فتح الباري في باب العلم قبل القول والعمل ذكر في شرح هذه الترجمة هذا الحديث وقال له شواهد يتقوى بها. فالحديث في اسناده ضعف من جهة داود بن جميل وكثير بن قيس فهما مجهولان. وحال بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه. من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. قال الامام ابن رجب رحمه الله تعالى في رسالة ورثة الانبياء اه شرح حديث ابي الدرداء خرج الامام احمد وابو داوود والترمذي وابن ماجة في كتبهم ان رجلا قدم من المدينة على ابي وهو بدمشق فقال ما اقدمك يا اخي؟ قال حديث بلغني انك تحدث به عن رسول الله الله عليه وسلم قال اما جئت لحاجة؟ قال لا. قال اما قدمت لتجارة؟ قال لا. قال ما جئت الا في طلب هذا الحديث. الله اكبر. قال نعم. قال فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله له به طريقا الى الجنة. وان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم وان العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الارض حتى الحيتان في الماء وفضل على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. وان العلماء ورثة الانبياء. الله اكبر. وان انبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما. وانما ورثوا العلم. فمن اخذه اخذ بحظ وافر. وكان السلف وصالح رضي الله عنهم لقوة رغبتهم في العلم والدين والخير يرتحل احدهم الى بلد بعيد لطلب حديث واحد يبلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم. طيب. الحمد لله رب العالمين. احمده سبحانه لا احصي ثناء عليه كما اثنى على نفسه واشهد ان لا اله الا الله. اله الاولين والاخرين واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله. وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى اله ومن اتبع سنته واقتفى اثره باحسان الى يوم الدين. اما بعد فهذا هو المجلس الاول في قراءة هذه الرسالة التي الفها الامام العلامة الشيخ ابو الفرج عبدالرحمن ابن احمد ابن رجب الحنبلي. وهو من المتفنين اي الذين كتبوا في فنون متعددة فله في الحديث مؤلفات وله في الفقه مؤلفات وله في الحديث مؤلفات وله رسائل متفرقة تدل على عمق علمه وغزارة فقهه وانه رحمه الله على درجة كبيرة من العلم فنسأل الله تعالى ان يغفر له وان يرحمه وان ينفعنا بهذه الرسالة المباركة. هذه الرسالة ايها الاخوان افتتحها المؤلف بالبسملة والحمد كما هو الشأن في اكثر المؤلفات. وابتدأها بذكر حديث هو موظوع هذه الرسالة فهذه الرسالة موظوعها بيان وشرح وتفصيل هذا الحديث العظيم الذي رواه وابو الدرداء قال المصنف رحمه الله خرج الامام احمد وابو داوود والترمذي وابن ماجة في كتبهم ان رجلا ولم يذكر اسناد الحديث اختصارا واقتصارا والا في الحديث عند هؤلاء الائمة من طرق عن قاسم بن رجاء بن حيوة عن داوود بن جميل عن كثير بن قيس عن ابي الدرداء رضي الله عنه فهذا هو اسناد هذا الحديث عند هؤلاء فهو من طرق عن عاصم ابن رجب ابن حيوة عن داوود ابن جميل عن كثير ابن قيس وهذا الاسناد تكلم فيه جمع من الائمة منهم الامام الترمذي رحمه الله فانه بين ضعف هذا الحديث وقد ظعفه الدار قطني رحمه الله فقال عن اسناد هذا الحديث لا يصح الا ان هذا الحديث جاء له من المتابعات والشواهد ما يتقوى به ولذلك لما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في كثير اقوى من حال داوود وان كان جميعا مجاهيل. ولقد قال عن هذا الحديث الدارقطني لما ذكر داود بن جميل قال هو ومن فوقه الى ابي الدرداء ضعفاء. على كل الحديث من حيث الاسناد الذي سيق به حديث ضعيف لكنه ينجبر بما جاء من المتابعات والشواهد التي تدل على ثبوته فهي تشهد لجملة ما في هذا الحديث او لبعضه المؤلف رحمه الله ساق هذا الحديث وفيه قصة الرجل الذي رحل لطلب العلم وما دار بينه وبين ابي الدرداء من المسائلة في سبب اباعث السفر فان رجلا قدم من المدينة على ابي الدرداء وهو بدمشق فقال ما اقدمك يا اخي؟ فقال حديث بلغني انك تحدث به عن رسول الله قال اما جئت لحاجة؟ قال لا. قال اما قدمت لتجارة؟ قال لا. قال ما جئت الا في بهذا الحديث؟ قال نعم. بعد ذلك زف اليه هذه البشرى. وهذا فيه من ادب التعامل مع من صحق عمله وصلح طريقه ما يدخل به السرور على اخيه المسلم. فانه لا شك ان هذا من البشائر التي تزف الانسان اذا كان قد خرج لاجل تحصيل هذا المقصد فذكر له من البشارة ما تظمنه هذا الحديث واوله من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله له به طريقا الى الجنة. ثم ذكرها البشارة الثانية وان الملائكة تضع اجنحتها رضا لطالب العلم والثالثة وان العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الارض حتى الحيتان في الماء ثم الرابعة وفضل العالم العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب والخامسة وان العلماء ورثة الانبياء وان الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن اخذه اخذ بحظ وافر. بعد هذا تكلم المؤلف رحمه الله في ما يأتي قبل الدخول في شرح الحديث وبيانه عن فضل الرحلة في طلب العلم وانتم يا اخواني قد جئتم من بلاد شتى وجهات متعددة لطلب العلم في هذه الدروس الصيفية ولا شك ان هذا يدخل فيما ذكره ابو الدرداء رضي الله عنه وما سلكه اهل العلم من الرحلة في طلب العلم ولقد قال المؤلف رحمه الله في بيان ان هذا المسلك لم ينفرد به هذا الرجل. يقول رحمه الله وكان السلف الصالح رضي الله عنهم قوة رغبتهم في العلم والدين والخير. يرتحل احدهم الى بلد بعيد لطلب حديث واحد يبلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم فصح منهم العزم وتم منهم القصد فبالغوا في تحصيل مراداتهم. ولا شك ان من امتلأ قلبه بحب شيء اعمل بدنه وكدا جسمه في تحصيل ذلك الشيء. والعلم لا يحصل براحة البدن من ظن انه يبلغ في العلم مبلغا يكون محمودا مع راحة في بدنه واتساع في رغباته فانه اخطأ السبيل ولم يصب غايته وغرضه. العلم يحصل الا بالجهد والجد والاجتهاد الذي يترافق ويسبقه فضل الله تعالى ففضل الله سابق لاحق فلا يمكن ان يدرك العلم بمجرد الجهد الذاتي لكن الجهد هو سبب يدرك به الانسان فظل الله ورحمته. نقل ابن القيم جيدين في بيان المعنى الذي نشير اليه من انه لابد من الجهد مع استحضار فضل الله تعالى سؤاله جل وعلا يقول وتلك مواهب الرحمن ليست تحصن باجتهاد او بكسب. تلك العلوم ودرجات العليا فيه ليست تحصل باجتهاد دين او بكسب انما هي مواهب. يقول وتلك مواهب الرحمن ليست تحصل باجتهاد او بكسبي ولكن لا غنى عن بذل جهد باخلاص وجد لا بلعب. والله سبحانه وتعالى اذا علم من العبد صدقا ذلل له الامر ويسر له السبيل وسيأتي في كلام المؤلف رحمه الله ما يشهد لهذا المعنى من انه من صح في رغبته وصدق في نيته وبذل جهده فلا بد ان يدرك الغاية فان الله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر قولوا رحمه الله وقد رحل وقد رحل ابو ايوب الانصاري رضي الله عنه من المدينة الى مصر للقاء رجل من الصحابة بلغه عن حديث يحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك فعل جابر بن عبدالله الانصاري مع كثرة ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث وروى. وكان احدهم يرحل الى من هو دونه. في الفضل والعلم لطلب شيء من العلم لا يجده عنده ويكفي في هذا المعنى ما قص الله علينا من قصة موسى عليه السلام وارتحاله مع فتاه لو استغنى احد عن الرحلة في طلب العلم لاستغنى عنها موسى عليه السلام. حيث كان الله قد كلمه واعطاه التوراة التي كتب له فيها من كل شيء ومع هذا فلما اخبره الله عز وجل عن الخضر ان عنده علما يختص به سأل السبيل الى لقائه ثم ساره وفتاه اليه كما قال تعالى واذ قال موسى لفتاه لا ابرح حتى فابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا. يعني سنين عديدة ثم اخبر انه لما لقيه قال له هل على ان تعلمني مما علمت رشدا. وكان من امرهما ما قصه الله في كتابه. ومن حديث ابي ابن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة موسى والخضر مخرجا في الصحيحين وهو مشهور. وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول والله الذي لا اله الا هو ما انزلت سورة من كتاب الله الا وانا اعلم اين نزلت ولا نزلت اية من كتاب الله الا وانا اعلم فيما انزلت ولو اعلم احدا اعلم مني بكتاب الله تبلغه الابل لركبت اليه. الله اكبر وقال ابو الدرداء رضي الله عنه لو اعيتني اية من كتاب الله فلم اجد احدا يفتحها علي الا رجل ببرك الغماد لرحلت اليه وبرك الغماد اقصى اليمن. وخرج مسروق من الكوفة الى البصرة لرجل يسأله عن اية من كتاب فلم يجد عنده فيها علم فاخبر عن رجل من اهل الشام فرجع الى الكوفة ثم خرج الى الشام الى ذلك الرجل في طلبها ورحل رجل من الكوفة الى الشام الى ابي الدرداء رضي الله عنه يستفتيه في يمين حلفها سعيد بن جبير رحمه الله من الكوفة الى ابن عباس رضي الله عنه بمكة يسأله عن تفسير اية ورحل الحسن رظي الله عنه الى الكوفة الى كعب ابن عجرة يسأله عن قصته في فدية الاذى واستقصاء هذا الباب يطول. يقول رحمه الله وكان السلف الصالح لقوة رغبتهم في العلم والدين والخير يرتحل احدهم الى بلد بعيد لطلب حديث واحد يبلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر لذلك نماذج تصدق هذا فقال رحمه الله وقد رحل ابو ايوب الانصاري من المدينة الى مصر للقاء رجل من الصحابة بلغه عنه حديث يحدثه عن النبي كذلك فعل جابر ابن عبد الله مع كثرة ما سمع من النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول رحمه الله وكان احدهم يرحل الى من هو دونه. وهذا فيه التنبيه الى ان الرحلة لا يشترط فيها ان تكون الى من هو واعلى بل تكون الرحلة الى من هو ادنى. ما دام عنده علم يفوقك ويزيد على علمك ولو كان ذلك في جانب من جوانب العلم فان الرحلة اليه مشروعة كان عليها عمل السلف وكان احدهم يرحل الى من هو دونه في الفضل والعلم لطلب شيء من العلم لا يجده عنده. ثم ذكر في تصديق هذا ما كان من موسى عليه السلام. فذكر قصة موسى ومن وراءه انما هي في حال اقوام بلغوا من العلم مبلغا عظيما فلم يستنكفوا عن الرحلة ولم يستكبروا عليها بل رحلوا في تحصيل العلوم لما بلغهم علم ليس عندهم. يقول ويكفي في هذا المعنى المعنى المشار اليه ايش الرحلة الى من هو دونه في الفضل. والعلم لطلب شيء من العلم الذي لا يجده عنده. يكفي في هذا المعنى ما قص الله علينا من قصة موسى وارتحاله مع فتاة. يقول فلو استغنى احد عن الرحلة في طلب العلم استغنى عنها موسى. لماذا؟ قال حيث كان الله قد كلمه واعطاه التوراة التي كتب له فيها من كل شيء. واي علو بعد هذا العلو؟ واي استغناء بعد هذا الغنى وهو ان يكلمه رب العالمين الذي احاط بكل شيء علما. وبعد ان اعطاه الكتاب الذي كتبه جل وعلا له وجعل فيه من كل شيء ما يحصل به البيان لكن موسى عليه السلام لما اخبره الله تعالى عن حال عبد عنده من العلم ما ليس عند موسى ارتحل في قال بذلك العلم فلما اخبره عز وجل عن الخضر وهو من الصالحين واختلف فيها هل هو نبي او لا واصوب الاقوال انه من عبادة الصالحين وليس نبيا ان عنده علما يختص به ان يتميز به عن موسى. سأل السبيل الى لقائه ثم سار هو وفتاه اليه كما قال تعالى وتصور نبي من الانبياء بل من اولي العزم من الرسل يخرج في طلب العلم لعلم بلغه عند شخص وليس عنده من ذلك العلم شيء. يقول الله تعالى واذ قال موسى لفتاه لا ابرح حتى ابلغ مجمع البحرين طيب وهو مكان او امضي حقبا اي امضي في تحصيل مقصودي سنينا. وهذا يبين لنا ان طلب العلم لا يقتصر على برهة من الزمن. ولا على موعد ينقظي بانقظائه بل طلب العلم هم يقوم في القلب لا ينقظي حتى يبلغ الانسان غايته ويدرك مقصوده. ولذلك يقول الله جل وعلا فيما قام في قلب موسى من مواصلة السعي لتحصيل ذلك العلم قال او امضي حقبا يعني سنين عديدة والحقب جمع حقب او حقب وهو ثمانون سنة وقال مجاهد سبعون سنة وقال الفر سنة واحدة وقال ابن عباس وقتادة ازمنة غير محدودة. وهذا اقرب الاقوال وهو الذي سار عليه ابن رجب رحمه الله هنا حيث قال سنين عديدة. فقول امضي حقبا اي سنين عديدة دون تحديد. لا بثمانين ولا بغيرها. ثم اخبر انه لما لقيه قال له هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا؟ سبحان الله. انظر كيف الادب من هذا النبي الكريم الذي هو من اولي العزم من رسل مع هذا الذي هو دونه في المنزلة بلا شك فان الخضر اختلف هل هو نبي او لا؟ والصحيح انه ليس بنبي ولو كان نبيا فانه في المنزلة دون موسى عليه السلام فان موسى من اولي العزم من الرسل. ومع ذلك يتلطف في السؤال ويستجدي منه ان نوال فيقول هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا؟ اي علما يحصل به الرشد وهذا كلام من يا اخواني؟ كلام رسول من الرسل لشخص عنده من العلم ما ليس عند هذا الرسول. فقوله مما علمت رشدا اي علما ذا رشد وهو اصابة الخير وقال في تفسير الجلالين اي صوابا ارشد به. وهذا فيه بيان افتقاره لهذا العلم وهذا لا شك يا اخواني انه اذا امتثله الانسان في سلوكه وتعلمه بان تواظع لمن يعلمه كان ذلك من اسباب تحصيله وادراكه لما يريد فان العلوم لا تستجلب ولا تحصل بمثل التواضع فان الماء لا يكون الا في المكان الداني. كما ان المال لا يجتمع على رؤوس الجبال انما يجتمع في الاودية المنخفضات من الارض كذلك العلم لا يقر في اماكن العلو والارتفاع بل يكون في من خفظ نفسه وتواظع وذل لتحصيل مقصوده وكان من امرهما ما قصه الله في كتابه في سورة الكهف ومن حديث ابي يعني ما قصه ايضا النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابي بن كعب في قصة موسى والخضر وهو مخرج في الصحيحين. من شواهد ما ذكر من ان الرحلة لا يلزم ان تكون للفاضل وتكون للاعلى بل تكون لمن دون ما كان ابن مسعود رضي الله عنه وهو الذي بلغ من العلم مبلغا عظيما يقول كما في صحيح البخاري من حديث الاعمش عن مسلم عن مسروق عن ابن مسعود والله الذي لا اله الا هو ما انزلت سورة من كتاب الله الا وانا اعلم اين نزلت. ولا نزلت اية من كتاب الله الا وانا فيما انزلت ولو اعلم احدا اعلم مني بكتاب الله تبلغه الابل يعني يمكن ان اصل اليه لركبت اليه. وهذا يدل على وانه يقصد العلم حيث كان. ثم ذكر عن ابي الدرداء ما ذكر من انه ان اعيته اية من كتاب الله فلم اجد احد يفتحها عليه اي يبينوا لي فيها ما احتاجه من البيان اما في تلاوتها واما في فهمها الا رجل ببرك الغماد وبرك الغماد مكان في اقصى اليمن وقيل في اطراف هجر يعني الاحساء وقيل انه واد في جهنم والذي صح من هذه المعاني هو انه في اقاصي اليمن فان البخاري ذكر باسناده عن عائشة رضي الله عنها ان ابا بكر لما خرج الى الحبشة مهاجرا لقي ابن الدغنة في برك الغماد وهي منطقة في جهة اليمن رده واجاره كما هو معروف في قصة خروجه ورجوعه رظي الله عنه في الخبر الذي ساقه البخاري من حديث الزهري عن عروة عن عائشة المقصود ان برك الغماد كما ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله هي في اقصى اليمان. طيب في فائدة من قول ابن مسعود وابي الدرداء وهي ان علم الصحابة رضي الله عنهم كان منصبا على كتاب الله تعالى. وهذا علم تميز به الصحابة ففاغوا غيرهم خلاف غيرهم من القرون فان من بعدهم لا سيما في الازمة المتأخرة قل الاهتمام والاعتناء بفهم كلام الله تعالى تجد عند الطالب من الرغبة والحرص في فهم كلام البشر ما ليس عنده في فهم كلام الله تعالى فتجد عنده عناية بمتن كذا كذا في الحديث او في الفقه او في المصطلح او في علوم الالة واللغة لكن ليس عنده عناية بفهم كلام الله تعالى. وهذا الذي فرق علم الاولين عن علم المتأخرين ان علم الاولين كان متوافرا على كلام الله تعالى دراسة وفهما في حين الجهود مبذولة من كثير من طلاب العلم الان هو في فهم كلام المستنبطين من كلام الله تعالى فتجد يقرأ في الفقه وفي الحديث وفي سائر الفنون مصنفات ومتون حتى يدرك معاني تلك المتون التي هي بيان لشيء من كلام الله تعالى. وهذا لا يعني التزهيد في العلوم. نحن ندعو الى فهم كلام اهل العلم والاستفادة من المتون العلمية على شتى اصنافها وتنوعها لكن نندب اخواننا الى توفير الجهود في فهم كلام الله تعالى. وانت لو تلاحظ اقبال الناس على درس في الفقه او درس في التفسير تجد الفارق كبيرا والسبب عدم ادراك كثير من طلبة العلم اهمية فقه كلام الله تعالى. العلم الحقيقي الذي ينبغي ان تصرف فيه الاوقات. وتوفر فيه الهمم وفهم كلام الله الا وهو العلم الذي تميز به السلف عن غيرهم فان علم الصحابة بل علم كل من تميز في علمه انما جاء عن فقه كلام الله تعالى ومعرفة مقاصد كلام النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. وهذا العلم الذي تقدم به اولئك عن غيرهم ولذلك يا اخواني احثكم على توفير الهمم في فهم كلام الله تعالى. ولا يقول الواحد منا انا الحمد لله واضحة عندي ايات بينة الايات بينة ولكن في كلام المفسرين من البيان والتوظيح والنكات وتنبيهات ما يخفى على كثير من الناس على انه في الحقيقة نقرأ كثيرا من كلام الله تعالى ولا نفهم معناه. فمثلا كلنا نقرأ قول موسى فيما قصه الله. واذ قال موسى لفتاه لا ابرأ سابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا. انا اجزم ان كثيرا ممن يقرأها لا يدري ما معنى حقبة. ما يدري معنى او امضي حقبا يظن انه مكان او هذا الذي قد يتدبر اما الذي يقرأ بدون تدبر فهم كثر. وقد يقرأ الانسان الاية وتفسيرها ثم ينصرف عنها فترة من الزمن لا يراجع التفسير. يغيب عنه المعنى وتصبح القراءة قراءة لسان لا توافق الفهم والمعاني التي ينبغي ان يعتنى بها. قال رحمه الله