المقدمة الرابعة بان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب شرعي. يتعلق عينا بذمة كل فرد من افراد الامة في هذا الزمان وهو كلية اخرى نستفيدها من الاستقراء القطعي لدلالة النصوص عند تحقيق مناطتها في واقعنا هذا اما الاستقراء فقد سبق في المقدمة الثالثة نصوص واضحة في ذلك. ونشير ها هنا الى عدة نصوص اخرى بمثل قوله تعالى ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. واولئك هم المفلحون ووصف الله بني اسرائيل بما لعنهم فقال سبحانه كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون. وقد تواتر وجوب ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه حذيفة بن اليمان اذ قال والذي بنفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر او ليوشكن الله ان يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم وايضا ما رواه جرير بن عبدالله عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم اعز واكثر ممن يعمله. ثم لا يغيروه الا عمهم الله تعالى بعقاب منه. وعن ابي بكر الصديق انه صلى الله عليه وسلم قال ان الناس اذا رأوا المنكر ولا يغيرونه او شك ان يعمهم الله بعقابه وقال صلى الله عليه وسلم ان من امتي قوما يعطون مثل اجور اولهم ينكرون المنكر. وعن ابي سعيد الخدري ان صلى الله عليه وسلم قال ان الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة حتى يسأله ما منعك اذا رأيت المنكر ان تنكره فاذا لقن الله العبد حجته قال يا ربي رجوتك وفرقت الناس وعن ابي سعيد ايضا انه صلى الله عليه وسلم قال من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان اما قوله صلى الله عليه وسلم اذا عملت الخطيئة في الارض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضي كان كمن شهدها وعن حذيفة بن اليمان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا فاي قلب اشربها نكتت فيه نكتة سوداء. واي قلب انكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير القلب ابيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والارض والاخر اسود مربادا كالكوز مجخية لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا الا ما اشرب من هواه والاحاديث في هذا المعنى وشبهه من وجوب النصح للامة ائمتها وعامتها ولكل مسلم لا لا تكاد تنحصر فهو استقرائي قطعي اذ يشكل قوة معنوية متواترة وكلية في اعلى مراتب الكليات والقارئ لهذه النصوص يجد ان من بينها ما يفيد ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي. بمثل ما يستفاد من قوله تعالى ولتكن منكم امة. الاية وقوله صلى الله عليه وسلم ان من امتي قوما. الحديث وهو معنى صحيح لكن القول بالعموم ايضا صحيح. اعني عينية الوجوب على كل مكلف. وانما ذلك على حسب وضع الزمان كما سنفصل بحول الله. ولذلك وردت صيغ اخرى تقتضي العموم بمثل قوله السابق ما من قوم يعمل فيهم بالمعروف الحديث وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ان الناس اذا رأوا المنكر ولا يغيرونه. الحديث وكذا قوله صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا. الحديث كلها صيغ دالة على العموم. بل ان اغلب ما ورد في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر انما هو صيغ عموم دالة على الزام سائر المكلفين به. ويتبين ذلك عند تحقيق المناط كما ذكرت وبيانه كما يلي ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتباره عملا اصلاحيا وجهاديا لا يمكن ان يكون له وضع تشريعي قار باعتبار بان الفساد يزيد وينقص في الامة من جيل الى جيل ومن مكان الى اخر. ومن هنا كان واجبا كفائيا اعتبار وواجب باعتبار اخر تماما كحكم الجهاد في سبيل الله. وهذا انما هو فرع منه. اعني ان الجهاد في سبيل الله صورة جزئية من كلي الامر المعروف والنهي عن المنكر. ولذلك كان حكمهما واحدة فمن خلال النصوص السالفة يتضح ان وجوب التغيير متعلق بشرط هو رؤية المنكر. من رأى منكم منكرا. اي حضره شهده كما في بعض الروايات المذكورة كان كمن شهدها. الحديث اي حضرها. فالكفائية هنا متصورة عندما يكون حصول جزئيا في المجتمع. فكأن من رأى هذه تدل على ان المنكر انما هو ذلك الواقع بالجزء. اي في مكان ما وحال ما فمن شهد ذلك المنكر حينئذ يكون هو الذي يتعلق الوجوب بذمته. باعتباره ينوب فيه عن الامة الغائبة عنه وهذا فهم سليم. لكن لا يتحقق مناطه الا في مجتمع اسلامي صالح على الاجمال. حيث الفساد لا يقع الا بصورة جزئية اما وان الحال في مجتمعاتنا هذه غير الحال في السابق حيث ان المنكر صار من عموم البلوى فلا احد باستطاعته الزعم انه لا يشهد منكرا ما في كل دقيقة بل ثانية. يحدث في هذا المكان او ذاك. خاصة اذا اضفنا الى الى معنى شهود المنكر ما ورد في الحديث المذكور اذا عملت الخطيئة في الارض كان كمن شهدها فكرهها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها فحقق مناط هذا على واقع تحكمه وسائل الاعلام الفضائية ليل نهار. ويحاصره غول الفجور من كل مكان. وعلى كل الاصعدة والمستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية الى اخره ولذلك كنت اقول لكثير من الاخوة عند ذكر الحديث من رأى منكم منكرا المنكر يرانا امعانا في تأكيد الواقع المتردي الرهيب الذي وصلت اليه الامة من فشو المنكر الى درجة انقلابه الى معروف. والعكس صحيح ومن هنا اصبح واجب تغيير المنكر المتوقف على شرط من متعلقا بعموم كل مكلف على سبيل الاستغراق والشمول لصدق فعلا على جميع المكلفين في هذا الزمان. كل حسب وسعه والاحاديث السالفة وغيرها اذا نظرت اليها مجتمعة افادت هذا المعنى لما تتضمنه من تهويل وتعظيم لهذه في الدين وما صاحب ذلك من الوعد والوعيد العظيمين والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر او ليوشك ان الله ان يبعث عليكم عقابا من عنده. ثم لتدعونه فلا يستجيب لكم. ونحو ذلك مما لا حاجة الى اعادته وتكراره ووجوب تغيير المنكر اولى في عملية الاصلاح من الامر بالمعروف. ولذلك ورد فردا في كثير من الايات والاحاديث مما سبق ذكره. لان تغيير المنكر هو امر بالمعروف ضمنا. ثم لان القاعدة الاصولية قائمة على ان دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح حقيقة انهما عند التنزيل متلازمان. وانما قد يفرض تغيير المنكر بالذكر لما للمنكر من خطر. اذا فشى في مؤد الى قتل الحاسة النقدية للافراد التي هي سر حماية التدين في الامة ومن هنا كان الوعيد شديدا كما رأيت في حق كل من تخلى عن واجب التغيير بما يستطيع من الوسائل الممكنة لديه ولابد من بعد هذا من بيان ان تغيير المنكر لا تدخله رخصة اسقاط ابدا. وانما الترخيص فيه يحصل في وسائله الممكنة. ولا يسقط حق الله فيه باطلاق. وقد يفهم العكس من حديث من رأى منكم منكرا. اذ درج بعضهم على تفسيره بان الواجب فيه توزع على حسب المناصب السياسية في المجتمع فجعل واجب التغيير باليد من نصيب السلطة التنفيذية اي الحكومة والتغيير باللسان من نصيب السلطة التشريعية اي البرلمان والتغيير بالقلب من نصيب العامة اي الشعب. محاولين الوصول الى ان المقصود به السكوت ولهذا السبب خاصة احببنا الوقوف مع هذا الحديث وقفة اطول من مجرد الاستشهاد على كلية تغيير المنكر ونورد ذلك بحول الله في سورة مسائل فقهية