كل ما يمكن ان تعترظون به بقوله جل وعلا فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما. ويكفينا علمه حكمة فهو علم مقترن بالحكمة ولا اكمل من حكم ولا اعلى من الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه حمدا يرضيه واشهد ان لا اله الا الله اله الاولين والاخرين واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى اثره باحسان الى يوم الدين. اما بعد فنقرأ ما يسر الله تعالى من الايات في سورة النساء وهي ثالث وهي رابع سور القرآن مع الفاتحة وهي ثالث السور الطوال. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقيم بها الليل. كما جاء ذلك فيما رواه حذيفة رضي الله تعالى عنه في الصحيح في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وانه قرأ صلى الله عليه وسلم سورة البقرة والنساء وسورة ال عمران في ركعة. وجاء ذلك عن عائشة رضي الله تعالى عنها قد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر سورة الصدر سورة النساء من عبد الله بن مسعود فانه قال له اقرأ علي القرآن فقال اقرأ القرآن عليك وعليك انزل فقال اني احب ان اسمعه من غيري فقرأ عليه من صدر سورة النساء حتى بلغ قول الله تعالى فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ثم قال له صلى الله عليه وسلم حسبك. يقول عبد الله ابن مسعود فالتفت اليه فاذا عيناه تذرفان اي فاذا هو يبكي صلى الله عليه وسلم خشوعا لما سمع من ايات الذكر الحكيم. نقرأ ما يسر الله تعالى من ثم نعلق بما يفتح الله جل في علاه بسم الله الرحمن الرحيم للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما بطلنا منه او كثر نصيبا مفروضا واذا حضر القسمة اولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ترزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا وليخشى الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما. انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وان كانت واحدة فلها النصف ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولدا فان لم يكن له ولد وورثه ابواه فلامه الثلث فان كان له اخوة فلامه السدس من بعد وصيتي يوصي بها او دين وابناءكم لا تدرون ايهم اقرب لكم نفعا. فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما ولكم نصف ما ترك ازواجكم ان لم يكن لهن ولدا فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها او دين ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولدا فان كان لكم ولد فله الثمن مما تركن فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم. من بعد توصون بها او دين وان كان رجل يورث كلالة او امرأة وله اخ او اخت فجر لكل واحد منهما السدس فان كانوا اكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها او دين غير مضاد صينية من الله والله عليم حليم هذا الشرع المحكم المتقن الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم بوحي من الله عز وجل لم يقتصر في اصلاحه ما يتعلق بامور المعاش والحياة. بل اصلحت حال الانسان هذه الشريعة شملت اصلاحها للانسان في معاشه وموته ليفوز في مآله ومآبه فجاءت هذه الشريعة منتظمة لكل ما فيه مصالح الناس وما يحتاجون الى بيانه فيما يتعلق بالاحكام المتعلقة الحياة والاحكام المتعلقة بالموت. هذه السورة سورة النساء سميت بهذا الاسم لان الله تعالى ذكر فيها كثير من احكام النساء فسميت هذه السورة بهذا الاسم لما فيها لكثرة ما فيها من الاحكام المتعلقة بالنساء وليعلم ان هذا الاسم ليس خاصا بهذه السورة بل ان سورة البقرة البقرة تسمى سورة النساء وكذلك سورة الطلاق تسمى سورة النساء في ما سماها بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم. ويميزون بين سورة الطلاق وسورة البقرة بان سورة البقرة هي سورة نساء الطولى يعني الطويلة وسورة الطلاق سورة النساء الصغرى اي التي اياتها اقل من الاولى. وعلى كل حال تسميات السور هو بسبب ما في هذه السور مما ذكره الله تعالى. وللسور احيانا اكثر من اسم. فالبقرة هو اسمها المشهور وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيما رواه فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابي امامة قال صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فانه يأتي شفيعا لاصحابه يوم القيامة. ثم قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم اقرأوا البقرة سورة ال عمران فانهما يأتيان كالغايايتين او الغمامتين او الفرقين الصواف تضلان صاحبهما وكل هذا مما يدل على ان البقرة اسم لهذه السورة ثابت بتسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك فان عبد الله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لما اخبر انه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم صدرا سورة قال فقرأت عليه صدر سورة النساء لما قال له صلى الله عليه وسلم اقرأ علي من القرآن قال اقرأ عليك وعليك انزل عليه صدر سورة النساء وكذلك ثبت هذا الاسم فيما رواه مسلم في صحيحه من قصة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بحذيفة فانه قرأ عليه فانه قرأ اول ما قرأ البقرة ثم قرأ صلى الله عليه وسلم سورة النساء ثم قرأ بعد ذلك سورة ال عمران. والمقصود ان هذا الاسم ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم لهذه السورة. وهي من السور العظيمة التي تضمنت احكاما كثيرة في حق النساء وغيرهن. ولهذا افتتح الله تعالى هذه السورة بالامر بتقواه. وبيان منشأ الخلق ومبدأه فقال يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام. ولا عجب ان تفتتح السورة بالامر بالتقوى لما امنته من الاوامر والاحكام التي لا يمكن ان يتحقق منها لا لا يمكن ان يقوم بها الانسان وان يطيع الله تعالى في الا اذا استصحب التقوى فالتقوى تحمله على الطاعة وتصرفه عن المعصية تحمله على فعل ما امر الله تعالى به وتحمله على ترك ما نهى الله تعالى عنه رغبة فيما عنده جل في علاه وخوفا من عذابه. ثم ذكر تعالى بعد ذلك قال واتوا اليتامى اموالهم ولا تتبدل الخبيث بالطيب ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم. انه كان حوبا كبيرا. وهذا اول ما ذكره الله تعالى وهو وجوب التقوى في شأن اموال اليتامى بايتائها مستحقيها وحفظها وعدم انتهاك حرمتها وختم الله تعالى ما يتعلق بذلك بقوله تعالى فان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا نعوذ بالله السعير والنار احاط بهم من داخلهم ومن خارجهم يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا اي سيشوون بالنار وهذا يدل على ان العذاب الذي يحيط بهؤلاء عذاب عظيم محيط. ليس فقط لخارج ابدان بل لخارج ابدانهم اي ظاهرها وباطنها. يأكلون في بطونهم نارا وسيؤول امرهم الى السعير سعيرا اي يحرقون بالنار نعوذ بالله من الخذلان. ثم ذكر الله تعالى وصيته بعد ذلك بالاولاد وهذا يدل على عظيم رأفة الله تعالى بعباده. وان رحمة الله تعالى بعباده اعظم من رحمة والديهم بهم. فان الله تعالى يوصي الوالدين باولادهم. ولا شك ان ذلك من من مقتضيات رحمته سبحانه وبحمده. بل الله ارحم بنا من انفسنا. يقول الله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تقتلوا فلا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم. يقول الله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم الا ان تكون تجارة عن راض منكم ثم يقول ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم ايش؟ رحيما. فالله عز وجل ارحم بنا من انفسنا ولذلك نهانا عن قتل انفسنا فهو من باب اولى اذا كان ارحم بنا من انفسنا فهو سبحانه وبحمده ارحم بنا من والدينا. ولهذا يوصي الله تعالى الوالدين باولادهم فيقول تعالى يوصيكم الله ان يعهدوا اليكم وصية موثقة فالوصية هي العهد الموثق الذي في الذي يتعلق بامر مهم ينبغي الاعتناء به. يقول يوصيكم الله في لاولادكم والاولاد هم كل نتاج الانسان من الذكور والاناث ولذلك يقول الله تعالى يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين فليس الاولاد كما هو اللسان الشائع يطلق فقط على الذكور من الذرية بل الاولاد هم كل من تفرع للانسان سواء كان ذلك من جنس الذكور او من جنس الاناث. ولهذا يقول يوصيكم الله في اولادكم اي في من تفرع منكم من ذريتكم لصلبكم للذكر مثل حظ الانثيين للذكر في الميراث مثل حظ الانثيين فيما اذا توفي الانسان وترك مالا فان نصيب ضعف نصيب الانثيين ذكر الامام البخاري رحمه الله ما يتعلق بتفسير هذه الاية مما ورد فيه الحديث وقبل ان نقرأ ما ذكره الامام البخاري ليعلم ان هذه الايات في سورة النساء من قواعد الدين ومن مهمات العلم ومن اصوله الكبار فهو مما يتعلق باحكام الفرائض. احكام المواريث واحكام المواريث من الاحكام المهمة حتى عدها بعض العلماء نصف العلم بناء على اثار وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن وان كان لا يصح منها شيء لكن نصف لكن الفرائض من العلوم المهمة وقول ويفسر قوله صلى الله عليه وسلم ان صح او على قول من يصححه بان بانها نصف العلم بالنظر الى ان العلم علق منه منه ما يتعلق بالحياة ومنه ما يتعلق بالموت. فالاحكام المتعلقة بالحياة نصف والاحكام المتعلقة بالموت نصف اخر وليس ان المواريث تمثل نصف العلم لانها باب محصور محدود من اقل مسائل العلم خلافا مسائل الفرائض من اقل مسائل العلم خلافا بين العلماء مسائل الفرائض اي مسائل احكام المواريث. والسبب في ذلك ان الله قال بين ذلك بنفسه وفصل فيه حتى انه جل احكام الفرائض ترجع الى المنصوص في سورة النساء. مع قوله صلى الله عليه وسلم في ما جاء في الصحيحين اعطوا الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر ينتظم هذا هذه النصوص على قلتها تنتظم جميع احكام الفرائض. واحكام المواريث. ولذلك كان هذا العلم من اصول العلم التي ينبغي ان يعتنى بها فانها تتعلق باحكام ما بعد الموت. ماذا يفعل بما تركه الانسان؟ وكيف به جاءت الايات في غاية الوضوح والبيان وفي غاية الاتقان ولهذا جاء ذكر الاحكام في في هذه الاية مختوما بذكر حكم هذه الاحكام يقول الله تعالى بعد ان ذكر نصيب الرجال ونصيب النساء من المواريث رجع الى ذكر ذلك تفصيلا فقوله للرجال نصيب ما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقرب مما قل منه او كثر فهذا بيان ان الميراث لا يتعلق بالكثير من المال دون القليل بل هو او بالقليل دون كثير بل هو في كل ما تركه الانسان ولو كان من اقل القليل او كان من اكثر الكثير. فانه يشمل جميع ذلك وقد بين الله تعالى هذا الاجمال في قوله للرجال نصيب ما بين النصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون. لكن في اضافة الميراث للنساء نبه الى ان ذلك لا يقتصر على قدر من المال قليل او كثير بل قال مما قل منه او كثر نصيبا اكده مفروضا اي فرظه الله عز وجل وبينه وجاء بيان في قوله تعالى يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين. الى اخر ما ذكر ففي الاية الاولى بعد ان ذكر القسمة على نحو مفصل في احوال مختلفة قال تعالى فريضة من الله يعني هذه القسمة ليست اختيارية ولا شيئا ان شاء الانسان ان يفعله وان شاء تركه بل هي فريضة اي يجب على المؤمن ان يمتثلها وان يلتزمها فريضة من الله وحتى لا يقع في قلب الانسان ريب او من حكم الله الذي قسم فيه الميراث قال تعالى ان الله كان عليما حكيما. فهؤلاء الذين يعترظون على تنصف نصيب المرأة بان يكون الرجل مثل حظ المرأة للرجال كما قال تعالى للذكر مثل حظ الانثيين. هؤلاء يقال لهم الله تعالى قد رد عليكم قضائه ولا اوسع من علمه ولذلك تتقاصر كل العلوم وكل الحكم امام علم الله جل وعلا الذي وسع كل شيء وامام حكمته التي انتظمت كل احكامه فليس شيء من احكام الله عز وجل الا ولو فيه حكمة ثم لبيان بقية تفاصيل قسمة الميراث وختم ذلك بقوله والله عليم حليم عليم بما قسم جل وعلا حليم على عباده الذين يعارظون حكمه او يردون ما قضاه جل في علاه فلا يعاجلهم بالعقوبة. ودليل ذلك انه عاد للتذكير بان هذه القسمة ليس للناس فيها مجال اجتهاد انما الواجب عليهم فيها الامتثال. يقول الله تعالى تلك حدود الله. هذه القسمة المتقدمة مما يتعلق بالمواريث هي حدود الله التي يجب ان تصان وترعى وتحفظ ولا قال تعالى ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ثم يقول وذلك النزول العظيم الله يجعلنا واياكم ممن يفوز هذا الفوز. وذلك الفوز العظيم هو فوز من اطاع الله ورسوله فانه فوز عظيم لا يقارنه فوز فكل فوز في الدنيا يظمحل لا فوز الاخرة. الفوز الذي ينتقل فيه الانسان من النار الى الجنة. يقول الله تعالى فمن زحزح عن النار ادخل الجنة ايش؟ فقد فاز هذا هو الفوز العظيم جعلني الله واياكم ممن يفوزه. هذا هو الفوز المبين هذا هو الفوز الكبير فسماه الله في ايات عظيمة وسماه في ايات كبيرة وسماه في ايات مبينا. لانه لا ابين من هذا الفوز ولا اوظح. ولا اكبر من هذا الفوز ولا ولا اجل ولا اعظم من هذا الفوز بالكلية فهو فوز فوز ثابت دائم مستمر لا ينقطع يقول الله تعالى بعد ان ذكر حال الطائعين الحافظين لحدوده قال ومن يعصي الله ورسوله دماء بين وشرع مما بينه من احكام المواريث وغيرها لكن هذه الاية جاءت بعد ايات المواريث لانها ذكرت ما يكون في القسمة ثم عقبت ذلك ان معصية هذا يترتب عليها العقوبة التي ذكر ومن يعصي الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين وهذا مقابل الفوز العظيم. لكن تنبه ان المعصية هنا ليست معصية من يكون عصيانه عارضا مع اقراره بتوحيد الله والايمان به بل فيما يظهر ان هذا نوعه ان هذا نوع من العصيان ينقله الى الكفر ولذلك حكم عليه بالخلود في في قوله يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين. ويلاحظ في ايات الكتاب ان العذاب المهين لم يذكره الله تعالى الا في حق الكافرين. العذاب المهين في ايات الكتاب لم يذكره الله تعالى الا في بحق الكافرين