عن مجالس التحديث ومجالس العلم في رمضان. ويقبل على تلاوة القرآن التعبد والذكر وما شابه بالك فصل في نسبه صلى الله عليه وسلم وهو خير اهل الارض نسبا على الاطلاق. فلنسبه من الشرف اعلى ذروة. واعداؤه كانوا يشهدون له بذلك. ولهذا شهد له به عدوه اذ ذاك ابو سفيان بين يدي ملك الروم فاشرف القوم قومه واشرف القبائل قبيله واشرف الافخاذ فخذه فهو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النظر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن بن ابن عدنان الى ها هنا معلوم الصحة متفق عليه بين النسابين. ولا خلاف فيه البتة وما فوق عدنان مختلف فيه ولا خلاف بينهم ان عدنان من ولد اسماعيل عليه السلام واسماعيل هو الذبيح على القول الصواب على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم واما القول بانه اسحاق فباطل باكثر من عشرين وجها. وسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية تقدس الله روحه يقول هذا القول انما هو متلقى عن اهل الكتاب. مع انه باطن بنص كتابهم. فان فيه ان الله امر ابراهيم ان يذبح ابنه بكره وفي لفظ وحيله ولا يشك اهل الكتاب مع المسلمين ان اسماعيل هو ذكر اولاده. والذي غر اصحابها اصحاب هذا القول ان في التوراة بايديهم اذبح ابنك اسحاق. قال وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم. لانها تناقض قوله اذبح بكرك وحيدك ولكن اليهود حسدت بني إسماعيل على هذا الشرف وأحب أن يكون لهم وأن يسوقوه إليهم ويجتازون لانفسهم دون العرب ويأبى الله الا ان يجعل فضله لاهله. وكيف يسوغ ان يقال ان الذبيح اسحاق. والله تعالى لقد بشر ام اسحاق به وببنه يعقوب. فقال تعالى عن الملائكة انهم قالوا لابراهيم لما اتوه بالبشرى لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب فمحال ان يبشرها بانه يكون لها ولد ثم يأمر بذبحه. ولا ريب ان يعقوب عليه السلام داخل في البشارة فتناول البشارة لاسحاق ويعقوب في اللفظ واحد. وهذا ظاهر الكلام وسياقه فان قيل لو كان الامر كما ذكرتموه لكان يعقوب مجرورا عطفا على اسحاق. فكانت القراءة ومن وراء اسحاق يعقوب اي ويعقوب من وراء اسحاق. قيل لا يمنع الرفع ان يكون يعقوب مبشرا به لان البشارة قول مخصوص وهي اول خبر سار سار صادق. وقوله تعالى ومن وراء اسحاق يعقوب جملة متضمنة لهذه القيود فتكون بشارة بل حقيقة البشارة هي الجملة الخبرية. ولما كانت البشارة قولا كان موضع هذه الجملة نظبا على الحكاية بالقول كان المعنى وقلنا لها من وراء وقلنا لها من وراء اسحاق يعقوب. والقائل اذا قال بشرت فلانا بقدوم اخيه وثقله في اثره لم يعقل منه الا بشارته بالامرين جميعا هذا مما لا يستريب ذو فهم فيه البتة ثم يضعف الجر امر اخر وهو ضعف قولك مررت بزيد ومن بعده عمرو ولان العاطف يقوم مقام حرف الجر فلا يفصل بينه وبين المجرور. كما لا يفصل بين حرف الجر والمجرور. ويدل عليه ايضا ان الله سبحانه ما ذكر قصة ابراهيم وابنه الذبيحة في سورة الصافات قال فلما اسلما وتله للجبين وناديناه ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين. ان هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم عليه في الاخرين سلام على ابراهيم. كذلك نجزي المحسنين. انه من عبادنا المؤمنين. ثم قال وبشرناه باسحاق نبي من الصالحين فهذه بشارة من الله تعالى له شكرا على صبره على ما امر به. وهذا ظاهر جدا في ان المبشر به غيره الاول بل هو كالنصد فيه فان قيل فالبشارة الثانية وقعت على نبوته اي لما صبر الاب على ما امر به واسلم الولد لامر الله جزاه الله على ذلك بان اعطاه النبوة قيل البشارة وقعت على المجموع على ذاته ووجوده. وان يكون نبيا ولهذا نصب نبيا على الحال المقدر اي مقدرا نبوته فلا يمكن اخراج البشارة ان تقع على الاصل. ثم تخص بالحال التابعة الجارية مجرى الفضلة هذا محال من الكلام بل اذا وقعت البشارة على نبوته فوقوعها على وجوده اولى واحرى وايضا فلا ريب ان الذبيحة كان بمكة. ولذلك جعلت جعلت القرابين يوم النحر بها كما جعل السعي بين الصفا والمروة ورمي الجمال تذكيرا لشأن اسماعيل وامه واقامة لذكر الله ومعلوم ان اسماعيل وامه هما اللذان كانا بمكة دون اسحاق وامه ولهذا اتصل مكان الذبح وزمانه بالبيت الحرام الذي اشترك في بنائه ابراهيم واسماعيل. وكان النحر بمكة من تمام حج البيت الذي كان على يد ابراهيم وابنه اسماعيل زمانا ومكانا. ولو كان الذبح بالشام كما يزعم واهل الكتاب ومن تلقى عنهم لكانت القرابين والنحر بالشاملة بمكة وايضا فان الله سبحانه سمى الذبيح حليما. لانه لا احلم ممن اسلم نفسه للذبح طاعة لربه. ولما ذكر اسحاق سماه عليما فقال تعالى هل اتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين؟ اذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون الى ان قال قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم. وهذا اسحاق بلا ريب لانه امرأته وهي المبشرة به. واما اسماعيل فمن السرية وايضا فانهما بشرا به على الكبر واليأس من الولد وهذا بخلاف اسماعيل فانه ولد قبل ذلك. وايضا فان الله سبحانه اجرى العادة البشرية ان الاولاد احب الوالدين احب الى الوالدين ممن بعده وابراهيم عليه السلام لما سأل ربه وابراهيم عليه السلام لما سأل ربه الولد ووهبه له تعلقت شعبة من قلبه بمحبته. والله تعالى قد اتخذه خليلا. والخلة منصب يقتضي توحيد المحبوب بالمحبة والا يشارك بينه وبين غيره فيها. فلما اخذ الولد شعبة من قلب الوالد جاءت غيرة الخلة تنتزعها من قلب الخليل. فامره بذبح المحبوب. فلما اقدم على ذبحه وكانت محبة الله اعظم ما عنده من محبة الولد خلصت الخلة حينئذ خلصت الخلة حينئذ من شوائب المشاركة. فلم يبق في الذبح مصلحة. اذ كانت المصلحة انما هي في العزم. وتوطين النفس عليه فقد حصل المقصود فنسخ الامر وفدي الذبيح وصدق الخليل الرؤيا وحصل المراد. ومعلوم ان ان هذا الامتحان والاختبار انما حصل عند اول مولود. ولم يكن ليحصل في المولود الاخر دون الاول. فهذا البحث قال فيه ابن القيم رحمه الله هو المقصود منه ان اسماعيل عليه السلام هو الذبيح. هذا قد جاء في حديث رواه بعض اصحاب السير وغيرهم انا ابن الذبيحين يعني اباه هو اسماعيل. وهذا الحديث ضعيف لكن معناه اه صحيح من جهة ان النبي عليه الصلاة والسلام وابن الذبيح اسماعيل وفائدة كون الذبيح اسماعيل ان النبي عليه الصلاة والسلام له فضل الولادة منه لان اسماعيل كان على اثر قصة الذبح قواعد واحكام شرعية كثيرة من الحج والاضاحي هو اشياء تتعلق بذلك. فهذا يدل على ان وراثة دين اسماعيل وابراهيم عليه السلام الاحق بها محمد صلى الله عليه وسلم وايضا من فوائد ذلك ان الخلال الحميدة التي اجتمعت في اسماعيل في قبره وحلمه واستجابته واستسلامه لابيه ان هذه الاحق بها ان تنتقل في ذريته واجتمعت في محمد ابن عبد الله عليه الصلاة والسلام ولهذا لما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام نسبه وقبيلته قال فانا لما قال ان الله اصطفى من مصطفى كنانة من ولد اسماعيل واصطفى قريشا من كنانة الى ان قال فانا خيار من خيار من خيار لا شك ان لدعوة اسماعيل وابراهيم عليهما السلام لمحمد عليه الصلاة والسلام اثر فاذا البحث في هذا لابطال دعوة اليهود بالفظل اولا ثم لاختصاص النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الفضل لان الذبيحة جده لا جد اليهود هذا فيه فضيلة ايضا للعرب لان قصة الذبح تدل على فضل عظيم في اسماعيل