بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه. نقرأ ما يسر الله تعالى من احاديث في بلوغ المرام في باب الوضوء تفضل يا اخي. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله واصحابه قال المصنف الامام الحافظ احمد ابن علي ابن حجر الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه بلوغ المرام وعن ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا اذا استيقظ احدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فان انه لا يدري اين باتت يده. متفق عليه وهذا لفظ مسلم هذا الحديث الشريف رواه الامام مسلم في صحيحه من حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه وفيه بيان جملة من الامور قال صلى الله عليه وسلم اذا استيقظ احدكم فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا. قوله اذا استيقظ اي اذا تنبه من نومه يشمل هذا في الظاهر كل نوم ينامه الانسان سواء كان نوم نهار او نوم ليل هكذا قال بعض اهل العلم وقال بعضهم ان الحديث انما هو في نوم الليل دون نوم النهار لقوله صلى الله عليه وسلم في خاتمة الحديث فان احدكم لا يدري اين باتت يده وقال اخرون انما ذكر النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم ذلك لاجل ان الغالب في نوم الناس هو نوم الليل فذكر نوم الليل ليس قصرا للحكم عليه بل هو ذكر الغالب في نوم الناس وانه يكون في الليل واذا كان كذلك فان الذي ينبغي بمعرفة هذا الحكم الا يقتصر فيه على نوم الليل بل هو شامل لنوم الليل ولنوم النهار وقوله صلى الله عليه وسلم اذا استيقظ احدكم يشمل كل مستيقظ سواء كان ذكرا او انثى لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة لعموم الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم فلا يغمس يده بالاناء اي لا يدخلها في الاناء. فالغمس هو الادخال في الشيء والغط فيه فقوله فلا يغمس يده في الاناء اي لا يغط يده في الاناء والمقصود بالاناء هنا الاناء الذي يتطهر به لان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن اناء يستعمل في الطهارة هكذا قال بعض اهل العلم وقال اخرون بل هذا لا يختص الطهارة بل هو شامل لكل اناء يستعمل سواء كان ذلك في اناء الطهارة او في غيرها بل عمم بعضهم وقال يشمل ذلك كل اناء سواء كان اناء ماء او غيره لعموم قوله صلى الله عليه وسلم اذا استيقظ احدكم فلا فلا يغمس يده في الاناء والاناء هنا دخلت عليه الالف واللام التي هي للجنس واما من قصره على اناء الوضوء فقد قال الالف واللام هنا للعهد الذهني وهو ما يستعمل عادة في الطهارة الا ان هذا الاحتمال وهو قصره على انية الوضوء يرجحه ان النبي صلى الله عليه وسلم في رواية اخرى قال فليغسلها ثلاثا قبل ان يدخلها في وضوئه فدل ذلك على ان المقصود الاناء المستعمل للطهارة وليس كل اناء وهذا اقرب والله تعالى اعلم ان المراد بالاناء هنا ما كان مستعملا للطهارة لمجيء ذلك مبينا في رواية اخرى وهي عند البخاري رحمه الله في بيان الاناء الذي يقصد بقوله صلى الله عليه وسلم فلا يغمس يده في الاناء وقوله فلا يغمس يده هكذا في الرواية التي بين ايدينا وجاء في بعض روايات الحديث وهي عند الخمسة احمد واصحاب السنن فلا يدخل يده في الا ان رواية فلا يغمس اقرب في الدلالة على المعنى. لان المقصود هو ادخال اليد في الماء ولا يتحقق ذلك الا بالغمس واما ادخال اليد في الاناء فقد يكون الاناء واسعا فيدخل يده في فراغه وفظائه فيكون بذلك مدخلا يده في الاناء ولا يشمله النهي بالاتفاق لان النهي ليس عن ادخال اليد في هواء الاناء انما فيما يتعلق بادخال اليد في الماء الذي في الاناء فقوله فلا يغمس يده في الاناء اقرب في الدلالة على مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من قوله فلا يدخل يده في الاناء وقوله في الاناء يشمل الانية المعهودة التي تستعمل للوضوء وهي انية صغيرة في الغالب ولذلك قال بعضهم الانية الكبيرة التي تكون كالجرار و الحياظ فلا تدخل فيما جاء من النهي لان اخذ الماء منها دون ادخال اليد في الاناء فيه عسر وصعوبة الا ان يكون عنده اناء صغير يغترف من تلك الاية من تلك الانية الكبرى فقال بعضهم قوله فلا يدخل يده في الاناء اي الاناء المعهود وهو الاناء الصغير لكن بعض الفقهاء قال يشمل ذلك الاناء الصغير والكبير مما يستعمل في الطهارة لان الحديث لم يقيد ذلك صغير الولد كبير فيبقى على عمومه وهذا اقرب فيما يظهر والله اعلم. وان كان العرف قد يقيد به ويصرف اليه اللفظ لكن ابقاء اللفظ على عمومه مع الاحتمال بمال العموم اولى من قصره على بعض صوره دون مرجح لا سيما وان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في تأثير ما يرد على الماء القلتين فقال اذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث فدل ذلك على ان المقصود هو الاناء سواء كان صغيرا او كبيرا قال قبل ان يغسلها ثلاثا. اي ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم نهى عن غمس اليد في الاناء قبل غسلها ما ينفع الامة في شأن في شأنها الخاص وفي شأنها العام فان الشريعة جاءت لاصلاح حال الانسان فيما يتعلق بخاصة نفسه وفيما يتعلق بمعاملته للخلق وفيما ما يتعلق بمعاملته للخالق وهذا مما يتعلق بخاصة الانسان سواء كانت اليد اليمنى او اليد اليسرى. وغسلها ثلاثا هو باجراء الماء عليها ثلاث مرات وبإجراء الماء عليها ثلاث مرات وقوله صلى الله عليه وسلم فلا يغمس هذا نهي واختلف العلماء في حكم هذا النهي هل هو للتحريم او للكراهة؟ على قولين للعلماء منهم من حمله على التحريم وقال لا يجوز ان يغمس يده في الاناء فلو غمس يده في الاناء اثم واثر ذلك على الماء والى هذا ذهب اسحاق وجماعة من اهل العلم قالوا انه اذا غمس يده في الايمان الاناء اثم وتأثر الماء بان تنجس الا ان هذا خلاف ما عليه عامة العلماء وجماهير اهل العلم قديما وحديثا من ان النهي للكراهة وانه لو خالف الانسان فغمس يده في الاناء فان ذلك لا يؤثر على الماء تنجيسا ولا ينتقل هذا الماء عن كونه طهورا ينفع في الطهارة الصغرى والكبرى في ازالة الخبث ورفع الحدث و يبقى على وصفه الاصلي لان النهي لم يبين حكم الماء انما بين حكم غمس اليد في الماء قبل غسلها واما العلة التي من اجلها نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن غمس اليد في الماء فقد جاء التصريح بها في قوله فانه لا يدري اين باتت يده فقوله فانه الفاء هنا للتعليل وقوله لا يدري اين باتت يده هذه علة الحكم وعلة الحكم بهذا الحديث الشريف تبين ان السبب في غسل اليدين قبل غمسها في الاناء هو خشية ان يصيب اليد ان يكون قد اصاب اليد شيء شيء فيتأثر ما به بقوله فانه لا يدري اين باتت يده وهذا التعليم حمله بعضهم على انه اشارة الى احتمال ان تكون اليد قد تحركت فاصابت نجاسة في النوم ولذلك قالوا ان العلة في ذلك هو احتمال ان تصيب اليد نجاسة فتعلق باليد فاذا ادخل يده في الاناء انت قلت النجاسة من يده الى الاناء الى الماء الذي في الاناء. هكذا قال مع من اهل العلم وهم كثر تعللوا الحكم بخشية التنجيس. عللوا الحكم بخشية التنجيس وهذه العلة ضعيفة لان النبي صلى الله عليه وسلم لو اراد ذلك لبينه بيانا واضحا لكن قوله فانه لا يدري فان احدكم لا يدري اين باتت يده يشير الى عارض قد يصيب الانسان في نومه غير موظوع النجاسة فلو تيقن ان يده سالمة من ان تصل الى نجاسة او ان تصيبها او ان يصيبها قذر فانه يشرع له ان يغسل يديه ثلاثا اذا استيقظ من النوم قبل السلام. قبل ان يغمسه في الاناء والعلة في هذا هو ان الانسان حال النوم يتسلط عليه الشيطان تسلطا لا يتمكن منه في حال اليقظة وقد تقدم فيما مضى ما جاء في الصحيح من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا استيقظ احدكم فلينتثر ثلاثا فان الشيطان يبيت على خيشومه وهذا يدل على ان الشيطان يصيب الانسان اصابة حسية بان يبيت على خيشومه اي على انفه وهذا يؤثر عليه ولذلك ندب الاستنثار المستيقظ من من النوم في هذا الحديث وايضا جاء في الصحيح من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا نام ابن ادم عقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد وهذي عقد حقيقية حلها بذكر الله والوضوء والصلاة وكذلك قوله في هذا السياق صلى الله عليه وسلم فان احدكم لا يدري اين باتت يده. اي لا يدري ما الذي طرأ على يده والا هو يدري انها معه في الفراش او في المكان الذي هو فيه لكنه لا يدري ما الذي جرى على يده حال نومه من تسلط الشيطان واذاه فلذلك شرع له ان يغسلهما ان يغسل يده ثلاثا قبل ان يغمسه في الاناء وهذا