الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماء والارض وملء ما شاء من شيء بعده احمده له الحمد في الاولى والاخرة وله الحكم واليه ترجعون واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى اثره باحسان الى يوم الدين اما بعد حج رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم في السنة التاسعة من الهجرة كان حجه صلى الله عليه وعلى اله وسلم في اخر حياته وكان يقول للناس خذوا عني مناسككم لعلي لا القاكم بعد عامي هذا وقال صلى الله عليه وسلم لتأخذوا عني مناسككم فاني لا ادري لعلي لا احج بعد حجتي هذه فرسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم حرص على ان تتلقى عنه الامة صفة هذه العبادة الجليلة التي هي ركن من اركان الاسلام وهي اخر ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم امته من الاركان وكان صلى الله عليه وعلى اله وسلم يؤكد في كل المواقف التي اجتمع فيها باصحابه على الاخذ عنه والتلقي من هدية باعمال المناسك سبب ذلك انه صلى الله عليه وسلم لم يحج الا حجة واحدة وبالتالي من وفق الى حفظ هديه وفق الى ظبط ما ينبغي ان يكون عليه المسلم في هذا النسك ليحقق ما امر الله تعالى به من التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في قوله لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر فحفظ الصحابة عنه الدقيق والجليل والصغير والكبير من العمل حتى في حركاته صلى الله عليه وسلم وسكناته وفي رفع يده وفي صفتي اعماله وقوفه ودفعه وانصرافه في كل اعماله صلوات الله وسلامه عليه كان الصحابة في غاية العناية في تلقيهم عنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم ليحققوا ما امرهم به من الاخذ عنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم وليعلم ان الحج من العبادات التي يتحقق بها تعظيم الله تعالى على اكمل وجه لمن اتى بالحج على وفق هديه صلى الله عليه وعلى اله وسلم فان هديه كان اكمل الهدي وكان في حجه صلى الله عليه وسلم معظما لربه بقوله وقلبه وقالبه وعمله واحواله وتنقلاته صلى الله عليه وعلى اله وسلم يعرف ذلك كل من قرأ هديه واطلع على سنته في حجه صلى الله عليه وسلم ولهذا الحج عبادة عظيمة يجري منها المؤمن تعظيم حرمات الله وتعظيم شعائره. فان الله تعالى بعد ان ذكر ما ذكر من مقاصد الحج قال ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له ثم قال تعالى بعد شيء من ذكر احكام الهدي قال ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب كل هذا تأكيد لهذا المعنى وان الحج يقصد به اقامة تعظيم الله تعالى في القلب بكثرة ذكره وتمجيده وتقديسه وسؤاله ودعائه والانقياد له جل في علاه. ولهذا يظهر في هذه العبادة من الانقياد لله عز وجل في اعمال قد لا يبدو للانسان منها حكمة في فعلها الا انها امتثال لامر الله وانقياد لشرعه وطاعة له وفي هذا تمام تحقيق العبودية لله سبحانه وبحمده فان العبد اذا انقاد لربه فيما لا يعقل معناه وفيما لا يدرك غايته ولا يعرف حكمته وانما يفعل ذلك امتثالا لامر ربه وطاعة له فانه مما يدل على تمام تعظيمه لله وكمال انقياده له وتحقيق كمال العبودية لله. فالمؤمن قد يترك شيئا من المنهيات لما فيه من الاضرار والمحاذير. وقد يفعل شيئا من الطاعات لما فيه من المنافع والمصالح لكن عندما ينقاد لله عز وجل طاعة في فعل ما امر به. وفي ترك ما نهى عنه دون ان يعقل لذلك مصلحة او منفعة او حكمة ظاهرة فان ذلك يدل على تمام العبودية يحقق به وما كان لمؤمن ولا مؤمنة. اذا قظى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم. والحج تظهر فيه هذه معاني على وجه بين جلي فان التنقلات والاحوال والاعمال والاعداد وما الى ذلك مما يتعلق ومناسك الحج كثير منها قد لا يبدو لها حكمة ظاهرة عند المكلف فينقاد بامتثالها طاعة لله وانقيادا له جل في علاه واتباع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تحقيقا لكمال العبودية لله عز وجل فليلحظ هذا المعنى حتى يدرك الانسان انه باتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم يدرك من الخير والبر والايمان وصلاح القلب واستقامة عمل ما لا يرد له على بال ولا خاطر. وقد اشار الى هذا المعنى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فيما رواه البخاري ومسلم انه وقف على الحجر فقبله ثم قال اني لاعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ما قبلتك. فهذا دليل على ان الفعل انما هو لتمام الانقياد لله عز وجل. ليس ذلك لغرض ولا انما هو انقياد لله سبحانه وبحمده. في هذا المجلس ان شاء الله تعالى نستعرض هدي النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم في صفة حجه وسنسلك في ذلك استعراض المناسك من خلال ايام الحج فان الله تعالى جعل للحج اشهرا فقال سبحانه وبحمده الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج اي لبى فيهن بالحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. ثم ذكر الله تعالى اياما هي ايام الحج فعلا فذكر عرفات وذكر المشعر الحرام وذكر اليوم يوم الحج الاكبر وذكر الايام المعدودات وهي ايام الحج التي تفعل فيها مناسكه فالفرق بين الاشهر والايام ان الاشهر هو الزمان الذي يحرم فيه الانسان بالحج. واما الايام ايام الحج هي الايام التي تقع فيها مناسك الحج وهذا فرق بين الايام ايام الحج واشهر الحج. اشهر الحج ثلاثة شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة كما تقدم. واما ايام الحج فستة يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحجة ويوم عرفة وهو يوم التاسع ويوم النحر وهو اليوم العاشر ويوم القرن وهو اليوم الحادي عشر ويوم النفر الاول وهو يوم الثاني عشر ويوم النفل الاخر وهو يوم الثالث عشر هذه ايام الحج الست التي تكون فيها اعمال الحج ومناسكه ولذلك السابقة فيسن ان يأخذ بسنن الاحرام التي تشرع عنده ثم اذا احرم وتهيأ ما يتهيأ به من لبس الازار والرداء يلبي بالحج فيقول لبيك حجا ويذهب الى منى لا يحتاج في تلبيته ان يذهب الى مسجد سنستعرض صفة الحج من خلال استعراض ما يكون في هذه الايام من الاعمال. فنسأل الله الاعانة والتسديد. وفي نهاية المجلس ان شاء الله تعالى نجيب على اسئلتكم. نعم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد غفر الله لشيخنا وللسامعين. قال المصنف رحمه الله تعالى في كتاب الموجز في احكام الحج والعمرة المبحث السابع صفة الحج. سابين صفة الحج واعماله يوما بيوم. فأيام الحج ستة. وهي يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر وايام التشريق الثلاثة. اولا اعمال يوم التروية يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة وهو اول ايام الحج. والسنة فيه للحاج المتمتع ان يحرم حج ضحى يوم الثامن من مكانه ان كان في الحرم. اما المفرد والقارن فهما على احرامهما ان يتوجه جميع الحجاج الى منى فيصلون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ويمكثون فيها حتى طلوع الشمس هذا ان تيسر لهم ذلك فان لم يتيسر لهم ذلك فلا شيء عليهم بالاتفاق يوم التروية هو يوم الثامن من ذي الحجة وهو وهو اول ايام الحج ولا خلاف بين العلماء في ان اول ايام الحج هو يوم الثامن من ذي الحجة فليس ثمة عمل من اعمال الحج يتعلق بالاماكن مجيئا قبل يوم الثامن من ذي الحجة النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم خرج من المدينة في اواخر ذي القعدة. ثم انه صلى الله عليه وسلم وصل الى مكة ليلة الرابع من ذي الحجة بات صلى الله عليه وسلم بذي طوى فلما اصبح اغتسل صلى الله عليه وسلم ودخل مكة وجاءها صلى الله عليه وسلم في نهار يوم الرابع من ذي الحجة وكان اول شيء بدأ به لما وصل الى البيت ان توضأ صلى الله عليه وسلم ثم طاف صلى الله عليه وعلى اله وسلم طواف القدوم وسعى بعده سعي الحج على نحو ما تقدم وصفه بقي النبي صلى الله عليه وسلم باحرامه بعد ذلك لم يتحلل لانه قد ساق الهدي وامر اصحابه بالتحلل وهم من كان لم يسق الهدي فكل من لم يسق الهدي امره رسول الله صلى الله عليه وسلم بان يتحلل اي ان يعود حلالا بالحلاق او التقصير كما كان قبل احرامه فقصر اصحابه رضي الله تعالى عنهم ومكثوا محلين بقية الايام الى ان جاء يوم الثامن من ذي الحجة فامر النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه ان يحرموا بالحج من حيث تنازلوا اي من اماكنهم التي نزلوا فيها. هذا اليوم هو يوم الثامن من ذي الحجة وهو اول ايام الحج بالاتفاق لا خلاف بين العلماء في عد هذه الايام وان اول ايام مناسك الحج هو يوم الثامن من ذي الحجة وسمي هذا اليوم بيوم التروية وسبب تسميته بهذا الاسم قيل فيه عدة اقوال فقيل في سبب تسميته بيوم التروية ان الناس كانوا يروون فيه الماء يتزودون فيه من الماء اما لمنى واما لعرفة. وذلك ان منى وعرفة في ذلك الزمان ليس فيهما ماء فيستعد الناس لنزولهم في منى وكذلك في عرفة اخذ الماء من مكة ولذلك سمي هذا اليوم بيوم التروية وقيل في اسباب تسميته بيوم التروية انه اليوم الذي رأى فيه ادم وحواء وليس هذا بواضح او ظاهر وكذلك قيل في سبب تسميته بانه بيوم التروية انه اليوم الذي تراءى فيه ابراهيم عليه السلام له اي رأى في المنام وفكر في اليقظة بذبح ابنه اسماعيل والتراء هنا اما ان يكون من الرؤية التي اريها او من الرأي والتفكير وكلاهما محتمل ولكن هذا ايضا لا دليل عليه لكن هذا مما قيل في سبب تسمية هذا اليوم بهذا الاسم والعرب تسمي الايام بحوادث او افعال تكون فيها. وايام الحج سميت بافعال تكون فيها. ولذلك المناسب فيما يظهر والله تعالى اعلم من هذه الاقوال في سبب تسمية اليوم الثامن بيوم التروية انه اليوم الذي يتروى فيه الناس من الماء تزودا لاقامتهم في منى وفي عرفة اعمال هذا اليوم هو ما امر به النبي صلى الله عليه وسلم المحلين من الحجاج بالاحرام ضحى ذلك اليوم هذا اول ما يكون من اعمال الحجاج في يوم الثامن من ذي الحجة ان يحرموا ضحى ويسن لهم في الاحرام ما يسن في من الاداب التي تقدم ذكرها من الاغتسال والتجرد والتطيب ونحو ذلك من الاداب ولا الى حرم ولا الى غير ذلك فليحرم من مكانه فان الصحابة رضي الله تعالى عنهم احرموا من منازلهم من اماكنهم التي نزلوا فيها لم يقصدوا المسجد الحرام ولا غيره من الاماكن بل احرموا من اماكنهم التي نزلوا فيها وهذا في حق من كان نازلا في مكة. واما من كان قادما فانه على حسب حاله يحرم من حيث انشأ يحرموا من حيث نوى واذا احرم الحجاج توجهوا الى منى وصلوا بها الظهر فالسنة ان يصلوا الظهر في منى هذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يصلوا بها يصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر وهذا سنة بالاتفاق لا خلاف بين العلماء انه يسن الحجاج ان يأتوا الى منى وان يصلوا بها هذه الصلوات كما فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. وفي هذا اليوم ليس هناك عمل يقوم به الحجاج من رمي جمار او نحو ذلك. سوى المكثي في منى والاشتغال بذكر الله عز وجل فليس ثمة عمل بهذا اليوم انما هو اشتغال بذكر الله عز وجل والصلوات والتعبد للهب المكث في منى ولا خلاف بين العلماء ان المجيء الى منى في اليوم الثامن هو من سنن الحج لا خلاف بين العلماء في ان المجيء الى منى في اليوم الثامن هو من سنن الحج فان لم يفعله الحاج لا ينقصه ذلك في صحة حجه وانما يفوته اجر السنة اجر سنة المجيء الى منى. وليعلم ان هذه السنة في حق من كان يمكنه المجيء. ممن له مكان في منى اما من كان لا مكان له في منى كالذين تكون مخيماتهم في خارج حدود منى لضيق المكان او في جهة من جهات مكة فانه لا يلزمهم المجيء و يكون تركه من المجيء في هذه الحال لا ينقصهم اجر السنة التي نووها ولم يتمكنوا منها. فان كل من نوى عملا صالحا وحال بينه وبين فعله عدم القدرة كتب الله تعالى له ما نوى انما الاعمال بالنيات. وقد قال النبي وقد قال الله عز وجل ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله فكل من جزم ونوى عملا صالحا لكن لم يتمكن من فعله لوجود ما يمنعه ويحول بينه وبين فعله فانه يكتب له اجر ما نواه تاما الذين لا يستطيعون المجيء الى منى في يوم الثامن من ذي الحجة يشرع لهم ان يحرموا يشرع لهم ان يحرموا في اماكنهم ومنازلهم ذاك ان من سنن من اعمال هذا اليوم الاحرام ومن اعماله المجيء الى منى فمن لم يتمكن من المجيء الى منى لعدم وجود مكان او لغير ذلك من الاسباب فانه يحرم في مكانه ويسن ان يصلي الظهر محرما. هذا ما يتصل اعمى لهذا اليوم. اذا خلاصة ما يكون من اعمال هذا اليوم هي واحد الاحرام ضحى ذلك اليوم اثنين المجيء الى منى وصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر من يوم عرفة كما امكنه فعله من ذلك اتى به واجر عليه ومال يمكنه فعله من ذلك فانه لا حرج عليه وينقص اجره بقدر ما ترك من السنن ولكن من تركه لا حرج عليه. من ترك المجيء فلا حرج عليه بل يكتب بل حجه صحيح لان المجيء الى منى يوم التروية سنة بالاتفاق