بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد فقال ابن قيم رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد فصل كان اول المخلوقات القلم ليكتب المقادير قبل كونها وجعل ادم اخر المخلوقات وفي ذلك حكم احدها تمهيد الدار قبل الساكن الثانية انه الغاية التي خلق لاجلها ما سواه من السماوات والارض والشمس والقمر والبر والبحر الثالثة ان احدق الصناع يختم عمله باحسنه وغايته كما يبدأه باساسه ومبادئه الرابعة ان النفوس متطلعة الى النهايات والاواخر دائما ولهذا قال موسى للسحرة اولا القوا ما انتم ملقون فلما رأى الناس فعلهم تطلعوا الى ما يأتي بعده الخامسة ان الله سبحانه اخر افضل الكتب والانبياء والامم الى اخر الزمان وجعل الاخرة خيرا من الاولى والنهايات اكمل من البدايات. قال فكم بين قول الملك للرسول اقرأ؟ فيقول ما انا بقارئ وبين قوله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم السادسة انه سبحانه جمع ما فرقه في العالم في ادم. فهو العالم الصغير وفيه ما في العالم الكبير السابعة انه خلاصة الوجود وثمرته. فناسب ان يكون خلقه بعد الموجودات الثامنة ان من كرامته على خالقه انه هيأ له مصالحه وحوائجه والات معيشته واسباب فما رفع رأسه الا وذلك كله حاضر عتيد التاسعة انه سبحانه اراد ان يظهر شرفه وفضله على سائر المخلوقات فقدمها عليه في الخلق. ولهذا قالت الملائكة ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقا اكرم عليه منا فلما خلق ادم وامرهم بالسجود له ظهر فضله وشرفه عليهم بالعلم والمعرفة فلما وقع في الذنب ظنت الملائكة ان ذلك الفضل قد نسخ ولم تطلع على عبودية التوبة الكامنة فلما تاب الى ربه واتى بتلك العبودية علمت الملائكة ان لله في خلقه سرا لا يعلمه سواه العاشرة انه سبحانه لما افتتح خلق هذا العالم بالقلم كان من احسن المناسبة ان يختمه بخلق الانسان. فان القلم الة العلم والانسان هو العالم ولهذا اظهر سبحانه فضل ادم على الملائكة بالعلم الذي خص به دونهم الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد هذا الفصل ذكر فيه المؤلف رحمه الله ابتداء ان ان ان اول المخلوقات القلم ثم ذكر المناسبة في كون اول المخلوقات القلم وفي كون اخرها ادم عليه السلام اما كون اول المخلوقات القلم فهذا مما جرى فيه بين اهل العلم خلاف وهو على قولين في الجملة فمن اهل العلم من قال ان اول المخلوقات القلم واستدلوا لذلك بما جاء في حديث عبادة ابن الصامت رضي الله تعالى عنه حيث جاء فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ان اول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال ربي وماذا اكتب؟ قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة والحديث في السنن باسناد جيد وهذا حجة من قال ان اول ما خلق الله تعالى القلم وقيل ان اول المخلوقات العرش وهذا هو القول الثاني وهو الذي رجحه ابن القيم رحمه الله في نونيته واستدلوا لذلك بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في الصحيح قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة ثم قال صلى الله عليه وسلم وعرشه على الماء يعني والحال ان عرشه على الماء فدل هذا الحديث على ان العرش سابق في الخلق لان الكتاب كانت والعرش على الماء والقلم منذ ان خلقه الله تعالى امر بالكتابة دل عليه ايضا حديث عمران ابن حصين رضي الله تعالى عنه وهو في صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كان الله ولم يكن شيء قبله وبحمده كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم قال وكتب في الذكر كل شيء وكتب في الذكر كل شيء فدل هذا على سبق خلق العرش