والمجتهد الفقيه وهو البالغ العاقل. اي ذو ملكة يدرك بها المعلوم. المجتهد هو الفقيه. لما قال استفراغ الفقيه الوسعى القائم بهذا الاجتهاد هو المجتهد. والمجتهد لو اختصرته في لفظة ترادفه هو الفقيه. فكأنه لا يسمى الفقيه فقيها الا اذا حصل الاجتهاد. طيب ماذا نقول في متفقه الدرس وعرف المسائل وحفظ على اصطلاح الاصوليين لا يسمى هذا فقيها. وليس الفقيه عندهم الا الذي حصل الاجتهاد. وبذل وسعه في تحصيل مسائل الفقه واحكامه وما دون ذلك يسمى حافظا للفقه عارفا بالمسائل او ربما اطلقوا عليه الاصطلاح الجزئي وسيأتي ذكره فقيه المذهبي الذي لا يسمى فقيها هكذا باطلاق. فالفقيه عندهم من تربع على عرش الاجتهاد محصلا شروطه الاتي ذكرها الان بعد قليل وذكر شروطه بادئا من قوله وهو البالغ العاقل هذان شرطان وجامعهما التكليف وانتم تعلمون ان ما دون البلوغ وما دون العقل ليس في محل التكليف من الشريعة بشيء فتحصيل مرتبة شريفة في علم الشريعة اولى ان يشترط فيها فيها العقل والبلوغ. عرف العقل فقال ذو ملكة يدرك بها المعلوم العاقل ذو العقل وما هو العقل اكثر المتكلمون جدا في تعريف العقل في كتب المنطق وفي كتب الفلسفة العقل وله فيه تعريفات كثيرة. قال المصنف اي ذو ملكة يعني العقل هو الملكة. التي يدرك بها المعلوم العقل غريزة في النفس البشرية وشيء ميز الله به بني ادم على غيره من خلقه سبحانه وتعالى. ولقد كرمنا بني ادم وامتاز بنو ادم على غيرهم بهذا العقل الذي اصبح مناط التكليف في الشريعة. فمن ثم حرصوا على تعريفه متنوعين بين عبارات. قيل هي ملكة يعني راسخة يمكن معها ادراك المعلوم قالوا فكيف يعلم المعلوم؟ قالوا المقصود بالمعلوم ما من شأنه ان يعلم. فيطلق عليه المعلوم. ومنهم من عرف العقل فقال هو العلم نفسه كما قال هنا. وهذا التعريف من قول عن ابي الحسن الاشعري ان العقل هو العلم وهذا فيه تساهل الا اذا اردت بالعقل هنا مصدر عقل يعقل عقلا فانه يقال ها هنا العلم على هذا المعنى على تجاوز فيه. وقال المصنف قيل ضروريه يعني قيل العقل هو العلم الضروري احق ان العلم مغاير للعقل. وهو كما يعلم الانسان من نفسه بديهة ان العقل قوة يدرك بها المغيبة كما يدرك بالبصر المشاهدات البصر قوة تدرك بها المشاهدة المحسوس. والعقل قوة تدرك بها الامور التي لا تحس. كان تذكر لك مسألة في علم اللغة او في الحساب او في دليل وبرهان. فمحل ادراك هذه القضايا التي ليست اشياء محسوسة هو العقل ومن ثم فان العلم لما كان مسائل ليست محسوسة بل قضايا ذهنية محل ادراكها العقل. فالعقل هو القوة التي تدرك المغيبات سواء كانت علم غيب او مسائل ليست من المحسوسات في شيء فيقولون هو القوة التي تدرك بها المغيبات اورد المصنف استطرادا تعريف العقل. نعم اي ذو ملكة يدرك بها المعلوم. وقيل العقل نفس العلم. وقيل ضروريه فقيه النفس. وان انكر القياس. لا قيل ضروريه انتهى هنا تعريف العقل وقيل ضروريه فقيه النفس وانكر فقيه النفس عطفا على قوله وهو البالغ العاقل فقيه النفس فاجعل ما بينهما كالجملة الاعتراظية هو الان يعدد صفات الفقيه المجتهد البالغ العاقل هذه شروط الفقيه او شروط المجتهد البالغ العاقل فقيه النفس وما بينه ما ذكر فيه استطرادا تعريف العقل كما اسلفت لك. فقيه النفس يراد به صاحب تيقظ وفطنة شديد الفهم بالطبع وهذا يراد به صنف من الخلق يؤتى ملكة يستطيع معها ان يدرك ما لا يدركه غيره فالفقه ليس مجرد دراسة وتحصيل علم. اما ترى ان الرفاق في الطلب يتزامنون ويتصاحبون في قاسى وطلب العلم والتحصيل على الاشياخ وثني الركب وقراءة المتون ودراسة الشروح وجرد المطولات. ثم لا يتخرج كلهم فقهاء لانها شيء منها عائد الى سمات وصفات وطباع جعلها الله عز وجل في بعضهم دون بعض وهذا فضل الله. الكل في طلب العلم مأجور ومصيب لبركات هذا الطريق الشريف. لكن بلوغ الفقه بهذا الوصف يحتاج الى خصال منها فقه النفس والمراد به ان يكون الفقه ان شئت فقل له مرتكز طبعي فيه. وبالتالي فله من اليقظة والفطنة وادراك مسائل هذا العلم ما ليس لغيره. هل هذا مكتسب؟ الاصل انه يحتاج الى قدر مما يجعل والله عز وجل في الخلق ثم ينمى. فما لم يتوفر مثل هذا فسيجهد صاحبه كثيرا في الطلب والتحصيل. لكنه سيكون محدود الادراك محدود الدرجات في بلوغ مسائل هذا العلم. فهذا معنى قوله فقيه النفس. نعم وان انكر القياس وثالثها الا الجليل. هذه مسألة ذكرها هل يعد في الفقهاء المجتهدين منكروا القياس حتى لو كان عاقلا بالغا فقيه النفس منكرا للقياس هل يعد مجتهدا؟ وهل يعد الظاهرية ومن انكر القياس في عداد المجتهدين؟ هل هم في صحبة ورتبة الفقهاء الذي اختاره القاضي ابو بكر الباقلاني وامام الحرمين ان منكر القياس لا يعدون فقهاء واعتبروه منكرين ركنا من اركان الشريعة الذي هو القياس وانكار ركن من الشريعة يفوت على صاحبه الاتصاف بفقه الشريعة. واعتبروهم مكابرين لما هو مستقر معلوم لا ينكره الا مكابر. فيما ذهب المصنف رحمه الله تعالى هنا كما رأيت على ما اختاره جمهور انهم فقهاء. لكنهم لا يقرون على مخالفتهم في القياس. ومنهم من توسط فقال ليس كل منكر للقياس مسلوب الفقه والاجتهاد. الا من انكر القياس الجلي وقد عرفته. وحقيقة اما انكار القياس الجري فلا وجه له اطلاقا ومنكره مكابر مراغب. لان الحق ان الظاهرية ومن انكر القياس الاصطلاحي لا لا يفارقون الجمهور في قضية القياس الجني. وربما اسموه مفهوم موافقة او دلالة التزام ونحوها. لكنه لا يخالف فيه احد فانكاره مكابرة. ولهذا قال وثالثها الا الجلي. يعني من انكر القياس الجلي فليس معدودا في الفقهاء. ومن انكر القياس الخفي فذلك امر اسهل من الذي قبله. نعم العارف بالدليل العقلي والتكليف به هذا وصف رابع لو عددناه البالغ العاقل فقيه النفس العارف بالدليل العقلي والتكليف به الدليل عقلي دليل البراءة الاصلية فاعتبر هذا شرطا في شروط الاجتهاد معرفته بالبراءة والتكليف بالبراءة يعني اعتبارها دليلا ترجع اليه الاحكام لان فهذا احد مآخذ الاجتهاد معرفة اصول الاشياء قبل التكليف براءة الذمة واستصحاب ما يلحق بها من احكام وقد مر بك هذا الدليل تفصيلا نعم والتكليف به ذو الدرجة الوسطى لغة وعربية واصولا وبلاغة ومتعلق الاحكام من كتاب وسنة وان لم يحفظ المتون هذا وصف لو عددناه خامسا قال ان يكون متوسط الدرجة في هذه العلوم الخادمة لعلم الشريعة وفقه الاحكام. اللغة والعربية والاصول والبلاغة ومتعلق الاحكام من الكتاب والسنة. ما متعلق الاحكام كم الايات والاحاديث التي هي مناط الاحكام التي منها تستنبط. اذا قال يكفيه ان يعرف من الكتاب والسنة ادلة الاحكام هذا ما يعنون به بعضهم بقول ان يعرف ايات الاحكام واحاديث الاحكام لان ليس كل ايات القرآن ايات احكام وليس كل احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم احاديث احكام. ومن هنا افردت بعض الكتب في تفسير احكام القرآن واحاديث الاحكام. بان هي التي تهم الفقيه فقهها واستنباط الاحكام منها. قال يكفي في المجتهد ان يكون متوسط الدرجة في هذه المسائل في اللغة سواء قلت النحو والصرف او قلت الاشتقاق او قلت البلاغة كما قال هنا باعتبار ان اساس فهم الكتاب والسنة هو ادراك اللسان العربي وفهم قواعد الاعراب والنحو وقد مر بكم كثيرا في مقدمات في الكتاب وفي دلالة الالفاظ ومر بكم ايظا اه تأكيد الامام الشافعي رحمه الله كثيرا في الرسالة على مسألة اللسان والعناية به وانه اصل ينطلق منه المجتهد والفقيه ومن لم يأخذ حظه من هذا الاصل الكبير فاته في فقه الشريعة وادراك دلالات النصوص شيء كثير. قال ايضا والاصول وهو علم اصول الفقه والمراد به انه لا يشترط فيه ان يكون بالغا فيه ثبت التقدم والامامة. فلو اخذت درجة الوسط ثم يتهيأ له بالاستمرار والممارسة تحصيل الدرجات الاعلى والتمكن والرسوخ فهذا ايضا نحصن قال وان لم يحفظ المتون قد لا يحفظ القرآن وقد لا يحفظ السنة لكن يكفي ان يعلم منها الايات التي تدل على الاحكام والاحاديث. هذا يا احبة من حيث الاشتراط. والا فان الواقع انه لا يكاد يخلو فقيه من فقهاء الاسلام ليس من حفظ الكتاب والسنة بل من التبحر فيهما ومن العناية بهما حفظا واستظهارا ودراسة واستنباطا وهذا قدر يذكر ها هنا وبعضهم يتوسع في ذكر مقدار ايات الاحكام واحاديث الاحكام. وانها لا تتجاوز من القرآن خمسمائة اية. وان من السنة كذا احاديث والصواب ان هذا لا ينضبط وثمة ايات ليست صريحة في الحكم الشرعي لكنها ذات دلالة بوجه ما. الايات يرتبط بعضها ببعض وكتاب الله عز وجل كله عظيم جليل يفيد منه الفقهاء على كل حال. نعم وقال الشيخ الامام هو من هذه العلوم ملكة له واحاط بمعظم قواعد الشرع ومارسها بحيث اكتسب قوة يفهم بها مقصود الشارع. هذا كلام نقله المصنف عن والده الامام الشيخ تقي الدين قال رحمه الله ليس المجتهد من له الدرجة الوسطى كما قرر المصنف بل من له ملكة في العلوم المذكورة ويكون محيطا بمعظم قواعد الشرع بحيث يحصل له قوة يدرك بها مقاصد الشارع هذا الكلام نقله المصنف عن والده واعتبره لا يتقيد بمرتبة وسط او ادنى او اعلى في تحصيل هذه العلوم بل قال ان تكون له ملكة في هذه العلو. ثم الملكة هذه لابد لها من تحصيل قدر. يتنمى بها عند صاحب الملكة ملكته ويزداد بها في رقي العلوم وادراكها. اظاف ان يكون محيطا بمعظم قواعد الشريعة. حيث ادراك هذا المعظم من مع الملكة التي تتحصل عنده تعينه على ادراك مقاصد الشريعة. كلام والد المصنف مأخوذ من كلام الغزالي رحمه الله فانه قال احد الشرطين في المجتهد ان يكون محيطا بمدارك الشرعية متمكنا من استثارة الظن بالنظر فيها وتقديم ما يجب تقديمه فهو منطلق من كلام الغزالي رحم الله الجميع