ابن قدامة رحمه الله في بيان الشروط التي تتعلق بالمجتهد. بعد ان انتهى من تعريف جهاد اراد ان يبين لنا ان المجتهد الذي يجتهد في استخراج الاحكام الشرعية له شروط بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الرسول الامين وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد اللهم انا نسألك علما نافعا وعملا صالحا متقبلا اللهم اصلح لنا نياتنا وذرياتنا واحسن ختامنا يا ارحم الراحمين. اما بعد ايها الاخوة. فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا. فالله تعالى في هذه الاية الكريمة يمتن علينا بهذا الدين الكامل واخبر انه اكمل هذا الدين اي جعله كاملا ومن معاني كمال الدين انه لا يحتاج الناس. الى معرفة حكم لاي تصرف من التصرفات او حادثة من الحوادث الا وفي شرع الله تعالى ودينه بيانها وحكمها فالله سبحانه وتعالى اكرمنا بهذا الدين الكامل وكمال الدين يتحقق بامرين. الامر الاول ان ينص هذا الدين وهذه الشريعة على حكم الله تبارك وتعالى في المسألة. مثل قوله تعالى واحل الله البيع وحرم الربا ومثل قوله تعالى يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث. ومثل قوله تعالى فصيام ثلاثة ايام هذه كلها بيانات شرعية بالنص. ولكن احيانا يأتي الشرع ببيان هذه الحوادث واحكامها في شرع الله تبارك وتعالى بما يسمى عند العلماء بالاجتهاد. عن طريق الاجتهاد بمعنى انه لا ينص على حكم المسألة ولكنه يدل على حكمها اما بالادلة العامة او بالقواعد الكلية قياس ونحو ذلك وهذا النوع من البيان هو الذي يتعلق به موضوع الاجتهاد والتقليد وهذا الاجتهاد ايها الاخوة ليس كلأ مباحا لكل احد وليس هو ضربا من الفوضى بحيث يجتهد الانسان في هذه المسائل وهذه الحوادث دون منهج واضح. ودون قواعد واضحة ودون ضوابط قيمة وانما الاجتهاد الذي جاء به الشرع هو الاجتهاد الذي يقوم على الضوابط العلمية وعلى القيود الشرعية وهذه الضوابط والقيود هي التي اجتهد الاصوليون في بيانها. وتحديدها لان الاجتهاد اذا لم ينطلق من هذه القواعد والاصول فانه سيتحول الى فوضى وتضطرب مناهج الفتيا وبيان الاحكام. ولكن الشريعة جاءت بضبط هذه القواعد وهذه امور بحيث يكون الفتيا وبيان الاحكام الشرعية والاجتهاد قائما على اصول راسخة وقواعد ثابتة توصل الانسان الى معرفة مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ومن هنا وقع اختيار القائمين على هذه الدورة على دراسة هذا الموضوع الاجتهاد والتقليد من خلال كتاب روضة الناظر للامام ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى فنبدأ بسم الله بقراءة المتن والتعليق على ما يحتاج الى تعليق. اتفضل يا اخي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين قال الامام رحمه الله تعالى وغفر له ولكم نصر في حكم المجتهد. اعلم ان الاجتهاد في اللغة بذل واستقرار الوسع في فعله. ولا يستعمل الا فيما فيه جهد. يقال اجتهد في الرحى ولا يقال اجتهد في حمل خردلة. وهو في عرف الفقهاء مخصوص ببذل المجهود في العلم باحكام الشرع اجتهاد التام ان يبذل الوسع في الطلب الى ان يحس من نفسه بالعجز عن مزيد طلب. هذا فصل يقول فيه المؤلف رحمه الله فصل في حكم المجتهد. وفي بعض النسخ سماه بابا وفي بعض النسخ ما هو كتابا في الاجتهاد؟ فهذا الفصل يتحدث فيه عن الاجتهاد واحكامه وبالذات عن الركن الاول من اركان الاجتهاد وهو المجتهد. الذي يعتبر الاساس في عملية الاجتهاد. واول ما بدأ لان الحكم على الشيء فرع عن تصوره. والمجتهد مشتق من الاجتهاد. لان المصدر هو اصل في لغة العرب. فبدأ بتعريف الاجتهاد. وبدأ في تعريف الاجتهاد بالتعريف اللغوي لان اللغة سابقة على الشرع وجود اللغة سابق على وجود الشرائع وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه وفهم المعنى اللغوي يعين على فهم المعنى الشرعي. لان الشرع في الاصطلاحات الشرعية انما لاحظ المعاني اللغوية. لاحظ هذه المعاني ثم زاد عليها قيودا تدل على معنى مخصوص جاء به الشرع لكن هذا المعنى المخصوص ليس منقطعا عن المعنى اللغوي بل هو مرتبط به. فلهذا بدأ بتعريف الاجتهاد. فقال اعلم ان الاجتهاد في اللغة بذل المجهود افراغ الوسع في فعل. ولا يستعمل الا فيما فيه جهد. فالاجتهاد في اللغة اذا هو افتعال من الجهد او الجهد بفتح الجيم وضمها ايضا كما قال تعالى جهد ايمانهم. وكما قال في الاية الاخرى ولا يجدون الا جهدهم والذين لا يجدون الا جهدهم فيأتي بالضم ويأتي بالفتح. ومعناهما في آآ لغة العرب هو الطاقة والوسع والمشقة. وان كان بعض اهل اللغة يفرق بينهما فيجعل الضم للطاقة والوسع ويجعل الفتح اي الجهد للمشقة. ولكن المشهور اطلاق الضم والفتح على هذه المعاني وهي الجهد والوسع والمشقة. والطاقة فكل المعاني مما يطلق عليه لفظ الجهد او الجهد. ثم اشار الى ان هذا اللفظ في لغة العرب انما يطلق على الفعل الذي فيه مشقة اما الفعل الذي لا مشقة فيه فانه لا يطلق عليه لفظ الاجتهاد لماذا؟ لان الاجتهاد كما عرفنا مأخوذ من الجهد او الجهد وهو يأتي بمعنى المشقة وبالتالي ندرك ان كلمة الاجتهاد في اللغة تختص بما فيه مشقة بالفعل الذي فيه مشقة. ولهذا ضرب مثلا بقوله يقال اجتهد فلان في حمل الصخرة. ولا يقال اجتهد فلان في حملي خردلة لان حمل الخردل لا مشقة فيه. انما المشقة في حمل الصخرة. اجتهد فلان في الاثقال لكن لا يقال اجتهد فلان في حمل القلم مثلا او في حمل الابرة هذا اللفظ من حيث اللغة يختص بالفعل بالفعل الشاق. بالفعل الشاق. وهو يدل ايضا على ان الاجتهاد في الشريعة ايضا ليس امرا سهلا. وانما هو امر يتطلب مواصفات معينة ويقتضي زائدا. ولهذا القرآن الكريم استعمل لفظ الاستنباط ايضا. لعلمه الذين يستنبطونه منه وقال يستخرجونه لان الاستنباط في لغة العرب يدل على المشقة. استنباطه استخراج الماء من الارض واستخراج الماء من اعماق الارض ليس بالامر السهل وانما يحتاج الى تعب ومشقة والة ووقت فالاجتهاد في المعنى الشرعي ليس امرا سهلا كما انه في المعنى اللغوي يدل على وجود وشقة فيه وقال هو بذل المجهود واستفراغ الوسع في فعل. لكن اذا قرأنا ما بعده ندرك انه يقصد في فعل شاق. في فعل شاق لان الاجتهاد لا يطلق الا على الفعل الذي فيه مشقة ثم قال وهو في عرف الفقهاء. انتقل الى التعريف الاصطلاحي الذي تعارف عليه الفقهاء وكما تلاحظون ان هناك فرقا بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي. فالتعريف اللغوي اعم من التعريف الاصطلاحي. لان التعريف اللغوي يطلق على بذل المجهود في اي فعل من الافعال الشاقة سواء كان استنباطا للحكم ام حملا لصخرة ام نحو ذلك من الافعال الشاقة؟ ولكنه في الاصطلاح الفقهي يختص ببذل المجهود في استخراج الحكم الشرعي. في استنباط الحكم كم الشرعي فهو اخص منه بهذا الاعتبار. ان الاجتهاد في اللغة عام في كل فعل في في كل فعل مشى ولكنه في الاصطلاح خاص باستنباط الحكم الشرعي فقط. وبالتالي بذل الجهد باستخراج حكمي لغوي او حكم عقلي او حكم حسي لا يسمى اجتهادا في اصطلاح الاصول والفقهاء. فالاجتهاد عندهم مصطلح يختص باستخراج الحكم الشرعي. فاذا كان الجهد مبذول لاستخراج حكم لغوي او عقلي او حسي فانه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح ثم بعد ذلك قالوا والاجتهاد التام ان يبذل الوسع في الطلب الى ان يحس من نفسه بالعجز عن مزيد الطلب. يشير ابن قدامة رحمه الله الى ان الاجتهاد درجات وكل درجة تختلف عن الدرجة الاخرى. فهناك اجتهاد تام ويفهم منه ان هناك اجتهادا ناقصا اجتهاد تام واجتهاد غير تام. ما هو الاجتهاد التام؟ قال الاجتهاد التام هو ان يبذل الفقيه الوسع والجهد والطاقة الى ان يحس من نفسه العجز عن المزيد يحس انه وصل الى النهاية وانه لا مجال لزيادة البحث في هذه القضية هذا هو الاجتهاد التام. فيفهم من هذا ان الاجتهاد غير التام والاجتهاد الناقص هو ان يبذل الفقيه الوسع والطاقة والجهد ولكن دون ان يصل الى حد الاحسان بالعجز عن مزيد من الطلب. وهذا ايضا على مراتب. فاذا اكتفى بالظن الغالب يعني بحث الى ان غلب على ظنه ان هذا هو حكم الله في المسألة. فهذا عند العلماء اثن في الاجتهاد. يعني الوصول الى حد الشعور بالعجز عن اي زيادة في البحث هذا ليس واجبا لو اجتهد ووصل الى درجة غلبة الظن بان هذا هو حكم الشرع مع احساسه بان هناك مجالا لزيادة البحث فهذا ليس بواجب عليه. لان الظن الغالب يكفي في الاحكام الشرعية. الظن الغالب كاف في الاحكام الشرعية وغالب الظن في الاسقاط كفى وفي التوجه لدى من عرف. ويمثل العلماء هذا الاجتهاد واختلاف مراتبه بالشخص الذي ضيع دراهم في الارض فبعض الناس يقولون قد يكتفي بالبحث برجله. يفتش هكذا برجله ما وجد شيئا فمضى وترك والاخر لا صار يفتش بيديه والثالث جاء بغربال وصار يضع التراب في هذا الغربال حتى ليستخرج الدراهم التي ضاعت. فاذا البحث والتفتيش له مراتب ودرجات. هكذا اجتهاد الفقهاء اجتهاد الفقهاء ليس على درجة واحدة. ولكن الضابط والحد المطلوب الذي يكتفى به في الاجتهاد الشرعي هو غلبة الظن بان هذا هو الحكم الشرعي. فاذا غلب على ظنه ان هذا هو حكم الله في المسألة فهذا كاف في الاجتهاد. لكن افضل منه واحسن هو الاجتهاد التام الذي اشار اليه من قدامى وهو ان يبذل الفقيه جهده ووسعه حتى يحس من نفسه العجز عن الزيادة في البحث. فهذا هو الاكمل وهذا هو الافضل في الاجتهاد. نعم. وشرط المجتهد احاطته بمدارك الاحكام المثمرة لها. وهي الاصول التي فصلناها. الكتاب والسنة والاجماع واستصحاب والقياس التابع لها وما يعتبر في الحكم في الجملة وتقديم ما يجب تقديمه منها. وشرط المجتهد شرع والشرط كما عرفتم في آآ علم اصول الفقه هو ما يلزم من عدمه العدم. ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاتي ما يلزم من عدمه العدم بمعنى ان هذا الشرط اذا تخلف فان الاجتهاد لا يعتبر اجتهادا صحيحا وبالتالي ندرك اذا ان الاجتهاد ليس متاحا لكل احد الاجتهاد في الشريعة واستنباط الاحكام الشرعية ليس كلأ مباحا لكل احد. وانما هو عمل شخص اجتمعت فيه هذه الشروط الشرعية وهذا ليس من باب الاحتكار والوصاية كما يقول بعض الجاهلين. لكن هذا من باب الاختصاص ومن باب احترام التخصص. كما انه لا يصح لاي شخص ان يزاول الطب. ولاي شخص ان الهندسة والبناء فكذلك من باب اولى. ليس لكل احد ان يفتي وليس لكل احد ان يجتهد في استنباط الاحكام الشرعية. فهذا من باب الاختصاص المبني على شروط محددة. من توافرت فيه هذه الشروط جاز له جاز له الاجتهاد فليس هو من باب الوصاية والاحتكار وحجب الناس عن الفهم والاستدلال ولكن هو باب احترام الاختصاص وتنظيم هذا العمل حتى لا يبقى فوضى. كما ايضا في المجال القانوني يعني في الدراسات القانونية ليس كل احد آآ يشرح المادة القانونية ويجتهد فيها ويطبقها ويفسرها وانما حتى المواد القانونية لها اصحابها الذين يحق لهم ان يجتهدوا في تفسير هذه اللوائح القانونية. كذلك نحن في في الشريعة ليس كل احد يجتهد وليس كل احد يملك حق التفسير لهذه النصوص. فقال وشرط المجتهد شرطه الاعظم. شرط المجتهد الاعظم قال احاطته بمدارك الاحكام المثمرة لها بمعنى معرفته بالادلة التي تدرك من خلالها الاحكام الشرعية. ما هي هذه الادلة التي تدرك منها الاحكام قال لك هي الاصول التي فصلناها الكتاب والسنة والاجماع واستصحاب الحال والقياس الى اخره الشرط الاعظم في المجتهد هو احاطته بالادلة التي من خلالها تستنبط الاحكام الشرعية وتعرف وبالتالي كل من لم يعلم ولم يعرف هذه المدارك وهذه الادلة فلا يجوز له الاجتهاد. لماذا؟ لانه قول على الله بغير علم. الذي لا يعرف الادلة الشرعية ثم يجتهد فهو يقول على الله بغير علم وهذا مما حرمه الله في كتابه قل انما حرم ربي الفواحش الى ان قال وان تقولوا على الله ما لا تعلمون. ولا تقف ما ليس لك به علم. فهذا هو الشرط الذي ذكره المؤلف رحمه الله في المجتهد بمدارك الاحكام. وهو وهو اختار كلمة الاحاطة للاشارة الى التمكن ما قال مجرد العلم بكذا او المعرفة لكن قال الاحاطة الاحاطة اخص من المعرفة. هي معرفة شاملة مستوعبة لهذه الادلة الشرعية. نعم فاما العدالة فليست شرطا لكونه مجتهدا. بل متى كان عالما بما ذكرناه فله ان يأخذ باجتهاد نفسه. لكنها اشرط لجواز الاعتماد على قوله فمن ليس عدلا لا تقبل فتياه. بعد ذلك اشار الى وصف اخر اشترطه بعض العلماء بحيث لا نقبل اجتهاد المجتهد الا اذا كان عدلا. والعدالة هي فعل الواجبات واجتناب المحرم ماتوا خوارم المروءة فهل هذه العدالة شرط في المجتهد؟ مثل الاحاطة بمدارك الاحكام؟ فذكر المؤلف رحمه الله ان عدالة ليست شرطا في المجتهد. وهذا مذهب جمهور اهل العلم. ان العدالة لا تشترط في الاجتهاد بمعنى ان الاجتهاد يصح ويقع من العالم بمدارك الاحكام سواء كان لن امكن فاسقا فاجتهاده صحيح. وبالتالي يجوز له اي للمجتهد نفسه الفاسق ان يأخذ باجتهاده الذي توصل اليه. ولكن غيره من الناس كما ذكر المؤلف غيره من الناس ليس له ان يأخذ باجتهاد العالم الفاسق اذا كان مجتهدا لكنه ابتلي بالفسق فانه لا يجوز للاخرين ان يأخذوا به لماذا؟ لانه الخبر كما ان خبر الفاسق لا يقبل اذا جاءنا الفاسق وقال قال رسول الله كذا فالاصل لا يقبل هذا الخبر يا ايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا. فيجب التثبت فيه. فكذلك هذا المجتهد عندما يقول قام الدليل على هذه المسألة كذا او حكم الله في المسألة كذا فهو يخبر عن الشرع. يخبر عن الشرع بحكم وما دام انه خبر فالاصل التثبت في خبره وعدم قبوله. فالعدالة اذا عند جمهور اهل العلم ليست شرطا في المجتهد في الاجتهاد. فالاجتهاد صحيح متى توافرت شروطه واحاط هذا العالم بمدارك الاحكام الشرعية وبالتالي له ان يأخذ بما اداه اليه اجتهاده في هذه المسألة. ولكن لا يأخذ الناس بفتياه وبقوله في هذه المسألة لانه من قبيل الخبر وقبول الخبر يشترط فيه العدالة كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه