سيجد من يرشده ويبصره بالصواب. اما هداية التوفيق والالهام فهذه ليست لاحد. قال الله تعالى لرسوله انك لا لمن احببت ولكن الله يهدي من يشاء. وهذه الهداية المنفية عن النبي صلى الله عليه وسلم هي هداية التوفيق والالهام والارشاد وقال جل وعلا في رسوله وانك لتهدي الى صراط مستقيم فاثبت له هداية وهي الهداية التي جاءت بها الرسل وهي البيان. والتوظيح والارشاد واقامة الحجة. وما يتعلق بهذا فرزق الهدى من للهداية يسأل؟ نقول الهدى هنا اذا كان بمعنى الدعاء يشمل هداية الارشاد وهداية التوفيق. واذا كان المراد بها سؤال الاستبصار والاستفهام والاسترشاد فالهداية هنا هداية ارشاد وبيان وتوضيح قال رحمه الله اسمع وهذا امر والامر يأتي لطلب الفعل على وجه العلو. الامر تعريفه عند علماء الاصول طلب الفعل على وجه العلو. لكن في مثل هذا ليس الامر لاجل العلو انما الامر لاجل التأكيد على اهمية المأمور به وبيان عظيم حرص المعلم او الامر عظيم حرص الامر على المأمور بان يدرك ما يأمره به. وهذا هو المقصود في كلام اهل العلم رحمهم الله في قولهم اعلم رحمك الله اسمع رحمك الله وما اشبه ذلك هذا الامر ليس العلو والارتفاع انما ليفتل نظر الى اهمية المعلوم والى اهمية المسموع والى وجوب العناية بهذا فالحامل له او الحامل عليه الشفقة والرحمة لا العلو والارتفاع وقد امر الله تعالى بالعلم ببيان عظيم شرف المعلوم فقال تعالى فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك قال رحمه الله اسمع مقال محقق لا ينثني وفي بعض النسخ اسمع كلام محقق لا ينثني عن قوله يوما ولا يتحول وفي بعض النسخ يتبدلوا المؤلف رحمه الله امر بسماع كلام سيبينه ويوضحه ولكنه وصف صاحب الكلام باوصاف. اولها انه محقق والثاني لا ينثني عن قوله والثالث لا يتبدل او لا يتحول فذكر ثلاث اوصاف لهذا الذي امر بسماع كلامه. واذا نظرت في هذه الاوصاف وجدت ان فيها تزكية مؤلف رحمه الله سيبين ويوضح وهو يشهد لنفسه بهذه الاوصاف الثلاثة التحقيق والثبات وعدم الرجوع والثبات وعدم الرجوع متقاربان فما الحامل للتزكية وهل هذه التزكية سائغة الجواب هذه التزكية سائغة ولها شاهد في كتاب الله تعالى قال الله تعالى في خبر يوسف عليه السلام لما طلب الولاية عند العزيز قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم وهذا لا شك تزكية للنفس لكن هذه التزكية ومثلها التزكية التي ذكرها المؤلف رحمه الله في نظمه لا تعارض قول الله تعالى ولا تزكوا انفسكم فان التزكية المنهية عنها هي التزكية التي يقصد بها الانسان الارتفاع والعلو والتي لا مصلحة فيها وقد نهى الله تعالى عن طلب العلو في الارض قال الله تعالى تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا وفي الارض ولا فسادا. فمن كانت تزكية نفسه صادرة عن علو وعجب وافتخار فهذه لا تجوز واما من كانت التزكية لاجل الحث على القبول للحق او الاقبال عليه او بيان الاستحقاق كما كان في قصة يوسف عليه السلام فانها لبيان الاستحقاق لانه انما ذكر ذلك لبيان انه يستحق هذه المنزلة اني حفيظ عليم حفيظ يتعلق بالثقة وامين يتعلق بعدم الخيانة. ولا شك ان هذه المنزلة تحتاج الى هذين. فهو بين بذلك استحقاقه لهذه المنزلة فاذا كانت التزكية لمعنى صحيح مثل بيان الاستحقاق مثل الحث على القبول او غير ذلك من المعاني الصحيحة فانها لا تدخل فيما نهى الله تعالى عنه من التزكية. في قوله تعالى ولا تزكوا انفسكم. اذا هذه تزكية من المؤلف لنفسه ولما سيبينه لكن هذه التزكية لاجل الحث على قبول ما ذكره من الحق ومثل هذا لا بأس به. قال رحمه الله