وعرفوا من دين الله عز وجل ما يدركون به الحق والهدى هؤلاء الذين تبين لهم من دين الله ما يعرفون به الحق من الباطل والهدى من الضلال اخذ الله تعالى عليهم ميثاقا بسم الله الرحمن الرحيم ولا تسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور الناس ولا تكفرون لا تحسبن الذين يفرحون فيما فازت من العذاب ولهم عذاب اليم. ولله السماوات والارض. صلى الله على كل شيء قدير. طيب هذه الاية او هذه الايات المباركات في سورة ال عمران ذكر الله تعالى فيها الميثاق الذي اخذه على اهل الكتاب والميثاق في كلام الله عز وجل يطلق على العهد المؤكد الثقيل فقوله جل وعلا واذ اخذنا واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب وان اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب اي اخذ عليهم عهدا ثقيلا مؤكدا ان يبين الحق الذي بلغهم والا يكتموا الهدى الذي علموه يقول جل وعلا واذا اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب وهم كل من اتاه الله تعالى علما مبنيا على وحي سواء كان ذلك في الامم السابقة من اليهود والنصارى او كان ذلك في الامم اللاحقة او في الامة اللاحقة وهي امة الاسلام فقوله تعالى واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب اي الذين اوتوا العلم عهد ثقيل مؤكد الا يخلوا ببيانه ولذلك قال لتبيننه للناس اي لتظهرن والبيان ضد الكتمان وهو الاظهار والاعلام يقول تعالى لتبيننه للناس اي لعامة الناس وكافتهم وهذا لان الناس جميعا على اختلاف احوالهم وبلدانهم وزمانهم بحاجة الى ما جاءت به الرسل ولهذا لم يخص الله تعالى البيان بفئة من الناس بل جعله بيانا للناس كافة. فقال تعالى لتبيننه للناس اي لتظهرنه ولا تكشفن معانيه لتكشفن معانيه وتقربوه للناس بالبيان والايضاح وتأكيدا لهذا المعنى في قوله تعالى لتبيننه للناس. قال ولا تكتمونه. مع ان البيان يدل على الاعلام والاظهار والابانة والايظاح لكنه اكد هذا البيان بقوله ولا تكتمونه اي ولا تكتموا شيئا من الهدى الذي جاء في كتبي والذي جاءت به الرسل بل كل ذلك واجب البيان. فلا يجوز لاحد ان يكتم شيئا من العلم الذي جاءت به الرسل ولان يعرظ عن بيان شيء جاء في الكتاب والسنة او جاء في بيان الامم السابقة قال تعالى فنبذوه وراء ظهورهم. هذا شأن اهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين تركوا بيان ما جاءهم من الحق في النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رسالته وفي هدايته واعرضوا عن ذلك واقبلوا على دنياهم فكتموا الحق ولم يظهروه رظا بالمكاسب الدنيئة ورظا بالرئاسات التي كانوا فيها فكان ذلك سببا لكتمانهم الحق وقد مر معنا فيما مضى ما ذكره الله تعالى وقصه عن ما ذكره الله تعالى وقصه عن بعض اهل الكتاب من اليهود الذين عرفوا الحق وتركوه كما قال تعالى يعرفونه كما يعرفون ابناءهم لكنهم لم يعملوا به. وقد قرأنا قصة هرقل في معرفته بالنبي صلى الله عليه وسلم. وعلمه انه رسول الله عز وجل. وانه حق وانه سيظهر امره ويبلغ دينه مبلغ ما تحت قدميه هرقل في ذلك اليوم وهي الشام فكان قد بين الحق فكان قد تبين له الحق لكنه اثر الدنيا على الاخرة فانه لما عرض الامر على علماء النصارى وكبرائهم واعيانهم ما كان منهم الا ان حاصوا حيصة شديدة وهموا بالفرار منه حتى جمعهم وقال انما اردت ان اختبركم لاجل ان يسلم له ما هو فيه من رئاسة وتقدم على على النصارى والروم هذا نموذج لما ذكر الله تعالى من كتمان الكتاب في قوله واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه اي لتبينن هذا الكتاب وتوضحونه للناس بيانا لا تبس وايضاحا لا يخفى ولا تكتمونه اي ولا تخفونه ولا تسترونه وسواء كان هذا الكتمان لكل ما جاء به الرسول وصلى الله عليه وسلم او كان الكتمان لبعضه. قال الله تعالى فنبذوه وراء ظهورهم. اي جعلوا هذا العلم وذلك الهدى وتلك الحقائق والبصائر التي جاءت في الكتب واخبرت بها الرسل وراء ظهورهم فلم فلم يرفعوا بها رأسا ولم يحتفوا بها بل اعرضوا عنها وتنكبوا عنها. ولهذا يقول فنبذوه وراء ظهورهم وهذا دليل على زهدهم وعدم قيامهم بما يجب من حق الله تعالى في هذا العلم الذي اورثهم اياه وساقه اليهم وتفضل عليهم. قال جل وعلا فنبذوه وراء ظهورهم. واخذوا عوظا عن بيانه وتبليغه وايظاحه وعدم كتمانه اخذوا به ثمنا قليلا اي كتموه ولم يبينوه مقابل ما اخذوا به من الثمن القليل وهو ما كان من متع الدنيا وملذاتها ولو كان ذلك ما كان من الاموال الطائلة الرئاسة الواسعة لكن ذلك كله يزول امام ما يكون في الاخرة فالدنيا في الاخرة قليل ولذلك يصرف الله تعالى متاع الدنيا بانه قليل فمهما بلغ الدنيا عظما وكبرا واتساعا ثباتا الا انه قليل بازاء ما اعد الله تعالى لاولياءه وعباده الصالحين. لهذا يقول جل وعلا في هذه الاية واشتروا به ثمنا قليلا. ثم قبح صنيعهم وقبح ما اخذوه. مقابل بيان الهدى ومقابل بيان الحق ومقابل ايضاح دين الله عز وجل فقال فبئس ما يشترون. اي قبح تعيب وذم ما اخذوه فقول ما يشترون اي ما اعتاظوا به عن بيان الحق وايضاحه وهو تلك المكاسب وتلك الاموال وتلك المكانات والرياسات التي من اجلها عطلوا حق ولم يبينوا ولا شك ان من ترك الدنيا لله اخلف الله تعالى عليه من الهدى ودين الحق وصلاح الحال والمآل عقب بعمل بصري في الاخرة يوم القيامة احوج ما يكون الانسان الى رؤيا يبصر بها مواقع السلامة ويتوقع بها مواقع الخطر فيفقد البصر في ذلك اليوم الذي الناس فيه احوج ما يكونون الى ما يعينهم واستقامة المعاشي والمعاد وسلامة الدين والدنيا ما لا يوازي تلك المكاسب المادية او تلك المكاسب في الرياسات والملك فان نعيم الله تعالى لاوليائه بالتقوى والصلاح والاستقامة والقيام بالحق اعظم اضعاف مما يدركه اولئك في رئاساتهم او في مكانتهم او في الاموال التي يأخذونها مقابل كتمان الحق وعدم اداء او عدم وعدم اداء الامانة التي اؤتمنوا عليها وهي ما يتعلق بتبليغ الشريعة والقيام بها بعد فهذا يقول تعالى لا تحسبن الذين يبخلون بما اتى لا تحسبن الذين يفرحون بما اوتوا لا لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون ان يحمدوا فلا تحسبنهم بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم. هذه الاية صلة الاية السابقة فانه في الاية السابقة ذكر الميثاق الذي اخذه على اهل الكتاب. وما كانوا عليه من التكذيب بالحق وعدم القيام به. وفي هذه الاية يقول جل وعلا عن فئة منهم اتوا الباطل وزينوه وتركوا الحق واعرضوا عنه وعملوا بانواع الضلالات من الشرك والبدع والمعاصي وسائر الوان الانحرافات اتوا ذلك كله ثم بعد هذا يطلبون ان يحمدوا ويمدحوا بالاستقامة والصلاح والتوحيد والديانة زهد وهم في هذا كاذبون. هذا معنى قوله تعالى لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا اي من المعاصي والسيئات والكفر والشرك ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا. يعني وتتوق انفسهم الى ان يثني عليهم الناس بما ليس من صنيعهم ولا بما وليس وبما ليس من عملهم ولم يقوموا به. ولم يكن من من كسبهم او من كدهم بل احب المدح على غير فعل. وتاقوا للمكانة من دون عمل. بل بالعمل بما موجب بما يضاد موجب المدح. فان الذي يوجب المدح هو التقوى والايمان والصلاح والخير والبيان الهدى والبذل والانفاق وهؤلاء كانوا على ظد ذلك في كل اوجههم فهم اهل شرك وهم اهل نفاق وهم اهل بدعة وهم اهل معصية وهم اهل امساك للدنيا وهم اهل اهل كتمان الا الحق وهم اهل عدم بيان لما امر الله تعالى ان يبينوه ومع ذلك يحبون ان يمدحوا بما لم يفعلوا فيقال هؤلاء العلماء او هؤلاء الطائعون هؤلاء العباد هؤلاء الصالحون هؤلاء اهل التقى والصلاح وقد عروا عن ذلك كله فطلبوا المدح بما ليس من صنيعهم بل بما هو ضد فعلهم وهذا اقبح حالا من ممن عمل صالحا ولكنه رأى وطلب مدح الناس فهذا اشد سوءا واقبح حالا من المرائي فالمرائي يفعل الطاعة لاجل ان يمدح لكن هؤلاء يفعلون الاساءة ويطلبون نقيضها يطلبون المدح يطلبون الثناء يطلبون المكانة يطلبون المنزلة يطلبون الاوصاف الجميلة وهم قد فعلوا كل ما هو ضد ذلك. ولذلك يقول الله تعالى لا تحسبن الذين يفرحون لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا اي من الكفر والعصيان وسائر الوان الظلم ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا. ومع هذا حالهم محبة المدح والثناء بما ليس فيهم. ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم هذا تكرار للنفي الاول تأكيدا له فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب اي لا تحسبنهم سينجون من العذاب فلا نجاة لهم فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم. اي لهم عذاب مؤلم. وهذا ليس فقط في الاخرة بل هذا في الدنيا وفي الاخرة. اما في الدنيا فعاجل عقوبتهم ما يصيبهم الله تعالى به من ظلمة القلوب وانتكاس الاراء وسوء الحال فانه ما من احد يكتم حقا الا ويظلم قلبه ويجد من الوحشة والعناء والمشقة والظنك والظنك في الدنيا ما يصدق عليه قول الله تعالى ومن عرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا. والاعراض عن الذكر له صور. ومن اعظم صور الاعراض عن الذكر كتمانه وعدم بيانه. فالله تعالى يقول ومن اعرض عن ذكري شامل لكل اوجه الاعراب سواء كان الاعراض بترك التعلم او كان الاعراض بترك العمل بالحق او كان الاعراض بكتمان الحق وعدم بيانه او كان الاعراض بالتكذيب والتزوير على الهدى بما ليس فيه. كل هذا كل هذا يدخل في الاعراض الذي ذكره الله تعالى في قوله ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى. قال ربي انظر الان ذكر الله عقوبتين اما العقوبة المعجلة الظنك وهو الظيق والحرج. واما العقوبة المؤجلة فهي ما ذكره الله تعالى من الحشر يوم القيامة اعمى. اتدرون كيف يحشر اعمى؟ اي لا يبصر. فلما عميت بصيرته في الدنيا على توقي الاخطار والبعد عن مواقع الهلاك والبوار. لكن هذا يحشر اعمى. ولكم ان تتخيلوا اعمى يتقحم ارحموا اهوالا كيف يكونوا؟ لكم ان تتخيلوا اعمى يمشي في مخاطر وتحيط به مهالك كيف ينجو انه لا نجاة له. ولذلك قال الله تعالى ونحشره يوم القيامة اعمى. ومن كان كذلك فلا نجاة له. فان هذا خبر عن عظيم ما يلقاه ليس فقط العذاب بل ثمة عذاب اخر غير عذاب البدن وهو عذاب الروح والفزع والهلع ولك ان تتخيل رجل اعمى يمشي في مهالك كيف هو؟ يعني لو كان يبصر ما سيأتيه اهون عليه من ان يمشي اعمى لا ماذا يحيط به من المهالك والاخطار والاهوال؟ لذلك كانت عقوبة هؤلاء الذين كتموا الحق كما ذكر الله جل وعلا والذين كذبوا ولم يبينوا الهدى كما قال الله تعالى فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب هذا يعني بنجاة ولماذا سميت المفازة نجاة؟ لانها فوز بالسلامة من المهالك كما قال الله جل في علاه ومن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز. فهذا هو الفوز العظيم. هذا هو الفوز الكبير. هذا هو الفوز ان ينجيك الله تعالى من اهوال يوم القيامة وان يسلمك من النار ونفحها وعذابها نسأل الله ان يجيرنا والمسلمين الى منها. ايها الاخوة يقول الله جل في علاه لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا. يعني بالذي فعلوه من الكفر وسائل العمل ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا اي وتطمح نفوسهم الى مزيد رغبة في مدح وثناء لم يتمثلوا به فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم. التفسير الذي ذكرناه قبل قليل ان هؤلاء قوم فعلوا القبيح وطلبوا الحمد على محمود لم يفعله. على جميل لم يفعلوه. لكن ايضا مما يدخل في الاية قوله تعالى آآ وهي قوله تعالى لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا اي انهم اذا عملوا قليلا من الصالح وجدوا فرحا في نفوسهم ليس فرحا اهل التقى والايمان بطاعة الرحمن انما فرح الاعجاب بذلك العمل وان الناس قد رأوهم او سمعوهم او علموا بهم ثم تطمح الى مزيد من الثناء الى مزيد من المدح الى مزيد من المكانة في قلوب الناس فتجد انهم يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا. يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوه من الصالحات. بما لم يفعلوه من الخيرات وهذا ايضا من الصور وهذا يحصل احيانا من بعض الناس تجده يمدح بشيء ما في مجلس مثلا فيقال ما شاء الله فلان حافظ القرآن وهو يعرف انه مو بحافظ القرآن ولكن يسكت حتى يمدح بهذا وهو لم يحفظ القرآن. فهذا ممن يدخل في قوله تعالى ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوه. يقال هذا علم عند العالم الفلاني او تلقى العلم سنوات كذا وكذا او ما الى ذلك. مما يمدح به الناس او هذا صاحب عبادة او هذا كل سنة يعتمر او هذا كل سنة يفعل كذا من الصالحات وهو على خلاف الواقع فيسكت ولا يبين الواقع طلبا لمدح الناس فهذا داخل في قول الله تعالى ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا. ولهذا كل من بما ليس بك اوقفه فان اصل المدح مذموم. فكيف اذا كان المدح بما ليس فيك؟ مما تطلب فيه مكانة عند الناس. وتتشوف فيه الى وارتفاع عليهم لا شك ان المؤمن تأبى نفسه هذا ويكره ان يكون في هذا الموقف بل اذا مدحك الانسان بشيء ليس فيك فمباشرة قل اتمنى ان اكون كذلك لكن الله لم ييسر لي ذلك. فاذا قيل ما شاء الله فلان يحفظ القرآن وانت لست حافظا له. قل والله يا اخي امنية حفظ القرآن لكن اسأل الله ان يعينني عليه واما انا فلم احفظ. فبين الحق حتى لا تحمد بما لم تفعل. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم ذم من تزين بما ليس فيه. فان فانه صلى الله عليه وسلم اخبر ان المتشبع بما لم يعطى يعني بما لم يعطيه الله عز وجل او بما لم يسق اليه سواء كان التشبع بامر دنيا او بامر دين كلابس ثوب يزور. هذا الحديث في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال المتشبع سألته احدى النساء قالت ان لي ضرة يعني لي امرأة لها مع زوجي امرأة اخرى مع زوجي ان لي ضرتان فهل علي من بأس يعني هل اؤاخذ بان اذكر شيئا لم يكن من زوجي ان اتزيد منه بما لم يعطني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم المتشبع بما ليس فيه تلابس ثوب يزور فهذا يدل على ان كل من طلب حمدا او مدحا او ثناء حتى في امور الدنيا وهو ليس فيه فانه لابس ثوبي زور. ولهذا ينبغي للمؤمن الا يتكلف حالا تخالف ما هو عليه فان كان عنده شيء من الصالحات فليحرص على ستره لكن ان يتزيى بما ليس فيه من الصالحات فهذا لا شك انه خلاف منهج اهل التقى والايمان. نقرأ ما جاء من اسباب النزول في هذه الاية مما ذكره الامام البخاري رحمه الله في صحيحه في باب قوله تعالى ولا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب