ولم اقض حق العلم ان كان كلما بدا طمع سيرته سلما اذا قيل هذا منهل قلت قد ارى ولكن نفس الحر تحتمل الظمأ ولم ابتذل في خدمة العلم مهجتي لاخدم من لاقيت لكن لاخدم ثم يقول رحمه الله وكان الخوف قد غلب عليه فلما مرض مرض الموت حمل ماؤه الى طبيب فقال ليس لهذا دواء هذا قد الحزن والخوف كبده. وان قال لم يكن في زمانه من هو اخوف لله منه ولا من هيبة الله في صدره اعظم منه ولما مات قال بعض العلماء معشر اهل الهوى كلوا الدنيا بالدين فقد مات سفيان يعني ما بقي بعده احد يستحي منه. واما الامام احمد فكان اشد منهما تقشفا في عيشه واكثر صبرا على خشونة العيش للقلة. وكانت معيشته من حوانيت له. ورثها من ابيه يأخذ اجر في الشهر دون عشرين درهما. ومات ولم يخلف الا قطعا في خرقة له. كان وزنها دون نصف درهم. وترك عليه دينا قضي عنه من اجرة حوانيته مع كثرة ما كان يرد عليه من الخلفاء من الجوائز والصلات. هذا صلة ما تقدم من العلماء الذين زهدوا واظهروا التقشف والبعد عن الدنيا وان ذلك مما وافقوا فيه النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. يذكر عن حال طائفة اخرى من اهل العلم يقول وكان يحيى. وكان يحيى ابن ابي كثير من العلماء الربانيين المتوسعين في العلم كان يقال انه لم يبق على وجه الارض مثله وكان حسن الثياب حسن الهيئة. فلما مات خلف ثلاثين كفنوه بها رحمه الله. هذا الحالة الثانية التي اشار اليها المؤلف رحمه الله لانه قال اجتزأوا من الدنيا باليسير الى ان خرجوا منها ولم سوى العلم هذا القسم الاول في سفيان واحمد والحسن مع ان بعضهم كان يلبس لباسا حسنا ويأكل اكلا متوسطا بعيدا من شوف وهو حال من يذكر الان كيحيى ابن ابي كثير. نعم. وكان محمد ابن اسلم الطوسي من العلماء الربانيين الزهاد. فمات الم يخلف سواك سائه ولبده. فوضعوهما على نعشه واناء للوضوء. تصدقوا به. فكان النساء على السطوح يقول ما في جنازته هذا العالم الذي خرج من الدنيا وهذا ميراثه الذي على جنازته ليس مثل علمائنا هؤلاء عبيد بطونهم يجلس احدهم للعلم سنتين او ثلاثة فيشتري الظياع ويستفيد المال. وقال العباس نمارس هاد جمعت اصحابنا يقولون صار الى الاوزاعي اكثر من سبعين الف دينار من السلطان من بني امية مهما تخلف سبعة دنانير بقيت بقية وما كان له ارض ولا دار. قال العباس نظرنا فاذا هو اخرج في سبيل الله والفقراء. وقد وصف الله سبحانه في كتابه العلماء باوصاف منها الخشية والخشوع والبكاء بكاءك ما سبق ذكره ومنها احتقار الدنيا والتزهيد فيها كما قال تعالى في قصة قارون فخرج على قومه في زينة قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثلما اوتي قارون انه لذو حظ عظيم وقال الذين اوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن امن وعمل صالحا ولا يلقاها الا صابرون وقيل للامام احمد ان ابن المبارك قيل له كيف يعرف العالم الصادق؟ فقال يزهد في الدنيا ويقبل على امر الاخرة. فقال احمد نعم هكذا ينبغي ان يكون وكان احمد ينكر على اهل العلم حب الدنيا والحرص على طلبها. واعلم انه انما اهلك اهل العلم واوجب اساءة كظن الجهال بهم وتقديم جهال المتعبدين عليهم ما دخل عليهم من الطمع في الدنيا. وقد رأى علي ابن ابي طالب رضي الله عنه رجلا يقص فقال له لا اسألنك مسألة فان خرجت منها والا علوتك بها هذه الدرة فقال له سل يا امير المؤمنين فقال له ما ثبات الدين وزواله؟ فقال له ثبات الدين الورع وزواله الطمع فقال له قص فمثلك يقص. وهذا سؤال من علي رضي الله عنه لهذا القاس فيه اشارة الى ان من نشر علمه للناس وتكلم عليهم ينبغي ان يكون ورعا عما في ايديهم طامع في شيء من اموالهم ولا ارزاقهم ولا اجتلاب قلوبهم اليه. وانما ينشر علمه لله عز وجل ويتأفف عن الناس بالورع وفي سنن ابن ماجة عن ابن مسعود قال لو ان اهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند اهله سعدوا اهل زمانهم ولكنهم بذلوه لاهل الدنيا لينالوا به من دنياهم فهانوا عليهم. سمعت نبيا صلى الله عليه وسلم يقول من جعل الهموم هما واحدا هم اخرته كفاه الله هم دنياه ومن تشعبت به الهموم في احوال الدنيا لم يبالي الله في اي واد من اوديتها هلك. وقال ابو حازم الزاهد لقد اتت علينا برهة من دهرنا وما عالم يطلب اميرا. وكان الرجل اذا علم اكتفى بالعلم عما سواه فكانت الامراء تغشاهم في منازلهم وتقتبس منهم فكان في ذلك صلاح للفريقين للوالي والمولى عليه. فلما رأت الامراء ان العلماء قد غشوهم وجالسوهم وسألوهم ما في بايديهم هانوا عليهم وتركوا الاخذ عنهم والاقتباس منهم. فكان في ذلك هلاك الفريقين الوالي والمولى عليه ودخل اعرابي البصرة فقال من سيد هذه القرية؟ فقالوا الحسن قال فبمسادهم قالوا احتاج الناس الى علمه واستغناه عن دنياهم وكان الحسن يقول ان لكل شيء شينا وشين العلم الطمع وقال من ازداد علما فازداد على الدنيا حرصا لم يزدد من الله الا بعدا ولم يزدد به غرسا واجنيه ذلة اذا فاتباع الجهل قد كان احزما ولو ان اهل العلم صانوه صانهم ولو وعظموه في النفوس لعظم ولكن اهانوه فهانوا ودنسوا محياه بالاطماع حتى تجهما. نعم له الا بغضا. واجتاز الحسن يوما ببعض القراء على ابواب بعض السلاطين فقال اقرحتم جباه وفرطحتم نعالكم وجئتم بالعلم تحملونه على رقابكم الى ابوابهم فزهدوا فيكم. اما انكم لو جلستم في بيوتكم حتى يكونوا هم الذين يرسلون اليكم لكان اعظم لكم في اعينهم تفرقوا فرق الله اضلاعكم وفي رواية تفرقوا فرق الله بين ارواحكم واجسامكم فارتحتم نعالكم وشمرتم ثيابكم قم وجززتم شعوركم ولكنكم رغبتم فيما عندهم فزهدوا فيكم فضحتم القراء فظحكم الله اما والله لو زهدتم فيما عندهم لرغبوا فيما عندكم ولكنكم رغبتم فيما عندهم فزهدوا فيكم وفي ما عندكم ابعد الله من ابعد وفي الجملة فمن لا يصون نفسه لا ينتفع بعلمه ولا ينتفع غيره طيب اه هذا المقطع من كلام المؤلف في صلة ما تقدم من ان العلماء يجب ان يرثوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مع العلم الزهد في الدنيا فان الزهد في الدنيا سبب لخير كثير. ومن ذلك ان العلم يروج ويقبل وتقبل النفوس اليه اذا كان صادرا عن صادق ليس له همة في الدنيا ولا مزاحمة لاهلها فيها. وذكر من جملة ما ذكر فيما يتعلق بالزهد في الدنيا صيانة النفس عن طلبها من اهلها. سواء كان ذلك من السلاطين او كان من الامراء او كان من الاغنياء فان ذلك مما ينزل به قدر العالم وتذهب به مكانته كما نقل عن ابي حازم الزاهد عن الحسن البصري وهذا لا يعني ان ينعزل العلماء عن اهل الرأي واهل التأثير من اصحاب الولاية من الامراء والملوك والرؤساء ان هذا ليس بمقصود لهؤلاء رحمهم الله انما المقصود الا يأتي هؤلاء وفي نفسه الطمع فيما عندهم من الدنيا اذا جاء لمناصحة او جاء لاشارة او جاء لتبصير فان ذلك من افضل ما يكون من العمل الصالح الذي يترتب عليه صلاح الامة وصلاح حال المسلمين عموما. فينبغي التمييز بين الامرين. ذم الدخول على السلاطين هو فيما اذا كان يدخل ليأخذ من الدنيا ويستكثر منها واما اذا كان دخول الاصلاح او الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة وشد ازر الولاة فيما هم فيه من مسئولية وبيان ما يحتاجون الى بيانه فان هذا من الخير الذي درج عليه اهل العلم قديما وحديثا وحصل بسببه للامة خير كثير. فان العلماء يحتاجون الى ذلك لاصلاح الامة. والامرا والملوك بحاجة الى هذا حتى الامة الشرور ويقود الامة على بصيرة يجنبوها الاخطار والضلالات. فما ذكره ابو حازم والحسن البصري وغيرهما ينبغي ان يحمل في سياقه فليس التنفير من الدخول مطلقا انما التنفير من الدخول اذا كان للتهافت على الدنيا والاستكثار منها وهذا ما يشير اليه الحسن رحمه الله في كلامه حيث قال اما انكم لو جلستم في بيوتكم حتى يكونوا هم الذين يرسلون اليكم وهذا فيه انهم لم يأتوا لاجل الدنيا انما جاءوا لمصلحة في جواب ولاة الامور وتبيين ما يحتاج الى تبيين. فينبغي ان يميز بين هذا وذاك وان يحمل كلام السلف على وجهه فليس المقصود المنابذة والمجانبة فان ذلك يترتب عليه شر كثير لانه اذا انعزل اهل علمي واهل الخير عن الولاة ولم يتصلوا بهم ولم يتواصلوا معهم في المناصحة كان ذلك حجبا لخير كثير يكون من طريق فان الله تعالى يزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن. فينبغي ان يفهم هذا ويفقه فان من الناس من يعيب على اهل العلم الدخول على السلاطين ولو كان دخولهم على هذا الوجه وهذا لا شك انه خطأ في الفهم وتنزيل لكلام العلماء في غير منزله فينبغي ان يستبصر وان يفصل بين انواع الدخول حتى يتميز ما ورد الذم عليه من في كلام اهل العلم وبينما هو عملهم وشأنهم هم في مواصلة الائمة ومناصحتهم. فالدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولرسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم. اذا كانوا ويبعدون فكيف تكون المناصحة؟ المناصحة لا تكون الا بالتواصل ولا تكون الا بحسن الصلة فلابد من هذا حتى يحصل الخير للوالي ولى عليهم نعم قال الشافعي من قرأ القرآن عظمت قيمته ومن كتب الحديث قويت حجته ومن تفقه قدره ومن تعلم العربية رق طبعه ومن تعلم الحساب جزل رأيه ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه وفي هذا المعنى يقول ابو الحسن عبدالعزيز الجرجاني رحمه الله يقولون لي فيك انقباض وانما رأوا رجلا عن موقف الذل احجما ارى الناس من دانا هموهان عندهم ومن اكرمته عزة النفس اكرم الابيات لا تعني ان يكون اهل العلم على سوء خلق بل يجب على العالم ان يرث من جملة ما ورث عن النبي صلى الله عليه وسلم حسن خلقه فانه ولا يكون العالم وارثا للنبي صلى الله عليه وسلم كما لا الميراث اذا تخلف عنه حسن الخلق. فقوله يقولون لي فيك انقباظ عندما رأوا رجلا عن موقف الذل احجم في الانقباض هنا هو عن الدنيا وليس الانقباض في معاملة الناس بالتكشير في وجوههم وسوء معاملتهم وعدم انزالهم منازلهم فان هذا ليس مقصود الجرجاني