بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله. سيدنا ونبينا محمد ابن عبدالله وعلى اله وصحبه ومن استن بسنته واهتدى بهداه اما بعد فهذا مجلسنا المتتابع في جلستنا السابعة والثلاثين في شرح متن جمع الجوامع للامام تاج الدين بن السبكي رحمه الله تعالى ولا يزال مجلسنا متابعا في مسائل كتاب السنة وهو ثاني كتاب المتن. وقد وقف بنا الحديث بعدما ذكر المصنف رحمه الله تعالى ما يتعلق بشروط الراوي وختمها انذاك بالحديث عن عدالة الرواة وسلامتهم من ما يخل بالمروءة او ما يخدش في الديانة ويقدح فيها. وكان اخر ذلك الحديث عن تلك الذنوب التي تعد في الكبائر والوقوع فيها مسقط العدالة. نشرع الليلة بعون الله من قول المصنف رحمه الله مسألة الاخبار عن عام الا ترافع فيه الرواية. نعم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين قال المصنف رحمه الله وغفر له ولشيخنا وللسامعين مسألة الاخبار عن عام لا ترافع فيه الرواية. وخلافه الشهادة. هذه المسألة التي نستفتح فيها ان تعديل الراوي شرط في قبول روايته فالمسائل الاتية فرع عن ذلك. قال رحمه الله تعالى مفرقا بين الرواية والشهادة وحرص الاصوليين على التفريق بين هذين اعني الرواية والشهادة موجود قديما في كلام المصنفين ويحرصون دوما على هذا التفريق ودرجوا عليه منذ الشافعي رحمه الله في الرسالة وابن حزم في الاحكام مثلا والسرخسي في اصوله فالمتقدم الاوائل كانوا يحرصون على ايراد التفريق بين الرواية والشهادة الى ان توسعت كثيرا عند القرافي رحمه الله في كتابه العظيم الفروق. بل جعله اول فرق في كتابه يفرق فيه بين متماثلات والمتشابهات في الشريعة. لماذا؟ لوجود شبه بين الرواية والشهادة. من حيث ان كلا منهما يترتب عليه اثبات حكم فشهادة الشاهد عند القاضي يترتب عليه دعوى المدعي ورواية الراوي يترتب على قبول روايته مضمون الرواية. وهو ما يحكيه في منتهى السند من كلام مرفوع الى النبي عليه الصلاة والسلام او للصحابي او الى من ينتهي اليه السند فوجه الشبه بينهما متعدد وكذلك انك تقبل رواية الراوي كما تقبل شهادة الشاهد اذا ثبت عندك الثقة فيما يقوله راويا كان او شاهدا فمن حيث وجوه الشبه حرصوا على ذكر المسائل التي يفترق فيها الجانبان. ولان عددا من القضايا التي وقع فيها الاختلاف فيما باحكام الرواية والشهادة او شروط الراوي والشاهد يقارن الاصوليون كثيرا بين هذين البابين. فاذا اثبتوا شيئا في الرواية قالوا قياسا على الشهادة واذا نفوا شيئا في الرواية قالوا قياسا على الشهادة. فمن اجل ذلك حرصوا على التفريق بينهما حتى تتضح وجوه الشبه والاجتماع ووجوه الافتراق والاختلاف. قال هنا مبتدئا بتحديد الماهية التي يفترق فيها كل من الرواية والشهادة قال رحمه الله الاخبار عن عام لا ترافع فيه الرواية. وخلافه الشهادة. اذا يمكن ان تقول الرواية هي الاخبار عن عام لا ترافع فيه بهذين الوصفين الرواية اخبار عن عام تحكي حديثا نبويا تحكي اثرا موقوفا على صحابي. ليس فيه ذكر مسألة او قضية تتعلق بمكلف. له حكم الاخبار عن عام هذا الوصف الاول. والوصف الثاني الذي يفترق فيه عن الشهادة قال لا ترافع فيه والشهادة بخلافه لا ترافع يعني لا تقاضي فيه عند الحاكم. فالراوي يروي الرواية بغض النظر ان تكون خصومة امام نظر القاضي او لا لا يكون بخلاف ذلك الشهادة فليست اخبارا عن عام ولكنها اخبار عن خاص يشهد الشاهد ان لفلان حقا على فلان وان فلانا جنى وان فلانا كذا فالشهادة اخبار عن خاص ثم انها فيها ترافع عند القاضي ولذلك تأتي المسائل الاتية فيها شيء من الموازنة بينهما. نعم واشهد انشاء تضمن الاخبار لا محض اخبار او انشاء على المختار. طيب هذه احد مسائل الخلاف قول المكلف اشهد في الشهادة عند القاضي اشهد ان فلانا قذف اشهد ان لفلان حقا على فلان. اشهد على هذا البيع. اشهد على نكاح فلان من فلانة. شهادة يؤديها الشاهد في مجلس الحاكم والقاضي بلفظ اشهد فهنا المسألة تقول قول الشاهد في ابداء شهادته واثباتها بين يدي القاضي والحاكم قوله اشهد هل هي من قبيل الانشاء ام من قبيل الاخبار وقد تقدم معك ان الخبر ان ان الجملة اما انشاء واما خبر. فالانشاء كالامر والنهي والخبر الذي لا يقبل تصديقا ولا الذي يقبل تصديقا وتكذيبا فقول الشاهد اشهد هل هو انشاء او اخبار؟ اختلفوا فيه على قولين فيذهب اهل اللغة وهو مختار الرازي ايضا في تفسيره ان ان الشهادة اخبار عن علم فيقول الشاهد اشهد يخبر ولذلك فان منتظى شهادته مقتضى الاخبار فيقبل التصديق والتكذيب فيصدق الشاهد او يكذب لان قوله اشهد اخبار والخبر والخبر مظنة التصديق او التكذيب. هذا يذهب اليه بعض ارباب اللغة ورجحه الرازي في تفسيره والقول الثاني ان قول الشاهد اي اشهد هو انشاء يتضمن اثباتا لحكم وذكر بعض الاصولين ان هذا هو الراجح في المسألة. المصنف ماذا صنع؟ جمع بين القولين قال رحمه الله واشهد انشاء تضمن الاخبار لا محض اخبار او انشاء. يعني لا هو بالاخبار المحض ولا هو بالانشاء المحض. قال على المختار فيما رجحه رحم الله الجميع نعم وصيغ العقول كبعت انشاء خلافا لابي حنيفة. هذه مسألة ثالثة صيغ العقود قول القائل بعت اشتريت نكحت طلقت هذي صيغ عقود فيها اثبات بيع وشراء ونكاح وطلاق هذه الصيغ التي يتكلم فيها المكلف هل هي انشاء ام اخبار انت لما تقول بعت في مقام البائع انت توجب البيع فيقول المشتري قبلت. هل هذا انشاء ام اخبار ان قلت اخبار ايقبل التصديق والتكذيب وان قلت ان شاء فالصيغة صيغة خبر الصيغة بالماضي تقول بعت الشيء كما جئتني تقول اه نمت البارحة سافرت بالامس فقولك سافرت نمت اكلت شربت ما الفرق بينه وبين بعت؟ اذا الاصل في كلام المتكلم عن نفسه بصيغة الماضي ان يكون خبرا او انشاء الاصل ان يكون خبرا ولهذا قرر ابو حنيفة ان صيغ العقود المتضمنة هذا اللفظ الماظي تجري على اصلها في استعمال اللغة فتكون من قبيل الاخبار لا فرق بين بعت واشتريت ونكحت وطلقت وبين اكلت وشربت وذهبت واتيت كلها اخبار وتقبل التصديق والتكذيب ولانها تتحدث عن زمن ماض. فيما ذهب الجمهور كما قال المصنف صيغ العقود انشاء. خلافا لابي حنيفة الجمهور ما نظروا الى صيغة اللفظ وانها تعبير بالفعل الماظي. نظروا الى ماذا الى ما يتضمنه فقول القائل بعت واشتريت لو حللتها تحتمل احد امرين. اما ان يخبر عن الماضي واما ان يخبر عن المستقبل فان قلت عن الماضي يعني قول القائل الولي في عقد النكاح يقول زوجتك ابنتي الصيغة صيغة ماضي هو متى زوجها اذا ولا يخبر عن شيء حصل وانتهى. قوله زوجتك ليس اخبارا عن ماض حصد وانتهى له يخبر عن امر سيقع فقالوا هو ليس اخبارا عن الماضي كما هو لفظه فلا نحتكم الى اللفظ بحروفه اللفظ جاء هكذا في الشريعة ويؤدى به العقد لكن لو كان معناه معنى الاخبار ما تأتى فيه انشاء العقد لاحظ ايضا ان العقود تقبل التعليق تقول يقول الرجل طلق زوجته ان حصل كذا فيعلق على المستقبل اذا هو ليس صيغة ماض بمعنى المضي والزوال والانتهاء باتفاق فعلى ذلك قال الجمهور صيغ العقود كقولك بعت ونحوها هي من قبيل الانشاء لانها لا تحتمل التصديق والتكذيب. ولانها لو كانت اخبارا محضة لما جاز تعليقها واما مذهب ابي حنيفة كما قلت لك انها اخبار وليست انشاء يبقى ان بعض الحنفية مثل شمس الدين السروجي الحنفي انكر نسبة هذا القول الى ابي حنيفة في مذهبه. وانه لا يصح عنه اعتبار صيغ العقود من قبيل الاخبار فاذا تحققت هذه النسبة بانتفائه لابي حنيفة فصار جميع الائمة على قول واحد وان صيغ العقود صيغوا ان شاء الا اخبار