حيث قص على قومه هذه القصة الطويلة وهو لم يقرأ كتب الاولين ولا دارس احدا. يراه قومه بين اظهرهم صباحا ومساء وهو امي لا يخط ولا يقرأ وهي موافقة لما في الكتب السابقة. وما كان لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون. ومنها المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. فصل في ذكر شيء من العبر والفوائد التي اشتملت عليها هذه القصة العظيمة. التي قال الله في اولها نحن اقص عليك احسن القصص. وقال لقد كان في يوسف واخوته ايات للسائلين. وقال في اخرها لقد كان في قصصهم عبرة اولي الالباب غير ما تقدم في مطاويها من الفوائد. فمن ذلك ان هذه القصة من احسن القصص واوضحها وابينها لما فيها من انواع التنقلات من حال الى حال ومن محنة الى محنة ومن محنة الى منحة ومنة ومن ذل الى عز ومن رق الى ملك ومن فرقة شتات الى اجتماع وائتلاف ومن حزن الى سرور ومن رخاء الى جدب ومن جذب الى رخاء ومن ضيق الى سعة ومن انكار الى اقرار فتبارك من قصها فاحسنها ووضحها وبينها. ومنها ان فيها اصلا لتعبير الرؤيا. وان علم التعبير من العلوم المهمة التي يعطيها الله من يشاء من عباده. وان اغلب ما تبنى عليه مناسبة والمشابهة في الاسم والصفة. فان رؤيا يوسف التي رأى ان الشمس والقمر احدى عشر كوكبا له ساجدين. وجه المناسبة فيها ان هذه الانوار هي زينة السماء وجمالها وبها منافعها. فكذلك الانبياء والعلماء زينة للارض وجمال وبهم يهتدى في الظلمات كما يهتدى بهذه الانوار. ولان الاصل ابوه وامه واخوته هم الفرع. فمن المنافق بان يكون الاصل اعظم نورا وجرما لما هو فرع عنه. فلذلك كانت الشمس امة والقمر اباه والكواكب اخوته. ومن المناسبات بمناسبة ان الشمس لفظ مؤنث. فلذلك كانت امة والقمر والكواكب مذكرات. فكانت لابيه واخوته. ومن المناسبة ان الساجد معظم محترم للمسجود له والمسجود له معظم محترم. فلذلك دل ذلك على ان يوسف يكون معظما محترما عند ابويه واخوته. ومن بذلك ان يكون مجتبا مفضلا في العلم والفضائل الموجبة لذلك. ولذلك قال ابوه وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ومن المناسبة في رؤيا الفتيين انه اول رؤيا الذي رأى انه يعصر خمرا ان الذي يعصر في العادة يكون خادما لغيره والعصر يقصد غيره فلذلك اوله بما يؤول اليه انه يسقي ربه وذلك متضمن لخروجه من السجن. واول الذي رأى انه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه بان جلدة رأسه ولحمه وما في ذلك من المخ انه هو الذي يحمله وانه سيبرز للطيور بمحل تتمكن من الاكل من رأسه فرأى من حاله انه سيقتل ويصلب بعد موته فيبرز للطيور فتأكل من رأسه وذلك لا يكون الا بالصلب بعد القتل واول رؤيا الملك للبقرات والسنبلات بالسنين المخصبة والسنين المجدبة ووجه المناسبة ان الملك به ترتبط احوال الرعية مصالحها وبصلاحه تصلح وبفساده تفسد. وكذلك السنون بها صلاح احوال الرعية. واستقامة امر المعاش او عدمه. واما البقر فانها تحرث الارض عليها ويستقى عليها الماء. واذا اخصبت السنة سمنت واذا اجدبت صارت عجافا. وكذلك السنابل في الخصم تكثر وتخضر وفي الجذب تقل وتيبس وهي افضل غلال الارض. ومنها ما فيها من الادلة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه انه ينبغي البعد عن اسباب الشر. وكتمان