رحمه الله على الناس من داناهم هان عندهم ومن اكرمته عزة النفس اكرم وهذا مقصوده فيما يحصل من الاقبال على الدنيا فان الانسان اذا اقبل على الدنيا وزاحم الناس فيها هان عندهم. واما اذا صان نفسه بكفاح ايته وعدم طمح نفسه وشرف فؤاده الى حال الناس وتسابقهم في الدنيا فان ذلك ارفع له عندهم وهو ارفع له عند الله تعالى واذا ارتفع العبد عند الله رفع الله مقامه في قلوب الخلق. وبقدر ما يقوم في قلب العالم من تعظيم الله تعالى بقدر ما يلقي الله تعالى في قلوب العباد تعظيمه. وهذه اه مطردة فكما تكون مع الله تعالى في اه الطاعة والاحسان ييسر الله تعالى لك قلوب العباد ويجذبهم اليك كما قال جل وعلا ان الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وده لكن ينبغي ان يفهم ما ذكره الائمة في هذا الشأن لان بعض الناس يظن ان الانقباض وغلظ المعاملة وجفاء الاسلوب هو المقصود كلام الجرجاني رحمه الله يقول ولم ابتذل في خدمة العلم مهجتي لخدم من لاقيت لكن لاخدم لاخدم من لاقيت في امر الدنيا وليس المقصود ان يترفع عن خدمة الناس بل ان العلم كلما زاد في قلب العبد ذل وتواضع وسعى في نفع الناس وقضاء حوائجهم. فالمقصود هنا ما يتعلق بالخدمة التي تتعلق بتحصيل الدنيا والسعي في استكثار منها والمنافسة عليها ليس المقصود الخدمة هي نفع الناس وقضاء حوائجهم فان هذا مما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. ومما ينبغي ان يرثه اهل العلم عنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم. وهذه المقالات والاقوال المنثورة والمنظومة ينبغي ان تحمل على وجهها المقصود منها لا على يتبادر في اذهان بعض الناس من حملها على الجفا وعدم نفع الناس والانعزال عنهم وعدم السعي في خدمتهم ونفعهم نعم قال رحمه الله الحرص على الدنيا والطمع فيها قبيح وهو من العلماء اقبح فان كان بعد الشيب فهو اقبح واقبح. لبس بعض العلماء من التابعين ثيابه. وتهيأ ليمضي لبعض الملوك فاخذ المرآة فنظر فيها فنظر في لحيته طاقة شيب. فقال السلطان والشيب ثم نزع ثياب ابه وجلس قد ان بعد ظلام الجهل ابصاري للشيب صبح يناديني باسفاري ليل الشباب مصير فاسر متعدا. ان الصباح قصارى المدلج الساري. كم ذا اغتراري بالدنيا وزخرفها؟ ابني بناها اعلى جرف لها هاري دار مآثمها تبقى ولذتها تفنى الا قبحت هاتيك من دار. ليس اعيدوا الذي دنياه تسعده ان سعيد الذي ينجوا من النار. اصبحت من سيئاتي خائفا وجلا الله يعلم اعلاني واصراري. اذا تعاظمت ذنبي ثم ايسني رجوت عفو عظيم العفو غفار نجزت والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. ماذا اخر هذه الرسالة المباركة وحمد المؤلف رحمه الله تعالى على ختمها كما حمد الله تعالى في ابتدائها فهو المحمود جل وعلا اولا واخرا. وهي رسالة آآ نافعة في بيان هذا الحديث والاشارة الى ما تظمنه من المعاني اسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يرزقني واياكم العلم النافع وان يجعل عملنا كله صالحا وان يجعله له خالصا وان لا يجعل فيه لاحد نصيبا ومراجعة هذه الرسالة وتدوين ما فيها من الفوائد واللطائف مما يعين على ظبط العلم ومعرفته واستذكاره. اسأل الله جل وعلا ان يستعملنا واياكم في الصالحات. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين