فلما مات اولئك يقول حتى اذا هلك اولئك اي الجيل الاول الذي خرج بهذا النوع من الغلو ونسي العلم اي ومحيت اثار العلم وغاب اهل العلم ولم يبق في الناس علم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى احمده لا احصي ثناء عليه هو كما اثنى على نفسه له الحمد في الاولى والاخرة وله الحكم واليه ترجعون واشهد ان لا اله الا الله اله الاولين والاخرين لا اله الا هو الرحمن الرحيم واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله خيرته من خلقه بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا اليه باذنه وسراجا منيرا بلغ الرسالة وادى الامانة ونصح الامة وجاهد في الله حق الجهاد حتى ترك الامة على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك فصلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى اثره باحسان الى يوم الدين اما بعد فان من اعظم ما من الله تعالى به على امة الاسلام وخاتمة الشرائع ان جعلها على نحو من الاستقامة والاعتدال و الوسطية ما ينفي عنها كل غلو وكل ما ينفي عنها كل غلو وجفاء وكل افراط وتفريط وقد امتن الله تعالى على الامة بذلك فقال وكذلك جعلناكم امة وسطا وقد بين النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم معنى هذه الوسطية فقال اي عدلا خيارا فهذه الامة امة عدل وامة فضل وامة استقامة فليس فيها غلو ولا جفاء ليس فيها غلو الامم السابقة ولا فيها جفاؤها ليس فيها افراط ولا تفريط بل هي امة استقامة في كل شأن من شؤونها فوسطية هذه الامة ليست في جانب من العمل ولا في شأن من الشؤون بل في كل الاعمال وفي كل الشؤون بالعقائد والشرائع في الاقوال والاعمال في معاملة الخالق وفي معاملة الخلق وقد سلم الله تعالى هذه الامة في كل ما شرعه لها من الميل الى جانب من الجوانب التي يجري فيها خروجا عن الصراط المستقيم ويخرج بها الناس عن الوسطية التي ميز الله تعالى بها شريعة خاتم المرسلين صلى الله عليه وعلى اله وسلم فحق على كل مسلم ان ان يتصف بهذه السمة وان يلزمها في قوله وعمله واعتقاده وسائر شأنه فان الخروج عنها هو خروج عن الصراط المستقيم الذي من خرج عنه فقد ظل السبيل وتورط في الوان من الانحرافات فالوسطية التي اتسمت بهذه الشريعة هي الصراط المستقيم الذي قال الله تعالى فيه اهدنا الصراط المستقيم. والذي قال فيه جل وعلا وانك لتهدي الى صراط مستقيم وهي الاستقامة التي امر الله تعالى بها في قوله فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا فجدير بالمؤمن ان يلزم ذلك. وان يجانب كل انحرافا عن هذه الوسطية باي وجه من الوجوه سواء كان ذلك بالغلو والزيادة او كان ذلك بالجفاء والنقص فان قصد طرفي الامور ذميم مؤمن حريص غاية الحرص على لزوم الشرع ولزوم الشرع يكفل له السلامة والاستقامة يكفل له السعادة والنجاة. يكفل يكفل له اداء حق الله عز وجل وحقوق الخلق وان من وسطية هذه الشريعة ما سلمها الله تعالى به من انحرافات الامم السابقة في غلوها الذي اخرجها عن عبادة الله وحده لا شريك له الى عبادة غيره فالغلو الذي وقعت فيه الامم السابقة كان سببا تغيير الشرائع والخروج عن عبودية عن العبودية التي امر الله تعالى بها الخلق ومن اجلها خلقهم فلذلك نهى الله تعالى هذه الامة عما كان عليه الامم السابقة من الغلو تجاوز الحد الذي جعلهم يخرجون بذلك عن طاعة الله وعبادته فينبغي للمؤمن ان يحذر ما وقعت فيه الامم السابقة من الغلو الذي افسد دينهم واخرجهم عن الجادة واوقعهم في الانحراف الذي غيب عبوديتهم لله عز وجل وجعلهم على نحو من الظلال اوجب لهم ان خرجوا عن الصراط المستقيم وتورطوا في الوان الضلالات والانحرافات قل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم يا اهل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق في موضعين من كتاب الله عز وجل نهى الله عز وجل اهل الكتاب عن سبب ضلالهم وانحرافهم وهو ما كانوا عليه من غلو وفي ما سنقرأه ان شاء الله تعالى بمجلسنا هذا من ايات واحاديث نفع عام يبين ما ميز الله تعالى به اهل الاسلام من الوسطية التي سلموا بها من انحرافات الامم السابقة فنقرأ ما كتبه الامام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذا الشأن في بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين. قال الامام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه والله تعالى باب