هذه الشذرة برعاية الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بعسير تذكرة السلام عليكم فرغت من الحديث عن فواتح سور الثناء والنداء والدعاء والامر والخبر والشرط والاستفهام وبدأت الحديث عن فواتح سور القسم فحدثتكم عن فواتح السور التي اقسم الله تعالى فيها على الوحدانية والرسالة والبعث وفي هذه الشذرة ساحدثكم عن فواتح السور التي اقسم الله تعالى فيها على بعض احوال الانسان. وهي الليل والتين والعصر وقد اقسم الله تعالى في فواتحها بقوله سبحانه والليل اذا يغشى والتين والزيتون والعاديات والعصر على اربعة امور. ان سعيكم لشتى. لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم. ان الانسان لربه لكن قلت ان الانسان لفي خسر حين اراد الله تعالى تأكيد تباعد اعمال الناس في حقيقتها واختلافها في الجزاء عليها فبعضها ضلال جزاؤه النار بعضها هدى جزاؤه الجنة في قوله سبحانه ان سعيكم لشتى. اقسم على ذلك بالليل اذا يغشى وبالنهار اذا تجلى لان الضلال ليل يغشى اصحابه بسوء العاقبة. ولان الهدى نهار يتجلى لاصحابه حسن الخاتمة وقد بدأ بذكر الليل قبل النهار لان هذه السورة من اوائل ما نزل من القرآن حين كان الكفر مخيما على الناس والاسلام نورا خافتا في نفر قليل من المسلمين. وحين اراد الله تعالى تأكيد خلقه للانسان في احسن تقويم اي في احسن صورة ظاهرة فجعله تام الخلق متناسب الاعضاء منتصب القامة وفي احسن غيرة باطنة فجعله عاقلا مبينا متعلما مدركا لادلة وجود الخالق ووحدانيته اقسم على ذلك التين والزيتون وفيهما رمز لغذاء جسده واقسم على ذلك بطور سنين الذي كلم الله تعالى عليه موسى تكليما وفيه رمز لغذاء روحه واقسم عليه بالبلد الامين وهو مكة وفيه رمز للامن الذي لا نماء ولا روح الا به. وحين اراد الله تعالى تأكيد اتصاف الانسان بالجحود وكفران النعمة بطبعه الا اذا عصمه الله بلطفه وتوفيقه في قوله تعالى ان الانسان لربه لكنود اي انه لجحود للنعمة بخيل بالمعروف لوام لربه يعد المصائب والمحن وينسى الالاء والنعم اقسم على ذلك بالخيل العاديات بتردد نفسها واضطرابه في حناجرها الموقدات النار باحتكاك سنابكها بالحجارة المثيرة قاتل الغبار المتوسطات للجموع. وما اشبه مشهد الخيل هذا. بمشهد صراع الانسان العاقل مع نفسه وهو يسوسها ويكبح جماحها لتستقيم على الهدى فتقر بنعم الله تعالى عليها وتعرف ما عليها من الحقوق كيف تؤديها وتنفق المال على حبه لله تعالى. شاكرة عند النعمة صابرة عند النقمة. قال ابن عاشور رحمه الله في طبع الانسان الكنود لربه اي كفران نعمته وهذا عارض يعرض لكل انسان على تفاوت فيه ولا يسلم منه الا الانبياء وكمل اهل الصلاح لانه عارض ينشأ عن ايثار المرء لنفسه وهو امر في الجبلة لا تدفعه الا المراقبة النفسية. والانسان يحس بذلك من نفسه في خطراته ويتوانى عن مقاومته لانه يشتغل بارظاء داعية نفسه والانفس متفاوتة في تمكن هذا الخلق منها والعزائم متفاوتة في استطاعة مغالبته. وحين اراد الله تعالى تأكيد ان الانسان في الدنيا مغمور بالخسران والنقصان لان حياته هي رأس ما له وهي خاسرة ما لم يعمرها بالايمان وعمل الصالحات والتواصي بالحق والتواصي بالصبر اقسم بالعصر وهو الزمان كله الحاوي لافعال العباد كلها حسنها وسيئها فتبين بهذا ان بين المقسم به والمقسم عليه في اقسام القرآن تناسبا عجيبا قاطعا باحكام متقن سبك النادر في هذا الكتاب العزيز كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ولو كان من لغير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. تقبل الله صيامكم وقيامكم. وغفر لي ولكم ولجميع المسلمين الاحياء منهم والميتين