الحمد لله رب العالمين نحمده جل وعلا على نعمه وتوفيقه وهدايته ونسأله المزيد من فضله واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه واتباعه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين اما بعد فهذا هو الدرس الثاني من دروسنا بتفسير سورة الحج لعل الله جل وعلا ان ينيلنا بفضله فهمها ومعرفة شيء من احكامها فلنستمع الايات اولا من هذه السورة من الشيطان الرجيم ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى على كتاب منيب. ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في يا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق. ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد. ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمأن به. وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة. ذلك هو الخسران المبين يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه. ذلك هو الضلال من بعيد يدعو لمن ضره اقرب من نفعه بئس المولى ولبئس العشير. ان الله يدخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار ان الله يفعل ما يريد. من كان يظن ان لن ينظر انصره الله في الدنيا والآخرة. فليمدد بسبب الى السماء ثم من يقطع فلينظر هل يذهبن كيدهما يغيب وكذلك انزلناه آيات بينات ان الله يهدي من يريد يذكر الله جل وعلا في هذه الايات تقسيم الناس وذكر انواعهم فانه لما وجه الخطاب في اول السورة الى الناس عموما بتقوى الله. وتحذيرهم من يوم القيامة واهواله. وبين لهم ان انهم قد خلقوا جميعا من هذه الاشياء البسيطة اليسيرة ذكر انواعهم واقسامهم. فهناك اهل الباطل وينقسمون الى قسمين تابعون يتبعون غيرهم. وهم المذكورون في قوله تعالى ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع ويتبع كل شيطان مريد. فهؤلاء تابعون لغيرهم مقلدون والقسم الثاني منهم في قوله ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير فهؤلاء صفة لهم اربع صفات رئيسية الاولى عدم استنادهم الى دليل صحيح يصح لهم ان يستدلوا به والثاني اي ان لديهم من التكبر واحتقار اهل الحق واستنقاصهم والثالثة ما يوليه الله عز وجل عليهم من العقوبات الدنيوية والرابعة ان لهم العذاب الشديد يوم القيامة فقال سبحانه ومن الناس يعني يوجد طائفة من الناس يجادل في الله اي يخاصم ويناقش في قضية اساسية سواء في وجود الله او في وجوب افراده بالعبادة وعدم صرف شيء من العبادات لغير الله. واذا نظرت لم تجد عنده وادنى درجات العلم فليس لديه دليل صحيح يتمكن به من الوصول الى الحق وانما اهي شبهات ومن ثم ليس عنده هدى يسير عليه ولا يهتدي بهدي من قبله من اهل الحق. وليس لديه كتاب ينير له الطريق ويوضح له ما يكون سببا لنجاته ومن صفته انه متكبر على الخلق. ولذا تجده ثاني عطفه اي يقوم بلي استهزاء وسخرية وتكبرا ومقصوده من ذلك ان ان ينقص من من قيمة دعاة الحق فتجده يتكلم في دعاة الحق من اجل ان يصد الناس عن الحق وليس مراده مجرد الحديث في اولئك الدعاة. وانما مراده ان يمنع الناس من انقيادي للحق والهدى وحينئذ من كان هذه من كان على هذه الطريقة فسيجعل الله عز وجل له عقوبة دنيوية الا وهي الخزي والذل والنقصان افتظاح عند الخلق وانظري الى دعاة الباطل تجد انهم لم يقودوا من تبعهم الا الى خسارة وذل وفوات منافع دنيا اما في الاخرة فاستمع لقوله تعالى ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق اي في يوم القيامة يأتيه عذاب محرق شديد وهو لم يأته الا جزء من ذلك العذاب وهذه العقوبات الدنيوية والاخروية ليست ظلما من الله وانما هي بعدل منه سبحانه مجازاة له على ما اداه من اعمال. فعندما تنزل الاوبئة والامراض بالعباد او تنزل بهم المصائب فلا يظنوا ان هذا من ظلم الله بهم. بل عندهم من الاعمال والمخالفات والمعارضة لشرع الله ما كان سببا لنزول تلك العقوبات الدنيوية بهم. ولذا يقال لهم على جهة التبكيت لهم هذا لا بالذي واجهتموه بما قدمت يداك اي انت السبب في هذا العذاب الذي طل اليك فان الله جل وعلا لا يلحق عذابا ولا عقابا باحد على جهة الظلم له كيف وهم عبيدون مربوبون لله هو الذي خلقهم بل له عليهم من النعم والخيرات الشيء الكثير ثم ذكر الله جل وعلا تقسيما اخر لاولئك الذين يظهرون الايمان وهؤلاء على قسمين قسم ثابت مستقر على يقين من حاله له النجاة والفوز في الدنيا والاخرة. وقسم متذبذب ادنى ما يأتيه يغيره ويقلب حاله انظر للقسم الاول واقول سبحانه ومن الناس من يعبد الله على حرفا. اي هناك طائفة من الناس وان عبدوا الله لكنهم على تردد وشك وطرف في عبادتهم وحينئذ ان اصابه خير اطمأن به. اي اذا جاءه شيء من امور الدنيا جعله يستمر في هذه العبادات لكنه ان جاءته فتنة سواء شبهات تفتنه او جاءه شيء من نقصان الدنيا فحينئذ ينقلب على وجهه وان اصابته فتنة سواء من الشكوك والشبهات او من مصائب الدنيا كالامراض والفقر ونقص الدنيا فحينئذ سيترك طريقة اهل الايمان وينقلب الى ان يكون مع اولئك الذين يجحدون نعمة الله ويجزعون من قدر فتكون عاقبتهم وقيمة. الا وهي خسران الدنيا والاخرة. فان اعراض الانسان عن ربه بسبب نقصان معيشته لن يجعله يحصل على شيء من الدنيا فان الله جل وعلا فان الله جل وعلا هو الذي يعطي الدنيا سبحانه وتعالى. وتبعيته لدعاة لواء الشر لن تجعلهم يوصلون اليه شيئا من امور الدنيا التي ينتفع بها دقيقة وكذلك خسر الاخرة لكونه انقلب على وجهه وترك طريقة اهله الايمان ومن ثم كان هذا الخسران الذي خسر به صاحبه نعيم الدنيا والاخرة هو الخسران الواضح البين الذي لا مرية فيه لماذا؟ لانه ترك التوجه الى الله وتوجه الى المخلوقين سواء كانوا من سواء كانوا من الاحياء او من الجمادات يدعو من دون الله اي يطلب حوائجه ويأمل قضاء مراده من خلق مربوبين قد خلقهم الله. ليس الضر ولا النفع بايديهم وحينئذ نعلم ان من كان هذا حاله فهو على الضلال البعيد. اي انه سيبتعد بعدا كبيرا عن الحق والهدى يدعو لمن ظره اقرب من نفعه. هذه المعبودات وهذه المخلوقات لا يصح ان نتوجه لها بحوائجنا. فان هذه المخلوقات لا تنفع نفسها بل ان التوجه اليها مضر يلحق الظرر بالانسان. وحينئذ من كان كذلك لبئس المولى اي ان من يتولاه ويجعل اموره عنده على حال سيئة يسيء بها ويسوء بها اه ولبئس العشير اي ان من يعاشر ويناصر على حال سيئة فانه لم ينصر نفسه له حتى ينصر غيره ثم ذكر الله جل وعلا القسم الاخر اهل الايمان الذين هم مطمئنون على ايمانهم وعندهم اليقين فهؤلاء يبشروا بخيري الدنيا والاخرة. فقال سبحانه ان الله يدخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنات اي مواطن نعيم فيها من انواع الخيرات والاشر جار ما غطى بعضها بعضها الاخر تجري من تحتها الانهار. اي انواع الانهار من المياه والعسل واللبن والخمر ان الله يفعل ما يريد عندهم من القصور والخيرات وذلك من رحمة رب العزة والجلال. الذي اذا اراد شيئا فانه افعله بدون ان يكون عاجزا عن اي فعل يريده ثم قال تعالى من كان يظن ان لن ينصره الله في الدنيا والاخرة اي الطوائف الاولى التي تظن ان الله لن ينصرها وعندها جدال في الله فهؤلاء لينظروا في حالهم وليعلموا بانهم لن يتمكنوا من الوصول الى نتيجة تسرهم وتكونوا سبب نعيمهم. وما عندهم من الكيد لن يصلوا به لسعادة لهم في الدنيا والاخرة ومن معنى الاية ان من كان يظن ان لن ينصر الله المؤمنين ان من كان يظن ويعتقد ان الله لن ينصر العبد المؤمن الذي يدخله الله في الجنة ولان الله