ما جاء ان سبب كفر بني ادم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين وقول الله عز وجل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى وقالوا لا تذرن الهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا. ولا يغوث عوق ونسرا قال هذه اسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا اوحى الشيطان الى قومهم ان انصبوا الى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها انصابا وسموها باسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى اذا هلك اولئك ونسي العلم عبدت وقال ابن القيم قال غير واحد من السلف لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم تماثيلهم ثم طال عليهم الامد فعبدوهم وعن عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما اطرت النصارى ابن مريم انما انا عبد فقولوا عبد الله ورسوله وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اياكم والغلو فانما اهلك من كان قبلكم الغلو حديث صحيح ولمسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هلك المتنطعون قالها ثلاثة هذا الباب يبين لنا خطورة الغلو وان الانحراف الذي وقع فيه الناس فخرجوا به عن الصراط المستقيم وهو تورطوا وتورطوا فيه باعظم الموبقات وهو الشرك بالله عز وجل كان سببه الغلو فذكر رحمه الله في هذا الباب ان سبب كفر بني ادم تركهم دينهم هو الغلو في الصالحين الغلو في الصالحين اي تجاوز الحد من كان صالحا من عباد الله فالغلو هو تجاوز الحد ومجاوزة ما يستحقه العمل سواء كان ذلك في الاشخاص او في الاعمال او في الاقوال وقوله رحمه الله في الصالحين الصالحون هم القائمون بطاعة الله عز وجل. المستقيمون على شرعه فالصلاح في الانسان وصف يتحقق له بامرين لسلامة باطنه وصلاح ظاهره واستقامة ظاهره سلامة الباطن وصلاح الظاهر هما الموجبة واستقامة الظاهر هما الموجبان للصلاح. فالانسان يكون صالحا اذا طاب قلبه واذا استقام عمله تطيب القلب دون استقامة العمل ليس بصلاح كما ان استقامة الظاهر مع تخلف القلب عن الصلاح والاستقامة والطيب ليس بصلاح انما صلاح الانسان يتحقق بامرين اولا بصلاح قلبه وطيبه. وزكائه وهذا لا يمكن ان يتحقق لانسان الا ولابد ان ينعكس على عمله الظاهر بالاستقامة والصلاح قال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث النعمان ابن بشير الا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله. واذا فسدت فسد الجسد كله. فمبدأ كل طيب وصلاح هو صلاح هذا القلب فاذا طاب قلبك وصلح لابد ان ينعكس هذا على جوارحك فلا يوزم الانسان بانه صالح الا اذا طاب قلبه. وطيب قلبه يتحقق بامرين الامر الاول بتمام محبة الله جل وعلا والامر الثاني بكمال تعظيمه والظل له والذل له والخظوع فمن سكن قلبه هذان المعنيان وهذان الوصفان كمال الحب لله وكمال الذل لله جل وعلا فاز بطيب قلبه وصلاحه واستقامته وسلامته من الافات وسلامة قلبي هو مفتاح النجاة قال الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم فاذا اردت ان تكون صالحا فاصلح قلبك طيب قلبك اعمر قلبك بمحبة الله اسكنه تعظيم الله جل وعلا واملأه بالذل له والخضوع والانكسار والافتقار اليه وابشر فانه اذا تحقق لك طيب قلبك وصلاحه فابشر سينعكس ذلك على قولك طيبا واستقامة وعلى عملك صلاحا وزكاء فالصلاح يتحقق بهذين الامرين والصالح له منزلة عند الله عز وجل. فان الله تعالى اذا احب العبد اقبل بقلوب العباد اليه ولذلك جاء في الصحيح من حديث ابي هريرة ان الله اذا احب العبد نادى في السماء يا جبريل اني احب فلانا فاحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في اهل السماء ان الله يحب فلانا فاحبوه. فيحب اهل السماء فاذا احبه اهل السماء بعد محبة الله وضع له القبول في الارض اي اقبل الله تعالى بالقلوب عليه محبة دون سبب ودون مصلحة ودون منفعة محبة ليس لها مسوغ منفعي او مصلحي مما يتمصلح به الناس او يكون سببا للعلاقات بينهم. انما هو ما قذفه الله تعالى في قلوب العباد من محبة لا سبب لها. الا صلاح الشخص واستقامته قال الله تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ايش اي محبة في قلوب الخلق ما سبب ذلك؟ الايمان وهو طيب القلب. والعمل الصالح وهو استقامة الظاهر. في الاقوال والاعمال ان الذين امنوا وعملوا الصالحات هذا الموجب للنتيجة سيجعل لهم الرحمن ودا. اي محبة في قلوب الخلق لكن هذه المحبة اذا زادت عما يستحقه الانسان بان يرفعه الناس عن منزلته التي هو عليها كان ذلك موجبا للهلاك كان غلوا يوجب فساد كان انحرافا يخرج الانسان من الهدى الى الظلال فلذلك يجب على المؤمن ان يكون متحريا في الا يتجاوز الحد وان يكون على وعي من ان يخرج عن الصراط المستقيم باي نوع من الانحراف والشيطان يا اخواني لا يبالي ما اصاب من الانسان في اخراجه عن الصراط المستقيم اكان بغلو زيادة او كان بجفاء ونقص فان همه وعمله في ان يخرج الانسان عن الصراط المستقيم الى اي سبيلا كان اما الى غلو واما الى جفاء اما الى زيادة واما الى نقص. فتجد من الناس من يعادي اولياء الله وهؤلاء منحرفون عن الصراط المستقيم وقد توعدهم رب العالمين بقوله من عادى لي وليا وكانت رسالته عليه الصلاة والسلام في دعوة الناس لعبادة الله وحده لا شريك له. كانت رسالة نوح عليه السلام في رد الناس عن عبادة غير الله الى عبادة الله. طيب متى وقعت فقد اذنته بالحرب ومنهم من يغلو في اولياء الله ويزيد في محبتهم الى درجة ان يرفعهم عن المنزلة التي هم عليها. فيقع في النوع الاخر من الانحراف والضلال وهو الغلو في الصالحين الذي يفتح ابواب الضلالات. اول انحراف وقع فيه الناس فيما يتعلق بعبادة الله عز وجل هو انهم في جماعة من الصالحين زادوا على ما لهم من المنزلة فرفعوهم من منزلة من منزلتهم التي يستحقونها الى منزلة لا يستحقونها فكان بذلك واقعين في اعظم انحراف صرف الناس عن الصراط المستقيم واخرجهم عن عبودية رب العالمين الى انواع من عبادة الخلق الذي اوقعهم في الشرك الذي قال الله تعالى عنه يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم ذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب ان الانحراف في مسيرة البشرية كان سببه الغلو في الصالحين محبة الصالحين عبادة وقربة يتقرب بها العبد الى الله محبة اولياء الله من الطاعات لكن عندما يغلو الانسان في هذه المحبة في رفع الاولياء والصالحين الى منزلة فوق المنزلة التي هي لهم بان جعلهم اندادا لله بان عظمهم تعظيما ولو في جانب من الجوانب فرفعهم عن منزلتهم التي التي هي لهم الى منزلة لا تكون الا لله عز وجل فانه عند ذلك يقع في الكفر وفي الشرك وفي ترك الدين الذي جعله الله تعالى نجاة للعالمين واليك هذه النماذج التي ذكرها المؤلف رحمه الله مما يدل على ما ترجم له ان سبب كفر بني ادم وتركهم دينه وتركهم دينهم ان سبب كفر بني ادم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين قال الله تعالى يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق هذه الاية وجه الله تعالى فيها الخطاب لاهل الكتاب واهل الكتاب هم اليهود والنصارى وسموا بذلك لانهم من الامم التي بقيت كتبهم الى ان جاء رسولنا صلى الله عليه وسلم الى ان جاء اسلام وهي من الكتب التي بشرت بمجيء سيد الانام صلوات الله وسلامه عليه هذه الكتب قد نسخها الله عز وجل بانزال القرآن. فبعد نزول القرآن ليس ثمة كتاب يعتمد عليه. ولا يعتضد ولا يحتج به الا ما انزله الله تعالى على سيد الانام من الكتاب المجيد والقرآن العظيم الذي من استمسك به هدي ومن تركه ضل يقول الله تعالى يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم وهذا خطاب مباشر من الله عز وجل لهؤلاء ينهاهم عن الغلو في الدين اي في العبادة والطاعة ان الغلو في الدين هو مما يخرج الانسان عن الصراط المستقيم ولذلك جاء التحذير عن ذلك في نصوص كثيرة في كلام النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. وفي اية اخرى قال الله تعالى قل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا وفي اية اخرى قال الله تعالى قل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق انما المسيح عيسى ابن مريم. وذكر في تلك الاية وهي في سورة النساء سورة من سور الغلو في الصالحين حرفت الناس عن الطاعة الى الى المعصية اخرجتهم من التوحيد الى الشرك. وهي تلك الموبقة العظيمة التي وقع فيها امم من الناس بالغلو في عيسى ابن مريم عليه السلام حيث جعلوه ابنا لله عز وجل وقد كذب الله تعالى قولهم وبين ظلالهم وبين ان عيسى ابن مريم عليه السلام عبد لله طول منه روح منه كلمة القاها الى مريم ونهى عن الغلو فيه الذي اوقع اولئك فيما وقعوا فيه من الضلالات فالله عز وجل يقول اهل الكتاب وهو امر لنا اهل الاسلام الا نغلو في شيء من الدين. يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم. وهذا يشمل كل غلو سواء كان غلوا في الاعتقاد او كان غلوا في العمل والشرائع فكل ذلك مما نهى الله تعالى عنه في قوله يا اهل الكتاب لا تغنوا في دينكم غير الحق وكل من غلى فانه سلك سبيلا غير طريق الحق وصراطا غير الهدى الذي جاء به النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنه في بيان ان اول ظلالة وقعت في البشرية كان سببها الغلو في الصالحين فذكر ما كان سببا بعثة نوح عليه السلام فان نوحا عليه السلام جاء بعد ادم هو اول رسول ارسله الله تعالى الى اهل الارض هذه الموبقة وهذه الضلالة وهي عبادة غير الله خلق الله تعالى الخلق وفطرهم على عبادته وحده لا شريك له كل مولود يولد على الفطرة. فابواه يهودان او ينصرانه او يمجسانه وجاء في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل خلقت عبادي حنفاء اي على التوحيد خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين اي صرفتهم الشياطين عن هذا الطريق القويم وهو عبادة الله وحده لا شريك له الى الى عبادة ما سواه. متى وقع هذا الانحراف وقع هذا الانحراف بعد قرون متطاولة وازمنة ممتدة فان الناس بعد نزول ادم عليه السلام بقوا على التوحيد وان كان يقع منهم عصيان ومخالفة لكن لا لم يقع منهم شرك وكفر الا بعد عشرة قرون اي بعد الف سنة من نزول ادم عليه السلام من الجنة الى الارض فانهم بقوا على التوحيد كل هذه القرون الممتدة وكان مدخل الشيطان على الناس في صرفهم من عبادة الله وحده لا شريك له الى عبادة ما عبدوه من الاصنام والاوثان والشرك بالعزيز الغفار كان ذلك بسبب الغلو في الصالحين الزيادة في محبة عباد الله الصالحين واولياءه الطائعين قال الله جل وعلا وقالوا في فيما قصه عن قوم نوح وما كان من اصرار قومه على الكفر وعبادة غير الله وقالوا لا تذرن الهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا ويعوق ونسرا هذه الاية الكريمة ذكرها الله تعالى في قصة قوم نوح الذي ارسله الله تعالى اول رسول ارسله الله تعالى لاهل الارض وكان يدعوهم الى عبادة الله وحده لا شريك له وانذرهم مما هم عليه من عبادة غير الله عز وجل فكان ان قابله قومه بما قابلوه به من الجحود والاستكبار والاستهزاء والاستخفاف والاصرار على الكفر والشرك بالله حيث قال بعضهم للبعض على وجه الوصية وقالوا لا تذرن الهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوثا من ذلك الانحراف الذي حذرهم منه اول المرسلين نوح عليه السلام فالرسل من اولهم الى خاتمهم كانوا يدعون الناس الى عبادة الله وحده لا شريك له ويحاربون عبادة غيره ويحذرون ويعوق ونسرع فجاء الامر اولا منه فيما يتواصون به الا يتركوا الهتهم اي معبوداتهم التي عبدوها من دون الله. ثم نصوا على خمسة من تلك المعبودات وهي اعظم ما عبده اولئك من دون الله. وان كانوا قد عبدوا غير اولئك لكن عبدوا هؤلاء فقالوا اولا لا تذرن الهتكم اي لا تذرن معبوداتكم التي تعبدونها من دون الله لاجل قول نوح ثم سموا خمسة معبودات من دون الله ودن ولا سواع ولتذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه هذه اسماء رجال صالحين من قوم نوح هذه الاسماء الخمسة ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرى اسماء رجال صالحين من قوم نوح يقول رضي الله تعالى عنه في بيان ما كانوا عليه قال فلما هلكوا اي لما مات هؤلاء الصالحون في قومهم الذين لهم صلاح واستقامة ونفع للخلق ببيان الحق وهدايتهم الى الصراط المستقيم وعبادة وطاعة لما هلكوا اوحى الشيطان الى قومهم والوحي هو نوع من الاعلام السريع وهو ما وسوسه الشيطان في قلوب الناس لما مات هؤلاء الصالحون قال الشيطان لقومهم انصبوا الى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها انصابا. اي اجعلوا اعلاما عند المجالس التي كان يجلس فيها هؤلاء الصالحين يجلس فيها هؤلاء الصالحون تذكركم بهم وتنشطكم على التأسي بهم تحفظ ما كانوا عليه من صلاح تشجعكم على لزوم ما كانوا عليه من هدى دخل الشيطان عليهم من هذا المدخل تناسب اولئك انصابا وسموها باسمائهم والانصاف هي الاعلام سواء كانت هذه الاعلام صور لهم او اوثان اه او اصنام تصورهم او اعلام تذكر بهم يشمل هذا وهذا ولعل الامر تدرج ولم يكن على خطوة واحدة بل ابتدوا اولا بجعل اعلى ثم صوروا تصاوير تذكر بصورهم حتى وصل بهم الحال الى ان عبدوهم من دون الله. يقول رضي الله تعالى عنه في وصف التدرج وخطوات الشيطان التي سلكها ليخرج الناس عن عبادة الله وحده لا شريك له قال انسبوا الى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها انصابا وسموها باسمائهم ففعلوا فعلوا هذا الذي اوحاه الشيطان اليهم ثم قال ولم تعبد يعني لم يقع من الجيل الاول الذي غلى في الصالحين هذا النوع من الغلو وهذا النوع من التعظيم لم يقع منهم عبادة لتلك الاصنام عبادة لاولئك الصالحين. انما تدرج بهم الشيطان الى ان صوروا تصاويرهم ونصبوا عند مجالسهم انصابا وفي عند قبورهم آآ اعلاما تذكر بهم يبصرون به الهدى عبدت اي عبدت تلك الاوثان من دون الله. وكانت في مبدأ الامر الغرض منها ماذا؟ التنشيط على العبادة الغرض منها ماذا؟ التقوية في الطاعة بالتذكر لاولئك الصالحين وما كانوا عليه من احسان واستقامة. لكن الامر تجاوز الى ما لا تحمد عقباه فخرجوا عن الصراط المستقيم بعبادة اولئك من دون رب العالمين. ارادوا في اول الامر الشيطان اوحى اليهم ان انسبوا انصابا حتى يذكركم هذا بما كانوا عليه من طاعة فتنشطون في طاعة الله وعبادته لكن كان المآل والمنتهى وهكذا الشيطان يبدأ بالانسان على نحو من التدرج والخطوات حتى يوقعه في اعلى الهلاك ومنتهى الظلال والانحراف فبدأ بهم بهذا النوع من الغلو الى ان انتهى الامر الى ان عبدوهم من دون الله. حتى هلك اولئك ونسي العلم عبدت اي عبدت من دون الله وهذا نموذج من النماذج التي تبين خطورة الغلو وان الغلو لا يصل بالانسان الى منتهى الضلال من اول خطواته بل به الامر خطوة خطوة الى ان ينتهي به الى عبادة غير الله. هذه الاصنام التي ذكرها الله جل وعلا في قوله وقالوا لا تذرن الهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوثا ويعوق ونسرا كانت مبدأ الضلال الذي ظل به الناس عن عبادة الله وحده لا شريك له واوقعهم ذلك في عبادة غيره توقعوا في انواع من الانحرافات والضلالات التي استمرت على مر العصور. فان هذه فان هذه المعبودات بقيت حتى بعد ان اهلك الله تعالى اولئك الطغاة اولئك المعتدون الذين حاربوا نوحا عليه السلام واستخفوه به واذوه فان الله عمهم بالهلاك الذي كان بالطوفان واندثرت تلك الاصنام وزالت لكن الشيطان احياها بعد ذلك فصارت تلك الاصنام الى العرب بعد ان احياها من احياها من الاشقياء الذين اعادوا عبادة تلك الاصنام في العرب وبقيت الى ان بعث النبي صلى الله عليه وسلم ليحذر الناس الناس من الوقوع في الشرك فكان اولهم داعيا الى عبادة الله وحده واخرهم داعيا الى عبادة الله وحده الانحراف استمر في تلك القرون الى ان يسر الله تعالى تلك اولئك الرسل الذين اقاموا الناس على الجادة وردوهم الى الهدى واقاموا عليهم الحجة بمنعهم من انواع الضلالات يقول ابن القيم رحمه الله في مزيد ايضاح وبيان لما كان عليه اولئك من الانحراف يقول رضي الله رحمه الله قال غير واحد من السلف لما ماتوا اي مات اولئك الصالحون ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر وغيرهم من اه الصالحين الذين عبدوا من دون الله لما ماتوا عكفوا على قبورهم عكفوا على قبورهم اي لازموا قبورهم فالعكوف هو لزوم الشيء فجاء الشيطان اليهم وقال اكثروا من زيارتهم في قبورهم وتقربوا الى الله عز وجل عند قبورهم و ميزوا قبورهم عن غيرهم فكان ذلك من اسباب انحرافهم هذا من صور الغلو فكان اول ما ما وقع من انحرافهم انعكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الامد فعبدوهم من دون الله وهكذا التدرج الشيطان ما يأتيك ويدعوك الى الكفر من اول ما يدعوك بل ياتيك متدرجا في الظلال والاظلال الى ان يوقعك فيما لا تتصور ان ينتهي بك المسار اليه ولذلك قال الله تعالى في تحذيره وقال جل وعلا ولا تتبعوا خطوات الشيطان فاتباع خطوات الشيطان ينتهي بالانسان الى الهلاك ينتهي بالانسان الى الانحراف والظلال في اشد صوره. هؤلاء جمعوا انحرافا في اول الامر بالغلو في الصالحين بالعكوف على قبورهم بتصوير تماثيلهم ثم انتهى بهم المطاف الى ان عبدوهم من دون الله وبه يتبين خطورة الغلو في اهل الصلاح الصالح له منزلة ومكانة ولكن ذلك لا يسوغ ان يرفع الى منزلة فوق المنزلة التي يستحقها بان يسوى بالله رب العالمين. يا اخواني التوحيد هو افراد الله بما يستحقه جل في علاه في اسمائه وصفاته وربوبيته والهيته فالايات التي هي اشرف مقامات النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيها الخبر عنه بانه عبد لله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. ولهذا اعلى مقامات البشرية هي ان ان يكونوا عبادا لله عز وجل. فبقدر ما تحقق افراده بان لا يكون له نظير. افراده بان لا تجعل له مساوي جل في علاه. افراده بان لا تجعل له مشاركا فيما انفرد به جل في علاه وهذا معنى التوحيد هذا معنى لا اله الا الله لا معبود حق الا الله. فمن سوى غير الله بالله ولو في شيء من الاشياء فقد وقع في الشرك من سوى غير الله بالله ولو في جزئية من الجزئيات او في مسألة من المسائل فقد وقع في الشرك الذي نهى الله تعالى عنه قال الله جل وعلا الحمد لله الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم ماذا يصنعون يعدلون اي يسوون به غيره. هذا معنى يعدلون. اي انهم يسوون غير الله بالله فذاك الذي احب صالحا وغلا فيه فدعاه من دون الله طلب منه قضاء الحاجات سواه بالله وانزله منزلة رب العالمين. ليس في كل شيء. لم يقل ان هذا المعبود يخلق ولا انه يرزق ولا انه يفعل ما لا يفعله الا الله ولكن سواه بالله في التوجه اليه في قضاء الحاجات فكان بذلك مشركا فينبغي ان يعلم ان الشرك لا يلزم فيه ان يكون المشرك قد سوى الله سوى غير الله بالله في كل شيء. بل لو سوى الله بالله في شيء من الاشياء فقد وقع في الشرك بالله رب العالمين. فيجب على المؤمن ان يحذر الشرك وان يخافه في قوله وفي عمله وفي اعتقاده فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه اخوف ما اخاف عليكم الشرك الاصغر الشرك الاصغر قالوا وما الشرك الاصغر يا رسول الله؟ قال الرياء وقد قال ابراهيم عليه السلام وهو الذي من الله تعالى عليه بان كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين قد خاف على نفسه عبادة الاصنام. فقال واجنبني وبني ان نعبد الاصنام فسأل الله عز وجل ان يجنبه عبادة الاصنام لما فيها من الفتنة وهذه العبادة لا تأتي بخطوة واحدة ولا تأتي بمنزلة واحدة ولا تأتي بمرة واحدة بل الشيطان يتدرج بالانسان الى ان قع في أنواع من الإنحرافات والضلالات لهذا ينبغي للمؤمن ان يكون على حذر ووعي من خطورة تدرج الشيطان بالانسان وليلزم في ذلك هدي سيد الانام فانه من لزم الشريعة وما جاء به سيد الورى صلى الله عليه وسلم وقاه الله تعالى من ان يتورط في شيء من الشرك او ان يتورط في شيء من البدعة او ان يتورط في شيء من الغلو الذي يفضي به وينتهي به الى ما لا تحمد عقباه ولا آآ يطمئن به الانسان من انواع الانحرافات التي توقعه في انواع الضلالات اخواني الغلو اكبر خطر يهدد من كان في قلبه رغبة في العبادة الناس على صنفين ناس عندهم محبة للطاعة فهؤلاء يدخل عليهم الشيطان بالزيادة والغلو الخروج عن الصراط المستقيم بطلب وما لم يشرعه الله عز وجل فهؤلاء على خطر يأتي الشيطان ايضا من من جانب اخر ومن مدخل اخر وهو ان لاولئك الذين ليس في قلوبهم نشاط العبادة فيخرجهم عن الطاعة والاحسان بالاسراف في التفريط والجفاء والبعد عن العبودية لله عز وجل والشيطان لا يبالي اصاب منك هذا او اصاب منك هذا. فينبغي للمؤمن ان يحذر ان يقع في شيء من الغلو من حيث لا يشعر فان ذلك يوقعه في انواع من الانحرافات والهلاك وهذه نماذج. قائمة في الامم السابقة ظاهرة في ان الغلو في الصالحين مما يخرجهم عن الصراط المستقيم واذا نظرنا الى حال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما كانوا عليه من تمام الطاعة والعبادة عرفنا ان المنهج السليم الذي ينبغي لاهل الاسلام ان يسلكوه هو ان يلزموا ما كان عليه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ما هم هذبهم واخرجهم صلى الله عليه وسلم من كل نقص الى كل كمال قاموا به في طاعة رب العالمين رضي الله تعالى عنهم وارضاهم. الصحابة رضي الله تعالى عنهم كان بينهم سيد الورى وامام الاتقياء سيد ولد ادم صلوات الله وسلامه عليه. ومع هذا كانوا في غاية التوسط والاعتدال في معاملة سيد الورى صلى الله عليه وسلم اتباعا للشريعة وقياما بالطاعة وخروجا عن الانحراف. فلم يكن منهم مع النبي صلى الله عليه وسلم غلو بل نهاهم صلى الله عليه وسلم عن الغلو في القول وعن الغلو في العمل وعن الغلو في الاعتقاد ولهذا نهى الله تعالى اهل الاسلام عن الغلو وترجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته لاصحابه. ومن ذلك انه كان صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن ان يزيدوا في مدحه بما يخرجهم عن الصراط المستقيم ويوقعهم فيما وقع فيه الامم السابقة من عبادة غير الله عز وجل. جاء في صحيح في صحيح الامام البخاري من حديث عمر رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال لا تطروني كما اطرت النصارى ابن مريم انما انا عبد فقولوا عبد الله ورسوله تقول عبد الله ورسوله هكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم اصحابه ويعلم امته ما يجب ان يعاملوا به سيد الورى امام الاتقياء اكمل الخلق جاهل واكمل الخلق علما واكمل الخلق عبادة هذا ما ينبغي ان يعامل به مع رفيع منزلته مقامه صلوات الله وسلامه عليه يقول لامته ولاصحابه لا تطروني كما اطرت النصارى ابن مريم لا تطروني اي لا تزيدوا في مدحي ولا تتجاوز الحد في وصف الا تصفوني بما لست مستحقا له ولا بما ولا بما ليس من صفتي فان ذلك يفضي الى عبادة غير الله عز وجل ويوقع في الشرك. فاذا كان هذا في حق سيد الورى صلوات الله وسلامه عليه. لا يجوز ان يتجاوز الانسان الحد في وصف رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم واصفه بما لم يصفه الله تعالى به برفعه فوق منزلته صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فما دونه من الصالحين ما دونه من ما دونه من الطائعين يجب الا يتجاوز العبد فيه من حد بل يضعهم حيثما حيث وضعهم الله تعالى نحبهم ونجلهم اننا لا نغلو فيهم غلوا يخرجهم عن كونهم عبادا لله عز وجل فان ذلك من اعظم الانحراف الذي يقع فيه الناس عبادتهم فيخرجهم عن عبادة الله عز وجل الى عبادة ما سواه قوله صلى الله عليه وسلم لا تطروني اي لا تصفوني بما لست موصوفا به او بما ليس من صفاته فتلتمسون تلتمسون بذلك مدحي او تلتمسون بذلك التقرب الى الله عز وجل بالثناء علي. فان ذلك يلحقكم بما وقع به النصارى من الغلو بعيسى ابن مريم حيث قال صلى الله عليه وسلم كما اطرت النصارى ابن مريم اي كما تجاوزت النصارى في ابن مريم ابن مريم رسول من رسل الله عز وجل وهو من اولي العزم من الرسل. غلى فيه قوم فقالوا انه ابن الله. فجاءوا بما عظمه الله وبين كبير الضلال فيه حيث قال تعالى تكاد السماوات يتفطرن منه اي تتشقق السماء من هذا الذي قاله اولئك في عيسى ابن مريم تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا. كل هذا لماذا ان دعوا للرحمن ولدا. تعالى الله ان يكون له ولد تعالى الله ان يكون له صاحبة. تعالى الله ان يضاف اليه ما ليس من شأنه سبحانه وبحمده وما ليس من كمالاته. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لا تطروني كما اطرت النصارى ابن مريم. ثم ما الذي يوصف به صلى الله عليه وسلم؟ فقال انما انا عبد انما اداة حصر تفيد نفي كل ما عدا المحصور فقوله صلى الله عليه وسلم انما انا عبد اي لا اخرج عن كوني عبدا لله وهذا اعلى ما يبلغه الانسان من المنازل واسمى ما يصل اليه من المراتب ان يكون عبدا لله فان ذلك هو منتهى الكمال البشري منتهى الكمال البشري ان تكون عبدا لله. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم انما انا عبد انما انا عبد. اي عبد لله عز وجل فكمال الانسان في تحقيق العبودية للرحمن عندما يتجاوز هذا في نفسه او يتجاوز به الخلق هذا المقام فانهم يتنقصونه ولا يتمدحونه وينزل ولا يعلو فان العلو في ان ان يتحقق للانسان هذا الوصف. وحتى تعرف ان اشرف الاوصاف للانسان ان يكون عبدا لله انظر الى وصف الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في اشرف المقامات ستجد انه لم يصفه في اشرف مقاماته الا بوصف العبودية يقول الله جل وعلا في اسراء في اسرائه برسوله صلى الله عليه وسلم سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى. هذا من اشرف مقامات النبي صلى الله عليه وسلم. ومن افضل منازله التي نزل فيها صلى الله عليه وسلم مقام الاسراء وكذلك في مقام الوحي يقول الله تعالى فاوحى الى ايش الى عبده ما اوحى. وكذلك في مقام الدعوة. قال الله عز وجل وانه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا. وفي مقام التحدي صدق رسالته وصحة ما جاء به. قال الله تعالى وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا من العبودية لله بقدر ما تسمو وتعلو وترتفع وتزكو وتنال الفضل والسبق في الدنيا والاخرة وبقدر خروجك عن هذا الوصف خروج الانسان عن وصف العبودية لله يكون نازلا ويكون ذليلا ويكون مستحقا للذم فالمدح في تحقيق العبودية لا في الخروج عنها. ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه ولامته ان انما انا عبد فقولوا عبد الله ورسوله. اي قولوا في وصف عبد الله ثم بعد ان ذكر عبوديته لله ذكر ما ميزه الله تعالى به عن سائر عباد الله وهو انه رسوله صلى الله عليه وسلم فهو الواسطة بيننا وبين الله جل في علاه. وهذه الواسطة ليست في العبادة فليس بين العباد والله عز وجل يا عبادي يقول الله تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعان. فليس بينك وبين الله واسطة في العبادة والطاعة بل الله جل وعلا قريب من الداعي قريب من العابد قريب من الذاكر كما قال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم لاصحابه لما رفعوا اصواتهم بالذكر قال اربعوا على انفسكم فانكم لا تدعون اصم ولا غائبا انما تدعون سميعا قريبا اقرب الى احدكم من عنق راحلته فالله عز وجل قريب من عباده ليس بين الله وبين عباده واسطة في العبودية والطاعة. انما النبي صلى الله عليه وسلم واسطة بيننا وبين الله في الرسالة وفي الدلالة على طريق الهداية في التعريف بالله وفي التعريف بالطريق الموصل الى الله هو واسطة بيننا وبين الله في هذا وهذا معنى انه رسوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم انه رسول الله في الدلالة عليه في التعريف به وفي بكمالاته سبحانه وبحمده وفي التعريف بالطريق الموصل اليه. اما في العبادة والطاعة اقبال على الله عز وجل فانه ليس بينك وبين الله واسطة. بل الله جل في علاه قريب من عباده. اقرب ما يكون العبد من ربه ربه ايش وهو ساجد هل بينك وبين الله واسطة في سجودك؟ لا. ليس بينك وبين الله واسطة في سجودك فطريق العبودية ليس بينك وبين الله واسطة فيه. انما واسطتنا وساطة النبي صلى الله عليه وسلم بيننا وبين الله في تبليغ الرسالة وفي الدلالة على الهدى وفي اقامة الشريعة التي اه اه اوحاها الله تعالى اليها اوحاه اوحاها الله تعالى اليه وقد شهد الله له في ذلك بالبلاغ فقال جل وعلا اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فيجب على المؤمن ان يقتصد ما يتعلق بمحبته للصالحين حتى في محبته للنبي صلى الله عليه وسلم يجب الا يتجاوز الحد. والا يزيد في وصف النبي صلى الله عليه وسلم عما وصفه الله تعالى به فان ذلك موجب للخروج عن الصراط المستقيم. لا تطروني كما اطرت النصارى المسيح ابن مريم. وبه يعلم ان اولئك الذين يتمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم باشعار تجعله فوق مرتبة العبودية وفوق مرتبة الرسالة الى ان يجعلوا له بعض اوصاف الله عز وجل انهم بذلك خارجون عن الصراط المستقيم. فالذي يقول عن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم يا اكرم الخلق من لي من الوذ به سواك عند حلول الحادث العمم لم يعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم التعظيم الذي يستحقه. بل زاد فانه لا ملاذ للعبد الا بالله جل في علاه. امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء الذي يجيب المضطر ويلاذ به هو الله جل في علاه دون ما سواه والذي يقول ومن علومك علم اللوح والقلم اي يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاوز الحد في وصفه صلى الله عليه وسلم فالله عز وجل امر رسوله ان يبلغنا قوله تعالى قل لا قل قل لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله ثم قال ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء لكنه لا يعلم الغيب فكيف يقال ومن علومك علم اللوح والقلم؟ هذا غلو واطراء وهو مخالف لما قاله صلى الله عليه وسلم لا تطروني كما اطرت النصارى المسيح ابن مريم فيجب على المؤمن الا يستدرجه اولئك الذين قد يزينون الباطل بانه هذا رسول الله هذا سيد الورى هذا امام آآ المتقين نعم هذه اوصافه وصلى الله عليه وسلم فنقف عند اوصافه التي وصف بها نفسه صلى الله عليه وسلم وانزله الله تعالى اياها لكن لا نتجاوز ذلك الى غلو يوقعنا فيما لا تحمد عقباه اسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يرزقنا واياكم تمام الاخلاص له وصدق التوحيد وان وان يجنبنا الشرك في القول والعمل. نسأله جل في علاه ان يتبعنا سنة خير الانام. وان يرزقنا محبته وان يحشرنا في زمرة وان يجمعنا به في مستقر رحمته وان يلزمنا سنته ظاهرا وباطنا