ما تخشى مضرته لقول يعقوب ليوسف يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا ومنها انه يجوز ذكر الانسان بما يكره على وجه النصيحة لغيره. لقوله فيكيدوا لك كيدا. ومنها ان نعمة الله العبد نعمة على من يتعلق به من اهل بيته واقاربه واصحابه. وانه ربما شملتهم وحصل لهم ما حصل له بسببه. كما قال يعقوب في تفسيره لرؤيا يوسف. وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث. ويتم نعمته عليك وعلى ال يعقوب. ولما تمت النعمة على يوسف حصل لال يعقوب من العز والتمكين في الارض والسرور والغبطة ما حصل بسبب يوسف. ومنها ان العدل مطلوب في كل الامور لا في معاملة السلطان رعيته ولا فيما دونه. حتى في معاملة الوالد لاولاده في المحبة والايثار وغيره. وان في الاخلال لذلك يختل عليه الامر وتفسد الاحوال. ولهذا لما قدم يعقوب يوسف في المحبة واثره على اخوته. جرى منهم ما جرى على انفسهم وعلى ابيهم واخيهم. ومنها الحذر من شؤم الذنوب وان الذنب الواحد يستتبع ذنوبا متعددة. ولا يتم لفاعله الا بعدة الجرائم فاخوة يوسف لما ارادوا التفريق بينه وبين ابيه احتالوا لذلك بانواع من الحيل وكذبوا عدة مرات وزوروا على ابيهم في القميص والدم الذي فيه وفي اتيانهم عشاء يبكون. ولا تستبعد انه قد كثر البحث فيها في تلك المدة. بل لعل ذلك اتصل الى ان اجتمعوا بيوسف وكلما صار البحث حصل من الاخبار بالكذب والافتراء ما حصل. وهذا شؤم الذنب واثاره التابعة والسابقة واللاحقة. ومنها ان العبرة في حال العبد بكمال النهاية لا بنقص البداية. فان اولاد يعقوب عليه السلام جرى منهم ما جرى في اول الامر. مما هو اكبر اسباب النقص ثم انتهى امرهم الى التوبة النصوح. والسماح التام من يوسف ومن ابيهم. والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة. واذا سمح العبد عن حقه الله خير الراحمين. ولهذا في اصح الاقوال انهم كانوا انبياء لقوله تعالى واوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وهم اولاد يعقوب الاثنى عشر وذريتهم. ومما يدل على ذلك ان في رؤيا يوسف انه رآهم كواكب نيرة. والكواكب فيها النور والهداية الذي من صفات الانبياء. فان لم يكونوا انبياء فانهم علماء هداة. ومنها ما من الله به على يوسف عليه الصلاة والسلام من العلم والحلم. ومكارم الاخلاق والدعوة الى الله والى دينه. وعفوه عن اخوانه الخاطئين عفوا بادرهم به. وتمم ذلك لانه لا يثرب عليهم ولا يعيرهم به. ثم بره العظيم بابويه واحسانه لاخوته. بل لعموم الخلق. ومنها ان اهون من بعض وارتكاب اخف الضررين اولى من ارتكاب اعظمهما. فان اخوة يوسف لما اتفقوا على قتل يوسف او القائه ارضا وقال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب. كان قوله احسن منهم واخف. وبسببه خف عن اخوته كبير ومنها ان الشيء اذا تداولته الايدي وصار من جملة الاموال ولم يعلم انه كان على غير وجه الشرع انه لا اثم على من باشره بيع او شراء او خدمة او انتفاع او استعمال. فان يوسف عليه السلام باعه اخوته بيعا حراما لا يجوز. ثم ذهبت به السيارة الى مصر فباعوه بها وبقي عند سيده غلاما رقيقا. وسماه الله شراء. وكان عندهم بمنزلة الغلام الرقيق المكرم. ومنها الحذر من الخلوة بالنساء التي يخشى منهن الفتنة. والحذر ايضا من المحبة التي يخشى ضررها. فان امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحد بيوسف وحبها الشديد له الذي ما تركها حتى راودته تلك المراودة. ثم كذبت عليه فسجن بسببها مدة طويلة. ومنها ان الهم الذي هم به يوسف بالمرأة ثم تركه لله مما يقربه الى الله زلفى. لان الهم داع من دواعي النفس الامارة بالسوء هو طبيعة لاغلب الخلق. فلما قابل بينه وبين محبة الله وخشيته غلبت محبة الله وخشيته داعيا النفس والهوى. فكان ممن خاف ربه ونهى النفس عن الهوى. ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله. احدهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني اخاف الله وانما الهم الذي يلام عليه العبد الهم الذي يساكنه ويصير عزما ربما اقترن به الفعل. ومنها ان من دخل الايمان قلبه وكان مخلصا لله في جميع اموره. فان الله يدفع عنه ببرهان ايمانه وصدق اخلاصه من انواع السوء والفحشاء واسباب المعاصي ما هو جزاء لايمانه واخلاصه؟ لقوله وهم بها لولا ان رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين. على قراءة من قرأها بكسر اللام ومن قرأها بالفتح فانه من اخلاص الله اياه. وهو مطمئن لاخلاصه هو بنفسه. فلما اخلص عمله لله اخلصه الله وخلصه من السوء والفحشاء. ومنها انه ينبغي للعبد اذا رأى محلا فيه فتنة واسباب معصية. ان يفر منه ويهرب غاية ما يمكنه. ليتمكن من التخلص من المعصية. لان يوسف عليه السلام لما راودته التي هو في بيتها فر هاربا يطلب الباب ليتخلص من شرها. ومنها ان القرائن يعمل بها عند الاشتباه. فلو تخاصم رجل تكون امرأته في شيء من اواني الدار. فما يصلح للرجل فانه للرجل وما يصلح للمرأة فهو لها. اذا لم يكن بينة. وكذا لو تنازل عن دار وحداد في الة حرفتهما من غير بينة. والعمل بالقافة في الاشباه والاثر من هذا الباب. فان شاهد يوسف شهد بالقرينة وحكم بها في قد القميص واستدل بقده من دبره على صدق يوسف وكذبها. ومما يدل على هذه القاعدة انه استدل بوجود الصواع في رحل اخيه على الحكم عليه بالسرقة من غير بينة شهادة ولا اقرار. فعلى هذا اذا وجد المسروق في يد السارق خصوصا اذا كان معروفا بالسرقة فانه او يحكم عليه بالسرقة وهذا ابلغ من الشهادة. وكذلك وجود الرجل يتقيأ الخمر او وجود المرأة التي لا زوج لها ولا سيد حاملا فانه يقام بذلك الحد ما لم يقم مانع منه. ولهذا سمى الله هذا الحاكم شاهدا. فقال وشهد شاهد من اهلها. ومن ها ما عليه يوسف من الجمال الظاهر والباطن فان جماله الظاهر اوجب للمرأة التي هو في بيتها ما اوجب وللنساء اللاتي جمعتهن حين نهى على ذلك ان قطعن ايديهن وقلن ما هذا بشرا؟ ان هذا الا ملك كريم. واما جماله الباطن فهو العفة العظيمة عن المعصية مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها وشهادة امرأة العزيز والنسوة بعد ذلك ببراءته. ولهذا قالت امرأة العزيز ولقد راودت عن نفسه فاستعصم. وقالت بعد ذلك الان حصحص الحق. انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين. وقالت النسوة حاشا لله ما علمنا عليه من سوء. ومنها ان يوسف عليه السلام اختار السجن على المعصية. فهكذا ينبغي للعبد اذا ابتلي بين امرين ما فعل معصية واما عقوبة دنيوية ان يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والاخرة ولهذا من علامات الايمان ان يكره العبد ان يعود في الكفر بعد اذ انقذه الله منه كما يكره ان يلقى في النار. ومنها انه ينبغي للعبد ان يلتجأ الى الله ويحتمي بحماه عند وجود اسباب المعصية ويتبرأ من حوله وقوته لقول يوسف عليه السلام والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين. ومنها ان العلم والعقل يدعوان صاحبهما الى الخير وينهيانه عن الشر. وان هل يدعو صاحبه الى موافقة هوى النفس؟ وان كان معصية ضارا لصاحبه. ومنها انه كما على العبد عبودية لله في الرخاء عليه عبودية في الشدة. فيوسف عليه السلام لم يزل يدعو الى الله. فلما دخل السجن استمر على ذلك ودعا الفتيين الى التوحيد. ونهاهما من الشرك ومن فطنته عليه السلام انه لما رأى فيهما قابلية لدعوته حيث ظن فيه الظن الحسن وقال له انا نراك من المحسنين اتياه لان يعبر لهما رؤياهما. فرآهما متشوفين لتعبيرها عنده. رأى ذلك فرصة فانتهزها. فدعاهما الى الله تعالى قبل ان رؤياهما ليكون انجح لمقصوده واقرب لحصول مطلوبه. وبين لهما اولا ان الذي اوصله الى الحال التي رأياه فيها من الكمال علم ايمانه وتوحيده وتركه ملة من لا يؤمن بالله واليوم الاخر. وهذا دعاء لهما بالحال. ثم دعاهما بالمقال وبين فساد شرك وبرهن عليه وحقيقة التوحيد وبرهن عليه. ومنها انه يبدأ بالاهم فالاهم. وانه اذا سئل المفتي وكان السائل حاجته في لسؤاله اشد انه ينبغي له ان يعلمه ما يحتاج اليه قبل ان يجيب سؤاله. فان هذا علامة على نصح المعلم وفطنته وحسن ارشاده تعليمه فان يوسف لما سأله الفتيان عن الرؤيا قدم لهما قبل تعبيرهما دعوتهما الى الله وحده لا شريك له. ومنها ان من وقع في مكروه وشدة لا بأس ان يستعين بمن له قدرة على تخليصه. او الاخبار بحاله. وان هذا لا يكون شكوى للمخلوق. فان هذا من الامور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض. ولهذا قال يوسف للذي ظن انه ناج من الفتيين. اذكرني عند ربك. ومنها انه ينبغي تأكدوا على المعلم استعمال الاخلاص التام في تعليمه. والا يجعل تعليمه وسيلة لمعاوضة احد في مال او جاه او نفع. والا يمتنع من التعليم او لا ينصح فيه اذا لم يفعل السائل ما كلفه به المعلم. فان يوسف عليه السلام قد قال ووصى احد الفتيين ان يذكره عند ربه فلم يذكره اذكره ونسي فلما بدت حاجتهم الى سؤال يوسف ارسلوا ذلك الفتى وجاءه سائلا مستفتيا عن تلك الرؤيا فلم يعنفه يوسف ولا وبخه لتركه ذكره بل اجابه عن سؤاله جوابا تاما من كل وجه. ومنها انه ينبغي للمسئول ان يدل السائل على امر ينفعه مما يتعلق بسؤاله ويرشده الى الطريق التي ينتفع بها في دينه ودنياه. فان هذا من كمال نصحه وفطنته وحسن ارشاده. فان يوسف عليه السلام لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك. بل دلهم مع ذلك على ما يصنعون في تلك السنين المخصبات من كثرة الزرع. وكثرة جبايته. ومنها انه لا يلام الانسان على السعي في دفع التهمة عن نفسه. وطلب البراءة لها بل يحمد على ذلك. كما امتنع يوسف عن الخروج من السجن حتى تتبين لهم امرأته بحال النسوة اللاتي قطعن ايديهن. ومنها فضيلة العلم علم الاحكام والشرع وعلم تعبير الرؤيا وعلم التدبير والتربية انه افضل من الصورة الظاهرة. ولو بلغت في الحسن جمال يوسف فان يوسف بسبب جماله حصلت له تلك المحنة والسجن. وبسبب علمه حصل له العز والرفعة والتمكين في الارض. فان كل خير في الدنيا والاخرة من اثار العلم وموجباته. ومنها ان علم التعبير من العلوم الشرعية وانه يثاب الانسان على تعلمه وتعليمه. وان تعبير المرائي داخل في الفتوى لقوله للفتيين قضي الامر الذي فيه تستفتيان وقال الملك افتوني في رؤياي وقال الفتى ليوسف افتنا في سبع بقرات. فلا يجوز الاقدام على تعبير الرؤيا من غير علم. ومنها انه لا بأس ان يخبر الانسان عما في نفسه من صفات الكمال من علم او عمل. اذا كان في ذلك مصلحة ولم يقصد به العبد الرياء وسلم من الكذب لقوله يوسف اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم. وكذلك لا تذم الولاية اذا كان المتولي فيها يقوم بما يقدر عليه من حقوق الله حقوق عباده وانه لا بأس بطلبها اذا كان اعظم كفاءة من غيره. وانما الذي يذم اذا لم يكن فيه كفاية او كان موجودا مثله او اعلى منه او لم يرد بها اقامة امر الله. فبهذه الامور ينهى عن طلبها والتعرض لها. ومنها ان الله واسع والكرم يجود على عبده بخير الدنيا والاخرة. وان خير الاخرة له سببان. الايمان والتقوى وانه خير من ثواب الدنيا وملكها ان العبد ينبغي له ان يدعو نفسه ويشوقها لثواب الله ولا يدعها تحزن اذا رأت اهل الدنيا ولذاتها وهي غير قادرة عليها بل بثواب الله الاخروي وفضله العظيم. لقوله تعالى ولاجر الاخرة خير للذين امنوا وكانوا يتقون. ومنها ان جباية الارزاق اذا اريد بها التوسعة على الناس من غير ضرر يلحقهم لا بأس بها. لان يوسف امرهم بجباية الارزاق والاطعمة في السنين المخصبات للاستعداد للسنين المجدبة وان هذا غير مناقض للتوكل على الله. بل يتوكل العبد على الله ويعمل بالاسباب التي تنفعه في دينه ودنياه ومنها حسن تدبير يوسف لما تولى خزائن الارض حتى كثرت عندهم الغلات جدا حتى صار اهل الاقطار يقصدون مصر لطلب منها لعلمهم بوفورها فيها. وحتى انه كان لا يكيل لاحد الا مقدار الحاجة الخاصة او اقل. لا يزيد كل قادم على كيل بعيد وحمله ومنها مشروعية الضيافة وانها من سنن المرسلين. واكرام الضيف لقول يوسف لاخوته الا ترون اني اوفي الكيل خير المنزلين. ومنها ان سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم. فان يعقوب قال لاولاده بعدما امتنع من يوسف معهم حتى عالجوه اشد المعالجة. ثم قال لهم بعد ما اتوه وزعموا ان الذئب اكله. بل سولت لكم انفسكم امرا وقال لهم في الاخ الاخر هل امنكم عليه الا كما امنتكم على اخيه من قبل؟ ثم لما احتبسه يوسف عندك وجاء اخوته لابيه قال لهم بل سولت لكم انفسكم امرا. فهم في الاخيرة وان لم يكونوا مفرطين. فقد جرى منهم ما اوجب لابيهم ان قال ما قال من غير اثم عليه ولا حرج. ومنها ان استعمال الاسباب الدافعة للعين او غيرها من المكاره. او الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع بل جائز وان كان لا يقع شيء الا بقضاء وقدر فان الاسباب ايضا من القضاء والقدر لامر يعقوب حيث قال لبنيه يا بني لا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة. ومنها جواز استعمال المكايد التي يتوصل بها الى الحقوق. وان العلم بالطرق الخفية الموصلة الى مقاصدها مما يحمد عليه العبد وانما الممنوع التحيل على اسقاط واجب او فعل محرم ومنها انه ينبغي من اراد ان يوهم غيره بامر لا يحب ان يطلع عليه. ان يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب. كما فعل يوسف حيث القى في رحل اخيه ثم استخرجها منه موهما انه سارق وليس فيه الا القرينة المهمة لاخوته. وقال بعد ذلك معاذ الله ان الا من وجدنا متاعنا عنده. ولم يقل من سرق متاعنا وكذلك لم يقل انا وجدنا متاعنا عنده. بل اتى بكلام عام يصلح له ولغيره وليس في ذلك محذور وانما فيه ايهام انه سارق ليحصل المقصود الحاضر وانه يبقى عند اخيه وقد زال عن الاخ هذا الايهام بعدما تبينت الحال. ومنها انه لا يجوز للانسان ان يشهد الا بما علمه. وتحققه اما بمشاهدة او خبر من يثق به وتطمئن اليه النفس لقولهم وما شهدنا الا بما علمنا. ومنها هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب عليه عليه السلام حيث قضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة. ويحزنه ذلك اشد الحزن. فحصل التفريق بينهم وبينهم مدة طويلة لا تقصر عن خمسة عشر سنة. ويعقوب لم يفارق الحزن قلبه في هذه المدة. وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ما ازداد به الامر شدة حين صار الفراق بينه وبين ابنه الثاني شقيق يوسف. هذا وهو صابر لامر الله محتسب الاجر من الله قد وعد من نفسه الصبر الجميل. ولا شك انه وفى بما وعد به. ولا ينافي ذلك قوله انما اشكو بثي وحزني الى الله. فان الشكوى الى الله في الصبر وانما الذي ينافيه الشكوى الى المخلوقين. ومنها ان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا. فانه لما طال الحزن على يعقوب واشتد به الى انهى ما يكون. ثم حصل الاضطرار لال يعقوب ومسهم الضر. اذن الله حينئذ بالفرج. فحصل التلاقي في اشد الاوقات اليه حاجة واضطرارا. فتم بذلك الاجر وحصل السرور. وعلم من ذلك ان الله يبتلي اولياءه بالشدة والرخاء والعسر واليسر. ليمتحن صبرهم وشكرهم ويزداد بذلك ايمانهم ويقينهم وعرفانهم. ومنها جواز اخبار الانسان بما يجد وما هو فيه من مرض او فقر ونحوهما على غير وجه التسخط. لان اخوة يوسف قالوا يا ايها العزيز مسنا واهلنا الضر. ولم ينكر عليهم يوسف ومنها فضيلة التقوى والصبر وان كل خير في الدنيا والاخرة فمن اثار التقوى والصبر وان عاقبة اهلهما احسن العواقب لقوله قد الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين. ومنها انه ينبغي لمن انعم الله عليه بنعمة بعد وفقر وسوء حال ان يعترف بنعمة الله عليه. وان لا يزال ذاكرا حاله الاولى ليحدث لذلك شكرا كلما ذكرها لقول يوسف عليه السلام وقد احسن بي اذ اخرجني من السجن وجاء بكم من البدو ومنها لطف الله العظيم بيوسف حيث نقله في تلك واوصل اليه الشدائد والمحن ليوصله بها الى اعلى الغايات ورفيع الدرجات. ومنها انه ينبغي للعبد ان يتملق الى الله في تثبيت ايمانه ويعمل الاسباب الموجبة لذلك ويسأل الله حسن الخاتمة وتمام النعمة. لقول يوسف عليه الصلاة والسلام رب قد ليتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث. فاطر السماوات والارض انت وليي في الدنيا والاخرة. توفني مسلما والحقني بالصالحين فهذا ما يسر الله من الفوائد والعبر في هذه القصة المباركة. ولابد ان يظهر لمتدبر المتفكر غير ذلك. فنسأله تعالى علم وعملا متقبلا انه جواد كريم