السلام عليكم. قال ابو البركات الانباري في نزهة الالباء في طبقات الادباء. حكى ابو زكريا عن ابي الجوائز الحسن بن علي الواسطي عن ابي الحسن المخلدي الاديب وغيره ان المتنبي كان جالسا بواسط وعنده ابنه محسد قائما وجماعة عليه فورد اليه بعض الناس فقال له اريد ان تجيز لنا هذا البيت. زارنا في الظلام يطلب سرا اقتبحنا بنوره في الظلام. فرفع المتنبي رأسه وقال يا محسد قد جاءك بالشمال فاتي باليمين. فقال فالتجأنا الى حنادس شعر سترتنا عن اعين اللوام. قال ابو الجوائز معنى قول المتنبي لولده قد جاءك بالشمال فاته باليمين ان اليسرى لا يتم بها عمل. وباليمنى تتم الاعمال فاراد ان المعنى زيادة فاوردها. قال الانباري وقد الطف المتنبي في الاشارة واحسن ولده في الاخذ. لاحظوا معي قال ذلك الرجل زارنا في الظلام يطلب سرا فافتضحنا بنوره في الظلام اي زارنا الحبيب في ظلام الليل حتى لا يراه احد ولكن وجهه فضحنا بنوره. فقال محسد فالتجأنا الى حنادس شعر عن اعين اللوام الحنادس جمع حندس. والحندس شدة الظلمة والسواد. يقول حين خشينا ان حنى وجهه بسطوع نوره لجأنا الى شعره ليسترنا بسواد لونه وكثافة خصله. وفي هذه القصة لطائف الاولى ان المتنبي رحمه الله كان يجلس للناس ليقرأوا عليه والظاهر والله اعلم انهم كانوا يقرأون عليه شعره ليروه عنه بسند متصل. الثانية ان تسمية المتنبي لابنه حين سماه محسدا تأتي متوافقة مع اجنون العظمة الذي كان يحتوي ابا الطيب فابنه ليس محسودا فحسب بل هو محسد وكيف لا تكون محسدة وهو ابن الذي يقول واني لمن قوم كأن نفوسنا بها انف ان تسكن اللحم والعظمة وهذا الجنون الذي كان يعيش فيه ابو الطيب من اعظم نعم الله تعالى على الادب كله. الثالثة ان الاجازة من فنون الشعر العربي الاصيلة وهي ان يكمل الشاعر شعر غيره حيث يؤسس الاول اصل المعنى فيه الثاني الرابعة ان المتنبي حين قال لولده قد جاءك بالشمال فاته باليمين يريد ان المعنى الذي اسسه شاعر في البيت الاول يمكن استيفاءه في بيت ثان لا اكثر. وقد جعل البيت الاول شمالا لانه ذكر فيه الفضيحة وهي انسب للشمال فهو يقول زارنا في الظلام يطلب سرا فافتضحنا بنوره في الظلام وتوقع من ابنه ان يأتي بمعنى الستر وهو انسب لليمين وقد كان محسد عند حسن ظن ابيه فقال فالتجأنا الى حنادس شعر سترتنا عن اعين اللوام والستر انسب الخامسة ان محسدا ابن المتنبي بلغ من القوة في الشعر ان انابه ابوه عنه في اجازة هذا البيت امام الناس وفي رمز المتنبي لابنه واستجابة محسد لاشارة ابيه دليل على فطنة حادة وبديهة حاضرة وقريحة عد وقد قتل المتنبي وابنه محسد في العشر الاواخر من رمضان سنة اربع وخمسين وثلاثمائة من الهجرة على يدي فاتك بن ابي الجهل الاسدي وعصابته رحم الله المتنبي ورحم الله محسدا وجمعنا بهما في جنات النعيم