اقرب ما قيل في حكمة هذا الحكم وعليه فان الحكم لا علاقة له بالوضوء انما هو عام في كل ما يكون من غمس في اليد في الاناء سواء كان الاناء للوضوء او لغيره كان يكون الماء للشرب مثلا يريد ان يغترف ويشرب او للغسيل غسيل الثياب او غسيل المتاع وما الى ذلك او كان للوضوء. للعموم في قوله صلوات الله وسلامه عليه اذا استيقظ احدكم فلا يغمس يده في الاناء واما النص في الرواية الاخرى على ماء الوضوء فلانه اكد ما ينبغي الاحتراز له ولكن هذا لا يقصر الحكم عليه فان التعليل عام يشمل تأثر ماء الوضوء وغيره هذا الحديث الشريف فيه جملة من الفوائد من فوائد هذا الحديث حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بيان وفيه من الفوائد كراهية غمس يد المستيقظ من النوم في الاناء لا سيما نوم الليل وقد قصره بعض اهل العلم كما تقدم على نوم الليل لكن الصواب انه شامل لنوم الليل ونوم غيره وانما نوم الليل ذكر لانه الغالب في نوم الناس و النهي هنا كما تقدم في قول الجمهور للكراهة والماء باق على طهوريته فيما لو خالفه الانسان فيه من الفوائد ايضا ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم بين الحكم وعلته وهذا جار في كثير من الاحكام الشرعية يأتي بيان الحكم وعلته. يأتي بيان الحكم وبيان علته على وجه يتبين به المقصود الشرعي من الحكم وان العلة قد تكون معقولة تدركها العقول وقد تكون علة خفية لا تدركها العقول اي لا تدرك كنهها وحقيقتها. فان النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث فان احدكم لا يدري اين باتت يده. وهذا التعليل الغيب اي لا يدري ما الذي طرأ على يده حال نومه من تسلط الشيطان وليس لاحد ان يقول انا والله يدي قد علمت ما حصل فيها وقد وضعتها في جراب واعلم ان ان انه لم يطرأ عليها شيء لا هذه امور غيبية حتى لو وضعت يدك في امكن ما يكون من وسائل الحفظ فان الحكم باق لان الحكم لا يتعلق بالنجاسة الحسية انما يتعلق بامر معنوي وهو اثر الشيطان على يد الانسان ومثل هذا لا يمكن ان يدرك ولا يمكن ان يتوقى بان تحفظ اليد بما تحفظ به من الاقذار ونحوها فلو ان انسانا قال انا استطيع ان امنع الشيطان من يدي قلنا له هذا ليس اليك لا تستطيع. فالشيطان له تسلط على الانسان لا يدفعه الا بالاسباب الشرعية بذكر الله والاعتصام به فالشيطان يجني من ابن ادم مجرى الدم. هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فهل منا من يمكن ان يمنع الشيطان من ان منه مجرى الدم؟ الجواب لا لكن منا من يستطيع ان يضيق على الشيطان مجاري الدم فيمنع عمله وتسلطه لكن ان يمنع جريانه ذاك امر لا قدرة للانسان فيه الا بالاحتماء بالله عز وجل والاعتصام به من اثر الشيطان. هل يمكن للانسان ان يمنع الشيطان من ان يبيت على خيشومة؟ قال الجواب لا هذا امر قدري مكن الله تعالى الشيطان منه فلا سبيل الى منعه لكن لك ان تمنع اثاره وظرره وذلك بما وجه اليه النبي صلى الله عليه وسلم من الاستنثار ثلاثا هذي معاني لابد من استحضارها حتى يقطع الطريق على من يقول اعلم اين باتت يدي؟ هذا الحكم غريب وما اشبه ذلك مما يريده بعض الناس على اقوال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم فيه من الفوائد تعليل الاحكام بما لا تدركه العقول اي بما لا يمكن للعقل ان يدركه على وجه الكمال. وهذا ليس بغريب. فالشريعة تأتي بما تحار فيه العقول وما تندهش له وما لا تطيق ادراكه لكنها لا يمكن ان تأتي بما تحيله العقول طبعا الذين قالوا بان علة الغسل هي النجاسة رتبوا على ذلك جملة من الفوائد فقالوا مثلا من فوائد الحديد انه مشروعية غسل النجاسات ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا. وقالوا اذا كان هذا في النجاسة الموهومة فالنجاسة المتيقنة من باب اولى رتبوا على ذلك جملة من الفوائد لكن نظرب عنها صفحا لان التعليل بذلك ضعيف فلا حاجة الى ان نبني فوائد على تعليل ضعيف. والا ايضا قالوا من فوائد الحديث الكناية عن المستقبحات دون التصريح وجه ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فان احدكم لا يدري اين باتت يده ولم يقل فان احدكم قد تصيب يده نجاسة اما بان تصيب اه او دبرا او ما اشبه ذلك فقال هذه من الكناية في المستقبحات لكن كل هذا مبني على تعليل ليس بصحيح فلذلك نضرب عنه صفحا