الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد. يقول المصنف رحمه الله باب المسح على الخفين اي هذا باب المسح على الخفين ومناسبة المجيء بالمسح على الخفين بعد باب الوضوء ولان الوضوء اما ان يكون غسلا لاعضاء ثلاثة مسحا للرأس واما ان يكون غسلا لعظوين ومسحا لعظوين. العضوان الممسوحان الرأس بالاتفاق المشروع فيه المسح والارجل وفيهما غسل ومسح. لقول الله تعالى وارجلكم وفي رواية وارجلكم النصب تدل على الغسل وقراءة الكسر تدل على المسح. فذكر المسح بعد الوضوء لاستكمال ما علق بالوضوء من الاحكام. وقوله رحمه الله مسح الخفين اي ما جاء في ذلك من المسائل وخرج بالخفين مسح غيرهما مما يلبس على اعضاء الطهارة. فالخفان يلبسان في القدم. فلو وضع شيئا على يديه كالقفازين او على كالنقاب فانه لا يشرع المسح فيهما. وقد حكى النووي رحمه الله الاجماع على عدم جواز المسح على القفازين في اليدين والبرقع في الوجه. قوله وغيرهما من الحوائل ليشمل ما يكون من الحوائل في اعضاء الطهارة. وهي على اقسام. القسم الاول ما يكون على القدمين من خف وجورب. والقسم الثاني ما يكون على الرأس من العمائم ايها العصائب والخمر والقسم الثالث ما يكون على بقية اعضاء الطهارة في حال الضرورة كالجبائن ونحوها من اللفائف الاضطرارية وكل هذا سيتناوله المؤلف رحمه الله في هذا الباب وابتدأ اولا بالمسح على الخفين فقال رحمه الله وهو رخصة المسح على الخفين رخصة والرخصة في اللغة مأخوذة من السهولة والتخفيف ودفع الشدة واما في الشرع فالرخصة هي ما ثبت على خلاف دليل لمعارض الراجح. وهو وصف للحكم الوضعي. فالرخصة من الاحكام الوضعية وعن الامام رحمه الله ان المسح عزيمة ويترتب على هذا الخلاف الحكم في المسح في سفر المعصية يعني ثمرة الخلاف في كون المسح على الخفين رخصة كما هو المذهب او عزيمة كما هو رواية عن الامام احمد ما يتعلق ايه مسألة المسح في سفر المعصية. قال رحمه الله وافضل من غسل هذا الصحيح من المذهب وهو من مفردات مذهب الحنابلة. وقيل الغسل افضل وهو قول الجمهور. وثمة قول وسط وهو ان الافضل في حق كل احد ما هو الموافق لحال قدمه. فان كانت القدم مكشوفة فالغسل افضل. وان كانت مستورة فالمسح افضل. فلا ينزع ليغسل ولا يلبس ليمسح. قال رحمه الله ويرفع الحدث اي ان المسح على الخفين يرفع الحدث وذلك لقول الله تعالى في بيان ما يجب من الطهارة للصلاة فيا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين على هذه القراءة. ثم قال في اخر الاية ما يرد الله ليجعل عليكم الحرج ولكن يريدوا ليطهركم. فجعل ما تقدم من وضوء وغيره طهارة. ولهذا قال ويرفع الحدث قال ولا يسن ان يلبس ليمسح. بل السنة ما وافق حاله كما تقدم. ثم ذكر مؤلف رحمه الله في مسائل المسح على الخفين المدة قال يجوز يوما وليلة لمقيم ومسافر لا يباح له القصر. ولمسافر سفرا يبيح القصر ثلاثة ايام امن بلياليها يجوز ان يباح المسح على الخفين يوما وليلة لمقيم. هذا اول من يباح له المسح يوم وليلة. قال سافر لا يباح له القصر اي لا يحل له القصر سواء كان ذلك لكونه لم يأتي بالمسافة التي تبيح القصر او لكون سفره غير مباح. المهم انه سفر لا يبيح القصر. فهذا يمسح يوما وليلة. لانه في حكم المقيم فوصف السفر ملغي في حقه لعدم اعتباره فلا تترتب عليه اثاره. واما الحالة الثانية فيما يتعلق المسح فاشار اليها بقوله ولمسافر سفرا يبيح القصر ثلاثة ايام بلياليها اي يمسح على الخفين ثلاثة ايام بلياليها واستدل له بقوله لحديث علي يرفعه المسافر ثلاثة ايام بلياليها وللمقيم يوم وليلة رواه مسلم وجاء نظير هذا ايضا عن صفوان ابن عساف رضي الله تعالى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا اذا كنا الا ننزع خفاءنا ثلاثة ايام ولياليهن الا من جنابة. فدل ذلك على ان حال السفر تختلف عن حال الاقامة فيما يتعلق بمدة المسح. وما ذكره المؤلف رحمه الله هو ما ذهب اليه جمهور اهل العلم فيما يتصل مدة المسح ابى مالك الى عدم التوقيت للمسح فله ان يمسح مطلقا ما دام الخف عليه دون تقيد بتوقيت ذلك بما جاء في سنن ابي داوود من حديث ابي بن عمارة انه قال يا رسول الله امسح على الخفين؟ قال نعم. قال يوما؟ قال نعم قال يوم ويومين؟ قال نعم. قال وثلاثة ايام؟ قال نعم وما شئت. فاستدل ما لك واصحابه بهذا الحديث على انه لا توقيت المسح على الخفين ونوقش هذا بان الحديث ضعيف باتفاق اهل العلم وانه لو صح فهو مطلق واحاديث التوقيت مقيدة مقيد يقضي على المطلق واختار ابن تيمية رحمه الله قولا وسطا بين قول الجمهور ومذهب المالكية ان ما جاء من التوقيت في حديث علي وفي حديث صفوان ابن عسال وغيرهما محمول على حال السعة. اما في حال الضيق فانه يؤذن بالمسح ولو جاوز هذه المدة استدلالا بما جاء عن عمر موقوفا وعن انس مرفوعا وان كان في اسناده مقال انه قال اذا توظأ احدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصلي فيهما ولا يخلعهما ان شاء من جنابة فهذا الحديث فيه انه لا توقيت في المسح على الخف. وهو قول في مذهب الحنابلة انه لا توقيت في المسح على الخف حال الظرورة وحملوا ما جاء عن عمر وما في حديث انس على هذا الوجه. قوله رحمه الله ويخلع عند انقضاء مدة الواجب عليه خلع الخف عند انتهاء المدة اي مدة المسح على الخفين. فان خاف او تضرر رفيقه وبانتظاره تيمم فان مسح وصلى اعاد. فان خاف في حال الظرورة هنا اشار الى ان هذا التوقيت يستوي في حال السعة وحال الضيق. فان خاف اي من اه او تضرر رفيقه بانتظاره تيمم. اي وجب عليه التيمم عن غسل القدمين لانه يكون كالعاجز عن غسل القدمين فيجب عليه التيمم عنهما. فان مسح وصلى اي بعد مضي المدة دون خلع الخفين اعاد لانه لا يجوز. قال وابتداء المدة اي ابتداء حساب مدة اليوم والليلة بالنسبة للمقيم في المسح على الخفين وبالنسبة للمسافر في ثلاثة الايام بلياليها من حدث بعد لبس على طاهر اي ان اليوم والليلة التي تكون للمقيم والثلاثة ايام بلياليها التي تكون للمسافر يبتدأ حسابه من حدث اي من حصول الحدث بعد لبس على طاهر. هذا قول جمهور اهل العلم. وهناك رواية ثانية عن الامام احمد ان ابتداء المدة من المسح بعد الحدث وهذه من مفردات مذهب الحنابلة. والدليل على ما ذكر من ان ابتداء المدة من حدث بعد لبس على طاهر ان النبي صلى الله عليه وسلم وقت المسح بيوم وليلة وهو توقيت العبادة والقاعدة ان العبادات مؤقتة يكون ابتداء وقتها من حين جواز فعلها. واضح التعليل لما ذكروا قالوا العبادات المؤقتة يكون جاء وقتها من حين جواز فعلها. كالصلاة ونحوها من العبادات. ويمكن ان يستدله بحديث صفوان بن عساف قال رضي الله تعالى عنه يعني هذا تعليل الذي ذكرناه هو تعليل استفيد من مجموع ما شرعه الله تعالى في العبادات المؤقتة لكن هناك دليل خاص وهو ما جاء في حديث صفار رضي الله تعالى عنه فانه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا اذا كنا سفرا الا ننزع خفافنا ثلاثة ايام ولياليهن الا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم. وجه الدلالة ان الحديث يدل بمفهومه ان ان الخفاف تنزع لثلاثة ايام. امرنا الا ننزع خفافنا. اذا كنا سفرا الا ننزع خفافنا ثلاثة ايام بالله عليهن ثم قال الا من غائط وبول ونوم. فجعل الثلاثة مدة اللبس التي يمسح فيها من الغائط والبول والنوم. وهذا ما ذهب اليه جمهور اهل العلم. ارجو ان يكون اتضح وجه الاستدلال في الحديث على طاهر العين هذا ذكر شروط الخف الذي يمسح عليه. اولا يكون طاهر العين. قال على طاهر فلا يمسح على نجس ولو في ظرورة اشارة الى الرواية الثانية في المذهب انه ان كان لظرورة جاز المسح عليه كان يكون من جلد السباع ونحوها على المذهب. قال ويتيمم معه لمستور. يعني في حال الظرورة يتيمم معه اي مع الخف النجس