لن ينصره في الدنيا والاخرة فحينئذ لي ليقم بسد ابواب السماء التي تنزل منها الخيرات والبركات. فيقوم بوضع حبل ويمد ثم حتى يصل الى ابواب السماء فيقوم بسدها وبالتالي لينظر هل يصل الى ذلك وهل يتمكن بكيده وبما لديه من المكر وبما لديه من الخطط السرية ان يقوم شفاء غيظ نفسه بعدم وصول الخير الذي اراده الله لعباده المؤمنين ومن اولى من يكون كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن كان يظن ان الله لن ينصر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والاخرة فحين اذ ليقم بمد حبل الى سقف بيته ثم ليختنق به بقطع نفسه عن الارض. وبالتالي لينظر هل هذا الكيد الذي فعله اذهب ما في نفسه من الغيظ وحينئذ هذا وعد من رب العزة والجلال لنبيه صلى الله عليه وسلم بان الله سينصره وسيؤيده وسيبطل كيد اعداءه. وقد وجدنا ذلك جليا واضحا مهما كاد اعداء هذا النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه فانه لا يعود كيدهم الا عليهم وما في نفوسهم من غيظ لم يتمكن كيدهم من ازالته بتحقيق مرادهم بعدم نصر الله لهم في الدنيا والاخرة. واذا نظرنا في التاريخ ايضا وجدنا ان الله جل وعلا بفضله واحسانه ينصر اولياءه المؤمنين. قد يرتب عليهم بعضا والمصائب اول الامر بحكم يراها سبحانه. لكن تكون العاقبة لهم وذلك من فظل رب العزة والجلال ثم قال تعالى وكذلك انزلناه ايات بينات. اي ان هذا القرآن العظيم قد انزله الله من عنده بما يشتمل على الدلائل والبراهين الواضحة البينة التي فيها عبرة للمعتبرين وفيها رشاد للمسترشدين ولكن الهداية من عند الله سبحانه وتعالى يوفق من شاء من عباده لسلوك طريق الهداية بفظله واحسانه بهذه الايات من الفوائد والحكم تحريم المجادلة في الله بدون علم وفي هذه الايات ان طريق ان طريق الحق اما ان يعلم بالادلة والبراهين واما بالاهتداء بطريق المهتدين. واما بالكتب المنزلة من رب العالمين وفي هذه الايات تحريم الكبر واستنقاص الخلق خصوصا اهل الحق وفي هذه الايات تحريم بذل الاسباب لصرف الناس عن دعوة الحق والهدى وفي هذه الايات ان من يصد الناس عن دين الله فان الله جل وعلا سينزل به العقوبة في الدنيا. وانظر لاولئك الذين قاموا بمضادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمانه كيف انزل الله بهم العقوبات الدنيوية وفي هذه الايات عدل الله جل وعلا وانه لا ينزل باحد من العباد شيئا من المصائب او اموري او المكدرات الا بسبب من عندهم وفي هذه الايات وجوب طمأنينة الانسان بمعتقده المعتقد الصحيح بحيث يكون مستقرا مطمئنا لا يكون على شك وتردد وفي هذه الايات وجوب صبر الانسان على قضاء الله وقدره. وعدم تسخطه من قضاء الله وقدره سبحانه وتعالى وفي هذه الايات ان من ترك دينه من اجل نقصان شيء من دنياه فلن يكسب من الدنيا شيئا و سيعود عليه بخسارة الدنيا والاخرة وفي هذه الايات ان الضار النافع هو رب العزة والجلال. ومن ثم لن يستطيع احد مهما كان عنده من امور الدنيا ان ينفع احدا او ان يضر احدا الا باذن من الله جل وعلا وفي هذه الايات ان اعتقاد وجود النفع والضر المجرد عند احد من الخلق ظلال بعيد وبعد عن الحق والهدى وفي هذه الايات ان توجه العبد الى المخلوق يظن انه ينفعه هو في الحقيقة يظره وذلك التوجه وذلك الاعتقاد وفي هذه الايات وعد الله جل وعلا لاهل الايمان والعمل الصالح بعاقبة حسنة في الدنيا والاخرة وفي هذه الايات ان العمل لا يكون مقبولا عند الله جل وعلا الا اذا كان صالحا. ولا يكون صالحا الا اذا كان قد اخلص العبد فيه لله جل وعلا وسار فيه على هدي النبي صلى الله عليه عليه وسلم وفي هذه الايات عظم فضل الله جل وعلا في الاخرة لاهل الايمان بادخالهم الجنات العظيمة التي فيها الانهار الكثيرة وفي هذه الايات ان قدر الله حاصل لا محالة. وان ارادة الله الكونية واقعة ولابد وانه سبحانه يفعل ما يشاء. وان الله جل وعلا اذا اراد شيئا فلن يتمكن احد من ان يرد قضاء الله وقدره وفي قوله ان الله يدخل بيان ان العباد انما يدخلون الجنة برحمة رب العزة والجلال. وهذه الرحمة لها اسباب من عند العبد من الايمان والعمل الصالح. والا فان اعمال الناس مهما كانت لا توازي الله عليهم في الدنيا. ولذلك فان العبد لا يدخل الجنان الا برحمة من الله سبحانه وتعالى وفي هذه الايات وعد رب العزة والجلال المتصرف في الكون سبحانه بنصر اهل الايمان اني في الدنيا والاخرة وان الله جل وعلا لن يمكن منهم اعدائهم. وفي هذه الايات ان الانتصار الحقيقي لكي هو ببقاء الانسان على الحق ومضيه في سبيله وفي هذه الايات ان كيد الكافرين في صد الناس عن سبيل الله لن يجدي شيئا وانما يعود بالظرر وعقوبة الدنيا والاخرة وفي هذه الايات ان الله جل وعلا قد تكفل لعباده المؤمنين بان ينصرهم في الدنيا. وقد جاءت بذلك نصوص كثيرة كما قال تعالى ولينصرن الله من ينصره. ان الله لقوي عزيز. الذين ان مكناهم في الارض اقاموا فلا توا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. ولله عاقبة الامور. وكما قال تعالى وكان حق علينا نصر المؤمنين. وكما قال سبحانه ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين. انهم له هم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون شواهد هذا في التاريخ كثيرة متتابعة عمل الانسان بامساكه بدين الله ودعوته اليه ليس من اجل الانتصار في الدنيا انما يريد بذلك ثواب الاخرة ورضا رب العزة والجلال. ولكن تحصل له منافع الدنيا ومنها الانتصار فيها على جهة التبع لا على جهة الاصالة وفي هذه الايات فضل الله جل وعلا بجعل الحق ينتصر. وان كان للباطل جولة في اول الامر لكن الحق هو المنتصر في اخره وفي هذه الايات تحريم الكيد بالباطل الذي يراد به الوصول الى صد الناس عن دين الله وابعادهم عن الاستجابة لدعوة انبيائه واوليائه ودعاته وفي هذه الايات ان ما في قلوب الكافرين من الغيظ بسبب ما يحصل عليه اهل الايمان والتقوى من منافع الدنيا لا لا يكون او لا يمكن ازالته بما لديهم من الكيد والمكر السيء وفي هذه الايات التحذير من ان يكون عند الانسان شيء من مناكدة اهل الحق منافحتهم عن الحق الذي يوجد لديهم وفي هذه الايات فضل الله جل وعلا بانزال الكتاب المشتمل على الدلائل الواضحة والبراهين وفي هذه الايات ان من افضل ما دعي الخلق به ان يدعوا بما في كتاب الله عز وجل لاشتماله على الحجج والبراهين العظيمة المقنعة وفي هذه الايات ان هداية التوفيق بيد رب العزة والجلال ووحده سبحانه وانه لن يستطيع احد ان يوفق احدا للاهتداء بالحق والهداية على نوعين هداية التوفيق وهذه خاصة لله سبحانه وتعالى والنوع الثاني هداية الدلالة والارشاد. وتكون لدعاة الحق وهكذا في قوله وان الله يهدي من يريد. فان الارادة على نوعين الاولى الارادة القدرية الكونية وهي المرادة هنا وفي قوله ان الله يفعل ما يريد. وهي واقعة لا محالة. وهي المقصودة بقول انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون والنوع الثاني الارادة الشرعية وهي التي يريد الله وقوعها من الافعال. ويرضى عن اصحابها. ولكنها قد تقع وقد تتخلف من مثل قوله تعالى والله يريد ان يتوب عليكم وقوله حان يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة. الاية بارك الله فيكم ووفقكم الله لخيري الدنيا والاخرة وجعلنا الله واياكم من الهداة المهتدين هذا والله اعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله واصحابه واتباعه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين