الى يوم الدين الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين. اما بعد فهذا هو لقاؤنا الثالث من لقاءات تفسير سورة المؤمنون نسأل الله جل وعلا ان يرزقنا فهمها واستنباط معانيها ولعلنا باذن الله عز وجل ان نستمع لقراءة القارئ لهذه الايات ثم لعل الله عز وجل ان يفتح علينا معانيها واحكامها وفوائدها ثم انشأنا من بعدهم قرنا اخرين. فارسلنا فيهم رسولا منهم ان اعبدوا الله ما لكم من اله غيره افلا تتقون. وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء والآخرة واترفناهم واترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا الا بشر هم مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن اطعتم بشرا مثلكم انكم اذا لخاسرون. ايعدكم انكم اذا متم وكنتم ترابا وعظاما انكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون. ان هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ان هو الا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين فاخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء بعدا للقوم الظالمين بعد ان ذكر الله جل وعلا قصة نوح عليه السلام عدم استجابة قومه لدعوته مع كونه قد جاءهم بالحجج المقنعة والبراهين والدلائل ومع طول مدة الدعوة واختلاف اسلوب دعوته معهم. الا انهم لم يؤمنوا به بل تلقوا دعوة بالتسفيه والرمي بالجنون والاتهام بانه انما يريد الدنيا وبالشبهات والمكائد المختلفة المتنوعة وما نجاه الله جل وعلا به من الغرق الذي وقع على الناس كلهم والطوفان الذي شمل الارض كلها كان من شأن فكان من شأن نوح عليه السلام ان نجاه الله بعد ان صنع الفلك وآآ اركب فيها من كل زوجين من انواع الحيوانات اثنين واركب معه من استجاب لدعوته وسار على طريقته فنجاه الله جل وعلا ليكون في ذلك عبرة كيف ينجي الله اهل الايمان وكيف يهلك الكافرين ويعلم بذلك ان الله قادر على نصر رسله واهلاك من يكذبهم وقد اختبر الله العباد ببعثة الانبياء عليهم السلام ثم ذكر الله انه اوجد اقواما اخرين بعد قوم نوح عليهم السلام وخاصية عذاب قوم نوح انه كان عاما لجميع الارض بلا استثناء لكن بعد نوح اصبح العذاب الذي يأتي على الاقوام المكذبين يختص بالقوم الذين كذبوا ولا يكون العقاب عاما على جميع من في الارض وقد قال بعض التابعين بان بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم يكون العذاب طسا بالافراد وقوله هنا ثم انشأنا اي اي اوجدنا آآ تسلسل الناس واصبح هناك قوم اخرين ثم انشأنا من بعدهم اي من بعد قوم نوح قرنا اخرين اي امة وقيل لهم قرن لانهم يعيشون مع قرابة المئة السنة تقريبا ومعنى ذلك ان اعمار الناس بعد ذلك اصبحت تقل قال فارسلنا اي ان سنة الله في الكون ان العبادة متاع ابتعدوا عن الحق والشرع باغواء الشيطان لهم يترك لهم الفرصة بان يرسل لهم دعاة الحق من الانبياء والعلماء والوعاظ ليكون هذا حجة على العباد ومن ذلك هؤلاء القوم الذين ذكرهم الله جل وعلا حيث بعث فيهم اي انه ان رجلا من رجالهم الذين يعرفون صدقه ويعرفون نسبه وله مكانة عندهم فارسلنا فيهم رسولا اي نبيا يرسله الله جل وعلا بشرع منهم ان اعبدوا الله ان يأمرهم بصرف العبادة لله وحده. ان اعبدوا الله ما لكم من اله غيره اي لا يستحق العبادة احد سواه. افلا تتقون؟ اي الا تحذرون من عقوبة الله عندما تصرفون العبادة لغير الله سبحانه وتعالى. فالله هو الذي خلقكم والله هو الذي يوالي عليكم النعم والله هو الذي سيحاسبكم فكيف تعبدون غيره ماذا واجهه قومه به؟ واجهه بالتكذيب اثارة الشبهات والشكوك عند الاخرين ومن ذلك ان الملأ اي من لهم مكانة ومنزلة من السادة وعلية القوم الذين كفروا وكذبوا بلقاء الاخرة اي نسوا ان هناك يوما اخر سيحاسبون فيه واترفناهم في الحياة الدنيا. اي ان الله جل وعلا استدرجهم بان اعطاهم نعما في الدنيا كان الاولى بهم ان يشكروا منعم هذه النعم وان يعبدوه وان يصدقوا انبيائه ورسله. الا انهم واجهوا دعوة الله ودعوة بالتكذيب والتشكيك فقالوا ما هذا الا بشر مثلكم؟ اي هذا الذي ادعى الرسالة وادعى انه من عند الله ما هو الا بشر مثلكم. هو يقول لا تنظروا هذا النبي يقول لا تنظروا الي وانظروا الى كلامي وحجتي وانظروا الى ما دعوتكم اليه قالوا ما هذا الا بشر مثلكم؟ خافوا من هذا الرجل ان يأخذ مكانهم في الدنيا وان قطع سيادتهم في هذه الدنيا ولذا حذروا منه. فقالوا ما هذا الا بشر مثلكم الم يعلموا ان جميع انبياء الله ورسله من البشر وما ارسلنا من قبلك من وما ولقد ارسلنا من وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه قال ما قالوا ما هذا الا بشر مثلكم على جهة التحذير منه وجهة تخويف اه عامة من ان يسيروا معه ثم انظر لهذه هذه الشبهة الاخرى. قالوا بانه يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون انهم يقولون هو يماثلكم في هذه الصفات وما علموا ان المماثلة بين شيئين في صفة لا تستدعي المماثلة بينهما في جميع الصفات فاتهم شيء من العقل في ذلك زادوا في طغيانهم فقالوا ولئن اطعتم بشرا مثلكم انكم اذا لخاسرون فكأنهم يقولون هذا الرجل يماثلكم اذا اطعتموه وحكمتموه على انفسكم وانتم تماثلونه حينئذ تخسرون انتم سواء كانت خسارة دنيوية بان جعلتموه يعلو يعلو عليكم او خسارة في جميع اموركم وحياتكم وما علموا ان مثل هذه الحجة تعود عليهم هم بالابطال فان هؤلاء الملأ اصحاب سيادة والان هم يأمرون قومهم فلو قال لهم قومهم اذا انتم تريدوننا ان نطيعكم انتم. وانتم بشر مثلنا حينئذ على حجتكم نكون من الخاسرين. ولئن اطعتم بشرا مثلكم انكم اذا لخاسرون. فكما في حجة تنطبق هذه على ذلك النبي المرسل تنطبق على اولئك الملأ ثم قالوا ايعدكم انكم اذا متم وكنتم ترابا وعظاما انكم مخرجون هذه حجة لهم باستبعاد الشيء الذي لا تتصوره عقولهم فقالوا بان هذا الرجل يزعم ان الناس اذا ماتوا يبعثون مرة اخرى الا تتفكرون في هذه الشبهة وتعلمون ان الذي يكلمكم بذلك رسول من عند الله يخبركم لا عن نفسه وانما عن الله بانه سيعيدكم وهو الذي خلقكم اول مرة ومن خلقكم اول مرة قادر على ان يعيدكم سبحانه تعالى ومن هنا فان الانسان ينبغي به ان يتفكر في كل ما يلقى عليه وان يتأمله بحيث لا يصدق اي كلمة ترد عليه ثم قالوا هيهات هيهات لما توعدون هذا امر مستبعد لا تتصوره العقول وما توعدون به من البعث والاخراج من القبور شيء مستحيل وفي هذا بيان ان الناس اذا جهلوا شيئا انكروه وعادوه وظنوا انه من الكذب ولو تأملوا فيه ونظروا في ادلته لتغيرت احوالهم. ثم قالوا ان هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين. ما دليلكم يا ايها الملأ على هذه المقالة ما دليلكم على هذه المقالة انه لا يوجد بعث وانما هو حياة الدنيا ثم موت بعدها وانه لا يوجد حياة اخرى بعد هذا الموت ثم قال على لسان اولئك الملأ ان هو الا رجل افترى على الله كذبا اي اتهموا هذا النبي الرسول بما انه مجرد رجل اذا هو كاذب يفتري على الله كذبا في هذا اشعار بانهم يؤمنون بالله. يؤمنون بالله لكنهم لا يؤمنون بالبعث فيقال لهم ما دمتم تؤمنون بالله الذي خلقكم وتؤمنوا حينئذ ينبغي بكم ان تفكروا في كلام هذا الرجل الذي يقول انا رسول من عند الله وان تتأملوا فيه وفي وبراهينه وبالتالي لا تصفونه بالكذب الا بعد ان تقوم لكم الادلة على ذلك ثم قالوا وما نحن له بمؤمنين اي لن نصدقه في خبره ولن نلتزم بامره فما كان من النبي والرسول الذي ارسل اليهم الا ان قال ربي انصرني بما كذبوا اي انه دعا ربه جل وعلا بان ينجيه من منهم ومن امورهم ومن تكذيبهم وان ينتقم منهم وان يسلم من العذاب الذي سيقع بهم. قال رب انصرني بما كذبون فاجابه الله جل وعلا جواب الحق سبحانه وتعالى. فقال عما قليل ليصبحن نادمين. اي بعد زمن قليل وقت قصير ستتغير احوال هؤلاء القوم الذين كذبوك ولم يلتزموا بشرع الله جل وعلا ومن ثم سيندمون وسيتأسفون ويتحسرون بسبب عدم ايمانهم بك وعدم لرسالتك فجاءهم العذاب الشديد صيحة صوت شديد جعلهم يموتون ويهلكون صوت فوق درجات الصوت التي تحتملها الاذن مما جعل حياتهم بعد ذلك تتوقف فقال تعالى فاخذتهم الصيحة بالحق لماذا؟ لقد كان من افعالهم ما يستحقون به العذاب. لتكذيبهم لانبياء الله وعدم تصديقهم بالبعث فجعلناهم غثاء اي اصبحوا موتى مثل غثاء السيل وهو البواقي التي يحملها السيل فيجعلها في طرف الاودية او في اواخرها. فبعدا للقوم الظالمين اي هلاكا لهم وابعادا لهم عن سبيلي. الحق وعن طريق المؤمنين. لانهم ظلموا بتكذيب بهم لنبي الله عليه السلام. وتكذيبهم بوعد الله سبحانه وتعالى ثم انشأ الله وخلق وهيأ بعد هؤلاء القوم اقواما متعددين وقرونا مثل قوم لوط قوم شعيب قوم يونس و ما تسبق من امة اجلها. اي ان جميع هذه الامم قد وضع لها وقت لمجيئها وحياتها ووقت لهلاكها متى لم تستجب الحق لا تتأخروا عن اجالها. ولا تتقدموا عنها مهما وبذلت من الاسباب والوسائل ثم بعث الله جل وعلا رسلا متتابعين رسولا بعد رسول. وكان من شأن الامم ان ان تكذب كل امة برسولها سنة ماضية في الكون وماذا تكون العاقبة العاقبة نزول الهلاك فاتبعنا بعضهم بعضا اي في الهلاك والعقوبة وبالتالي لا يبقون وليس لهم الا مجرد ذكر يتحدث الناس باخبارهم بالسنتهم فبعدا لقوم لا يؤمنون. اي هلاكا وبعد مصير لاولئك الذين لم يؤمنوا بما ما جاء به انبياء الله عليهم السلام هذه الايات فيها فوائد عظيمة وثمراته كثيرة. فمن فوائد هذه الايات ان الله جل وعلا يجعل الناس قرونا يخلف بعضهم بعضا على هذه الارض وان اوائل هذه القرون في غالبها تكون على التوحيد ثم تأتيها الشياطين فتظلها وفي هذه الايات فضل الله جل وعلا على العباد بارسال من يذكرهم بالله ويعرفهم بالتوحيد في هذه الايات ان اعظم دعوات الانبياء تتركز وتنطلق من التوحيد ولذا يأمرون العباد بان يفردوا الله بالعبادة والا يصرفوها لاحد سواه في هذه الايات ان انبياء الله في دعوتهم الناس الى التوحيد يحذرونهم من العقوبات الاخروية والعقوبات الدنيوية ويذكرونهم بما انزل الله من العقوبات من العقوبات بالامم السابقة وفي هذه للايات ان من اعظم ان من اعظم من يعارض دعوة الحق ودعوة التوحيد هم اصحاب الولايات والسادة ومن لهم مكانة ومنزلة لانهم يخشون على مكانتهم ومنزلتهم وما علموا ان من استجاب لدعوة الحق فان منزلته تعلو وان درجته ترتفع عند رب العزة والجلال وفي الدنيا ايضا وفي هذه الايات ان من اعظم اسباب ضلال الخلق عدم ايمانهم باليوم الاخر. فان فان الايمان باليوم الاخر يحمل الانسان على اعمال صالحة ويجعله يقدم على مراظي رب العزة والجلال وفي هذه الايات ان الترف في الدنيا الذي لا يستشعر الانسان فيه انه نعمة من عند الله يكون سببا من اسباب ظلاله لانه يظن ان ذلك الذي حصله من الدنيا يجعله بمزية يفضل بها عن غيره فيكون من اسباب بوري والكبر من اسباب رفظ دعوة الحق وفي هذه الايات ان من اعظم من اعظم اسباب ضلال الخلق القياسات الفاسدة مما يسميه علماء الاصول قياس الشبه فهؤلاء قالوا لاقوامهم الانبياء يماثلونكم في الشبه والصورة الظاهرية. وحينئذ عليهم ان يكونوا مماثلين لكم في اه عدم كونهم انبياء وما علموا ان ان الناس يتفاوتون في عقولهم مع تماثل صورهم. ثم انتم ايها السادة، الستم تماثلون اقوامكم ومع ذلك تتفظلون عليهم وهكذا الستم تأكلون وتشربون ومع ذلك لما جاء النبي قلتم بانه لا يفظلكم لكونه يأكل ويشرب مثلكم وانتم يا ايها السادة والكبراء كذلك تفعلون وفي هذه الايات ايظا من الفوائد ان عدم تفكير الانسان في دعوات الحق و جعله يرد دعوة الحق بسبب ما في ذهنه من امر سابق لم يعرف حقيقته ولا صحته. لا شك انه من عدم العقل وفي هذه في هذه الايات اثبات المعاد والبعث وان الناس سيبعثون مرة اخرى فيحاسبون على اعمالهم وفي هذه الايات استبعاد الكافرين بصحة دعوات الانبياء والدعاة بدون ان يكون عندهم مستند لذلك الاستبعاد انما هو مجرد دعوة بدون تحقيقا لمعناها وفي هذه الايات اتهام اعداء الله لانبيائه بالكذب وهذه سنة ماضية في اتهام من يكون على الحق بانه من اهل الكذب وفي هذه الايات جواز دعاء الانسان على من ايس من استجابتهم لدعوة الحق بان يهلكهم الله ليكون ذلك قاطعا لزيادة سيئاتهم. فمن مصلحتهم ان يموتوا ويهلكوا بان لا يزيد عصيانهم واستمرارهم في مضادة الله ومضادة امره والصد عن دعوته لا شك ان الدعوة لهم بالهداية هي طريقة محمد صلى الله عليه وسلم وفي هذه الايات تفظل الله باجابة دعوات انبيائه واصفيائه واوليائه وعلمائه وعبد وعباده وفي هذه الايات ان اهل الكفر وان ظنوا انهم على شيء من الدنيا في اول امرهم لكن عاقبتهم سيئة وبالتالي تنزل بهم العقوبات الشنيعة ويكونون ممن يندموا على عدم استجابته لدعوات الانبياء وفي هذه الايات قدرة الله جل وعلا على اهلاك العباد بالامر اليسير السهل فهذه صيحة مجرد صوت ومع ذلك هلك هؤلاء القوم ولم يبق منهم احد واصبحوا غثاء كغثاء السيل فانظر الى قدرة رب العزة والجلال ولا زال العباد يشاهدون نماذج وامثلة لقدرة الله في حياتهم فهذه الامراض والاوبئة فيروسات يسيرة لا تشاهد بالعين المجردة ينشأ عنها الوباء العظيم. فيموت منها الاعداد الكثيرة الوفا بل قد يكونون ملايين. فانظر الى قدرة رب العزة والجلال وفي هذه الايات ان الله جل وعلا لا يأبه لاولئك الظالمين المعاندين المكذبين لرسله عند انزال العقوبات بهم وفي هذه الايات ان الهلاك يقع على من كان من اهل الظلم وفيها ان الظلم سبب من اسباب هلاك الاقوام ومن اسباب ابتعاد الرحمة عنهم بارك الله فيكم ووفقكم الله لكل خير. وجعلنا الله واياكم من الهداة المهتدين. كما نسأله جل وعلا ان يرفع الوباء عن الخلق اجمعين. ونسأله ان يحمي المسلمين وان يشفي مرضاهم وان يبارك لهم في اموالهم واسواقهم وان يدر عليهم في ارزاقهم. هذا والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله واصحابه واتباعه وسلم تسليما كثيرا