بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كنا قد ابتدأنا في الحلقة السابقة ابتدأنا الحديث عن احكام الهبة كانت اخر مسألة توقفنا عندها مسألة هدايا العمال ذكرنا انها لا تجوز اشرنا الى حديث ابي حميد الساعدي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ادايا العمال غلول وعدنا باستكمال الحديث عن هذه المسألة في هذه الحلقة ونقول ان هدايا العمال قد بين النبي صلى الله عليه وسلم انها محرمة وذلك في الحديث السابق هدايا العمال غلول وذكرنا ان هذا الحديث حديث حسن او صحيح بشواهده وفي مسند الامام احمد وغيره قد جاء في الصحيحين عن ابي حميد الساعدي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعمل رجلا على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا اهدي الي قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر حمد الله تعالى واثنى عليه ثم قال ما بالعامل نبعثه فيأتي ويقول هذا لكم وهذا اهدي الي فلا جلس في بيت ابيه وامه فينظر ايهدى اليه ام لا والذي نفس محمد بيده لا يأخذ احد منكم شيئا الا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ان كان بعيرا له رغاء او بقرة لها خوار او شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا ابطيه فقال اللهم هل بلغت ثلاثا فدل هذا الحديث على ان ما يأخذه العامل على الصدقة التي قد كلف من قبل الامام بجبايتها ما يأخذه من الناس محرم لا يجوز شرعا وفي معناه ما يأخذه الموظف من الناس مقابل وظيفته فان ذلك محرم ومن الغلول سواء سمي هدية او مكافأة او اكرامية او غير ذلك لان الموظف يجب عليه القيام بعمله في مقابل ما يتقاضاه من مرتب فما يأخذه من الناس فوق ذلك فهو غلول لان هذا الموظف او جلس في بيت ابيه وامه لما اهدى اليه احد شيئا وكذلك ايضا المدير لمؤسسة او لدائرة حكومية مثلا لا يجوز له ان يأخذ هدايا من الموظفين لان هذا المدير لو جلس في بيت ابيه وامه لما اهدى اليه احد من الموظفين شيئا كذلك ايضا المدرس لا يجوز له ان يأخذ من الطلاب هدايا لان هذا المدرس لو جلس في بيت ابيه وامه لما اهدى اليه ذلك الطالب شيئا والحاصل ان القاعدة في هذا الباب هي قول النبي صلى الله عليه وسلم فهلا جلس في بيت ابيه وامه فينظر ايهدى اليه ام لا فنقول هذا المهدى له او جلس في بيت ابيه وامه فهل سيهدي له ذلك الشخص ان كان الجواب بالنفي فان تلك الهدية لا تجوز بل هي من الغلول وان كان الجواب بالاثبات علمنا بان المقصود منها المحبة والمودة بان المقصود منها المحبة والمودة وحينئذ تكون جائزة قال الامام ابن القيم رحمه الله تعالى الفرق بين الهدية والرشوة وان اشتبه في الصورة القصد ان الراشي قصده بالرشوة التوصل الى ابطال حق او تحقيق باطل هذا الراشي الملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فان رشى لدفع الظلم عن نفسه المرتشي وحده باللعنة واما المهدي فقصده استجلاب المودة والمعرفة والاحسان ان قصد المكافأة فهو معاوظ وان قصد الربح فهو مستكثر انتهى كلامه رحمه الله والقول الذي اشار اليه الامام ابن القيم من انه اذا بذل مالا لدفع الظلم عن نفسه ان الاثم يختص بالاخذ الذي هو المرتشي دون الباذل قد ذكره شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله قال هذا هو المنقول عن السلف والائمة الاكابر ومن احكام الهبة انها تنعقد بما يتعارفه الناس من الايجاب والقبول والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها الايجاب ان يقول وهبتك او اهديت اليك ونحو ذلك ابول ان يقول قبلت او رضيت ونحو ذلك ولكن الهبة لا تلزم الا بالقبض في قول جمهور الفقهاء ويدل لذلك ان ابا بكر الصديق رضي الله عنه نحل عائشة عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما حضرته الوفاة قال والله يا بني ما احد احب الي غنى بعدي منك ولا احد اعز علي فقرا منك وكنت قد نحلتك عشرين وسقا فلو كنت حزتيه او قبضتيه كان لك وانما هو اليوم مال وارث انما هو اخواك واختاك فاقتسموه على كتاب الله عز وجل قد اخرج هذه القصة مالك في الموطأ بسند صحيح وهي ظاهرة الدلالة لان ابا بكر رضي الله عنه يرى ان الهبة لا تلزم الا بالقبض قال المروذي اتفق ابو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم على ان الهبة لا تجوز الا مقبوضة اي انها لا تلزم الا بالقبض قال الموفق ابن قدامة رحمه الله هو اجماع من الصحابة رضي الله عنهم فانه مروي عن ابي بكر وعمر رضي الله عنهما ولم نعرف لهما في الصحابة مخالفا ثم قال رحمه الله بعد ذلك مفرعا على القول بان الهبة لا تلزم الا بالقبض قال والواهب بالخيار قبل القبض ان شاء اقبضها وان شاء رجع فيها وقد ورد الذم في حق من رجع في هبته في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس لنا مثل السوء الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه قال الحافظ ابن حجر رحمه الله قوله ليس لنا مثل السوء اي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين ان نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها اخس الحيوانات في اخس ولهذا قال الله سبحانه وتعالى للذين لا يؤمنون بالاخرة مثل السوء. ولله المثل الاعلى ولعل هذا ابلغ في الزجر عن ذلك وادل على التحريم مما لو قال مثلا لا تعودوا في الهبة انتهى كلامه رحمه الله اصل انه لا يجوز الرجوع في الهبة بعد ان تقبظ ويستثنى من ذلك هبة الوالد للولد فانه قد ورد في السنة ما يدل على ان الوالد يجوز له الرجوع في هبته لولده قد اخرج ابو داوود وابن ماجة بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لرجل ان يعطي عطية او يهب هبة فيرجع فيها الا الوالد فيما يعطي ولده ومن احكام الهبة انه لا يجوز لمن وهب هبة او تصدق بصدقة ان يشتريها من صاحبها في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عملت على فرس عتيق في سبيل الله اي تصدقت به ووهبته لمن يقاتل عليه في سبيل الله قال فاضاعه صاحبه اي انه قصر في القيام بعلفه ومؤنته فاردت ان اشتريه منه وظننت انه بائعه برخص سألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تشتره وان اعطاكه بدرهم واحد لا تشتره وان اعطاكه بدرهم واحد فان العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه قال الحافظ ابن حجر رحمه الله اما النبي صلى الله عليه وسلم الشراء عودا في الصدقة لان العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري فاطلق على القدر الذي يتسامح به رجوعا واشار الى الرخص بقوله وان اعطاكه بدرهم ايها الاخوة المستمعون هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة ونستكمل الحديث عن بقية الاحكام والمسائل في هذا الباب في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى الى ذلك الحين استودعكم الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته