سيدنا جبريل بالوحي الى حيث امره الله سبحانه وتعالى هذا الباب ذكر فيه المصنف رحمه الله اية وحديثين. الاية هي جزء اية في سورة سبأ. قال الله تعالى حتى اذا فزع عن قلوبهم الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى احمده حق حمده له الحمد كله اوله واخره ظاهره وباطنه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صفيه وخليله خيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته وسار على نهجه ولزم سبيله الى يوم الدين اما بعد الله جل في علاه قلق الخلق ميز بينهم وفاضل بين مراتبهم فخلق الله تعالى الملائكة وجعلهم في منزلة ومكانة عظيمة تفوق كثيرا من الخلق وذلك ان الله تعالى خلقهم وخصهم بان جعلهم على نحو من الخلق لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون. خلقهم الله تعالى من وخلقهم للعبادة وجعل لهم من القدرات والمكنة ما ليس لكثير من خلقه جل في علاه وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون فالمؤمن يؤمن بالله وملائكته فالايمان بالملائكة من الايمان بالله عز وجل ويؤمن بما اخبر الله تعالى عنهم في خلقهم وصفاتهم وسائر ما يتعلق بشأنهم على وجه الاجمال فان ذلك من اصول الايمان ثم يؤمن بمن سماه الله تعالى منهم على وجه الخصوص. وقد سمى الله تعالى جملة من الملائكة في كتابه وجاء بعض ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم من سمى الله تعالى من الملائكة جبريل عليه السلام وسمى من الملائكة ميكائيل من الملائكة اسرافيل وهؤلاء الثلاثة هم اعلى الملائكة منزلة وقد اوتر الله تعالى اليهم من شؤون الخلق ما بحياتهم وصلاحهم وما به معادهم ونشورهم فجبريل جعله الله تعالى رسولا بينه وبين المصطفين من الناس من الرسل وميكائيل جعل الله تعالى اليه القطر الذي به حياة الناس وجعلنا من الماء كل شيء حي. واسرافيل اوكل الله تعالى اليه النفخ في الصور الذي به الموت والصعب وبه البعث والنشور فالمقصود ان الملائكة عليهم صلاة الله وسلامه لهم من المنزلة عند الله عز وجل والمكانة ما ميزهم به عن سائر الخلق وخصهم بان جعلهم على نحو من الاقبال عليه والتعبد له والطاعة ما ليس لكثير من الخلق ولذلك اختلف العلماء رحمهم الله ايهما افضل؟ جنس الملائكة ام جنس بني ادم ولا طائلة ورأى هذا الخلاف فالله عز وجل اصطفى من الملائكة رسلا واصطفى من الناس رسلا وجعل محل الفضل في هذا وذاك على نحو يتبين به عظيم حكمته وسعة علمه والصواب في هذا ان جنس الملائكة افضل من جنس البشر على وجه العموم. من جهة كونهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون. لكن ما يتصل بالافراد فلا شك ان صالحي بني ادم لهم من المنزلة والعلو ما يسمو على الملائكة صلوات الله وسلامه عليه. وافضل الخلق محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم فانه افضل الخلق. وقد تقدم في ما قرأنا من ايات واحاديث في الباب السابق ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من عظيم الجاه عند الله عز وجل ومع ذلك لم يكن يملك صلى الله عليه وعلى اله وسلم لاحد دون الله شيئا بل نادى الاقربين من اهله وعشيرته. وانذرهم كما امر الله تعالى في قوله جل وعلا وانذر عشيرتك الاقربين ثم قال يا معشر قريش اشتروا انفسكم فاني لا لا اغني عنكم من الله شيئا. يا عباس ابن عبد المطلب اشتري نفسك فاني لا اغني عنك من الله شيئا. يا صفية عمة رسول الله اني لاغني عنك من الله شيئا. يا فاطمة بنت محمد سليل من مالي ما شئت. فاني لا اغني عنك من الله شيئا وكل هذا بيان ان اعظم الناس جاها اعظم الخلق مكانة ومنزلة لم لم يمكنه ان يوصل نفعا او يدفع ضرا عن احد من الخلق ولو كان اقرب الاقربين الا بمشيئة رب العالمين وليس له في ذلك شأن ولا له ولا اليه في ذلك حكم بل الحكم لله جل في علاه يقضي ما يشاء ويحكم ما يريد سبحانه وبحمده وقد ذكر المصنف رحمه الله في هذا الباب بيان عظيم منزلة الملائكة وشأن وبين شيئا من شأنهم مع الله عز وجل. ليقطع تعلق القلوب بغير سبحانه وتعالى فالقلوب لا تتعلق الا بالله ومتى تعلقت بسواه هلكت وفسدت اثرت ولم تدرك سعادة ولا نجاحا. فالمخلوق مهما عظم قدره وسماء مكانه وارتفعت منزلته فانهم عبد مرموب لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا. فنستمع الى ما ذكر المؤلف رحمه الله من الايات والاحاديث ثم نعلق على ما يسر الله تعالى من ذلك بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين. قال الامام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله باب قول الله تعالى حتى هما اذا وزع عن قلوبهم. قالوا ماذا قال في الصحيح عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا قضى الله الامر في السماء ضربة الملائكة باجنحتها قطعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذه ذلك حتى انا اذا وزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قال ومن حقهم العلي الكبير. فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين اصابعه اسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الاخر الى من تحته. حتى انبياء على لسان الساحر او الكاهن. ربما ادركه الشياك قبل ان يلهيها وربما القاها قبل ان يدركه. فيكذب معها مائة كلبة. فيقال فقد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا. فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء وعن النواس بن سمعان رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم اذا اراد الله ان يوحي بالامر تكلم بالوحي. اخذت السماء رجبة او قال بعثة شديدة خوفا من الله. فاذا سمع ذلك اهل السماء صعدوا وخلوا لله سجدا. فيكون اول من يرفع رأسه جبريل الله من وحيه بما اراد. ثم يمر جبريل على الملائكة كلما سأله ملائكتها ماذا؟ قال ربنا يا جبريل. فيقول جبريل قال اللهم الغني الكبير. قال فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير. هذا الجزء من اية كريمة في سورة سبأ له صلة بما قبله وهو يبين عظيم ذل الملائكة وخضوعهم لله عز وجل. الملائكة خلق من خلق الله عظيم. له من القدرة والجاه والمنزلة عند رب العالمين ما بينته النصوص فان النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل على صفته التي خلقه الله تعالى عليها له ست مئة جناح قد سد الافق رآه في مكة صلى الله عليه وعلى اله وسلم. عندما اوحي اليه في اوائل بعثته صلى الله عليه وسلم ورآه في غير هذا الموضع. هذا الخلق العظيم الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في صفة جبريل ان له ست مئة جناح سد الافق اي غطى ما بين السماء والارض لعظم خلقه وكبير صنع الله تعالى هذا من جهة عظم الخلق. واما من جهة عظم المكانة فان له عند الله منزلة عظمى. مع هذا يقول الله جل وعلا في وصف الملائكة عند تكلم الله بالوحي حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير. فالله جل في علاه شأنه عظيم. كل الخلق بين يديه ذليل. لا اله الا هو سبحانه. فمهما عظم المخلوق قدرا ومهما عظم المخلوق مكانة وما عظم المخلوق قوة ومهما عظم المخلوق جاها الا ان ذليل بين يدي رب العالمين خالقه وبارئه. الذي بيده نواصي الخلق جل في علاه كبير بين يديه يقصد جل في علاه. بل لا اله غيره وقد ابطل الله تعالى كل ما تعلق به الذين انصرفت قلوبهم لغير الله عز وجل. القلوب الضعيفة الغافلة عن الله عز وجل تتعلق بغيره جل في علاه جهلا منها بعظيم قدره ولذلك قال الله تعالى في خطاب بني ادم ما لكم لا ترجون لله وقارا؟ وقد خلقكم اطوارا اي ما لكم لا تعظمونه حق عظمته. وقال تعالى وما قدروا الله حق قدره فالعبد اذا غفل عن قدر الله وعظيم مكانته تعلق قلبه بما يتوهم انه ينفعه او انه يدفع عنه ضرا. وبالتالي يقع في الهلاك. يقع في الضلال يقع في الظلم العظيم وهو الشرك برب العالمين. بين الله عز وجل بطلان عبادة ما سواه فقال جل وعلا قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ثم قال ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له بعد ذلك قال حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير. هاتان الكريمتان في سورة سبأ تبطل كل تعلق بسوى الله جل في علاه. تبطل كل التفات الى غيره. فالله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم الذي بعثه بالهدى ودين الحق بعثه يدعو الناس الى عبادة الله وحده لا شريك له. بعثه يقول للناس قولوا لا اله الا الله تفلحوا يقول له يا محمد قل اي قل لهؤلاء الذين بعثت اليهم وكانوا يعبدون غير الله ويصرفون العبادتين سوى ادعوا الذين زعمتم من دون الله ادعوا الذين زعمتم واخترعتم واختلقتم الهة من دون الله ادعوهم دعاء مسألة ودعاء عبادة دعاء مسألة يعني اسألوهم قضاء حوائجكم واطلبوا منهم كشف كرباتكم وتحصيل مطلوباتكم. وادعوهم بالعبادة التي كنتم تفعلونها من التقرب لهم بانواع القربات من الذبائح والنذور. وسائر التقربات التي كانوا يتقربون لهم بها من دون الله. وهذا وهذا القول بيان لابطال هذه العبادة وليس اذنا بها فالله لم يأمر بعبادة سواه بل اول ما امر الله تعالى به في كتابه يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون. واول ما نهى الله تعالى عنه في كتابه فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون. فاول ما امر الله به التوحيد واول ما نهى الله تعالى عنه في كتابه الشرك فقوله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله اي الذين تدعون انهم الهة وانهم يقضون حوائجكم وانهم يجلبون لكم الخير وانهم يقضون لكم المطالب وانهم يغيثون اللهفات ويجيبون الدعوات ادعوهم وانظروا حالهم فانه قد بين الله تعالى عظيم فقرهم وانهم لا يستحقون شيئا مما يصرف اليهم من العبادات والدعوات. قال الله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله حالهم ما هي؟ هؤلاء الذين لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض لا يملكون مثقال ذرة اي لا يملكون وزن ذرة. المثقال هو الوزن. ليس لهم ملك وزن والذرة اقل ما يوزن في الميزان فلا يملكون شيئا في السماوات والارض ومن لا يملك هل يمكن ان يهب من لا يملك هل يمكن ان يجيب الدعوات؟ من لا يملك هل يمكن ان يغيث اللهفات؟ من لا يملك هل يمكن ان ينجد المستغيثين ويعيذ المستعيذين ويجيب دعوات الداعين؟ الجواب لا لا يمكن فانه لا يملك والدعاء والسؤال والطلب لا يكون الا ممن له الملك فابطل الله تعالى كل ملك لسواه فهو الملك الحق المبين وكل من في يده شيء من المملوكات فملكه قاصر لا يخرج عن ملك الله عز وجل بل الله غالب عليه وهو الذي وهبه وهو الذي امده وهو الذي يحفظه وهو الذي يسلبه فكل ملك مهما عظم ومهما كبر فلا يخرج عن ملك الله عز وجل ولذلك يظهر هذا على وجه الجلاء يوم القيامة فيقول ربنا لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار لان الناس تخلو من كل ملك يملكونه كما قال تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة وتركتم ما وراء ظهوركم. كل ما تملكه تركته وراء ظهرك. لانك تملكه ملكا قاصرا فالذي هذا الملك مسبوق بالعدم وهذا الملك ليس مطلقا بل انت مأمور فيه بطاعة الله فاذا عصيت الله في ملكك الذي ملكك اياه قبك عليه ولذلك لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ما له من اين اكتسبه وفيما انفقه ولو كان ملكا مطلقا لما سئل لكنه ملك مقيد لا يتمكن بين من الخروج عن حكم ملك الملوك جل في علاه فلذلك لا يتوجه الى غير الله عز وجل بسؤال ولا بطلب لانه لا يملك لا يملكون مثقال ذرة يعني ادنى ملك في السماوات ولا في الارض. هذا الامر الاول اذ ذكره في حال هؤلاء الذين يدعون من دونه. ويدعو الذين زعمتم من دون الله. لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض وما لهم فيهما من شرك اي ليس لهم في خلق السماوات والارض اي شركة بل هم مملوكون مقهورون لا ملك لهم لا في السماوات ولا في الارض وماله في وما لهم فيهما من شرك انت عندما تسأل عندما تسأل مالكا او تسأل من له نصيب في هذا الملك قال جل وعلا وماله منهم من ظهير. اي وليس له جل في علاه. من خلقه معين فهو الغني الحميد المجيد سبحانه وبحمده فقوله وماله منهم من ظهير اي ليس له سبحانه وبحمده معين يعينه جل في علاه في تدبير امر خلقه وكونه سبحانه وبحمده. انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون سبحانه جل في علاه سبحانه لا نحصي ثناء عليك هو كما اثنى على نفسه فلذلك انقطعت كل الاسباب التي تدعو الناس للتعلق بغير الله. فكل ما سوى الله هو عبد مقهور مملوك مهما عظم قدره ومهما علا جاهه لا يمكن ان يجلب لنفسه نفعا ولا ان يدفع عن نفسه ضرا فضلا عن ان يجلب لغيره نفعا او ان يدفع عن غيره ضرا. بل الخلق كلهم ولو علت منازلهم وارتفعت مكانتهم وعظم ما منحهم الله تعالى اياه من القدرة والقوة والمكنة هم عبيد مقهورون لله مقهورون لله كما قال جل وعلا وهو القاهر فوق عباده سبحانه وبحمده فليس شيء يخرج عن حكمه وليس شيء يعجزه سبحانه وليس شيء يستقل عما اراده سبحانه وما تشاؤون الا ان يشاء الله فالعباد والخلق كلهم في قبضته. وانما يمضي الله على ايديهم ما يشاء من الاقدار وهو سبحانه وبحمده الواحد القهار انتفى عن هؤلاء الذين يدعون من دون الله. ويقصدون من دون الله بالعبادات. بسؤال الحاجات اللهافات وبانواع القربات قطع الله تعالى كل الاسباب التي تسوغ التوجه اليهم فليس لهم في السماوات والارض وبادنى ملك ولا لهم فيهما شركة وليس له منهم معين. بقي شيء واحد وهو ما يتعلق به كثير من الذين يصرفون العبادة لغير الله وهي الشفاعة وهي الشفاعة ولذلك قال جل وعلا ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له. حتى الشفاعة ليست مطلقة لهؤلاء بل هم فيها عبيد مقهورون. وسيأتي تفصيل ذلك وبيانه في باب مستقل ببيان الشفاعة فليس لاحد ان يشفع الا باذنه جل في علاه كما قال تعالى وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا الا من بعد ان يأذن الله لمن يشاء ويرضى فلا يسأل حتى الشفاعة لا تسأل من المخلوق انما تسأل ممن يملكها وهو الله جل في علاه سبحانه وبحمده لهذا انقطعت كل العلائق هذه الاية هاتان الايتان قطعت عروق الشرك وسدت ابواب التوجه لغير الله فلا اله الا الله لا معبود حق الا الله لا يستحق احد ان يقصد سواه جل في علاه. فهو سبحانه الاله الحق فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق الا الضلال؟ فكل عبادة وتوجه الى غيره جل وعلا باي نوع من انواع العبادة القلبية او القولية او العملية هو ضلال انحراف