المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي رحمه الله الحديث والاربعون. عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما انه قال قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم بالشكر في كل ما لم يقسم. فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة رواه البخاري. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه يؤخذ من هذا الحديث احكام الشفعة كلها وما فيه شفعة وما لا شفعة فيه. والشفعة انما هي في الاموال المشتركة وهي قسمان عقار وغيره. فاثبت في هذا الحديث الشفعة في العقار ودل على ان غير العقار لا شفعة فيه الشركة في الحيوانات والاثاثات والنقود وجميع المنقولات لا شفعة فيها اذا باع احدهما نصيبه منها. واما العقارات فاذا افرزت وحددت الحدود وصرفت الطرق واختار كل من الشريكين نصيبه فلا شفعة فيها. كما هو نص الحديث. لانه يصير حين والجار لا شفعة له على جاره. واما اذا لم حدود ولم تصرف الطرق. ثم باع احدهم نصيبه فللشريك او الشركاء الباقين الشفعة. بان يأخذوه بالثمن الذي وقع عليه فيه العقد كل على قدر ملكه. وظاهر الحديث انه لا فرق بين العقار الذي تمكن قسمته وبين ما لا يقسم. وهذا هو صحيح لان الحكمة في الشفعة وهي ازالة الضرر عن الشريك. موجودة في النوعين والحديث عام. واما ما استدل به على التفريق بين النوعين فضعيف. واختلف العلماء في شفعة الجار على جاره. اذا اذا كان بينهما حق من حقوق الملكين. كطريق مشترك او بئر او نحو احوهما فمنهم من اوجب الشفعة في هذا النوع وقال ان هذا الاشتراك في هذا الحق نظير الاشتراك في جميع الملك. والضرر في في هذا كالضرر هناك. وهو الذي تدل عليه الادلة ومنهم من لم يثبت فيه شفعة. كما هو المشهور من مذهب الامام احمد ومنهم من اثبت الشفعة للجار مطلقا. وهذه الصورة عنده من باب اولى. كما هو مذهب الامام ابي حنيفة والنبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اثبت للشريك الشفعة ان شاء اخذ وان شاء لم يأخذ. وهو من جملة الحقوق التي لا تسقط الا باسقاطها صريحا. او بما يدل على الاسقاط. واما اشتراط المبادرة جدا الى الاخذ بها. من غير ان يكون له فرصة فيها هذا الحق المتفق عليه فهذا قول لا دليل عليه وما استدلوا به من الذين اوردوهما. الشفعة كحلها العقال والشفعة لمن واثبها فلم يصح منهما عن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم شيء. فالصحيح ان هذا الحق كغيره من الحقوق من خيار الشرط او العيب او نحوها. الحق وثابت الا ان اسقطه صاحبه بقول او فعل. والله اعلم الحديث الثالث والاربعون. عن ابي هريرة رضي الله عنه ان انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول الله تعالى انا ثالث الشريكين ما لم يخن احدهما صاحبه فان خانه خرجت من بينهما. رواه ابو داود يدل هذا الحديث بعمومه على جواز انواع الشركات كلها شركة العنان والابدان والوجوه والمضاربة والمفاوضة. وغيرها من انواع الشركات التي يتفق عليها المتشاركان. ومن منع شيئا فعليه الدليل الدال على المنع. والا فالاصل الجواز لهذا الحد وشموله ولان الاصل الجواز في كل المعاملات ويدل الحديث على فضل الشركات وبركتها اذا بنيت على الصدق والامانة فان من كان الله معه بارك له في رزقه ويسر له الاسباب التي ينال بها الرزق. ورزقه من حيث لا يحتسب واعانه وسدده. وذلك لان الشركات يحصل فيها التعاون كونوا بين الشركاء في رأيهم وفي اعمالهم. وقد تكون اعمالا لا يقدر عليها كل واحد بمفرده. وباجتماع الاعمال والاموال يمكن ادراكها. والشركات ايضا يمكن تفريعها وتوسيعها في المكان اعمال وغيرها. وايضا فان الغالب انها يحصل بها من راحة ما لا يحصل بتفرد الانسان بعمله. وقد يجري ويدير احدهما العمل مع راحة الاخر. او ذهابه لبعض مهماته او وقته وهذا كله مع الصدق والامانة. فان اذا دخلتها الخيانة ونوى احدهما او كلاهما خيانة الاخر واخفاء ما يتمكن منه خرج الله من بينهما وذهبت البركة ولم تتيسر الاسباب. والتجربة والمشاهدة تشهد لهذا الحي حديث والله اعلم. الحديث الرابع والاربعون عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له. رواه مسلم. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه دار الدنيا جعلها الله دار عمل. يتزود منها من الخير او الشر للدار الاخرى. وهي دار الجزاء. وسيندم المفرطون اذا انتقلوا من هذه الدار. ولم يتزودوا منها لاخرته مما يسعدهم. وحينئذ لا يمكن الاستدراك ولا يتمكن العبد ان يزيد في حسناته مثقال ذرة. ولا ان يمحو من سيئاته كذلك. وانقطع عمل العبد عنه الا هذه الاعمال الثلاثة التي هي من اثار عمله. الاول الصدقة الجارية اي المستمر نفعها. وذلك كالوقف للعقارات التي ينتفع بمغلف او الاواني التي ينتفع باستعمالها. او الحيوانات ينتفع بركوبها ومنافعها. او الكتب والمصاحف التي ينتفع استعمالها والانتفاع بها. او المساجد والمدارس والبيوت وغيرها التي ينتفع بها. فكلها اجرها جار على العبد ما دام ينتفع بشيء منها وهذا من اعظم فضائل الوقف. وخصوصا التي فيها الاعانة على الامور الدينية. كالعلم والجهاد والتفرغ العبادة ونحو ذلك. ولهذا اشترط العلماء في الوقف ان يكون مصرفه على جهة بر وقربة. الثاني العلم الذي ينتفع به من بعده كالعلم الذي علمه الطلبة المستعدين للعلم والعلم الذي نشره بين الناس. والكتب التي صنفها في اصناف العلوم وهكذا كل ما تسلسل الانتفاع بتعليمه مباشرة او فان اجره جار عليه. فكم من علماء هداة ماتوا من مئات من السنين وكتبهم مستعملة وتلاميذهم قد تسلسلت فخيرهم وذلك فضل الله. الثالث الولد الصالح ولد صلب او ولد ابن او بنت ذكر او انثى. ينتفع والده صلاحه ودعائه. فهو في كل وقت يدعو لوالديه بالمغفرة والرحمة ورفع الدرجات وحصول المثوبات. وهذه الكرة في هذا الحديث هي مضمون قوله تعالى نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا واثارهم فما قدموا هو ما باشروه من الاعمال الحسنة او السيئة اثارهم ما ترتب على اعمالهم مما عمله غيرهم او انتفع به غيره وجميع ما يصل الى العبد من اثار عمله ثلاثة الاول امور عمل بها الغير بسببه وبدعايته وتوجيهه. اف ثاني امور انتفع بها الغير اي نفع كان. على حسب ذلك النفع باقتداءه به في الخير. الثالث امور عملها الغير واهداها اليه او صدقة تصدق بها عنه او دعا له. سواء اكان من اولاده للحسيين او من اولاده الروحيين. الذين تخرجوا بتعليمه وهي وارشاده. او من اقاربه واصحابه المحبين او من عموم المسلمين. بحسب مقاماته في الدين. وبحسب ما اوصل الى العباد من الخير او تسبب به. وبحسب ما جعل الله له في قلوبهم بالعباد من الود الذي لابد ان تترتب عليه اثاره الكثيرة التي منها دعاؤهم واستغفارهم له. وكلها تدخل في هذا حديث الشريف وقد يجتمع للعبد في شيء واحد عدة منافع كالولد الصالح العالم الذي سعى ابوه في تعليمه. وكالكتب التي يقفها او يهبها لمن ينتفع بها. ويستدل بهذا الحديث الترغيب في التزوج الذي من ثمراته حصول الاولاد الصالحين وغيرها من المصالح. كصلاح الزوجة وتعليمها ما تنتفع به وتنفع ويراها. والله اعلم. الحديث الخامس والاربعون عن اسمرة بن مدرس ان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال من سبق الى ما لم يسبق اليه مسلم فهو له. رواه ابو داود داوود قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه يدخل فيها هذا الحديث السبق الى جميع المباحات التي ليست ملكا لاحد ولا باختصاصها احد فيدخل فيه السبق الى احياء الارض الموات. فمن سبق اليها باستخراج ماء او اجرائه عليها او ببناء ملكها ولا يملكها بدون الاحياء. لكن لو اقطعه الامام او نائبه او تحجر مواتا من دون احياءه فهو احق به. ولا يملكه ان وجد متشوف للاحياء قيل له اما ان تعمرها واما ان ترفع يدك منها ويدخل في ذلك السبق الى صيد البر والبحر والى المعادن غير الظاهرة وغير الجارية. والسبق الى اخذ حطب او حشيش او منبوذ رغبة عنه. والسبق الى الجلوس في المساجد والمدارس اسواق والروبوت. ان لم يتوقف ذلك على ناظر جعل له الترتيب والتعيين فيرجع فيه الى نص الواقفين والموصين. فمن سبق الى لا شيء من المباحات التي لا مالك لها فهو احق بها والملك فيها مقصور على القدر المأخوذ. وكذلك من سبق الى الاعمال في من جعلات التي يقول فيها صاحبها من عمل لي هذا العمل فله كذا فهو المستحق للتقديم والجعل. وكذلك من سبق الى التقاط والنقيط وغيرها. فكله داخل في هذا الحديث الحديث السادس والاربعون. عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم الحقوا الفرائض باهلها. فما بقي فهو