الحمد لله رب العالمين صلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين اما بعد فاسأل الله جل وعلا ان يوفقنا واياكم لكل خير وان يجعلنا واياكم من الهداة المهتدين وبعد فهذا هو الجزء الثاني والمقطع الثاني من سورة المؤمنون نتدارسه في هذا اليوم لعل الله جل وعلا ان يفتح علينا وان يعرفنا بشيء من معانيه فليتفضل القارئ مشكورا بالقراءة من الشيطان الرجيم. ولقد ارسلنا نوحا الى قومه فقال يا قومي اعبدوا الله ما الكم من اله غيره افلا تتقون؟ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا الا بشر مثلكم يريد ان يتفضل عليكم. ولو شاء الله لان انزل ما سمعنا بهذا في ابائنا الاولين ان هو الا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين قال رب انصرني بما كذبون فاوحينا اليه ان اصنع الفلك باعيننا ووحينا فاذا النور فاسلك تسلك فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول منهم. ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون فاذا استويت انت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله فقل الحمدلله الذي نجانا من القوم الظالمين. وقل ربي انزلني منزلا مباركا وانت خير المؤمنين يذكر الله جل وعلا في هذه الايات قصتا نوح عليه السلام فانه لما اورد فضل المؤمنين وفلاحهم وفوزهم وكونهم من اهل الفردوس الاعلى ثم ذكر بداية خلق الانسان ثم ذكر عموم فضل الله جل وعلا على الناس ذكر لهم قصة اول انبياء الله الذي الذي ارسله الله جل وعلا الى قومه بعد ان ابتعدوا عن منهج الحق وتركوا التوحيد وبدأوا ب عبادة الاصنام فخضعوا لهذه المخلوقات وسلموا لهذه الجمادات اصبحوا يذعنون لها ويذلون لها قال تعالى ولقد ارسلنا نوحا الى قومه اي ان الله جل وعلا بعث نوحا عليه السلام نبيا الى قومه وقومه جماعته وقرابته وارسال الله جل وعلا لنوح من قرابته ومن قومه ليكونوا قد عرفوه وعرفوا فضله وعرفوا اصله وبالتالي يكون عندهم من القناعة به ما لا يكون من القناعة بالرجل الغريب وقال تعالى فقال يا قوم يعني ان نوحا عليه السلام خاطب قومه الامر المشترك بينه وبينهم الا وهو الانتماء الى قومهم فقال يا قومي اعبدوا الله اي توجهوا بعباداتكم لله. تلك العبادات التي فيها ذل وخضوع وفيها خوف ورجاء ومحبة اعبدوا الله ما لكم من اله غيره اي لا يستحق العبادة احد سواه بل العبادة حق له جل وعلا وبالتالي عليكم ان تفردوا الله بالعبادة افلا تتقون اي افلا تخافون ان تنزل بكم العقوبات الدنيوية والاخروية حيث صرفتم حق الله بالعبادة لغيره من الخلق ممن لا يسمع ولا ينفع فاجابه قومه جواب غليظ فقال الملأ الذين كفروا من قومه اي ان من لهم مكانة ومنزلة في قومه وكان من الاولى بهم ان يكونوا من اهل العقل والفهم الذين يتبصرون فيما يلقى عليهم ويفكرون فيه ماذا قالوا قالوا ما هذا الا بشر مثلكم اي بدأوا يصدون قومهم عن هذا النبي صلى الله عليه وسلم وعن اتباعه وبدأوا يصدون عن دين الله عز وجل واتخذوا لذلك عددا من الحجج منها قولهم ان هذا بشر مثلكم فعنده من الاعظاء ما يماثل اعظائكم وبالتالي كيف يتميز بشيء ليس عندكم وما علم ان التماثل في الابدان لا يعني التماثل في الاحكام فكم من شخصين لهما بدن متماثل وبينهما فرق كبير. هذا ينفق وذاك لا. هذا يحسن وذاك لا. هذا يكون له فضل على غيره وذاك لا. الى غير ذلك مما يتفاضل به الناس المماثلة في الشكل لا تعني المماثلة في الاحكام ثم احتجوا ثانيا بان هذا الشخص الذي ادعى النبوة ودعاكم الى التوحيد انما اراد مجدا لنفسه فهو اراد ان يتفضل عليكم. يعني ان يكون له رئاسة وسيادة وهذه ايظا اتهام في النيات وهم لا لم يطلعوا على ما في القلوب و احتجوا ثالثا بقولهم ولو شاء الله لانزل ملائكة يعني ان رب العزة والجلال لو اراد ان يرسل الينا رسولا لارسله من الملائكة ولم يرسله من البشر وهذه ايظا من التحكم على الله جل وعلا ولارسال النبي بشرا من قومه فوائد ومميزات منها ان يكون عارفا باحوال قومه ومنها ان يتداخل معهم ومنها ان يجري عليه ما يجري عليهم واحتجوا رابعا بقولهم ما سمعنا بهذا في ابائنا الاولين اي ان هذا الادعاء لم نسمع ان احدا ادعاه قبل هذا الرجل وذلك ان نوحا هو اول انبياء الله بعد ادم ولذا قالوا بان هذه المقالة لم يقل بها احد قبله وهذه ايظا حجة حجة غير مقبولة واستدلال غير صحيح ينبغي بهم ان ينظروا في كلامه وان يتأملوه وان ينظروا في حججه وما يلقيه من البراهين ولا يصح لهم ان يقولوا مقالتك لم يأت بها احد قبلك ثم قالوا شيئا اخر بعد ان اطلقوا الحجج الواهية على مدعاهم في تكذيب نوح اصبحوا يطلقون الكذب على نوح ويتهمونه بالجنون ولذا قالوا ان هو الا رجل به جنة. يعني انه رجل مجنون هذا الكلام الذي يتكلم به ليس خارجا من نفسه وانما قد ساعدته الجن على هذه المقالة ثم قال فتربصوا به حتى حين. يعني ان قوم نوح قالوا انتظروا به قليلا وستخرج لكم حقيقة حالة بعد مدة قريبة ولكن لتعلموا ان نوحا لبث في قومه تسع مئة سنة وخمسين عاما معناه ان المدة طويلة يدعوهم ويرغبهم ويحثهم ومع ذلك ما امن معه الا قليل ماذا كان موقف نوح بعد هذه السنوات الطوال من الدعوة التي لم يقابل فيها الا بالتكذيب والاتهام بالجنون قال نوح عليه السلام رب انصرني بما كذبون اي اجعل لي الانتصار ونجني من حالهم وعاقبهم بحسب جريمتهم الكبرى الشرك وصرف العبادة لغير الله لا فجاء التوجيه من الله جل وعلا وحيا الى نوح عليه السلام ان اصنع الفلك يعني السفينة باعيننا ووحينا اي بمرأى منا فنحن نعينك وبتعليمنا اياك كيف تصنعها فاذا جاء امرنا اي اذا حصل الامر بالاهلاك وثار التنور يعني ان التنور موطن الخبز الذي يخبز فيه. والعادة ان التنور لا يدخله الماء لكنه جعل له علامة ان الماء اذا فار من التنور فهذه علامة اهلاكهم فاذا جاء امرنا وفار التنور اي نبع الماء بقوة من المكان الذي يخبز فيه فحينئذ اسلك فيها اي ادخل في السفينة من كل زوجين اثنين اي من كل الكائنات الحية زوجين اثنين من اجل ان يستمر النسل وهكذا ايظا اسلك فيها اهلك. فادخل اهلك قيل بان المراد بذلك من امن فان اهل الانبياء عليهم السلام هم اتباعهم وقال بعضهم خاصة اهله قال واهلك الا من سبق عليه القول منهم اي من قدر الله عز وجل عليه الاهلاك. واراد بذلك زوجته وابنه. ولذا قال ولا تخاطبني اي ان الله عز وجل يقول لنوح لا تناقشني ولا اه ترد علي الكلام في اهلاك من هلك بالغرق من الذين ظلموا والكفر فلا تطلب نجاتهم وترك اهلاكهم فانهم هالكون لا محالة انهم مغرقون فاذا استويت انت ومن معك على الفلك اي اذا ركبت السفينة وعلوت عليها وسكنت في علوها انت ومن معك اي من المؤمنين الذين ينجيهم الله ومن الكائنات الحية التي معك على السفينة فحين اذ اشكروا الله على ان نجاك من مصير هؤلاء القوم فقل الحمد لله اي اثني عليه. اثني على الله واذكره بالجميل حيث نجانا اي انقذنا من عذاب بالقوم الظالمين فهذه تحتمل ثلاثة اشياء اولها انه حمد الله على ان نجاه من عذابهم فلم يعذبه معهم والثاني انه حمد الله انه نجاهم منهم لانهم كانوا يؤذونه وكانوا يصدون عن دعوته والثالث انه حمد الله ان مكنه من الانصراف الى عبودية ربه جل وعلا وهكذا ايضا امر بان يقول رب انزلني منزلا مباركا وانت خير المنزلين. اي اجعلني اصل الى ارض مباركة فيها الخيرات متتابعة وانت خير المنزلين اي انت افضل ما من اختار الاراضي المباركة التي ننزل فيها ان في ذلك لايات وان كنا لمبتلين اي في هذه القصة العظيمة قصة نوح ايات وعبر لمن يريد الاتعاظ ويريد اه التدبر فهذه فيها دلالة على نصر الله لاوليائه ودلالة على اهلاك المكذبين للانبياء ودلالة على ان العاقبة الحميدة تكون لاولياء الله. ثم