الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين. اما بعد فهذا هو الحديث العشرون من احاديث الاربعين النووية وقد نقله المصنف رحمه الله عن ابي مسعود عقبة بن عمرو الانصاري البدري رضي الله عنه وهو ممن فرد به البخاري عن مسلم فهو من افراد البخاري ورواه غير البخاري رواه احمد واصحاب السنن والبخاري قد اخرجه من طريق منصور ابن المعتمر عن ربعي ابن حراش عن ابي مسعود عقبة بن عمرو الانصاري البدري رضي الله عنه اما اما موضوع الحديث فهو بيان لاصل الفضائل في معاملة الخلق وفي معاملة الخالق اصل الفضائل ما تضمنه هذا الحديث من خلق الحياء يقول النبي صلى الله عليه وسلم ان مما ادرك الناس من كلام النبوة اي ان من ما وصل الى الناس مما بقي من اثار الانبياء هذه الجملة اذا لم تستحي فاصنع ما شئت اقول ان مما ادرك الناس اي ان من الذي بقي في الناس مبلاغ الناس من كلام النبوة الاولى اي مما تكلم به النبيون ومما جاءت به الرسل ومما حفظ من اثارهم قوله اذا لم تستحي فاصنع ما شئت وقول النبي صلى الله عليه وسلم ان مما ادرك الناس ادرك بلغ والناس يصح فيها وجهان يصح فيها النصب والرفع يصح ان مما ادرك الناس فيكون المدرك هم الناس ويصح ان مما ادرك الناس سيكون قوله اذا لم تستحي فاصنع ما شئت هو الذي ادرك الناس فكن الناس مفعول به منصوب اي مما بلغ الناس وقوله صلى الله عليه وسلم من كلام النبوة الاولى ايمن اثارهم وما جاءوا به من الهدى والنور والنبوة الاولى قبل بعثته وقبل رسالته ونبوته ويشمل هذا جميع ما جاءت به الرسل لا يخص هذا اهل الكتاب اليهود والنصارى بل كل النبوات السابقة الحياء منزلته وفضيلته مما تواطأت عليها كلمة الانبياء وجاءت بها شرائع المرسلين وكل الانبياء وكل المرسلين كانوا على هذا الامر من الندب الى الحياة وبيان فضيلته والحث عليه الاشادة به وقوله صلى الله عليه وسلم اذا لم تستحي فاصنع ما شئت هذا هو الذي بلغ الناس من كلام النبيين ما جاءت به الرسل قبل اذا لم تستحي فاصنع ما شئت والجملة شرطية اذا لم تستحي اي اذا لم تستعمل الحياء والحياة مأخوذ من الحياة ومنه سمي المطر حياء لان به تحيا الارض والحياء به تحيا القلوب فانه يحملها على كل فضيلة ويزجرها عن كل رذيلة ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحياء قال لا يأتي الا بخير الحياء لا يأتي الا بخير جاء في حديث عمران وفي حديث غيره جعله النبي صلى الله عليه وسلم من خصال الايمان كما في الصحيحين من حديث ابي هريرة بضع وسبعون او ستون شعبة اعلاها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان هو خصلة من خصال الايمان وذكرها دون سائر الخصال لانها منبع الفضائل الحياء يحمل على كل فضيلة في معاملة الخالق وفي معاملة الخلق ويزجر عن كل رذيلة وقبيح في معاملة الخالق وفي معاملة الخلق ولهذا كلما عظم الحياء في قلب العبد انزجر وانكف عن السوء والشر واذا تخلى منه وقع في السوق الشر بقدر تخليه فاذا غاب الحياء بالكلية عن القلب لم يرعوا الانسان عن ولم يكف عن رذيلة هذا معنى قوله اه اذا لم تستح فاصنع ما شئت او هذا من معاني قوله سنأتي على مزيد المقصود ان الحياء منزلته من الاخلاق انه اصل كل خير وذهابه ذهاب للخير اجمع ولهذا لا يعظ احد في الحياة بمعنى ان يتركه ولذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا اخا له في الحياء فقال دعه فان الحياء لا يأتي الا بخير ولكن ينبغي ان يعلم ان الحياء الذي يمنع من التعلم الذي يمنع من القيام بالشريعة القيام بالواجب فيترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حياء يترك تعلم العلم حياء هذا ليس حياء الانحراف هذه الخصلة عما ينبغي ان توضع فيه الذي يكرم جاره بمحرم فيقدم له الخمر ويذبح له الخنزير هذا كرم من حيث انه بذل مال لكنه في محرم فلا يوصف بانه كرم لانه وضعه في غير موضعه فاذا وضعت الفظيلة في غير موظعها لم تكن فضيلة ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها في الثناء على نساء الانصار رحم الله نساء الانصار لم يمنعهن الحياء من ان يتفقهن في الدين وقوله صلى الله عليه وسلم اذا لم تستحي تصنع ما شئت خبر لكنه بمعنى الامر هذه الجملة جملة خبرية اذا لم تستحي فاصنع ما شئت شرط وجوابه اذا لم يكن عندك حياء فاصنع ما شئت وقوله صلى الله عليه وسلم فاصنع ما شئت للعلماء في معناه مولان في الجملة القول الاول ان ذلك تهديد وتوبيخ تحذير وليس امرا بان ينفعل لكل ما يريد مما لا يكف عنه الا الحياء وذلك نظير قوله تعالى اعملوا ما شئتم فان هذا ليس امرا له بان يعمل ما شاء انما ذلك على وجه التهديد ومثله قوله تعالى من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ليس امرا بالكفر انما هو بيان انه سيجاز بذلك وليس امرا بفعل المحرم وهذا كذلك هنا قال فاصنع ما شئت ليس اذنا له واباحة وامرا من يفعل كل ما بدا له من سيء العمل وقبيحه في معاملة الخالق وفي معاملة الخلق انما ذلك تهديد له لينزجر وينكف عن ذلك ان يستحضر الحياء الذي يمنعه من فعل ما يشين وما يقبح والمعنى الثاني ان قوله اذا لم تستحي فاصنع ما شئت خبر وليس امرا ليس المقصود بهذا الامر انما هو الاخبار. اي فانه يصنع ما يشاء وهذا نظير قولهم اذا لم تستحي اصنع ما تشتهي اذا لم تستحي اصنع ما تشتهي ليس هذا امرا له انما بفعل ذلك انما هو بيان انه يفعل ما يشتهي من لم يستحي فعل ما يشتهي من لم يستحي فعل ما يشتهي هذا خبر هل انه من لم يستعمل الحياء فانه ينفتح له باب العمل بالقبائح والرذائل واي المعنيين اقرب؟ من اهل العلم من قال ان الحديث يحمل على هذين المعنيين لانه معنى صحيح يحتمله اللفظ وهذا لا يعني الا يميل الى معنى ويرجح معنى على معنى ولذلك رجح جماعة من اهل العلم المعنى الاول وانه على وجه التهديد وليس الاخبار لان الاخبار لا يفيد وليس هو مقصودا انما المقصود الانكفاف عن قلة الحياة التي تثمر هذا المسلك وهذا القول قال به ابن عبد البر ابن القيم وجماعة من اهل العلم من الشراح حيث حملوا الحديد المعنى الذي ذكرت من انه تهديد اذا لم تستحي فاصنع ما شئت تهديد لمن لم يستعمل الحياة وانه يوقعه في الرذائل وهذي هذي الكلمة كلمة عظيمة من وعاها ابصر مدلولها فتح الله قلبه على ابواب من الخير يقال ان عبد الله بن عبد الله القعنوي صاحب الامام مالك رحمه الله اه كان على تقصير فلقي الشعب اظنه قال له حدثني حديثا عن رسول الله وكان من اهل الاسراف وجاء اليه مهددا له يطلب الحديث. يقول حدثني على وجه الاستهزاء والاستخفاف وليس لتلقي العلم لانه كان مسرفا على نفسه وقال حدثنا ساق الاسناد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى اذا لم تستحي فاصنع ما شئت وكانت فاتحة خير رحمه الله حيث ادبه بهذا الكلام الموجز المختصر ارتحل واخذ العلم عن مالك حتى من كبار طلابه ومن رواته ومن رواة الموطأ هذا الحديث فيه فوائد من فوائده ان هذه الشريعة شاءت مصدقة لما قبلها من الشرائع العقائد والاخلاق ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى مقرا لذلك مثبتا له انه مما جاءت به الشريعة من فوائد الحديث نسبة الفضل الى اهله حيث ان النبي صلى الله عليه وسلم نسب هذا الى النبوة السابقة وانه خلق وفضل مستقر مستعمل في الامم السابقة ومن فوائد الحديث عظيم قيمة الحياة وان الامم جميعهم يشيدون به جميعا يشيدون به ويحثون عليه ويرغبون فيه لانه يحمل على كل فضيلة وينهى عن كل رذيلة والحياء كما تقدم خصلة عظيمة من من يسرها الله له فتحت له الخير من فوائد الحديث ان غياب الحياء سبب لكثير من الانحرافات واليوم الناس يشهد عليهم حالهم ان الحياء توارى في كثير من اعمالهم تجد اصحاب التقصير والقصور في حق الله وفي حق الخلق يتزينون به ويجاهرون به ويظهرون وهذا لقلة حياءه لقلة حيائهم ولو اكتمل حياؤهم فضحوا انفسهم بسيء اعمالهم ولا ابقوا ستر الله عليهم وقد قال الاول اذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي ولم تستحي فاصنع ما تشاء الا والله فلا والله ما في العيش خير الدنيا اذا ذهب الحياء واليوم يعني حياة الناس الحياء فيها محدود تكشف العورات اه العورات الحسية والعورات المعنوية ويستطيل اهل الفساد في فسادهم ويزين اهل الشر الشر حتى توارى الحياء في كثير من سلوك الناس واخلاقهم وما اصدق قول الشاعر فلا والله ما في بلى والله ما في العيش خير ولا الدنيا اذا ذهب الحياء في الحديث التهديد لكل من قصر في هذه الصفة وان تقصيره سينعكس عليه سوءا في عمله فيما يتعلق بحق الله وفيما يتعلق في حق الخلق فانه من لم يستحيي وقع في سيء العمل والله تعالى اعلم وصلى الله وسلم على نبينا