على القلم وهو قول المحققين من اهل العلم فما الجواب عن حديث عبادة الجواب عن حديث عبادة بواحد من وجهين اما ان يقال ان الاولية هنا نسبية يعني فيما عدا العرش من المخلوقات وبهذا تجتمع الادلة واما ان يقال ان الخبر ليس عن او ولية الخلق انما عن انه اول خلق القلم اي الزمن الاول الذي خلق فيه القلم امر فيه بالكتابة فيكون الحديث ان اول ما خلق الله القلم قال له اكتب يعني الزمن الاول الذي خلق فيه القلم قيل له اكتب. وليس المقصود الخبر عن اولية خلق القلم انما عن ان الكتابة امر بها في اول وقتي وزماني خلق القلم فلا يكون ثمة تعارض وكلا الوجهين يصلح في الجواب عن في الجواب عن الحديث ويلتئم به ما دلت عليه الاحاديث الاخرى قوله صلى الله عليه وسلم وجعل ادم اخر المخلوقات وفي ذلك حكم كيف جعل ادم في اخر المخلوقات؟ ان الله تعالى خلق السماوات والارض في ستة ايام ابتداء من يوم الاحد وكان خلق ادم يوم الجمعة ففي الصحيح من حديث ابي هريرة رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق ادم وهو اخر ايام الخلق اذ ان الله تعالى فرغ من الخلق سبحانه وبحمده الجمعة فكان كما قال المؤلف وجعل ادم اخر المخلوقات ثم بعد ان ذكر الاولية والاخرية في الخلق قال وفي ذلك حكم ذكر هذه الحكم وهي حكم مستنبطة احدها تمهيد الدار قبل الساكن وجهه ان ادم خلق له ما في السماوات والارض سخر الله له ما في السماوات والارض فكان مقتضى الحكمة ان يتأخر خلقه ان يتأخر خلق الانسان عن خلق ما من اجله خلق اي ما الخلق الذي خلق لاجل الانسان يتقدم حتى اذا آآ خلق الانسان كان ما هيأ له وما من اجله خلق قد وجد. الثانية انه الغاية التي خلق لاجلها ما سواه من السماوات والشمس والقمر والبر والبحر وهذا قريب من الاول الثالثة ان احدق الصناع يختم عمله باحسنه وغايتك اي كما يبدأه باساسه ومبادئه وخلق الانسان اكمل الخلق كما قال الله تعالى والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الامين. لقد خلقنا الانسان في احسن في مقابل فوات ما وعدت به في الاخرة يا لها يا لها بصيرة عمياء جزعت من صبر ساعة واحتمل الذل الابد سافرت في طلب الدنيا وهي عنها زائلة وقعدت عن السفر الى الاخرة وهي اليها راحلة تقويم وقال تعالى ونفس وما سواها وقال تعالى وصوركم فاحسن صوركم فالله تعالى خلق الانسان على اكمل ما يكون من حيث خلقه ومن حيث تفضيله دل عليه قوله تعالى ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا وهذا لا يعني انه اكبر الخلق بل اكبر الخلق كما قال الله تعالى خلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس اكبر يعني من حيث الاعجاز ومن حيث المقارنة بين عظم الخلق وخلق الانسان خلق الانسان ظئيل بالنظر الى خلق السماوات والارض ثم قال الرابعة ان النفوس متطلعة الى النهايات والاواخر دائما ولهذا قال موسى للسحرة القوا ما انتم ملقون تطلعا الى ماذا الى وعد الله له بالظهور على اعدائه قال فلما رأى الناس فعلهم تطلعوا الى ما يأتي بعده وهو ما يكون من حال موسى مع هؤلاء السحرة الخامسة ان الله سبحانه اخر افضل الكتب والانبياء والامم الى اخر الزمان السادسة انه سبحانه جمع ما فرقه في العالم في ادم فهو العالم الصغير وفيه ما فيه من العالم الكبير. وهذا يرجع الى الوجه الثالث الرأى السابع انه خلاصة الوجود وثمرته فناسب ان يكون خلقه بعد الموجودات. وهذا يرجع الى بعض ما تقدم. وابن القيم رحمه الله احيانا في عده للاوجه سواء في الاستدلالات او في الحكم او في اوجه الترجيح قد يذكر وجها يشمل يشمله ما تقدم وما سبق لكنه قد يفارقه ببعض مفارقة فيذكره تخصيصا من باب ذكر الخاص بعد العام فذكر الخاص بعد العام نوع من التنبيه على الخصوصية التي تضمنها هذا الوجه او تضمنها ذلك الدليل الثامنة ان من كرامته على خالقه ان هيأ له مصالحه وحوائجه والات معيشته واسباب حياته فما رفع رأسه الا وذاك فكله حاضر عتيد وهذا قريب من الوجه الاول والثاني لكنه المح هنا الى ان ذلك على وجه الاكرام لبني ادم. التاسعة انه سبحانه اراد ان يظهر شرفه وفضله على سائر المخلوقات فقدمها عليه في الخلق. ولهذا قالت الملائكة ليخلقوا ربنا ما شاء فلن يخلق خلقا اكرم عليه منا العاشرة انه سبحانه لما افتتح خلق هذا العالم بالقلم كان من احسن المناسبة ان يختمه بخلق الانسان فان القلم الة العلم والانسان هو العالم فقدم وجود الة التعلم على المتعلم وهذا يرجع الى بعض الاوجه المتقدمة نعم وتأمل كيف قال رحمه الله وتأمل كيف كتب سبحانه عذر ادم قبل هبوطه الى الارض ونبه الملائكة على فضله وشرفه ونوه باسمه قبل ايجاده بقوله اني جاعل في الارض خليفة وتأمل كيف وسمه بالخلافة وتلك ولاية له قبل وجوده. واقام عذره قبل الهبوط بقوله في الارض والمحب يقيم عذر المحبوب قبل جنايته فلما صوره القاه على باب الجنة اربعين سنة لان دأب المحب الوقوف على الوقوف على باب الحبيب رمى به في طريق ذل لم يكن شيئا لئلا يعجب يوم اسجدوا. وكان ابليس يمر على جسده فيعجب منه ويقول لامر قد خلقت ثم يدخل من فيه ويخرج من دبره ويقول لئن سلطت عليك لئن سلطت عليك لاهلكنك ولئن احسن الله اليك يقول لان سلطت عليك لاهلكنك. ولئن سلطت علي لاعصينك. ولم يعلم ان هلاكه على يده رأى طينا مجموعة فاحتقره فلما صور الطين فلما صور الطين صورة دب فيه داء الحسد. فلما نفخ فيه الروح مات الحاسد فلما بسط له بساط العز عرضت عليه المخلوقات فاستحضر مدعي ونحن نسبح. الى حاكم ام بأوني وقد اخفى الوكيل عنه وعلم فنكسوا رؤوس الدعاوى على صدور الاقرار فقام منادي التفضيل في اندية الملائكة ينادي اسجدوا فتطهروا من حدث دعوة ونحن بماء العذر في انية لا علم لنا فسجدوا على طهارة التسليم وقام ابليس ناحية لم يسجد لانه خبث وقد تلون بنجاسة الاعتراض وما كانت نجاسته تتلافى بالتطهير لانها عينية فلما تم كمال ادم قيل لابد من لابد من خال جمال على وجه اسجدوا فجرى القدر بالذنب ليتبين اثر العبودية في الذل يقول رحمه الله تأمل كيف كتب سبحانه عذر ادم قبل هبوطه الى الارض ونبه الملائكة الى فعل فضله وشرفه ونوه باسمه قبل حيث قال تعالى اني جاعل في الارض خليفة وهذي منزلة سامية مكانة رفيعة قال وتأمل كيف وسمه بالخلافة وتلك ولاية له قبل وجوده. وهذا لشرفه واصطفاء الله تعالى له. واقام عذره قبل الهبوط بقوله في الارض اي ان ذلك جار بتقديره والمحب يقيم عذر المحبوب قبل جنايته قال فلما صوره على باب الجنة اربعين سنة لانه دأب المحب وهذا اشارة الى ما جاء في الصحيح من حديث انس بن مالك رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لما صور الله تعالى ادم في الجنة قوله في باب الجنة من اخبار يبدو انه من الاخبار التي وردت في غير رواية الصحيح لان رواية الصحيح انه صوره في الجنة لما صور الله تعالى ادم في الجنة تركه ما شاء الله ان يتركه ولم يحدد ذلك اربعين سنة ولا بغيرها فجعل الشيطان جعل ابليس يطيف به اي يدور حوله. وقوله انه يدخل من فيه ويخرج من دبره ما جاءت بذلك رواية الصحيح انما يطيف به اي يدور حوله فلما رآه اجوف له جوف عرف انه لا يتمالك اي انه لا يقوى على مقابلته ومصادمته ومقاومة ما يزينه من الشهوات. هذا معنى قوله عرف انه لا يتمالك اي انه لا يملك نفسه ويحبسها عن الشهوات وقيل لا يتمالك يعني لا يقوى على دفع الوساوس وقيل لا تمالك اي من ان ينفعل ويغضب والذي يظهر والله تعالى اعلم ان ان هذه المعاني جميعها متقاربة وهو لا يتمالك في صبره عن الشهوات لا يتمالك في دفع الوساوس لا يتمالك في الغضب وهذا طبعا باعتبار جنس الانسان لا باعتبار الافراد. فمن كمله الله بالصالحات وخصال الايمان وقهو كل هذا فكان متمالكا. ان عبادي ليس لك عليهم سلطان فعباد الله واصفياؤه محفوظون عن ان يتسلط عليهم الشيطان بل لو وقع منهم ما وقع من زلل او خطأ تنبهوا وتذكروا وعاودوا الطريق كما قال الله تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فانهم مبصرون نعم وما ذكره بعد ذلك رحمه الله من تلمس الحكم في اه الاخبار بخلق ادم اخبار من جهة اخبار الله تعالى بخلق ادم وما رد به الملائكة وما كان في نهاية الامر من الامر بالسجود كله يعني مما يتلمح فيه تلك المعاني التي ذكرها رحمه الله يا ادم قال رحمه الله يا ادم لو عفا لك لو عفا لك عن تلك اللقمة لقال الحاسدون ولو عفي يا شيخ نعم قال يا ادم لو عفا لك عن تلك اللقمة لقال الحاسدون كيف فضل ذو شره لم يصبر على شجرة لولا نزولك ما تصاعدت صعداء الانفاس ولا نزلت رسائل هل من سائل ولا فاحت روائح ولا خلوف فم الصائم فتبين حينئذ ان ذلك التناول لم يكن عن شره يا ادم ضحكك في الجنة لك وبكاؤك في دار التكليف لنا ما ضر من كسره عزي اذا جبره فضلي انما تليق خلعة العز ببدن الانكسار انا عند المنكسرة قلوبهم من اجلي ما زالت تلك الاكلة يعني هذا كله اشارة الى ان ما يجريه الله تعالى ما اشراه الله تعالى على ادم من الاقضية والاقدار وعلى جنس بني ادم بعد ذلك له فيه حكمة بالغة وان بدا ما فيه من الالم فان الله تعالى يظهر من ذلك الحال يظهر من تلك الاقدار ما يكون به تبين الاحوال فيميز الله الخبيث من الطيب فالله تعالى يرى انكسار العبد وذله فيكون ذلك موجبا لعظيم فضله وعطائه ولذلك اذا جرى على الانسان ما يكره من اقدار الله في دينه او في دنياه في نفسه او في اهله او في ماله او في بلده فليتلمح حكم الله تعالى في اقضيته واقداره. فان الله لا يقضي لعبده المؤمن قضاء الا كان له خير ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له ولا يكون ذلك الا للمؤمن نعم قال ما زالت تلك الاكلة تعاده حتى استولى دواؤه على اولاده فارسل اليهم اللطيف الخبير الداء على ايدي اطباء الوجود فاما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى فحماهم الطبيب بالمناهي وحفظ القوة بالاوامر واستفرغ اخلاطهم الرديئة بالتوبة فجاءت العافية من كل ناحية فيا من ضيع القوة ولم يحفظها وخلط في مرضه وما احتوى ولا صبر على مرارة الاستفراغ لا تنكر قرب الهلاك فالداء مترام الى الفساد. لو ساعد القدر فاعنت الطبيب على نفسك بالحمية من شهوة خسيسة ظفرت بانواع اللذات واصناف المشتهيات ولكن بخار الشهوة غطى عين البصيرة فظننت ان الحزم بيع الوعد بالنقد ما بعد بيع الاجل بالاجل بان تدرك ما ما تشتهي وتتلذذ به في الدنيا اذا رأيت الرجل يشتري الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير فاعلم بانه سفيه لان السفه وضع الشيء في غير موضعه اذ السفه ضد الرشد ومنه سمي من لا يحسن التدبير في المال سفيها كما قال الله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما ومثله ما هو اعظم بان يبيع الاخرة بالدنيا تبيع الاخرة بالدنيا فان هذا من اعظم السفه ولذلك قال ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه اي لم يصب الرشد في بيعها فكل نفس كل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها او اما ان يبيعها الرحمن فيربح واما ان يبيعها للشيطان فيهلك ويخسر. اسأل الله ان يجعلنا واياكم من الرابحين الفائزين وصلى الله وسلم على نبينا محمد