لمستور. قال مباح هذا القيد الثاني او هذا الشرط الثاني من شروط الخف الممسوح عليه ان يكون مباحا. قال في بيان المعنى المباح قال فلا يجوز المسح على مغصوب على حرير لرجل لان لبسه معصية فلا تستباح به الرخصة. فالمقصود بالاباعة هنا ان يكون مأذونا فيه شرعا يكون مغصوبا ولا يكون محرم اللبس والتعليل ظاهر. قال رحمه الله في بيان الشرط الثالث من شروط الخف الممسوحة الاقالة ساتر للمفروظ صفة لطاهر على طاهر مباح ساتر للمفروظ اي المفروظ غسله فخرج بذلك المخرق ومها لا يستر قال ولو بشده يعني لو كان ساترا المفروض بشده او شرجه كالزروة الذي له ساق وعرى يدخل بعضها في بعض ثم قال فلا يمسح على ما لا يستر محل الفرض لقصره او سعته او صفائه او خرق فيه كل هذه لا يمسح عليها لانها لا تحقق ستر المفروظ. قال وان صغر يعني وان صغر الخرق حتى موضع الخرز فان انظم ولم يبدوا منه شيء جاز المسح عليه. وكل هذا لكون الخف رخصة فظيقوا فيه على هذا النحو الذي ذكره واختار شيخ الاسلام رحمه الله جواز المسح على المخرق لعموم ما جاء من الاحاديث في المسح على الخفين ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوصف في الذي اشترطوه على هذا النحو من كونه ساترا للمفروظ على النحو المذكور. وهذا مذهب الجمهور من الحنفي والمالكي والشافعي في القديم واختاره بعض الحنابلة كما ذكرت عن شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله. فشيخ الاسلام يرى جواز المسح على الخف المخرق ما دام اسمه ويمكن المشي عليه وقوله رحمه الله يثبت بنفسه هذا الوصف الرابع من اوصاف الخف التي يجوز المسح عليها ان يثبت بنفسه اي ان يكون ثباته على القدم بنفسه لا بشده فان لم يثبت الا بشده لم يجز المسح عليه. وان ثبت مسح الى خلعهما ما دامت مدته فان خلع النعلين فيما لا يثبت بنفسه كما لو خلع الخف لانه الشرط المطلوب ما دام النعلان في القدم كان مثبتا لهذا الخف. فاذا خلعهما زال الوصف من ثباته بنفسه والمنصوص عن احمد رحمه الله انه لا يشترط في الخف الذي يمسح عليه ان يثبت بنفسه واختار ذلك ابن تيمية وهو مذهب الامام الشافعي وجهه ان النبي صلى الله عليه وسلم امر بامته وبالمسح على الخفين. ولم يقيد ذلك بكون الخف يثبت بنفسه او لا. كما في حديث صفوان بن عسان رضي الله تعالى عنه قال امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ننزع خفافنا اذا كنا سفرا ثلاثة ايام ولياليهن الا من جنابة. ولكن من غائط وبول ونوم. وهذا حديث مطلق. يعني يشمل الخف المخرق والخف غير المخرق ويشمل الخف الذي يثبت بنفسه والذي لا يثبت بنفسه. قال رحمه الله من خف بيان لطاهر اي يجوز المسح على خف يمكن متابعة المشي فيه عرفا. قال الامام احمد ليس في قلبه الى اخره. طيب ايجوز المسح على خف يمكن متابعة المشي فيه عرفا فقول من خف من هنا بيانية بيان ان الشروط المتقدمة هي في الخف الذي يشرع المسح عليه ولهذا قال وجورب فانتقل الى ذكر امر اخر غير الخوف غير الخفاف. بعد ان فرغ المؤلف رحمه الله من ذكر ما يتصل الخف من الشروط عاد الى اصل المسألة وهي مشروعية المسح على الخفين قال الامام احمد ليس في قلبي من المسح شيء فيه اربعون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا تقرير لمشروعية الخف وهو من المجمع عليها المتفق عليها بين اهل العلم. ولعل الشارح الشيخ منصور رحمه الله اتى بهذه العبارة للفصل بينما تقدم مما لا خلاف فيه وبينما يأتي مما وقع فيه خلاف. فان المسح على الجوارب مما اختلف فيه اهل العلم ففصل بينما هو متفق عليه وبينما فيه خلاف بذكر الاتفاق على ما تقدم او انه قد جاء فيه من احاديث ما جاء واما ما سيأتي فهو محل خلاف. فقوله وجورب صفيق اي ويمسح على جورب صفيق وهو شروع في ذكر ما يمسح عليه من غير الخفاف. لان نقف على هذا والله تعالى اعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد