بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. وبعد فقال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد ثم اخبر عن تقريب الجنة من المتقين وان اهلها هم الذين اتصفوا بهذه الصفات الاربع احداها ان يكون اوابا اي رجاعا الى الله من معصيته الى طاعته. ومن الغفلة عنه الى ذكره قال عبيد بن عمير الاواب الذي يتذكر ذنوبه ثم يستغفر منها وقال سعيد بن المسيب هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب الثانية قال ابن عباس ان يكون حفيظا لم ائتمنه الله عليه وافترضه. وقال قتادة حافظ لما استودعه الله من حقه ونعمته ولما كانت النفس لها قوتان قوة الطلب قوله رحمه الله ثم اخبر ان تقريب الجنة من المتقين وازلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ازلاف والتقريب بغاية الاكرام كما تقدم فان الله تعالى يظهر من اكرامه لعباده الصالحين ما تسر به نفوسهم ويعرف به عظيم قدرهم عند الله عز وجل يتبين به ما وعدهم من الكرامة في ذلك اليوم العظيم فان الله تعالى يقرب الجنة اليهم وازرفت الجنة وهي دار النعيم الكامل الذي اعد الله تعالى فيها لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ووزية وازرفت الجنة للمتقين غير بعيد اي غير بعيد في النظر ولا بعيد في الوصول وهذا اكرام وهذا من اكرامه جل وعلا لعباده المتقين جعلنا الله واياكم منهم وان اهلها هم الذين اتصفوا بهذه الصفات الاربع الصفة الجامعة التقوى ولذلك قدمها جل في علاه وقال سبحانه وبحمده وازفت الجنة للمتقين غير بعيد بعد ذلك فصل في خصال التقوى الموجبة لذلك الفضل فذكر اربع صفات اولها هذا ما توعدون لكل اواب حفيظ اواب فعال وفعال صيغة مبالغة وصيغة المبالغة تدل على معنيين المعنى الاول عظم قيام تلك الصفة اي عظيم الاوبة عظام الاتصاف بتلك الصفة عظم الاتصاف بتلك الصفة الثاني مما يفيد تفيد هذه الصيغة كثرة الاوبة بصيغة المبالغة في هذا الموضع وفي غيره تدل على هذين المعين المعنيين او واحد منهما تدل على عظم الاتصال بتلك الصفة وعلى كثرة الاتصاف بتلك الصفة فاواب اي كثير الاوبة وعظيم الاوبة كثير الاوباء بكثير رجوع الى الله عز وجل والرجوع الى الله عز وجل يكون بامرين الامر الاول امتثال امره سبحانه وبحمده وذلك بفعل ما امر وترك ما نهى عنه وزجر هذا هذا السورة الاولى من صور الاوبة الامتثال والامتثال في الاوامر بالفعل وفي النواهي بالترك فمن امتثل ما امر الله تعالى به في الاوامر فعلا وفي النواهي تركا فهو اواب الثاني من معاني الاواب الرجوع الى الله بالتوبة عند الاخلال بامره بالترك والاخلال بنهيه في الانتهاك والوقوع فيما حرم جل وعلا. فالاواب هو الرجاع الى الله بفعل ما امر وترك ما نهى والتوبة اليه. قال المؤلف رحمه الله احداها ان يكون اوابا اي رجاعا الى الله من معصيته الى طاعته. ومن الغفلة عنه الى ذكره هذا معنى قال عبيد بن عمير الاواب الذي يتذكر ذنوبه ثم يستغفر منها. وقال سعيد هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب. هذا المعنى انا الاول والمعنى الثاني من معاني الاواب هو ما ذكرته وهو فعل الاوامر وترك النواهي ابتداء فان من فعل ما امر الله تعالى به فانه رجع الى الله بامتثال امره ورجع الى الله بترك ما نهى عنه وزجر الثانية من الصفات حفيظ حفيظ فعيل وهي ايضا من صيغ المبالغة تصلح صيغة مبالغة وتصلح اسم فاعل اي حافظ لكنها على صيغة المبالغة و تقدم قبل قليل في صيغة المبالغة انها تفيد كم معنى معنيين عظم الصفة عظم الاتصاف بتلك الصفة وايش وكثرة الاتصاف بها. فقول حفيظ اي عظيم الحفظ لما امره الله تعالى به. ونهوا عنه وكذلك كثير الحفظ لما امر الله تعالى به ونهى عنه قال حافظ لمسجد. حافظ حفيظ لما ائتمنه الله عليه وافترضه عليه وقال قتادة حافظ لما استودعه الله من حقه ونعمه نعم ولما كانت النفس لها قوتان قوة الطلب وقوة الامساك كان الاواب مستعملا لقوة الطلب في رجوعه الى الله ومرضاته وطاعته. والحفيظ مستعملا لقوة الحفظ في الامساك عن معاصيه ونواهيه. فالحفيظ الممسك نفسه عما حرم عليه. والاواب المقبل على الله بطاعته فيكون هنا يعني ذكر اختصاص كل واحد من هذين الوصفين خصلة من خصال التقوى لكن الحفيظ والاواب عند الاطلاق كلاهما يدل او عند الافتراق كلاهما يدل على معنى الاخر يشمل معنى الاخر لكن لما اجتمعا كان الاواب هو المقبل على الطاعة والحفيظ هو الممسك عن المعصية نعم الثالثة قوله من خشي الرحمن بالغيب. الثالثة يعني من الخصال التي فصل الله تعالى بها المتقين صفات المتقين الذين ازلفت لهم الجنة. نسأل الله ان نكون منهم الثالثة قوله من خشي الرحمن بالغيب يتضمن الاقرار بوجوده وربوبيته وقدرته وعلمه واطلاعه على تفاصيل احوال العبد ويتضمن الاقرار بكتبه ورسله وامره ونهيه. ويتضمن الاقرار بوعده ووعيده ولقائه فلا تصح خشية الرحمن بالغيب الا بعد هذا كله طيب قول من خشي الرحمن بالغريب. الخشية خوف مقترن بتعظيم الخاشية خوف مقترن بتعظيم فلا تطلق الخشية على مجرد الخوف انما الخوف المقترن بالتعظيم هو الخشية وقول من خشي الرحمن يشعر بهذا المعنى لانه ما ما قال من خشي الجبار بل قال من خشي الرحمن والرحمة توجب ايش؟ الطمع في رحمته لا الخوف من عقابه لكن هؤلاء لم يغرهم ما لله عز وجل من الرحمة بل استحضروا عظيم رحمته فخشوه جل في علاه قشوا ان يفوتهم ما وعده عباده من الرحمة وهذا وجه ذكر الرحمن مع الخشية تمر يخشونه ويخشون ان يفوتهم ما اتصف به من الرحمة جل في علاه خلاف المغرور الذي يغره ما يعلمه من رحمة الله فيجعله مسرف بعيد عن الطاعة والاحسان. هؤلاء اغتروا فلا ينالون من رحمة الله ما يأملون. قال الله جل وعلا من خشي الرحمن بالغيب قلبه نظر في بمعنى في الغيب يعني حال الغيب ظرف باء ونظر في بمعناه في زمن الغيب زمن الغيب والمقصود بالغيب يعني حال غيبتهم وانفرادهم وكذلك اي مع عدم مشاهدتهم الرحمن فهم يخشونه بالغيب لم يروه ولم تدركه حواسهم ولكنهم يوقنون به ايقان من يراه ويخشونه خشية من يراه وهذا اعلى مراتب الاحسان فان اعلى مراتب الاحسان ان تعبد الله ايش كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك وهذا معنى الايمان بالغيب كانك تراه وانت في الحقيقة ما تراه. يعني مثل ما مثل حال من يراه فان لم تكن تراه فانه يراك اي توقن بانه مطلع عليك جل في علاه هذه الخصلة الثالثة من خصال المتقين وهي من اكد خصالهم وقد ذكرها الله تعالى في مواضع كثيرة بل ذكرها في صدر خصال المتقين. قال تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين ايش يؤمنون بالغيب والخشية بالغيب فرع عن الايمان بالغيب فانه لا يخشى احد الله عز وجل بالغيب الا اذا امن به وهو غيب جل في علاه سبحانه وبحمده وقد بين المؤلف رحمه الله ان هذا يجمع اصولا عظيمة من اصول الايمان بالله عز وجل فخشية الرحمن بالغيب تتضمن الايمان بوجوده وبربوبيته انه الخالق المالك الرازق المدبر وبقدرته لانه لو لم يكن قادرا ما خشيته وبعلمه لانه لو لم توقن انه يعلم السر واخفى ما خشيته بالغيب فكل هذه المعاني تستلزم الخشية بالغيب فمن خشي الله بالغيب يستلزم آآ من خشي الله بالغيب يستلزم ان يوقن بهذه المعاني فيتضمن ذلك الاقرار بوجوده بربوبيته بقدرته علمه اطلاع على تفصيل احوال العبد كذلك يتضمن الاقرار بكتبه المخبرة عنه جل في علاه ورسله الذين بينوا ما له وامره ونهيه ولانه من خشي الرحمن بالغيب فعلى ما امر به ايقن ان الله امره بكذا ففعل صلى وامر ان الله نهاه عن كذا فيتركه لخشيته ربه بالغيب جل في علاه ويتظمن الاقرار بوعده ووعيده ولقائه ثم قال بعد ذلك فلا تصح خشية الرحمن بالغيب الا بعد ذا كله نعم الرابعة قوله وجاء بقلب منيب قال ابن عباس راجع عن معاصي الله مقبل على طاعة الله وحقيقة الانابة عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والاقبال عليه ثم ذكر سبحانه هنا ما الفرق بين اواب ومنيب اواب رجاع وهو على نحوين كما ذكرنا رجاع بفعل ما امر بفعل ما امر الله عز وجل ورجاع بترك ما نهى الله تعالى عنه. ورجاع ايضا بالتوبة والاستغفار عند القصور او التقصير اما المنيب فقد فسره اولا بمعنى الاواب فيكون تأكيد للمعنى تأكيد لاول الخصال على هذا التفسير و ثم عاد الى بيان حقيقة الانابة وهو المميز للانابة عن اوبة قال وحقيقة الانابة عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والاقبال عليه. بخلاف الاوبة فانها رجعة بعد مفارقة الاوبة رجع بعد مفارقة اما الانابة فهي عكوف ولزوم لا لا مفارقة فيه وبهذا يتبين ان الخصال التي وعد الله تعالى اهلها تقريب الجنة هي الاوبة والحفظ والخشية بالغيب والانابة والانابة هنا يمكن ان ترجع على كل الخصال السابقة لزوم جميع الخصال السابقة فان العكوف ملازمة ولذلك الاعتكاف لزوم في اللغة هو لزوم الشيء فعكوف القلب على الله عز وجل هو ملازمة محبته وتعظيمه وخشيته والتوكل عليه كل الاعمال القلبية ملازمة ما امر به وما نهى عنه. فعلا في الامر وتركا في النهي نعم قال رحمه الله ثم ذكر سبحانه جزاء من قامت به هذه الاوصاف بقوله ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود. لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد الكرام من جهتين الجهة الاولى التقريب فتقرب لهم الجنة وهذا في حد ذاته مما تسر به النفوس وتستبشر عندما يقبل عليك ما تحب تسر به وتبتهج ثم اذا قيل لك تفضل كان ذلك ايذانا ان يتنعم بما استمتع به رؤية وبصر. ولذلك يقول جل وعلا لهؤلاء ادخلوها اي الجنة التي ازلفت ودخولها لا تنغيص فيه ولا افة ولذا قال بسلام الباء هنا للمعية اي مصاحبين بالسلام السلام هو السلامة من الافات والسلامة من كل مكروه يكره الانسان ادخلوها بسلام ويكمل الفضل انه دخول دائم لا عارظ ولذلك قال ذلك يوم الخلود وهذا اكرام فوق اكرام لتعرف عظيم منزلة المتقين عند رب العالمين وبعد هذه البشائر التي تعلقت بالابصار ثم بالادخال ثم بالوعد بالبقاء وعدم التحول والزوال جاء مزيد الافظال فقال لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد الله اكبر لهم ما يتمنون ما يريدون ما يختارون ما يحبون ولا يقتصر الفضل على هذا بل ولدي لا مزيد يعني زائد على ما يحبونه. شيء زائد على ما يأملونه. وهذا ما جاء في الحديث انه اذا دخل اهل الجنة الجنة قال نادى مناد يا اهل الجنة ان لكم عند الله موعدا يريد ان ينجزكموه قالوا الم ينجنا من النار. الم يبيض وجوهنا؟ الم يدخلنا الجنة؟ الم ينجنا من النار هم قد ادركوا ما يشاؤون ثم يجيئهم المزيد بان يضع الله تعالى الحجاب عن وجهه فيرونه سبحانه وبحمده يتنعمون بالنظر اليه وجوه يومئذ ناظرة الى ربها ناظرة فلا يكون لهم نعيم اعظم من هذا النعيم نسأل الله من فضله فهو اعلى نعيم اهل الجنة وهذا معنى قوله ولدينا مزيد نسأل الله ان يبلغنا ذلك قال ثم خوفهم بان يصيبهم من الهلاك ما اصاب من قبلهم وانهم كانوا اشد منهم بطشا ولم يدفع عنهم الهلاك شدة بطشهم. وانهم عند الهلاك تقلبوا وطافوا في البلاد. وهل دون محيصا ومنجا من عذاب الله قال قتادة حاص اعداء الله فوجدوا امر الله لهم مدركا. وقال الزجاج طوفوا وفتشوا فلم يروا محيصا من موت وحقيقة ذلك انهم طلبوا المهرب من الموت فلم يجدوه ثم اخبر سبحانه فما قال تعالى اينما ايش اينما تكونوا يدرككم الموت. وقال ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم كل نفس ذائقة الموت نسأل الله ان يكون على السعادة والشهادة نعم ثم اخبر سبحانه ان في هذا الذي ذكر ذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ثم اخبر انه خلق السماوات والارض وما ذكرى اي موعظة وعبرة تحصل بها آآ التذكرة والانتباه من الغفلة نعم لكن اشترط لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد. نعم ثم اخبر انه خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة ايام. ولم يمسه من تعب ولا اعياء. تكذيبا لاعدائه من حيث قالوا انه استراح في اليوم السابع ثم امر نبيه بالتأسي به سبحانه في الصبر على ما يقول اعداؤه فيه. كما انه سبحانه صبر على قول اليهود انه ولا احد اصبر على اذى يسمعه منه لكن يجب ان يعلم ان الاذى الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وفي غيره لا يظره جل في علاه فلا يتعارض مع قوله يا عبادي انكم لن تبلغوا ضري فتضروني