قال وان كنا لمبتلين. اي اننا سنختبر العباد وهذه طريقتنا في الخلق ان نرسل اليهم الانبياء والعلماء والدعاة والوعاظ من اجل ان تقوم عليهم الحجة من اجل ان تقوم عليهم الحجة ويتبين من هو المطيع الشاكر المؤمن من العاصي الكافر من العاصي والكافر وذلك على جهة الاختبار والابتلاء من الله سبحانه وتعالى فهذه قصة نوح في اوائل سورة المؤمنون اسأل الله جل وعلا ان يوفقنا واياكم لكل خير وان يجعلنا واياكم من الهداة المهتدين كما اسأله سبحانه ان يصلح احوال الامة وان يردهم الى دينه ردا حميدا وان يجعلنا ممن عمل بكتابه سار على طريقته هذا والله اعلم صلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين نعم من الفوائد والحكم التي نستفيدها من هذه الايات ان الله جل وعلا رحيم بالعباد متى رأى انهم ظلوا عن الطريق ارسل اليهم من يرشدهم ويعيدهم الى الحق ومن فوائد هذه الايات ان اعظم امر جاءت به الانبياء هو الامر بعبودية الله وحده وعدم صرف شيء من العبادات لغيره وفي هذه الايات ان الانبياء بشر يعرض لهم ما يعرض للبشر ولكن امتازوا بانهم ينزل عليهم الوحي وفي هذه الايات ان اصحاب الدنيا تلهيهم الدنيا عن عن التفكر في دعوات المصلحين وبالتالي ينكرونها ولا يتأملون فيها وفي هذه الايات ان اهل الدنيا من خوفهم على دنياهم قد لا يقبلون الحق الذي يأتي به الدعاة وفي هذه الايات ان اهل الباطل يريدون صد الناس عن دعوة الحق بالشبهات المتنوعة وحينئذ يتقرب الى الله جل وعلا بكشف هذه الشبهات وبيان بطلانها وفي هذه الايات ان اهل الباطل يتهمون اهل الحق بالاتهامات العجيبة حتى انهم يصلون الى اتهامهم بالجنون لكون دعوة الانبياء لا توافق اهواءهم ورغباتهم وهكذا لا نزال نجد هذا في احوال الناس الى وقتنا هذا تجد ان دعاة الحق يتهمون بالجنون ونقص العقل وعدم معرفة المصالح وعدم ادراك عواقب الامور وفي هذه الايات ان نوح عليه السلام دعا على قومه غيره من الانبياء اختلفت حالهم فبعضهم دعا وبعضهم لم يدعوا والنبي صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله لم يدعو على قومه وانما دعا لهم بالهداية فكان ذلك من اسباب دخولهم في دين الله واسلامهم وفي هذه الايات ان الله جل وعلا يتولى شأن الانبياء والدعاة والمصلحين ويهيئ لهم اسباب النجاة ويبعد عنهم كيدا الكائدين وفي هذه الايات ايضا الحرص على ابقاء الكائنات الحية وعدم نفوقها وزوالها من الدنيا وفي وحينئذ ما تفعله الجمعيات وقد يكون بعض الدول من حماية الحياة الفطرية قد يكون له اصل في قصة نوح عليه السلام في هذه الايات ان اهل الانسان على الحقيقة هم من سار على طريقته ومن اهتدى بهديه وفي هذه الايات ان العبد لا ينبغي به ان يجادل بالمخالفين للشريعة عند اهلاكهم او انزال العقوبات بهم وفي هذه الايات الثناء على الله جل وعلا عند حدوث النعم وعند وجود فضل الله سبحانه وتعالى وفي هذه الايات تضرع العبد بين يدي ربه ان يختار له احسن الاختيارات سواء في منزله او في غيره وفيها بيان ان البركة قد تكون في شيء من المخلوقات ولذا لا بأس ان يقال فلان مبارك وهذا المكان مبارك متى قام الدليل على وجود البركة فيه سواء كان دليلا شرعيا كما في ماء زمزم او كان دليلا حسيا بان وجدنا نفعا كثيرا وخيرا متتابعا ناشئا من محل او شخص وفي هذه الايات التضرع لله جل وعلا في الدعاء بصفاته المناسبة لما يدعو به الانسان وفي هذه الايات ان في قصص الانبياء عظة وعبرة للمعتبرين ولذلك ينبغي التفكر فيها والتأمل في فوائدها في هذه الايات ان الله يختبر العباد ويبتليهم ليفرقا بينهم في الثواب والجزاء وبهذا نكون قد اتممنا هذا الجزء من سورة المؤمنون. اسأل الله جل وعلا ان يوفقنا واياكم لكل خير وان يجعلنا واياكم من الهداة المهتدين هذا والله اعلم صلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين