ولقد صدقكم الله وعده اي صدقكم الله تعالى ما وعدكم من انتصاركم وظهوركم على اعدائكم اذ تحسونهم باذنه وهذا في غزوة احد. حيث ان الله تعالى مكن رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. ومن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه ملء السماء والارض وملء ما شاء من شيء بعد له الحمد في الاولى والاخرة وله الحكم واليه ترجعون واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اتبع سنته باحسان الى يوم الدين اما بعد فنقرأ ما يسر الله تعالى من ايات سورة ال عمران اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ولقد صدقكم الله وعده اذ تحسونه بإذنه حتى اذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما لكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاخرة ثم صرفكم عنهم ولقد عفا عنكم. والله ذو فضل على المؤمنين اذ تصعدون ولا تلون على احد والرسول يدعوكم في اخراكم فاثابكم غما بغم لكي لا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما اصابكم والله خبير بما تعملون ثم انزل عليكم من بعد الغم امنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد اهمتهم انفسهم يظنون بالله. يظنون بالله غير الحق ظن الجميع اهلية يقولون هل لنا من الامر من شيء قل ان الامر كله لله. يخفون في انفسهم ما لا يبدون لك. يقولون لو كان لنا من الامر شيء ما قتلناها ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم الى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور الايات الكريمات ذكرها الله تعالى بتذكير المؤمنين بما جرى في غزوة احد تلك الغزوة التي وقع فيها من البلاء على اهل الاسلام والمصاب فيهم ما اوجب ان يذكرهم الله تعالى بسبب ذلك وان يذكر ما جرى من اللطائف التي ساقها اليهم جل في علاه فكانت تلك الوقعة فيها من العبر والعظات والذكرى لاهل الايمان ما حفظه القرآن ليعتبر به المسلمون عبر الزمان فليست هذه الوقائع والحوادث والتذكير لقصة خلت وواقعة انتهت بل هي ذكرى للمؤمنين في كل زمان ومكان ان يعتبروا وان يتعظوا. فالله تعالى قص في القرآن من قصص الامم السابقة ما يذكر اهل الايمان ويزيد ويزيدهم ايمانا وعبرة وعظة. لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب ومن القصص الذي جرى فيه تذكير واعتبار وادكار هو ما ذكره الله تعالى من قصص النبي صلى الله عليه وسلم. وما جرى في وقائع زمانه. ففيه من العبرة ما ينبغي المؤمن ان يعتبر به يقول الله جل في علاه معه من المشركين فكان هذا التمكين سببا لانتصارهم في اول الامر عندما كانوا على امر الله ولازمين امر رسوله صلى الله عليه وسلم لقد صدقكم الله وعده افتحوا السونهم اي تقتلونهم قتلا ذريعا قتلا شديدا وذلك ما اجراه الله تعالى لاهل الايمان من القتل في اعداء الله عز وجل في اول الوقعة. حتى بدت بشائر النصر ولا احد علائم الظفر وبدا انهزام الكفار وتولى جموع منهم فظن اهل الاسلام انهم قد حاز السبق وانهم انتصروا وان الاوان قد ان لجمع الغنائم يتحسونهم باذنه حتى اذا فشلتم وتنازعتم وذلك في ما جرى منهم من جماعة اوكل اليهم النبي صلى الله عليه وسلم حماية ظهور المسلمين وهم الرماة الذين كانوا على الجبل وقد عهد اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهد الا يبرحوا اماكنهم في كل الاحوال وفي كل المواقف ولو رأوا الطير تتخطف الرسول واصحابه قال لهم صلى الله عليه وسلم امكثوا في اماكنكم ولو رأوا الغنيمة قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم امكثوا في اماكنكم. فلما ظهرت علائم النصر وتولى اهل الكفر قال بعضهم لبعض قال بعض من كان في الجبل لبعض هذا النصر قد بدأ وقد وضعت الحرب او زارها وان او ان جمع الغنائم فنزل طائفة منهم ومنعهم قائدهم رضي الله تعالى عنه من سيأتي خبره في الحديث الذي ذكره البخاري رحمه الله عبد الله بن جبير منعهم رضي الله تعالى عنه وامرهم بالبقاء. لكنهم لم يطيعوه فن نزل جماعة منهم وبقي عبدالله ومعه فئة قليلة من الرماة وكانوا خمسين راميا اوكل اليهم النبي صلى الله عليه وسلم حفظا ظهور المسلمين فلم يبقى الا نفر قليل. فلما فطن الكفار الى خلو ظهر اهل الاسلام من حماية وصيانة. التفوا من وراء الجبل وجاؤوا على حين غرة اتوا المسلمين من ظهورهم فوقع فيهم من الارتباك ما وقع فقتل من قتل فقد قتل في تلك الوقعة سبعون من الصحابة. واصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكرهم الله تعالى بذلك حيث قال لقد صدقكم الله ولقد صدقكم الله وعده. اذ تحسونهم باذنه. حتى اذا فشلتم وتنازعتم اي في البقاء وتنازعتم في الامر. هل نبقى او ننزل؟ وعصيتم اي وقعت المعصية منكم من بعد ما اراكم ما تحبون. وهو النصر والظفر منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاخرة. فذكر الله تعالى انقسام حال الصحابة الى طائع ومخالف لامر نبيه صلى الله عليه وسلم في تلك الوقعة. وان ذلك لارادة الدنيا. منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم صرفكم اي ثناكم عنهم اي عن المشركين الذين ظفرتم بهم وانتصرتم عليهم ثم قال جل وعلا في علة ذلك ثم صرفوا صرفكم عنهم ليبتليكم اي اي ليختبركم بالهزيمة بعد ان اختبركم بالنصر. فقد اختبر الله عز وجل رسوله صلوات الله وسلامه عليه واصحابه بالنصر في وقعة بدر. واختبرهم بالهزيمة في وقعة احد ولذلك قال ولقد صرفك ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم. وهذه بشارة من الله عز وجل لاصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعا من كان منهم قد قصر ومن كان منهم قد خرج عما امر به النبي صلى الله عليه وسلم ومن تولى منهم قال الله تعالى ولقد ولقد عفا الله عنكم والله ذو فضل على المؤمنين ثم قال تعالى اذ تصعدون ولا تلوون على احد. يذكرهم الله تعالى بسبب ما يذكرهم الله تعالى بالوقعة التي وقعوا فيها عفا الله تعالى عنهم فقوله جل وعلا اذ تصعدون هذا متعلق بقوله سبحانه وبحمده بالاية التي قبلها ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين. عفا عن ماذا؟ عفا عما ذكر في هذه الاية وهي قوله وهي قوله سبحانه وتعالى اذ تصعدون ولا تلوون على احد والرسول يدعوكم في اخراكم. فاثابكم من بغم لكي لا تحزن على ما فاتكم. ولا ما اصابكم. والله بما تعملون والله بما تعملون والله خبير بما تعملون. والله خبير بما تعملون. ذكر الامام البخاري رحمه الله في تفسير هذه الاية خبرا عن البراء ابن عازب رضي الله تعالى عنه فيقول باب قول الله تعالى والرسول يدعوكم في اخراكم قال حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا زهير قال حدثنا ابو اسحاق قال سمعت البراء ابن عازب رضي الله قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم احد عل قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم احد عبد الله بن جبير واقبلوا منهزمين فذاك اذ يدعوهم الرسول في اخراهم. ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا هذا الخبر رواه البراء ابن عازب رضي الله تعالى عنه في قصة هذه الاية قوله تعالى اذ تصعدون. ما معنى قوله تصعدون الاصعد هو الفرار السريع والذهاب في الشيب وهو خلاف الصعود فالصعود غير الاصعد. الاسعاد فرار وهرب. واما الصعود فهو علو وارتفاع. والله تعالى اقول لنبيه صلى الله عليه وسلم اذ تصعدون اي اذ تسيرون هربا في الارض وفي المهابط وفي الاودية وفي الاماكن التي تتيسر لكم هذا وصف حال الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما بغتوا وجاءهم العدو من وراء ظهورهم واصاب فيهم من اصاب فالطلب الجيش وانفل نظامه واشيع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فاصيب كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بمصاب جلل عظيم تنقسموا الى ثلاث فرق فرقة ولت مدبرة وفرقة وهم الاكثرون بقوا يقاتلون متحيرين من هذا الخبر العظيم الذي شغلهم وفرقة كانت مكذبة لهذا الخبر وثابتة على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من ان الله سيتم امره وانه لا يمكن ان يكون قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو مات فالواجب على الامة ان تموت على ما مات عليه فمضوا يقاتلون رضي الله تعالى عنهم الله تعالى يقول ولقد عفا عنكم والله ذو الفضل على المؤمنين اذ تصعدون اي اذ تفرون وتهربون في في المهابط والاودية لا تلون على احد يعني لا يلتفت احد الى احد ولا ينظر احد احدا وذلك يدل على حجم المباغتة وعظيم ما وقع في قلوب الصحابة من اندهاش وخوف حيث انهم فروا لا يلوي احد على احد يعني لا يلتفت احد ينظر وين فلان او فلان لا يلوي احد على احد. كما قال جل في علاه اذ تسعدون ولا تلوون على احد والواقع ان الرسول ورائكم حيث ان النبي صلى الله عليه وسلم ثبت هو هو ومن ثبته الله تعالى من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم والرسول في اخراكم اي وراءكم وفي مؤخر هؤلاء المجموعة الذين فروا يدعوكم اي يناديكم هلم الي عباد الي عباد الله تكذيبا لما اشيع من انه صلوات الله وسلامه عليه قتل. فان الشيطان والمشركين او انه قتل فكان ذلك من اعظم المصاب على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم من ورائه قائلا الي عباد الله الي عباد الله ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجل هذا عدد من بقي معه صلوات الله وسلامه عليه. كان منهم ابو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وطلة والزبير وابو عبيدة وعبد الرحمن بن عوف هؤلاء كانوا ممن بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم وبقي معه اسيد ابن حضير والحباب ابن المنذر والحارث ابن الصمة وسعد ابن وابو دجانة وعاصم ابن ثابت وقيل غير هؤلاء. والذي يظهر الله تعالى اعلم ان الذين بقوا معه في مرحلة من مراحل هم اثنى عشر رجلا ثم زادوا مع دعاء النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم حيث بلغهم بعض اهل التاريخ الى ستة عشر رجلا وعلى كل حال الذين بقوا معه صلى الله عليه وسلم هم الاقلون هم فئة قليلة من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. يقول الله جل وعلى في هذه الاية فاثابكم غما بغم اي جازاكم على ما وقع منكم من التولي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جازاكم على ذلك ان اصابكم بغم على غم فجاء غم الهزيمة وغم الانكسار وغم عدم النصر وغم فوات الغنيمة ثم جاء بعده ما هو اعظم من ذلك وهو غمكم بمقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع عليهم غمان كان الثاني منهم مخففا للاول فانه لما تبين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حي لم يقتل بابي هو وامي صلوات الله وسلامه عليه. سري عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وانقشع ما في قلوبهم من الم الانكسار الاول والهزيمة الاولى كيف لا وقد سلم رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم وانقشع خبر موته وزال هاجس فقد صلوات الله وسلامه عليه. ولهذا قال تعالى فاثابكم غما بغم اي اثابكم غما مع غم وقيل على غم فتوالت عليهم الغموم وذلك من رحمة الله بهم حيث كان الغم الاخر كاشفا ومنسيا للغم الاول الذي هو الهزيمة وعدم النصر وعدم الظفر بالغنائم قال الله جل وعلا فاثابكم غما بغم. ما العلة في هذا التقدير الالهي الكوني؟ لكي لا تحزنوا على ما فاتكم لكي لا يصيبكم الحزن لكي لا يصيبكم الحزن على ما فاتكم من الغنيمة. ما فاتكم من النصر. ما فاتكم من الظفر باعدائكم ولا ما اصابكم يعني ولا ما نزل بكم من المصائب من الجراح والقتل فان ما نزل بهم مصاب عظيم فقد قتل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الوقعة سبعون من الصحابة. وكان هذا في غاية الشدة على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا سيما وانهم رأوا النصر. وصدقهم الله وعده اول الامر. ورأوا بشائر الظفر واستبشروا النيل من اعدائهم لكن ذلك تحول وانقلب بسبب ما كان من الفشل والتنازع الذي والمعصية التي ذكر الله عز وجل ثم قال جل وعلا والله خبير بما تعملون. اي الله مطلع على بواطن الامور الخبرة علم زائد على مجرد ادراك المعلومات. فالخبير هو العليم لكن الفرق بين الخبير والعليم العليم هو من يدرك الامور. اما العلي اما الخبير فهو من يدرك على بواطن الامور وخفاياها فلذلك قال جل وعلا والله خبير بما تعملون فهو مطلع على القلوب وعلى المقاصد وعلى النيات وعلى ما وقع من اختلاف وعلى ما وقع من مخالفة وسيجزي الله عز وجل كلا بما اطلع على عليه من قلبه لكنه بفضله ورحمته من على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا بالعفو يقال ولقد عفا الله عنكم والله ذو فضل على المؤمنين نقرأ الباب الذي يليه باب قول الله تعالى امنة نعاسا قال حدثنا اسحاق ابن ابراهيم ابن عبد الرحمن ابو يعقوب. قال حدثنا حسين بن محمد قال حدثنا عن قتادة قال حدثنا انس ان ابا طلحة قال غشي للنعاس ونحن في مصافنا يوم احد قال فجعل سيفي يسقط من يدي واخذه ويسقط واخذه يقول الله عز وجل في عظيم منه ولطفه وواسع احسانه وكرمه ورأفته بعباده ثم انزل عليكم من بعد الغم امنة النعاس. الغم المتقدم وهو الخبر بما اصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والغم الذي اصابهم بالهزيمة التي نزلت بهم. ثم انزل عليكم من بعد الغم امنة امنة اي امنا يغشى قلوبكم ويسكن افئدتكم وهذا من عظيم لطف الله عز وجل وانعامه وبه يتبين عظيم ما ينعم الله تعالى به على عباده اذا شاع في اذا شاع في في في بلدانهم وقلوبهم الامن فان الامن نعمة لا تقدر بثمن فهؤلاء الصحابة على ما اصابهم من عظيم البلاء والمصاب والخوف والزلزلة والشدة والكرب وقتل من قتل واصابة من اصيب وما الى ذلك مما جرى من العظائم والاهوان في ذلك اليوم الا ان الله تفضل عليهم بان انزل عليهم امنا في قلوبهم امنهم من مخاوفهم وكشف ما في قلوبهم من وجل وازال ما فيه من قرايبه فحل مكان ذلك كله حل مكان ذلك كله الامن الذي اثمر ما ذكره الله تعالى في هذه الاية ثم انزل عليكم من بعد الغم امنة نعاسا اي نعاسا اصاب اعينكم وليعلم ان النعاس لا يمكن ان يأتي خائف فالخائف لا يمكن ان ينعس لانه في وجل وخوف وقلق وترقب وحذر فكيف يدب الى جفنه لو الا اذا كان في حال من الارهاق والتعب لا يدرك فهذا خارج عن المألوف. لكن فيما اذا كان الانسان في حال عادية فانه لا يمكن ان ينام وهو خائف. ولهذا يقول الله جل وعلا ثم انزل عليكم من بعد الغم امنة نعاسا يغشى طائفة منكم هذا حال اهل الايمان اهل الثبات اهل اليقين الذين امنوا بالله ورسوله وصدقوا الله ورسوله وثبتوا مع الله ورسوله فلم هزموا ولم يرجعوا بل رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانكشف ما بهم من هذا خلاف فريق اخر من الجيش وهم اهل النفاق الذين في قلوبهم مرض