اقبل كلام محقق. محقق وصف مأخوذ من الحق والمحقق هو المتثبت. واصله مأخوذ من الحق والحق هو ما كان مطابقا للواقع. فالمحقق هو الساعي في مطابقة قوله وعقده وعمله للصدق والواقع المحقق هو الساعي لمطابقة قوله وعقده وعمله للحق الذي هو المطابقة للواقع وعدم الكذب فقوله رحمه الله اسمع مقال محقق يعني هذا الكلام الذي ساقوله لك وهذا الجواب الذي سابين فيه عقدي ليس كلاما مرتجلا ولا كلاما مضطربا بلا بصيرة ولا هدى بل هو كلام تحقيق رجل سعى وبذل لان يكون عقده وقوله وعمله مطابقا للحق هذا معنى قوله رحمه الله محقق ثم قال لا ينثني عن قوله يوما ولا يتحول لينثني اي لا يرجع ولا يتحول يعني لا يتبدل كما هو في بعظ النسخ ولا يتبدل. وقوله لا ينثني من الرجوع. لا ينثني وهو الرجوع كما قال الله تعالى مثاني في وصف القرآن الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني والمثاني هنا معاني يرجع بعضها الى بعض تصديقا وتوكيدا وتحقيقا فقوله لا ينثني عن قوله اي لا يرجع عن قوله يوما. يعني طال الزمن او قصر. ثم قال ولا يتحول اي لا ينتقل عن قول الى قول لان تغير الاقوال له صورتان تغير الاقوال له صورة. الصورة الاولى الرجوع عنه وقد يرجع الى قول اخر وقد يرجع عن هذا القول الى غيره. الى نفيه والتحول هو التنقل من قول الى قول. وهو نوع رجوع لكنه رجوع على صورة معينة. فالتغير والتحول له تحول كلي وذلك بالانثناء والرجوع عن القول او التحول وهو التبدل من قول الى قول كان يكون في المسألة عدة اقوال فينتقل من قوله الى قول اخر قد يكون قريب وقد يكون بعيد من هذا القول فقوله رحمه الله لا ينثني عن قوله يوما ولا يتبدل فيه بيان رسوخ هذا العقد وان هذا العاقب خلاف ما عليه اصحاب العقائد المنحرفة من الاختلاف والاضطراب. وهذا سمة ميزة يتميز بها اهل السنة والجماعة ان عقيدتهم سالمة من الاضطراب. قال الله تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فهذه العقيدة لما كانت مبنية على الكتاب والسنة سلمت من الاضطراب والتشوش واما اصحاب العقائد الذين لم يبنوا عقيدتهم على قول الله او قول رسوله صلى الله عليه وسلم فعندهم اشتباه واضطراب عظيم. ولذلك قال الله تعالى في وصف اولئك ان الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد وقال الله تعالى ايضا في سورة قاف بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في امر مريج اي مضطرب ثم قال رحمه الله ما يتعلق بالصحابة حب الصحابة كلهم لمذهب. حب الصحابة الحب هو ميل القلب والحب منه ما هو عبادي ومنه ما هو عادي فاعظم الحب الحب في الله جل وعلا. اعظم الحب الكائن بين الخلق الحب لله جل وعلا. فان الله تعالى رتب عليه عظيم الاجر وهو فرع عن اعظم المحبات وهي محبة الله تعالى فان من محبة الله تعالى محبة اوليائه وعباده الصالحين. ولذلك كانت محبة الصحابة رضي الله عنهم دينا يتقرب به اهل السنة والجماعة ويتعبد به عباد الله المؤمنون لان الصحابة هم خير القرون وافضل طبقات الامة. يقول المؤلف رحمه الله حب الصحابة كلهم لمذهب. الصحابة جمع صحابي وهو من لقي النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم مؤمنا به ومات على ذلك. طالت المدة او قصرت اي طالت مدة اللقاء والصحبة او قصرت. والصحابة رضي الله عنهم متفاوتون تفاوتا كبيرا كما سيأتي. من حيث تحقيقهم لهذا الوصف لكن الجامع الذي يشترك فيه جميع الصحابة هو لقياهم للنبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك فانه من صحابة النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. واللقاء المقصود به الاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وهذا القيد الذي ذكرناه وهو في حياته ليخرج من اجتمع به بعد موته كالذي يجتمع به في المنام مثلا فانه لا يعد صحابيا لان الاحكام متعلقة باليقظة لا بالمنام وكذلك فيه الرد على طوائف من المنحرفين الذين يزعمون انهم يلتقون بالنبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم ويتلقون عنه بعد موته كجماعة من غلاة الصوفية فهذا لا يثبت به الصحبة لو قدر انه واقع. ومعلومة ان ذلك كذب وافتراء. المقصود ان الصحابة المعنى العام الذي اجتمع عليه اهل الاسلام في بيان حد الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم مؤمنا به ومات على ذلك. حب هؤلاء عبادة وقربة لان الله تعالى اثنى عليهم في كتابه وزكاه جعل لمن استغفر لهم ودعا لهم نصيبا في الفي. اما تزكية الله تعالى لهم ففي عدة ايات من كتاب الله تعالى من ذلك قول الله تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه. واعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها ابدا. ذلك الفوز العظيم فاخبر الله تعالى انه رضي عنهم وانهم رضوا عنه. في قوله والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار وهذا لفئة منهم لا ريب هم اصحاب التقدم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. ومن الايات التي جاء فيها التزكية العامة لجميع الصحابة قول الله تعالى محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود. هذا فيه التزكية والتعديل لكل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. واما ما الاحاديث في بيان فضلهم فهي اكثر من ان تحصر. والفظائل فظائل الصحابة رظي الله عنهم دالة على وجوب حبهم وقد بين النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم وجوب محبة فئام منهم. فذكر محبة الانصار وان محبة الانصار ايمان وان بغضهم نفاق وذكر ذلك في افراد من اصحابه صلى الله عليه وسلم. وكل هذا يدل على ان محبة الصحابة رضي الله عنهم عبادة قربة يتقرب بها العبد الى الله تعالى. وايضا اثنى الله تعالى على الذين جاءوا من بعد الصحابة ودعوا لهم كما قال تعالى والذين فجاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم وهذا فيه بيان منزلة من اتصف بهذا الوصف فان الله جعل له نصيبا من الفين واثنى عليه وذكره في جملة اهل الايمان الذين جعل لهم نصيبا في الفي ورظي عنهم فان هذا فرع عن فظلهم وعلو منزلتهم. المقصود لان محبة الصحابة رضي الله عنهم دل عليها كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم واجمع على ذلك اهل الاسلام فلا خلاف بين اهل الاسلام في وجوب محبتهم وتوليهم ذكرهم بالجميل. ولذلك نص ائمة السنة على هذا الاصل في عقائده كما فعل الطحاوي وغيره. قال رحمه الله ونحب اصحاب رسول الله ولا نفرط في احد منهم ولا نتبرأ من احد منهم ولا نذكرهم الا بالخير. ثم قال بعد ان ذكر ما يجب اعتقاده فيهم قال حبهم دين وايمان واحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. وهذا يدل على علو منزلة هذه شعيرة وهي محبة اصحاب النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. والمحبة تتضمن امورا فمن ذلك ذكرهم بالجميل ذلك اثبات ما جاء في فضائلهم. ومن ذلك الترضي عنهم. والاستغفار له. ومن ذلك صيانتهم وحفظهم من من القدح والذم فظلا عن السب واللعن. كل هذا من حقوق اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك ذكر شيخ الاسلام رحمه الله والله ان من اصول اهل السنة سلامة قلوبهم والسنتهم لاصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء التحذير بل عن سبهم عن سب اصحاب النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. وذلك في الصحيحين من حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا اصحابي فوالله او فوالذي نفسي بيده لو ان احدكم انفق مثل جبل احد ذهبا ما بلغ احدهم ولا نصيفه اي ولا نصف المد. فالنصيف لغة في النصف. وهذا يبين علو منزلة الصحابة. وعظيم سبقها وهذا الاصل من الله تعالى به على اهل السنة. وقد جعل النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم النيل من الصحابة نيل منه وقد جاء هذا في حديث عبد الله بن مغفل الذي رواه الترمذي وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا اصحابي فمن احبهم فبحبي احبهم ومن ابغضهم فببغضه ابغضهم ومن اذاهم فقد اذاني ومن اذاني فقد اذى الله الا ان هذا الحديث لا يصح ففيه عبدالرحمن بن زياد بناء العمل الافريقي وهو ضعيف وهو الراوي عن عبدالله بن مغفل. لكن واستدل به بعض اهل العلم لدلالة الاحاديث وشهادتها على معناه وما في شك لا شك ان معنى الحديث تدل عليه النصوص حب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترك فيه جميعهم لكن هذا الحب متفاوت بقدر ما يكون معهم من تحقيق الوصف نحن نحبهم لماذا نعم لانهم اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. الذين نصروه واحبوه وجاهدوا معه. فكل من كان في هذا الوصف اكد كان حق من المحبة اكبر ولذلك الجامع لهم المحبة لكن هذه المحبة ليست على درجة واحدة كما سيبين المؤلف رحمه الله في قوله لكنما الصديق منهم افضل. فيزداد الحب بازدياد وصف الصحبة الذي من اجله ثبت حقهم ووجب حبهم لهذا يجب على المؤمن ان يلاحظ هذا المعنى وان يعرف انهم درجات فان الله فاوت بينهم. فمن انفق من قبل الفتح وقاتل ليس كمن انفق من بعد وقاتل واهل بدر ليسوا كغيرهم. واهل بيعة الرضوان ليسوا كغيرهم. والعشرة المبشرون بالجنة ليسوا كغيرهم والخلفاء الراشدون المهديون الاربعة ليسوا كغيرهم وابو بكر وعمر ليس كغيرهم. وابو بكر ليس كغيره من الصحابة. في وجوب المحبة والولاية. ومحبة النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم لاصحابه كانت متفاوتة ايضا فلم تكن على درجة واحدة. دل على ذلك ما في الصحيحين من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه انه سأل النبي صلى الله عليه اي الناس احب اليك؟ فقال عائشة. فقال من الرجال؟ فقال ابوها. ثم قلت من؟ فعد رجالا وهذا يدل على ان المحبة محبة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن على درجة واحدة لجميعهم بل كانت متفاوتة. والظاهر ان تفاوتها راجع الى معنى ديني وهو تحقيقهم للايمان تحقيقهم للصحبة والذي يجب على من ان يحب جميعهم وان يصون جميعهم عن اي قدح او ذم وان يذب عنهم. وهذا خلاف ما عليه بعض الطوائف المنحرفة الذين يغرون في بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويهضمون بعضا. وابرز هذه الطوائف الرافضة. وبقية فرق الشيعة فانهم يجعلون بغظ اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الايمان والدين والقربى بل منهم من يجعل السب واللعن والشتم والقدح دينا يتعبد الله تعالى به. ولا شك ان هذا من الضلال المبين والحرمان الكبير وفيه قدح في الصحابة وقدح في الرسول صلى الله عليه وسلم وقدح في الشريعة وقدح في الله تعالى ولو ان العاقل تأمل هذا المعنى اي معنى تنقص صحابة رسول الله وما يدل عليه وما يفضي اليه من المفاسد لكان في ذلك غاية الزجر عن هذا المسلك الرديء