لاولى رجل ذكر متفق عليه. الحديث السابع والاربعون. عن ابي امامة الباهيني رضي الله عنه انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول ان الله قد اعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث. رواه ابو داوود والترمذي وابن ماجة قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذان حديثان اشتملا على جل احكام المواريث واحكام الوصايا ان الله تعالى فصل احكام المواريث تفصيلا تاما واضحا اعطى كل ذي حق حقه. وامر صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان ان تلحق الفرائض باهلها. فيقدمون على العصبات ما بقي فهو لاولى رجل ذكر. وهم العصبة من الفروع الذكور والاصول الذكور وفروع الاصول الذكور والولاء. فيقدم من هذه الجهات اذا اجتمع عاصبان فاكثر الاقرب جهة. فان كان في جهة واحدة. قدم الاقرب منزلة. فيقدم لابن على ابن ابن والعم مثلا على ابن العم. فان كانوا في منزلة واحدة وتميز احدهم بقوة القرابة ولا يتصور ذلك الا في فروع اصول كالاخوة والاعمام مطلقا وبنيهم. قدم الاقوى وهو الشقيق على الذي لاب وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لاولى رجل ذكر اي اقربهم جهة او منزلة او قوة على حسب هذا الترتيب. وعلم من هذا صاحب الفرض مقدم على العاصي في البداءة. وانه ان استغرقت الفروض شركة سقط العاصب في جميع مسائل الفرائض. حتى في الحمارية وهي ما اذا خلفت زوجا واما واخوة لام واخوة اشقاء الزوج النصف وللام السدس وللاخوة لام الثلث. فهؤلاء اهل الحقنا بهم فروضهم. وسقط الاشقاء لانهم عصبات وهذا الصحيح لادلة كثيرة هذا اوضحها ويستدل بقوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم الحقوا الفرس قائض باهلها. على ان الفروض اذا كثرت وتزاحمت ولم يحجب بعض بعضا. فانه يعول لهم. وتنقص فروضهم بحسب ما علت كالديون اذا ادلت على موجودات الغريم التي لا تكفي لدينهم فانهم يعطون بقدر ديونهم وهذا من العدل فكل مشتركين في استحقاق شيء لا يمكن ان يكمل لكل واحد منهم وليس لواحد منهم مزية تقديم. فانهم ينقصون على لقد استحقاقهم. وذلك في الهبات والوصايا والاوقاف وغيرها كما ان الزائد لهم بقدر املاكهم واستحقاقهم. ويد كل الحديث على انه اذا لم يوجد صاحب فرض فالمال كله لله عصباتي على حسب الترتيب السابق. وكذلك يدل على انه اذا لم يوجد الا اصحاب الفروض. ولم يوجد عاصب. فانه رد عليهم على قدر فروضهم. كما تعال عليهم. لان من حكمته فرض الفروض وتقديرها ان تبقى البقية للعاصي. فاذا لم يوجد رد على المستحقين لعدم المزاحم. ويدل الحديث على صحة لغير الوارث. ولكن في ذلك تفصيل. ان كان الموصي غنيا ويدع ورثته اغنياء استحبت. وان كان فقيرا وورثته تاجون ميراثه لفقرهم او كثرتهم. فالاولى له الا يوصي بل يدع ما له لورثته. واما الوصية للوارث فالحديث دل على منعها. وعلل ذلك بقوله صلى الله عليه وعلى اله آله وسلم. ان الله قد اعطى كل ذي حق حقه. فلا وصية يوارث فمن اوصى لوارث فقد تعدى حدود الله. وفضل بعض الورثة على بعض. وسواء وقع ذلك على وجه الوصية او الهبة للوارث كما هو اتفاق العلماء او على وجه الوقف لثلثه على بعض ورثته وشذ بعضهم في هذه المسألة فاجازها. وهو مناف للفظ الحديث ومعناه. واما الوصية للاجنبي او للجهات الدينية تجوز بالثلث فاقل. وما زاد على الثلث يتوقف على اجازة الورثة. الحديث الثامن والاربعون عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ثلاثة حق على الله عونهم المكاتب يريد الاداء. والمتزوج يريد العفاف. والمجاهد في سبيل الله. رواه اهل السنن الا ابا داود. قال قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه وذلك ان الله تعالى وعد المنفقين بالخلف العاجل. واطلق النفقة وهي تنصرف الى النفقات التي يحبها الله لان وعده بالخلف من باب الثواب الذي لا يكون الا على ما يحبه الله واما النفقات في الامور التي لا يحبها الله الله اما في المعاصي واما في الاسراف في المباحات. فالله الله لم يضمن الخلف لاهلها. بل لا تكون الا مغرما وهذه الثلاثة المذكورة في هذا الحديث من افضل الامور التي يحبها الله فالجهاد في سبيل الله هو سنام الدين وذروته واعلاه وسواء كان جهادا بالسلاح او جهادا بالعلم والحجة فالنفقة في هذا السبيل مخلوفة. وسالك هذا السبيل معان من الله ميسر له امره واما المكاتب فالكتابة قد امر الله بها في قوله تعالى انا فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا اي صلاحا في تقويم دينهم ودنياهم. فالسيد مأمور بذلك والعبد المكاتب الذي يريد الاداء ويتعجل الحرية والتفرغ لدينه ودنياه مياه يعينه الله. وييسر له اموره ويرزقه من حيث لا يحتسب احتسب وعلى السيد ان يرفق بمكاتبه في تقدير الاجال التي تحل فيها نجوم الكتابة. ويعطيه من مال الكتابة اذا اداها ربعها. وفي قوله تعالى في في حق المكاتبين واتوهم امر للسيد ولغيره من المسلمين ولذلك جعل الله له نصيبا من الزكاة في قوله. وفي الرقاب وهذا من عونه تعالى. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى على آله وسلم ما هو اعم من هذا. فقال من اخذ اموالا الناس يريد اداءها اداها الله عنه. ومن اخذها يريد اتلافها اتلفه الله الله رواه البخاري. واما النكاح فقد امر الله به في رسوله ورتب عليه من الفوائد شيئا كثيرا عون الله وامتثال امر الله ورسوله. وانه من سنن المرسلين وفيه تحصين الفرج وغض البصر وتحصيل النسل. والانفاق انا الزوجة والاولاد. فان العبد اذا انفق على اهله نفقة يحتسبها كانت له اجرا. وحسنات عند الله. سواء كانت مأكولا او شروبا او ملبوسا او مستعملا في الحوائج كلها. كله خير للعبد وحسنات جارية. وهو افضل من نوافل العبادات القاصرة وفيه التذكر لنعم الله على العبد والتفرغ لعبادته وتعاون الزوجين على مصالح دينهما ودنياهما. وقد قال تعالى وقال صلى الله عليه وعلى اله وسلم تنكح المرأة لاربع لما لها وجمالها وحسبها ودينها. فاظفر بذات الدين تربت يدك مينوك لما فيها من صلاح الاحوال والاولاد. وسكوت كوني قلب الزوج وطمأنينته. فان حصل مع الدين غيره فذاك. والا فالدين اعظم الصفات المقصودة. قال تعالى فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله على الزوجة القيام بحق الله وحق بعلها. وتقديم حق البعل على حقوق الخلق كلهم. وعلى الزوج السعي في اصلاح زوجته فعل جميع الاسباب التي تتم بها الملاءمة بينهما. فان الملاءمة متى هي المقصود الاعظم؟ ولهذا ندب النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم الى النظر الى المرأة التي يريد خطبتها. ليكون على قصيرة من امره. والله اعلم. الحديث التاسع والاربعون عن عائشة رضي الله عنها انها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. يحرم من الرضاعة ما يحمل من الولادة. متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه وذلك ان المحرمات من النسب بنص القرآن والاجماع الامهات وان علون من كل جهة. والبنات وان نزلن من كل جهة والاخوات مطلقا وبنات الاخوة وبنات الاخوات ان نزلن والعمات والخالات. فجميع القرابات حرام الا بنات الاعمام وبنات العمات وبنات الاخوال وبنات الخالات وهذه السبع محرمات في الرضاع من جهة المرضعة وصاحب اللبن اذا كان الرضاع خمس رضعات فاكثر في الحولين واما من جهة اقارب الراضع فان التحريم يختص بذرية واما ابوه من النسب وامه واصولهم وفروعهم فلا تعلق لهم بالتحريم. وكذلك يحرم الجمع بين الاختين وبين المرأة وعمتها او خالتها في النسب. ومثل ذلك في وكذلك تحرم امهات الزوجة وان علون وبناتها وان نزلن. اذا كان قد دخل بزوجته. وزوجته الاباء وان علوا وزوجات الابناء وان نزلوا من كل جهة ومثل ذلك في الرضاع. ومسائل تحريم الجمع والصهر في الرضاع في فيه خلاف. ولكن مذهب جمهور العلماء والائمة الاربعة تحريم ذلك للعمومات. الحديث الخمسون عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه عليه وعلى اله وسلم. لا يفرك مؤمن مؤمنة ان كره منها خلقا رضي منها اخر. رواه مسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الارشاد من النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم للزوج في معاشرة زوجته من اكبر الاسباب والدواعي الى حسن العشرة بالمعروف. فنهى المؤمن عن سوء عشرته لزوجته. والنهي عن الشيء امر بضده وامره ان يلحظ ما فيها من الاخلاق الجميلة. والامور التي نسيبه وان يجعلها في مقابلة ما كره من اخلاقها فان الزوج اذا تأمل ما في زوجته من الاخلاق الجميلة والمحاسن التي يحبها ونظر الى السبب الذي دعاه الى التضجر منها وسوء في عشرتها رآه شيئا واحدا او اثنين مثلا وما فيها مما يحب اكثر. فاذا كان منصفا غض عن مساوئها للاضمحلالها في محاسنها. وبهذا تدوم الصحبة وتؤدى الحقوق الواجبة المستحبة. وربما انما كره منها لا تسعى بتعديله او تبديله. واما من غض عن المحاسن ولحظ المساوئ ولو كانت قليلة فهذا من عدم الانصاف ولا يكاد يصفو مع زوجته. والناس في هذا ثلاثة اقسام اعلاهم من لاحظ الاخلاق الجميلة والمحاسن وغض عن المساوئ بالكلية وتناساها. واقلهم توفيقا وايمانا واخلاقا جميلة. من عكس القضية اهدر المحاسن مهما كانت. وجعل المساوئ نصب عينيه ربما مددها وبسطها. وفسرها بظنون وتأويلات تجعل قليل كثيرا. كما هو الواقع. والقسم الثالث من لاحظ الامرين ووازن بينهما. وعامل الزوجة بمقتضى كل واحد منهما وهذا منصف ولكنه قد حرم الكمال وهذا الادب الذي ارشد اليه صلى الله عليه وعلى اله وسلم ينبغي سلوكه واستعماله مع جميع المعاشرين والمعاملين فان نفعه الديني والدنيوي كثير صاحبه قد سعى في راحة قلبه. وفي السبب الذي يدرك به القيام حقوق الواجبة والمستحبة. لان الكمال في الناس متعذر احذر وحسب الفاضل ان تعد معايبه وتوطين النفس على ما يجيء من المعاشرين مما يخالف رغبة الانسان يسهل عليه حسن الخلق وفعل المعروف والاحسان مع الناس والله الموفق. الحديث الحادي والخمسون عن عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه انه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. يا عبد الرحمن ابن سمرة لا تسأل الامارة. فانك ان اوتيتها عن مسألة وكلت اليها. وان اوتيتها عن غير مسألة اعنت عليها واذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها الذي هو خير عن يمينك. متفق عليه. قال شيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث احتوى على جملتين عظيمتين احداهما ان الامارة وغيرها من الولايات على الخلق لا ينبغي للعبد ان يسألها ويتعرض لها بل يسأل الله العافية والسلامة. فانه لا يدري هل تكون الولاية خيرا له او شرا. ولا يدري هل يستطيع القيام بها ام لا فاذا سألها وحرص عليها وكل الى نفسه ومتى وكل العبد الى نفسه لم يوفق ولم يسدد في اموره ولم يعن عليها. لان سؤالها ينبئ عن محذورين الاول الحرص على الدنيا والرئاسة. والحرص يحمل على الريبة في التخوف اوضي في مال الله. والعلو على عباد الله. الثاني في نوع اتكال على النفس. وانقطاع عن الاستعانة بالله ولهذا قال وكلت اليها. واما من لم يحرص عليها ولم يتشوف لها. بل اتته من غير مسألة ورأى من نفسه عدم قدرته عليها. فان الله يعينه عليه ولا يكله الى نفسه. لانه لم يتعرض للبلاء ومن جاءه البلاء بغير اختياره حمل عنه. ووفق للقيام بوظيفته وفي هذه الحال يقوى توكله على الله تعالى ومتى قام العبد بالسبب متوكلا على الله نجح. وفي قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم اعنت عليها. دليل على ان الامارة وغيرها من الولايات الدنيوية جامعة للامرين للدين وللدنيا. فان المقصود من الولايات كلها اصلاح دين الناس ودنياهم. ولهذا يتعلق بها الامر والنهي والالزام بالواجبات والردع عن المحرمات. والالزام باداء الحقوق. وكذلك امور السياسة والجهاد. فهي من اخلص فيها لله وقام بالواجب من افضل العبادات. ولمن لم يكن كن كذلك من اعظم الاخطار. ولهذا كانت من فروض الكفايات لتوقف كثير من الواجبات عليها. فان قيل كيف طلب يوسف صلى الله عليه وسلم ولاية الخزائن المالية في قوله اجعلني على خزائن الارض قيل الجواب عنه قوله تعالى فهو انما طلبها لهذه المصلحة التي لا يقوم بها غيره من الحفظ الكامل والعلم بجميع الجهات المتعلقة بهذه خزائن من حسن الاستخراج وحسن التصريف واقامة العدل الكامل. فهو لما رأى الملك استخلصه لنفسه وجعله مقدما عليه وفي المحل العالي وجب عليه ايضا النصيحة التامة للملك والرعية. وهي متعينة في ولايته ولهذا لما تولى خزائن الارض سعى في تقوية زراعة جدة. فلم يبقى موضع في الديار المصرية. من صاها الى اقصاها يصلح للزراعة. الا زرع في مدة سبع سنين ثم حصنه وحفظه ذلك الحفظ العجيب ثم لما جاءت سنين الجدب واضطر الناس الى الارزاق سعى في الكيل للناس بالعدل. فمنع التجار من شراء الطعام خوفا تضييق على المحتاجين. وحصل بذلك من المصالح والمنافع شيء لا يعد ولا يحصى. كما هو معروف. الجملة الثانية قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. واذا حلف على يمين فرأيت غيرها خيرا منها. فات الذي هو خير خير عن يمينك. يشمل من حلف على ترك واجب او ترك تركي مسنون. فانه يكفر عن يمينه. ويفعل ذلك الواجب والمسنون الذي حلف على تركه. ويشمل من حلف على فعل محرم او فعل مكروه. فانه يؤمر بترك ذلك المحرم والمكروه ويكفر عن يمينه. فالاقسام الاربعة داخل في قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فاتي الذي هو خير. لان فعل المأمور مطلقا. وترك المنهي مطلق من الخير. وهذا هو معنى قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس اي لا تجعلوا اليمين عذرا لكم وعرضة ومانعا لكم من فعل البر والتقوى. والصلح بين الناس اذا حلفتم على ترك هذه الامور. بل كفروا ايمانكم ام وافعلوا البر والتقوى والصلح بين الناس. ويؤخذ منها هذا الحديث ان حفظ اليمين في غير هذه الامور اولى لكن ان كانت اليمين على فعل مأمور او ترك منهي. لم يكن كن له ان يحنث. وان كانت في المباح خير بين الامرين وحفظها اولى واعلم ان الكفارة لا تجب الا في اليمين المنعقدة على مستقبل اذا حلف وحنف. وهي على التخيير بين العتق او اطعام اشارت مساكين او كسوتهم. فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام واما اليمين على الامور الماضية او لغو اليمين قول الانسان لا والله وبلا والله في عرض حديثه. فلا كفارة فيه والله اعلم الحديث الثاني والخمسون عن عائشة رضي الله عنها انها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. من نذر ان يطيع الله فليطيع ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصه. رواه البخاري قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه النذر العبد نفسه طاعة الله. اما بدون سبب كقوله لله علي او نذرت عتق رقبة. او صيام كذا وكذا او الصدقة بكذا وكذا واما بسبب كان يعلق ذلك على قدوم غائبه او برئ مريض او حصول محبوب. او زوال مكروه متى تم له مطلوبه وجب عليه الوفاء. وهذا الحديث شامل للطاعات كلها. فمن نذر طاعة واجبة ومستحبة وجب عليه الوفاء بالنذر. وليس عنه كفارة بل يتعين الوفاء كما امره النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم في هذا الحديث. وكما اثنى الله على الموفين بنذره في قوله يوفون بالنذر. مع ان عقد مكروه. كما نهى صلى الله عليه وعلى اله وسلم عن النذر وقال قال انه لا يأتي بخير. وانما يستخرج به من البخيل. واما نذر المعصية فيتعين على العبد لن يترك معصية الله ولو نذرها. وبقية اقسام النذر نذر المعصية والنذر المباح ونذر اللجاج والغضب. حكمها حكم فيها كفارة يمين لمشاركتها في المعنى يمين والله اعلم. الحديث الثالث والخمسون عن علي رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. المسلمون تتكافئ ودماؤهم ويسعى بذمتهم ادناهم. ويرد عليهم اقصاهم وهم يد على من سواهم. الا لا يقتل مسلم سافر ولا ذو عهد في عهده. رواه ابو داوود والنسائي ورواه ابن ماجة عن ابن عباس قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث كالتفصيل لقوله تعالى وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكونوا عباد الله اخوانا. فعلى مؤمنين ان يكونوا متحابين. متصافين غير متباغضين ولا متعادين. يسعون جميعا لمصالحهم الكلية التي بها قوام دينهم ودنياهم. لا يتكبر شريف على وضية ولا يحتقر احد منهم احدا. فدماؤهم تكافئ فانه لا يشترط في القصاص الا المكافأة في الدين فلا يقتل المسلم بالكافر كما في هذا الحديث. والمكافحة فاتوا في الحرية فلا يقتل الحر بالعبد. واما بقي الاوصاف فالمسلمون كلهم على حد سواء. فمن قتل او قطع طرفا متعمدا عدوانا. فلهم ان يقتصوا منه بشر المماثلة في العضو. لا فرق بين الصغير بالكبير وبالعكس والذكر بالانثى وبالعكس. والعالم بالجاهل والشريف بالوضيع والكاف بالناقص. كالعكس في هذه الامور. قوله صلى الله الله عليه وعلى اله وسلم. ويسعى بذمتهم ادناهم يعني ان ذمة المسلمين واحدة. فمتى استجار الكافر باحد من المسلمين وجب على تأمينه. كما قال تعالى وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع فاجره حتى يسمع كلام ابلغهم مأمنه. فلا فرق في هذا بين الشريف الرئيس وبين احاد الناس وقوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ويرد عليه اقصاهم. اي في التأمين. وكذلك اشتراك الجيوش مع سراياه التي تذهب فتغير او تحرس. فمتى غنم الجيش او احدى السرايا التابعة للجيش. اشترك الجميع في المغنم ولا يختص بها المباشر. لانهم كلهم متعاونون على مهمتهم وقوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم وهم يد كن على من سواهم. اي يجب على جميع المسلمين في جميع انحاء الارض ان يكونوا يدا على اعدائهم من الكفار بالقول والفعل والمساعدات والمعاونة في الامور الحربية والامور الاقتصادية والمدافعة بكل وسيلة. فعلى ان يقوموا بهذه الواجبات بحسب استطاعتهم. لينصرهم الله ويعزهم. ويدفع عنهم بالقيام بواجبات الايمان عدوان الاعداء. فنسأله تعالى ان يوفقهم لذلك وقوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ولا ذو عهد بعهده اي لا يحل قتل من له عهد من الكفار بذمة او وامان او هدنة. فانه لما قال لا يقتل مسلم بكافر احترز بذكر تحريم قتل المعاهد. لئلا يظن الظالم جوازة والله اعلم. الحديث الرابع والخمسون عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان رسول الله صلى الله الله عليه وعلى اله وسلم قال من تطبب ولم يعلم ام منه طب فهو ضامن. رواه ابو داوود والنسائي قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا حديث يدل بلفظه وفحواه على انه لا يحل لاحد ان عاطا صناعة من الصناعات وهو لا يحسنها. سواء كان او غيرة. وان من تجرأ على ذلك فهو اثم وما ترتب على عمله من تلف نفس او عضو او نحوهما فهو ضامن وما اخذه من المال في مقابلة تلك الصناعة التي لا يحسنها فهو مردود على باذله. لانه لم الا بتغريره وايهامه انه يحسن. وهو لا يحسن فيدخل في الغش. ومن غشنا فليس منا ومثل هذا البناء والنجار والحداد والخراز والنساج لذلك موهما انه يحسن الصنعة وهو ومفهوم الحديث ان الطبيب الحاذق ونحوه اذا باشر ولم تجني يده. وترتب على ذلك تلف فليس بضامن لانه مأذون فيه من المكلف اوليه. فكل ما ترتب على المأذون فيه فهو غير مضمون. وما ترتب على غير ذلك كالمأذون فيه فانه مضمون. ويستدل بهذا على ان صناعة الطب من العلوم النافعة. المطلوبة شرعا وعقلا والله اعلم. الحديث الخامس والخمسون. عن عائشة رضي الله عنها انها قالت قال رسول الله صلى الله عليه عليه وعلى اله وسلم. ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فان كان له مخرج فخلوا سبيله. فان ان الامام ان يخطئ في العفو خير من ان يخطئ في العقوبة رواه الترمذي مرفوعا وموقوفا. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث يدل على ان الحدود تدرأ بالشبهات فاذا اشتبه امر الانسان علينا حاله ووقعت الاحتمالات هل فعل موجب الحد ام لا؟ وهل هو عالم او وهل هو متأول معتقد حله ام لا وهل له عذر عقد او اعتقاد؟ درئت عنه العقوبة لاننا لم نتحقق موجبها يقينا. ولو تردد الامر بين الامرين فالخطأ في درء العقوبة عن فاعل سببها اهون من الخطأ في ايقاع العقوبة على من لم يفعل سببها فان رحمة الله سبقت غضبه. وشريعته مبنية على اليسر والسهولة. والاصل في دماء المعصومين وابدانهم واموالهم التحريم. حتى نتحقق ما يبيح لنا شيئا من هذا هذا وقد ذكر العلماء على هذا الاصل في ابواب الحدود امثلة كثيرة واكثرها موافق لهذا الحديث ومنها امثلة فيها نظر. فان الاحتمال الذي يشبه الوهم والخيال لا عبرة به. والميزان لفظ هذا الحديث فان وجدتم له او فان كان له مخرج فخلوا سبيله وفي هذا الحديث دليل على اصل. وهو انه اذا عارض مفسدتان تحقيقا او احتمالا. راعين المفسدة الكبرى فدفعناها تخفيفا للشر. والله اعلم الحديث السادس والخمسون. عن علي رضي الله عنه منه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لا طاعة في معصية. انما الطاعة في المعروف متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث قيد في كل من تجب طاعته من الولاة والوالي في دين والزوج وغيرهم. فان الشارع امر بطاعة هؤلاء وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله. وكلها بالمعروف فان الشارع رد الناس في كثير مما امرهم به الى العري والعادة والعدل والاحسان العام. فكذا طاعة من تجب طاعته. وكلها تقيد بهذا القيد وان من امر منهم بمعصية الله بفعل محرم او ترك واجب فلا طاعة لمخلوق في معصية الله. فاذا امر احدهم بقتله معصوم او ضربه او اخذ ماله. او بترك حج واجب او عبادة قادة واجبة. او بقطيعة من تجب صلته. فلا طاعة له وتقدم طاعة الله على طاعة الخلق. ويفهم منها هذا الحديث انه اذا تعارضت طاعة هؤلاء الواجبة ونافلة من النوافل فان طاعتهم تقدم. لان ان ترك النفل ليس بمعصية. فاذا نهى زوجته عن صيام النفل او حج او امر الوالي بامر من امور السياسة يستلزم ترك مستحيل حب وجب تقديم الواجب. وقوله صلى الله عليه وعلى اله آله وسلم انما الطاعة في المعروف. كما انه حاولوا ما ذكرنا فانه يتناول ايضا تعليق ذلك بالقدرة طاعة كما تعلق الواجبات باصل الشرع. وفي الحديث عليكم السمع والطاعة فيما استطعتم. والله اعلم الحديث السابع والخمسون. عن عبدالله بن عمرو وابي هريرة رضي الله الله عنهم انهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لم اذا حكم الحاكم فاجتهد واصاب فله اجران. واذا حكم كما فجئت هدف اخطأ فله اجر واحد. متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه المراد بالحاكم هو الذي عنده من العلم ما يؤهله للقضاء. وقد ذكر اهل العلم شروط القاضي فبعضهم بالغ فيها. وبعضهم اقتصر على العلم الذي يصلح به فتوى وهو الاولى. ففي هذا الحديث ان الجاهل لو حكم صاب الحكم فانه ظالم اثم. لانه لا يحل له الاقدام على الحكم وهو هو جاهل ودل على انه لابد للحاكم من الاجتهاد وهو نوعان اجتهاد في ادخال القضية التي وقع فيها التحاكم بالاحكام الشرعية واجتهاد في تنفيذ ذلك الحق على القريب والصديق وضدهما. بحيث يكون الناس عنده في هذا الباب واحدا لا يفضل احدا على احد. ولا يميله الهوى. فمتى كان كذا ذلك فهو مأجور على كل حال. ان اصاب فله اجران. وان اخطأ فله اجر واحد. وخطؤه معفو عنه. لانه بغير طاعته والعدل كغيره معلق بالاستطاعة. والفرق وبين الحاكم المجتهد وبين صاحب الهوى ان صاحب الحق قد فعل ما اخ امر به من حسن القصد والاجتهاد. وهو مأمور في الظاهر باعتقاده فيما قام عنده عليه دليله. بخلاف صاحب الهوى. فانه يتكلم بغير علم. وبغير قصد للحق. قاله شيخ الاسلام وفي هذا فضيلة الحاكم الذي على هذا الوصف. وانه يغنم الاجر والثواب في كل قضية يحكم بها. ولهذا كان القضاء من اعظم فروض الكفايات. لان الحقوق بين الخلق كلها مضطرة للقاضي عند التنازع او الاشتباه. وعليه ان يجاهد نفسه على تحقيق هذا الاجتهاد الذي تبرأ به ذمته. وينال فيه الخير والاجر العظيم. والله اعلم. الحديث الثامن والخمسون عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. لو يعطى الناس بدعواهم رجال دماء قوم واموالهم. ولكن اليمين على المدعى عليه رواه مسلم. وفي لفظ عند البيهقي البيهقي على المدعي واليمين على من انكر. قال الشيخ السعدي رحمه الله في هذا الحديث عظيم القدر. وهو اصل كبير من اصول قضايا والاحكام. فان القضاء بين الناس انما يكون عند التنازع هذا يدعي على هذا حقا من الحقوق فينكره. وهذا ايدعي براءته من الحق الذي كان ثابتا عليه. فبين صلى الله الله عليه وعلى اله وسلم اصلا يفض نزاعهم. ويتضح به المحق من المبطل. فمن ادعى عينا من الاعيان او دينا او حقا من الحقوق وتوابعها على غيره. وانكره ذلك الغير فالاصل مع المنكر. فهذا المدعي ان اتى ببينة تثبت ذلك الحق ثبات وحكم له به. وان لم يأت ببينة فليس له على اخر الا اليمين. وكذلك من ادعى براءته من الحق الذي عليه وانكر صاحب الحق ذلك. وقال انه باق في ذمته فان لم يأتي مدعي الوفاء والابراء ببينة. والا القيمة لبقاء الحق لانه الاصل. ولكن على صاحب الحق اليمين ببقائه وكذلك دعوة العيوب والشروط والاجال والوثائق كلها من من هذا الباب فعلم ان هذا الحديث تضطر اليه القضاة في مسائل في القضاء كلها. لان البينة اسم لما بين الحق وهي تتفاوت بتفاوت الحقوق. وقد فصلها اهل العلم رحيما الله. وقد بين صلى الله عليه وعلى اله وسلم في هذا حديث الحكم. وبين الحكمة في هذه الشريعة الكلية وانها عين صلاح العباد في دينهم ودنياهم. وانه لو يعطى الناس بدعواهم لكثر الشر والفساد. ولا ادعى رجال دماء قوم واموالهم. فعلم ان شريعة الاسلام بها صلاح البشر واذا اردت ان تعرف ذلك فقابل بين كل شريعة من شرائعه كلية وبين ضدها تجد الفرق العظيم. وتشهد ان الذي شرعها حكيم عليم رحيم بالعباد. لاشتمالها على الحكمة والعدل والرحمة ونصر المظلوم وردع الظالم. وقد قال بعض المحققين ان الشريعة جعلت اليمين في جنبتي المدعين. ومن تتبع ذلك عرفه والله اعلم. الحديث التاسع والخمسون عن عائشة رضي الله عنها مرفوعة لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة. ولا مجلود حدا ولا ذي غمر على اخيه ولا ضنين في ولاء ولا قرابة. ولا القانع مع اهل البيت رواه الترمذي. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا حديث مشتمل على الامور القادحة في الشهادة وذلك ان الله امر العدول المرضيين واهل العلم اشترطوا في الشاهد في الحقوق بين الناس ان يكون عدلا ظاهرا. وذكر صفات العدالة. وحدها بعضهم بحد مأخوذ من قوله تعالى ممن ترضون من الشهداء فقال كل مرضي عند الناس يطمئنون لقوله وشهادته فهو مقبول وهذا احسن الحدود. ولا يسع الناس العمل بغيره اشياء التي تقدح في الشهادة ترجع الى التهمة او الى مظنتها فمن الناس من لا تقبل شهادته مطلقا. على جميع الامور التي يعتبر فيها الشهادة. كالخائن والخائنة. والذي اتى حدا معصية كبيرة لم يتب منها. فانه لخيانته وفسقه مفقود عدالة. فلا تقبل شهادته. ومن الناس من هو موصوف بالعدالة لكن فيه وصف يخشى ان يميل معه. فيشهد بخلاف الحق. وذلك كالاصول والفروع. والمولى والقانع لاهل البيت. فهؤلاء لا تقبل شهادتهم للمذكورين. لانه محل التهمة وتقبل عليهم ومثل ذلك الزوجان والسيد مع مكاتبه او عتيقه ومن الناس من هو بعكس هؤلاء. كالعدو الذي في قلبه غمر اي غل على اخيه فهذا ان شهد له قبلت شهادته. وان شهد عدوه لم تقبل. لان العداوة تحمل غالبا على الاضرار بالعدو الحديث الستون. عن رافع بن خديج رضي الله الله عنه انه قال قلت يا رسول الله انا لاقوا العدو غدا وليس معنا مدى. افنذبح بالقصب؟ قال ما انهر الدم ذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر. وساحدثك عنه اما السن فعظم. واما الظفر فمدى الحبشة. واصب نهب ابل وغنم فند منها بعير. فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. ان لي هذه في اوابدك اوابد الوحش. فاذا غلبكم منها شيء فافعلوا به هكذا متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ما انهر الدم الى اخره كلام جامع يدخل فيه جميع ما ينهر الدم. ان يسفكه من حديد او نحاس او صفر او قصب. او خشب او حطب او حطب محدد او غيرها. وما له نفوذ كالرصاص في البارود لانه ينهر بنفوذه لا بثقله. ودخل في ما صيد بالسهام والكلاب المعلمة والطيور. اذا ذكر اسم الله على جميع لذلك واما محل الذبح فانه الحلقوم والمريء. اذا قطعه ما كفى فان حصل معهما قطع الودجين وهما العرقان المكتنفان الحلق مكان اولى. واما الصيد فيكفي جرحه في اي موضع كان كان من بدنه للحاجة الى ذلك. ومثل ذلك اذا ند البعير او البقرة او وعجز عن ادراكه فانه يكون بمنزلة الصيد. كما في هذا الحديث ففي اي محل من بدنه جرح كفى. كما ان الصيد اذا قدر عليه وهو حي فلا بد من زكاته. فالحكم يدور مع علته المعجوز عنه بمنزلة الصيد. ولو من الحيوانات الانسية والمقدور عليه لابد من ذبحه. ولو من الحيوانات الوحشية واستثنى النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم من ذلك السن. وعلل بانه عظم. فدل على ان جميع العظام وان انهرت الدم لا يحل الذبح بها وقيل ان العلة مجموع الامرين. كونه سنا كونه عظما فيختص بالسن. والصحيح الاول وكذلك الظفر لا يحل الذبح به لا طيرا ولا غيره. فالحاصل ان شروط الذبح انهار الدم في محل الذبح. مع كون الذابح مسلما او كتابيا ان يذكر اسم الله عليها. واما الصيد فهو اوسع من الذبح ما تقدم انه في اي موضع يكون من بدن الصيد. وانه يباح صيد الجوارح من الطيور والكلاب اذا كانت معلمة. وذكر اسم الله عليها ارسالها على الصيد. والله اعلم. الحديث الحادي والست عن شداد ابن اوس رضي الله عنه ان رسول الله الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال ان الله كتب الاحسان على كل شيء. فاذا قتلتم فاحسنوا القتلة. واذا ذبحتم احسنوا الذبحة. وليحد احدكم شفرته. وليرح ذبيحته رواه مسلم. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه. الاحسان نوعان احسان في عبادة الخالق بان يعبد الله انه يراه. فان لم يكن يراه فان الله يراه. وهو الجد في القيام بحقوق الله على وجه النصح والتكميل لها. واحسان في حقوقه الخلق واصل الاحسان الواجب ان تقوم بحقوقهم الواجبة القيام ببر الوالدين وصلة الارحام. والانصاف في جميع باعطاء جميع ما عليك من الحقوق. كما ان انك تأخذ ما لك وافيا. قال تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وبالوالدين احسانا واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والجار الجنب والصاحب بالجنب وبني السبيل وما ملك ايمانكم فامر بالاحسان الى جميع هؤلاء تدخل في ذلك الاحسان الى جميع نوع الانسان. والاحسان الى البهائم حتى في الحالة التي تزهق فيها نفوسها. ولهذا قال صلى الله عليه عليه وعلى اله وسلم. فاذا قتلتم فاحسنوا القتلة فمن استحق القتل لموجب قتل بضرب عنقه بالسيف. من دون تعذير ولا تمثيل. واذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة. اي هيئة الذبح وصفته ولهذا قال وليحد احدكم شفرته اي سكينة وليرح ذبيحه اتى فاذا كان العبد مأمورا بالاحسان الى من استحق القتل من الادمين وبإحسان ذبحة ما يراد ذبحه من الحيوان. فكيف بغير هذه واعلم ان الاحسان المأمور به نوعان احدهما فواجب وهو الانصاف والقيام بما يجب عليك للخلق. بحسب ما توجه عليك فمن الحقوق والثاني احسان مستحب. وهو ما زاد على ذلك من بعد بذل نفع بدني او مالي او عملي او توجيه لخير ديني او مصلحة دنيوية. فكل معروف صدقة. وكل ما ادخل السرور على القي صدقة واحسان. وكل ما ازال عنهم ما يكرهون. ودفع عنهم ما لا يرتضون من قليل او كثير فهو صدقة واحسان ولما ذكر النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم قصة البغي التي سقت الكلب الشديد العطش بخفيها من البئر. وان الله شكر لها وغفر غفر لها قالوا لرسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان لنا في البهائم اجرا. قال في كل كبد حر اجر فالاحسان هو بذل جميع المنافع من اي نوع كان. لاي الحديث الثامن والثمانون. عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لا حسد الا في اثنتين. رجل اتاه الله مالا فسلطه مخلوق يكون. ولكنه يتفاوت بتفاوت المحسن اليهم وحقهم ومقامهم وبحسب الاحسان وعظم موقعه وعظيم نفعه. وبحسب في ايمان المحسن واخلاصه. والسبب الداعي له الى ذلك. ومن لانواع الاحسان الاحسان الى من اساء اليك بقول او فعل قال تعالى ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة وما وما يلقاها ومن كان طريقته الاحسان انا احسن الله جزاءه. هل جزاء الاحسان الا الاحسان مم للذين احسنوا الحسنى وزيادة في هذه الدنيا حسنة ان رحمة الله اه قريب من المحسنين. اي المحسنين في عبادة الله المحسنين الى عباد الله والله تعالى يوجب على عباده العدل من الاحسان. ويندبهم الى زيادة فضلي منه وقال تعالى في المعاملة ولا تنسوا الفضل اي اجعلوا للفضل والاحسان موضعا من معاملاتكم. ولا تقسو في جميع الحقوق. بل يسروا ولا تعسروا وتسامحوا في البيع والشراء القضاء والاقتضاء. ومن الزم نفسه هذا المعروف نال خيرا واحسانا كبيرا. والله اعلم. الحديث الثاني والستون عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما انه قال حرم رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يوم خيبر. الحمر الانسية ولحوم البغال. وكل ذي ناب من السباع. وكل ذي من الطير. رواه الترمذي. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه الاصل في جميع الاطعمة الحل. فان الله احل عباده ما اخرجته الارض. من حبوب وثمار ونبات متنوع واحل لهم حيوانات البحر كلها حيها وميتها. واما حيوانات البر. فاباح منها جميع الطيبات. كالانعام الثمانية وغيرها. والصيود الوحشية من طيور وغيرها. وانما من هذا النوع الخبائث. وجعل لذلك حدا وفاصلا. وربما عين بعض المحرمات كما عين في هذا الحديث الحمر الاهلية والبغال وماها وقال انها رجس. واما الحمر الوحشية فانها حلال. وكذلك حرم ذوات الانياب من السباع. كالذئب والاسد والنمر والثعلب والكلب ونحوها. وكل ذي مخلب من الطير يصير بي مخلبه كالصقر والباشق ونحوهما. وما نهى عن قتله كالصوم او امر بقتله كالغراب ونحوها فانها محرمة. وما كان خبيث كالحيات والعقارب والفئران وانواع الحشرات. وكذلك ما مات فانفه من الحيوانات المباحة. او ذكي ذكاة غير شرعية فانه محرم. والله اعلم. الحديث الثالث والستون عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه الاصل في جميع العادية الاباحة. فلا يحرم منها الا ما حرمه الله ورسوله اما لذاته كالمغصوب وما خبث مكسبه في حق الرجال والنساء واما لتخصيص الحل باحد الصنفين. كما اباح الشارع لباس الذهب والفضة والحرير للنساء. وحرمه على الرجال واما تحريم الشارع تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال. فهو عاق هم في اللباس والكلام وجميع الاحوال. فالامور ثلاثة اقسام قسم مشترك بين الرجال والنساء من اصناف اللباس وغيره. فهذا جائز للنوعين. لان الاصل الاباحة ولا تشبه فيه. وقسم مختص بالرجال فلا يحل للنساء. وقسم مختص بالنساء فلا يحل للرجال ومن الحكمة في النهي عن التشبه ان الله تعالى وجعل للرجال على النساء درجة. وجعلهم قوامين على النساء. ومن ميزهم بامور قدرية وامور شرعية. فقيام هذا التمييز وثبوت فضيلة الرجال على النساء. مقصود شرعا وعقلا. فتشبه الرجال نساء يهبط بهم عن هذه الدرجة الرفيعة. وتشبه النساء بالرجال يبطل التمييز. وايضا الرجال بالنساء بالكلام واللباس ونحو ذلك من اسباب التخنث وسقوط الاخلاق. ورغبة المتشبه النساء في الاختلاط بهن. الذي يخشى منه المحذور. وكذلك بالعكس وهذه المعاني الشرعية وحفظ مراتب الرجال ومراتب النساء وتنزيل كل منهم منزلته التي انزله الله بها مستحسن عقلا كما انه مستحسن شرعا. واذا اردت ان تعرف ضرر التشبه تام وعدم اعتبار المنازل فانظر في هذا العصر الى الاختلاط الساقط الذي ذهبت معه الغيرة الدينية. والمروءة الانسانية الحميدة وحل محله ضد ذلك من كل خلق رذيل ويشبه هذا او هو اشد منه؟ تشبه المسلمين بالكفار في امورهم المختصة بهم فانه صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال من تشبه بقوم فهو منهم فان التشبه الظاهر يدعو الى التشبه الباطن. والوسائل ذرائع الى الشرور قصد الشارع حسمها من كل وجه. الحديث الطابع والستون. عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال قال رسول اذكروا الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. ما انزل الله داء الا انزل له له شفاء. رواه البخاري. قال الشيخ السعدي رحمه الله في في شرحه الانزال هنا بمعنى التقدير. ففي هذا الحديث اثبات القضاء والقدر واثبات الاسباب. وقد تقدم ان هذا الاصل العظيم ثابت في الكتاب والسنة. ويؤيده العقل والفطرة. فالمنافع الدينية دنيوية والمضار كلها بقضاء الله وتقديره. قد احاط بها علما وجرى بها قلمه. ونفذت بها مشيئته. ويسر العباد فعل الاسباب التي توصلهم الى المنافع والمضار. فكل ميسر لما خلق قال من مصالح الدين والدنيا ومضارهما. والسعيد من الله لايسر الامور واقربها الى رضوان الله. واصلحها لدينه ودنياه. والشقي من انعكس عليه الامر. وعموم هذا الحديث يقتضي ان جميع الامراض الباطنة والظاهرة. لها ادوية تقاومها تدفع ما لم ينزل وترفع ما نزل بالكلية او تخففه وفي هذا الترغيب في تعلم طب الابدان. كما يتعلم طب القلوب وان ذلك من جملة الاسباب النافعة. وجميع اصول اولي الطب وتفاصيله شرح لهذا الحديث. لان الشارع اخبرنا ان جميع الادواء لها ادوية. فينبغي لنا ان نسعى الى تعلمها وبعد ذلك الى العمل بها وتنفيذها. وقد كان يظن كثير من الناس ان بعض الامراض ليس له دواء كالسل ونحوه. وعندما ارتقى علم الطب. ووصل الناس الى ما وصلوا اليه من علمه. عرف الناس مصر ذاق هذا الحديث وانه على عمومه. واصول الطب تدبير الغذاء بالا يأكل حتى تصدق الشهوة وينهضم الطعام السابق انهضاما تاما ويتحرى الانفع من الاغذية. وذلك بحسب حالة الاقطار والاشخاص والاحوال ولا يمتلئ من الطعام امتلاء يضره مزاولته والسعي في تهظيمه. بل الميزان قوله تعالى وكلوا واشربوا ولا تسرفوا. ويستعمل الحمية عن جميع في مقدارها او في ذاتها او في وقتها. ثم ان امكن وحصل به المقصود من دون مباشرة الادوية. فهو الاولى والانفع فان اضطر الى الدواء استعمله بمقدار. وينبغي الا يتولى ذلك الا عارف وطبيب حاذق. واعلم ان طيب الهواء ونظافة البدن والثياب والبعد عن الروائح الخبيثة خير عون على الصحة وكذلك الرياضة المتوسطة. فانها تقوي الاعضاء الاعصاب والاوتار وتزيل الفضلات. وتهضم الاغذية الثقيلة وتفاصيل الطب معروفة عند الاطباء. ولكن هذه الاصول التي ذكرناها يحتاج اليها كل احد. وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم الشفاء في ثلاث. شرطة محجم او شربة عسل او كية بنار. وفي الحبة السوداء شفاء من كل داء العود الهندي فيه سبعة اشفية. يسعط من العذرة ويلد من ذلك الجنب الحمى من فيح جهنم فابردوها بالماء رخص في الرقية من العين والحمى والنملة. واذا استغسلتم من العين فاغسلوا ونهى عن الدواء الخبيث. وامر بخضاب الرجلين لوجعهما الحديث الخامس والستون. عن ابي قتادة رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم الرؤيا الصالحة من الله. والحلم من الشيطان. فاذا رأى احدكم ما يحب فلا يحدث به الا من احب واذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان واليتف الثلاثا. ولا يحدث بها احدا فانها لن تضر متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه اخبرنا صلى الله عليه وعلى اله وسلم في هذا الحديث ان الرؤيا الصالحة من الله اي السالمة من تخليط شيطان وتشويشه. وذلك لان الانسان اذا نام خرجت روحه وحصل لها بعض التجرد الذي تتهيأ به لكثير من العلوم والمعارف وتلطفت مع ما يلهمها الله. ويلقيه اليها الملك في منامها. فتتنبه وقد تجلت لها امور كانت قبل ذلك مجهولة. او ذكرت بامور قد غفلت عنها. او نبهت على احوال ينفعها معرفتها او العمل بها. او حذرت عن مضار دينية او دنيوية لم تكن لها على بال اوعظت ورغبت ورهبت عن اعمال قد تلبست بها. او هي بصدد ذلك او نبهت على بعض الاعيان الجزئية. لادخال تليها في الاحكام الشرعية. فكل هذه الامور علامة على الرؤية الصالحة التي هي جزء من ستة واربعين جزءا من النبوة وما كان من النبوة فهو لا يكذب. فانظر الى رؤيا النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم في قوله تعالى اذ يريكهم الله في منامك قليلا كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر ولكن الله سلم انه عليم بذات الصدور كم حصل بها من منافع واندفع من مضار. وكذلك فقوله تعالى رؤوسكم فعل علم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريب كم حصل بها من زيادة ايمان؟ وتم بها من كمال وكانت من ايات الله العظيمة. وانظر الى رؤيا ملك مصر وتأويل يوسف الصديق لها. وكما تولى التأويل فقد ولاه الله ما احتوت عليه من التدبير. فحصل بذلك خيرات كثيرة ونعم غزيرة. واندفع بها ضرورات وحاجات. ورفع الله بها ايوسف فوق العباد درجات. وتأمل رؤيا عبدالله بن زيد وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. الاذان والاقامة. وكيف صارت سببا بشرع هذه الشعيرة العظيمة. التي هي من اعظم الشعائر الدينية ومرائي الانبياء والاولياء والصالحين بل وعموم المؤمنين وغيرهم معروفة مشهورة. لا يحصى ما اشتملت عليه من المهمة والثمرات الطيبة. وهي من جملة نعم الله عليه عباده ومن بشارات المؤمنين وتنبيهات الغافلين وتذكيره للمعرضين. واقامة الحجة على المعاندين ما الحلم الذي هو اضغاث احلام؟ فانما هو من تخليط الشيطان على رح الانسان وتشويشه عليها وافزاعها. وجلب الامور التي تكسبها الهم والغم. او توجب لها الفرح والمرح والبطر. او للشر والفساد والحرص الضار. فامر النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم عند ذلك. ان يأخذ العبد في الاسباب التي تدفع بالا يحدث بها احدا. فان ذلك سبب لبطلانه واضمحلاله. وان يتفل عن يمينه وشماله ثلاث مرات وان يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم. الذي هو سبب هذا الحلم الدافع له. وليطمئن قلبه عند ذلك انه لا يضره مصداقا لقول رسوله وثقة بنجاح الاسباب الدافعة له واما الرؤيا الصالحة فينبغي ان يحمد الله عليها. ويسأل هو تحقيقها. ويحدث بها من يحب ويعلم منه المودة ليسر لسروره ويدعو له في ذلك. ولا يحدث بها من لا يحب لان لا يشوش عليه بتأويل يوافق هواه. او يسعى حسده منه في ازالة النعمة عنه. ولهذا لما رأى يوسف الشمس والقمر والكواكب الاحد عشر ساجدين له. وحدث بها اباه قال يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك ولهذا كان كتم النعم عن الاعداء مع الامكان اولى اذا كان في ذلك مصلحة راجحة واعلم ان الرؤيا الصادقة تارة يراها العبد على صورتها الخارجية كما في رؤيا الاذان وغيرها. وتارة يضرب له فيها امثال محسوسة. ليعتبر بها الامور المعقولة او المحسوسة التي تشبهها كرؤيا ملك مصر ونحوها وهي تختلف باختلاف الرائي والوقت والعادة. وتنوع الاحوال الحديث السادس والستون. عن علي بن الحسين رحمه الله انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه رواه ما لك واحمد. ورواه ابن ماجة عن ابي هريرة الترمذي عنهما قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه الاسلام عند الاطلاق يدخل فيه الايمان والاحسان. وهو شراب طائع الدين الظاهرة والباطنة. والمسلمون منقسمون في الاسلام الى قسمين كما دل عليه فحوا هذا الحديث منهم المحسن في اسلامه ومنهم المسيء. فمن قام بالاسلام في ظاهرا وباطنا فهو المحسن. ومن احسن دينا من من اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع فيشتغل هذا المحسن بما يعنيه. مما يجب عليه تركه من معاصي والسيئات. ومما ينبغي له تركه كالمكروهات وفضول المباحات التي لا مصلحة له فيها. بل تفوت عليه الخير فقوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه. يعم ما ذكرنا ومفهوم الحديث ان من لم يترك ما لا يعنيه فانه مسيء في اسلامه. وذلك شامل للاقوال والافعال المنهي عنها ها نهي تحريم او نهي كراهة. فهذا الحديث يعد من الكلمات العامة الجامعة. لانها قسمتها هذا التقسيم الحاصر وبينت الاسباب التي يتم بها حسن الاسلام. وهو الاشتغال بما يعني وترك ما لا يعني من قول وفعل. والاسباب التي يكون بها العبد مسيئا. وهي ضد هذه الحال. والله اعلم الحديث السابع والستون. عن ايوب ابن موسى ابن عمرو ابن سعيد ابن العاص عن ابيه عن جده. ان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال ما نحل والد ولا يده من نحل افضل من ادب حسن. رواه الترمذي قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه اولى الناس ببرك واحقهم بمعروفك اولادك انهم امانات جعلهم الله عندك. ووصاك بتربيتهم تربية صالحة لابدانهم وقلوبهم. وكل ما فعلته معهم من هذه الامور دقيقها وجليلها. فانه من اداء الواجب عليه ومن افضل ما يقربك الى الله فاجتهد في ذلك واحتسبه عند الله. فكما انك اذا اطعمت وكسوتهم وقمت بتربية ابدانهم. فانت قائم بالحق مأجور فكذلك بل اعظم من ذلك اذا قمت بتربية قلوبهم رواحيهم بالعلوم النافعة. والمعارف الصادقة. والتوجيه للاخلاق الحميدة. والتحذير من ضدها. والنحل هي عطايا والاحسان. فالاداب الحسنة خير للاولاد حالا ومآلا من اعطائهم الذهب والفضة. وانواع المتاع الدنيوي. لان الاداب الحسنة والاخلاق الجميلة يرتفعون. وبها يسعدون وبها يؤدون دون ما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد. وبها يجتنبون وعالمضار. وبها يتم برهم لوالديهم. اما مال الاولاد فضرره كبير. وخطره خطير. ارأيت لو كان لك بستان فنميته حتى استتمت اشجاره. واينعت ثماره تزخرفت زروعه وازهاره. ثم اهملته فلم تحفظه. ولم تسقه ولم تنقه من الافات. وتعده للنمو في كل الاوقات اليس هذا من اعظم الجهل والحمق؟ فكيف تهمل اولادك الذين هم كبدك. وثمرة فؤادك ونسخة روحك. والقائمون مقامك حيا وميتا. الذين بسعادتهم تتم سعادتك بفلاحهم ونجاحهم تدرك به خيرا كثيرا. وما يذكر الا الحديث الثامن والستون عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم مثل الجليس الصالح والجليس السوء. كحامل المسك ونافخ الكير حامل المسك اما ان يحذيك واما ان تبتاع منه. واما ان تجد منه مريحا طيبة. ونافخ الكير اما ان يحرق ثيابك واما ان تجد منه ريحا خبيثة. متفق عليه. قال الشيخ سعدي رحمه الله في شرحه اشتمل هذا الحديث على الحث على اختيار الاصحاب الصالحين. والتحذير من ضدهم. ومثل قال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم بهذين المثالين مبينا ان الجليس جميع احوالك معه وانت في مغنم وخير كحامل المسك الذي تنتفع بما معه من المسك. اما بهبة او بعوض. واقل ذلك مدة جلوسك معه. وانت قرير نفسي برائحة المسك. فالخير الذي يصيبه العبد من جليسه الصالح ابلغ وافضل من المسك الاظفر. فانه اما ان يعلمك ما ما ينفعك في دينك ودنياك. او يهدي لك نصيحة. او يحذر من الاقامة على ما يضرك. فيحثك على طاعة الله وبر الوالدين وصلة الارحام. ويبصرك بعيوب نفسك. ويدعوك الى مكارم الاخلاق ومحاسنها بقوله وفعله وحاله. فان ان الانسان مجبول على الاقتداء بصاحبه وجليسه. والطباع والارض ارواح جنود مجندة. يقود بعضها بعضا الى الخير او الى ضده واقل ما تستفيده من الجليس وهي فائدة لا يستهان وبها ان تنكف بسببه عن السيئات والمعاصي رعاية للصحبة ومنافسة في الخير وترفعا عن الشر. وان يحفظك في حضرتك ومغيبك. وان تنفعك محبته ودعاؤه في حال حياتك وبعد مماتك. وان يدافع عنك بسبب اتصاله بك ومحبته لك. وتلك امور لا تباشر انت مدافعتها كما انه قد يصلك باشخاص واعمال ينفعك اتصالك بهم وفوائد الاصحاب لا تعد ولا تحصى وحسب المرء ان يعتبر بقرينه وان يكون على دين خليله واما مصاحبة الاشرار فانها بضد جميع ما ذكرنا وهم ضرة من جميع الوجوه على من صاحبهم. وشر حر على من خالطهم. فكم هلك بسببهم اقوام؟ وكم قادوا اصحابهم الى المهالك من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون ولهذا كان من اعظم نعم الله على العبد المؤمن. ان يوفق لصحبة الاخيار. ومن عقوبته لعبده ان يبتلي له بصحبة الاشرار. صحبة الاخيار توصل العبد الى اعلى عليين وصحبة الاشرار توصله الى اسفل سافلين صحبة الاخيار توجب له العلوم النافعة والاخلاق الفاضلة الاعمال الصالحة وصحبة الاشرار تحرمه ذلك اجمع ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت اتخذ من فلانا خليلا. لقد اضلني عن الذكر بعد اذ جاءني وكان الشيطان الحديث التاسع والستون عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم لبيان كمال احتراز المؤمن ويقظته وان المؤمن يمنعه ايمانه من اقتراف السيئات التي تضره مقارفته وانه متى وقع شيء منها منه فان انه في الحال يبادر للتوبة والانابة. ومن تمام توبته ان يحذر غاية الحذر من ذلك السبب الذي اوقعه في الذنب. كحال من ادخل يده في جحر فلدغته حية. فانه بعد ذلك لا يكاد يدخل يده في ذلك الجحر. لما اصابه فيه اول مرة وكما ان الايمان يحمل صاحبه على فعل الطاعات ويرغبه فيها ويحزن لفواتها. فكذلك يزجره عن مقارفة السيئات. وان وقعت بادر الى النزوع عنها ولم يعد الى مثل ما وقع منه وفي هذا الحديث الحث على الحزم والكيس في جميع الامور ومن لوازم ذلك تعرف الاسباب النافعة ليقوم بها والاسباب الضارة ليتجنبها. ويدل على الحث على تجنب اسباب الريب التي يخشى من مقاربتها الوقوع في الشر. وعلى ان ان الذرائع معتبرة. وقد حذر الله المؤمنين من العود الى ما بينه الشيطان من الوقوع في المعاصي فقال يعظكم الله الله ان تعودوا لمثله ابدا ان كنتم مؤمنين ولهذا فان من ذاق الشر من التائبين تكون كراهته له اعظم. وتحذيره وحذره عنه ابلغ لانه عرف بالتجربة اثاره القبيحة. وفي الحديث الاناة من الله والعجلة من الشيطان. ولا حليم الا ذو عثرة. ولا حكيم الا ذو تجربة. والله اعلم الحديث السبعون. عن ابي ذر الغفاري رضي الله عنه انه قال قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. يا ابا ذر لا عقل كالتدبير ولا ورعك الكف. ولا حسبك حسن الخلق رواه البيهقي في شعب الايمان. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه. هذا الحديث اشتمل على ثلاث جمل. كل واحدة منها تحتها علم عظيم. اما الجملة الاولى فهي في بيان العقل اثاره وعلاماته وان العقل الممدوح في الكتاب والسنة هو قوة ونعمة انعم الله بها على العبد. يعقل بها الاشياء نافعة والعلوم والمعارف. ويتعقل بها. ويمتنع من الضارة والقبيحة. فهو ضروري للانسان. لا يستغني عنه في كل كل احواله الدينية والدنيوية. اذ به يعرف النافع والطريق اليه ويعرف الضار وكيفية السلامة منه. والعقل يعرف باثاره. فبين صلى الله عليه وعلى اله وسلم في هذا الحديث سارة الطيبة فقال لا عقل كالتدبير اي تدبير العبد لامور دينه ولامور دنياه. فتدبيره لامور دينه. ان يسعى في تعرف الصراط المستقيم. وما كان عليه النبي الكريم من الاخلاق والهدي سمت ثم يسعى في سلوكه بحالة منتظمة. كما قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم استعينوا بالغدوة والروحة وشيء من تلجه والقصد القصد تبلغ. وقد تقدم شرح هذا الحديث وبيانه الطريق الذي ارشد اليه رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم وانها طريق سهلة توصل الى الله والى دار كرامته بسهولة وراحة وانها لا تفوت على العبد من راحاته واموره الدنيوية في شيء بل يتمكن العبد معها من تحصيل المصلحتين والفوز بالسعادة والحياة الطيبة. فمتى دبر احواله الدينية بهذا الميزان الشرعي فقد كمل دينه وعقله. لان المطلوب من العقل ان يوصل صاحبه الى العواقب الحميدة من اقرب طريق وايسره واما تدبير المعاش فان العاقل يسعى في طلب الرزق بما يتضح له انه انفع له. واجدى عليه في حصول مقصوده ولا يتخبط في الاسباب خبط عشواء. لا يقر له قرار بل اذا رأى سببا فتح له باب رزق فليلزمه. وليثابر عليه وليجمل في الطلب. ففي هذا بركة مجربة. ثم تدبيرا اخر. وهو التدبير في التصريف والانفاق. فلا ينفق في طرق محرمة او طرق غير نافعة. او يسرف في النفقات مباحة او يقتر. وميزان ذلك قوله تعالى في مدح الاخيار والذين اذا لم يسرفوا ولم يقتروا قواما. فحسن التدبير في كسب الارزاق وحسن التدبير في الانفاق والتصريف والحفظ وتوابع ذلك على كمال عقل الانسان ورزانته ورشده. وضد ذلك دليل على صان عقله وانحراف لبه. الجملة الثانية قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. لا ورع كالكف فهذا حد جامع للورع. بين به صلى الله عليه وعلى آله وسلم ان الورع الحقيقي هو الذي يكف نفسه وقلبه ولسانه وجميع جوارحه عن الامور المحرمة الضارة. فكل ما قال له اهل العلم في تفسير الورع فانه يرجع الى هذا التفسير الواقع فاضح الجامع. فمن حفظ قلبه عن الشكوك والشبهات وعن الشهوات المحرمة والغل والحقد. وعن سائر مساوئ الاخلاق. وحفظ لسان عن الغيبة والنميمة والكذب والشتم. وعن كل اثم واذى وكل كلام محرم. وحفظ فرجه وبصره عن الحرام حفظ بطنه عن اكل الحرام. وجوارحه عن كسب الاثام. فهذا ها هو الورع حقيقة. ومن ضيع شيئا من ذلك نقص من ورعه بقدر ذلك ولهذا قال شيخ الاسلام الورع ترك ما يخشى ضرره في الاخرة اخيرة الجملة الثالثة قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولا حسبك حسن الخلق. وذلك ان الحسب مرتبة عالية عند الخلق. وصاحب الحسب له اعتبار بحسب ذلك وهو نوعان النوع الاول حسب يتعلق بنسب الانسان وشرف بيته وهذا النوع انما هو مدح لانه مظنة ان يكون صاحبه عاملا بمقتضى مترفعا عن الدنايا متحليا بالمكارم. فهو مقصود لغيره. واما النوع الثاني فهو الحسب الحقيقي الذي هو وصف للعبد. وجمال له وزينة. وخير في الدنيا والدين وهو حسن الخلق المحتوي على الحلم الواسع والصبر والعفو وبذل المعروف والاحسان. واحتمال الاساءة والاذى ومخالقة طبقات الناس بخلق حسن. وان شئت فقل حسن الخلق نوعان الاول حسن الخلق مع الله. وهو ان تتلقى احكامه الشرعية قدرية بالرضا والتسليم لحكمه. والانقياد لشرعه بطمأنينة ورضا وشكر لله على ما انعم به من الامر والتوفيق صبري على اقداره المؤلمة والرضا بها. الثاني حسن الخلق مع الخلق وهو بذل الندى واحتمال الاذى وكف الاذى كما قال تعالى خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة. ادفع وما يلقى فمن قام بحسن الخلق مع الله ومع الخلق فقد نال الخير والفلاح. والله اعلم. الحديث الحادي والسبعون. عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال جاء رجل فقال يا رسول الله اوصني. فقال لا تغضب. ثم ردد مرارا فقال لا تغضب. رواه البخاري. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الرجل ظن انها وصية بامر جزئي وهو يريد ان يوصيه النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم بكلام كلي ولهذا ردد فلما اعاد عليه النبي صلى الله عليه وعلى اله اله وسلم عرف ان هذا كلام جامع وهو كذلك. فان قوله لا تغضب يتضمن امرين عظيمين. احدهما الامر بفعل الاسباب والتمرن على حسن الخلق والحلم والصبر. وتوطين النفس على ما تصيب الانسان من الخلق. من الاذى القولي والفعلي. فاذا وفق لها العبد وورد عليه وارد الغضب. احتمله بحسن خلقه. وتلقى الله بحلمه وصبره. ومعرفته بحسن عواقبه. فان الامر بالشيء امر به وبما لا يتم الا به. والنهي عن الشيء امر وامر بفعل الاسباب التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه ان وهذا منه الثاني الامر بعد الغضب الا ينفذ غضبه فان الغضب غالبا لا يتمكن الانسان من دفعه ورده. ولكنه كانوا من عدم تنفيذه. فعليه اذا غضب ان يمنع نفسه من الاقوال والافعال المحرمة التي يقتضيها الغضب. فمتى منع نفسه من فعل اثار الغضب فكأنه في الحقيقة لم يغضب. وبهذا يكون العبد كاملا القوة العقلية والقوة القلبية. كما قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم ليس الشديد بالصرعة. انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب فكمال قوة العبد. ان يمتنع من ان تؤثر فيه قوة الشهوة وقوة الغضب والاثار السيئة. بل يصرف هاتين من قوتين الى تناول ما ينفع في الدين والدنيا. والى دفع ما يضر فيه فخير الناس من كانت شهوته وهواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله الله عليه وعلى اله وسلم. وغضبه ومدافعته في نصر الحق على الباطل. وشر الناس من كان صريع شهوته وغضبه ولا حول ولا قوة الا بالله. الحديث الثاني سبعون عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لا يدخل الجنة من كان فيها في قلبه مثقال ذرة من كبر. فقال رجل ان الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا. فقال ان الله يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواه مسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه قد اخبر الله تعالى ان نار مثوى المتكبرين. وفي هذا الحديث انه لا يدخل الجنة من كان فيها قلبه مثقال ذرة من كبر. فدل على ان الكبر موجب لدخول النار نار ومانع من دخول الجنة. وبهذا التفسير الذي ذكره النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. يتضح هذا المعنى غاية الاتضاح. فانه جعل الكبر نوعين. كبر على الحق وهو رده وعدم قبوله. فكل من رد الحق فانه مستكبر عنه بحسب ما رد من الحق. وذلك انه فرض على العباد ان يخضعوا للحق الذي ارسل الله به رسله. وانزل به كتبه فالمتكبرون عن الانقياد للرسل بالكلية كفار مخلدون في نار. فانه جاءهم الحق على ايدي الرسل. مؤيدا الآيات والبراهين. فقام الكبر في قلوبهم مانعا فردوه قال تعالى ان في صدورهن الا كبر واما المتكبرون الانقياد لبعض الحق الذي يخالف رأيهم وهواهم. فهم وان لم يكونوا كفارا فان معهم من موجبات العقاب بحسب ما معهم من الكبر وما تأثروا به من الامتناع عن قبول الحق. الذي تبين لهم بعد مجيء الشرع به. ولهذا اجمع العلماء ان من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لم يحل له ان يعدل عنها لقول احد. كائنا من الناس من كان فيجب على طالب العلم ان يعزم عزما جازما على تقديم قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم على قول كل احد وان يكون اصله الذي يرجع اليه الذي يبني عليه. الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم والاجتهاد في معرفة مراده. واتباعه في ذلك وباطنا. فمتى وفق في هذا الامر الجليل فقد وفق له الخير وصار خطأه معفوا عنه. لان قصده العامة اتباعه الشرع فالخطأ معذور فيه. اذا فعل مستطاعه من الاستدلال والاجتهاد في معرفة الحق. وهذا هو المتواضع للحق اما الكبر على الخلق وهو النوع الثاني فهو غمطهم واحتقارهم. وذلك ناشئ عن عجب الانسان بنفسه وتعاظمه عليهم. فالعجب نفسي يحمل على التكبر على الخلق. واحتقارهم والاستهزاء بهم بقوله وفعله. وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم ولما قال هذا الرجل ان الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله وحسنا وخشي ان يكون هذا من الكبر الذي جاء فيه الوعيد بين له النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان هذا ليس من الكبر اذا كان صاحبه منقادا للحق متواضعا للخلق وانه من الجمال الذي يحبه الله. فانه تعالى جميل في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله. يحب الجمال الظاهري جمال الباطني. فالجمال الظاهر كالنظافة في الجسد والملبس والمسكن وبع ذلك والجمال الباطن التجمل بمعالي الاخلاق واحاسنها ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اللهم اهدني لاحسن الاعمال والاخلاق. لا يهدي لاحسن الا انت واصرف عني سيء الاعمال والاخلاق. لا يصرف عني سيئها الا انت. والله اعلم. الحديث والثالث والسبعون. عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قد افلح من اسلم ورزق كفافا. وقنعه الله بما اتاه رواه مسلم. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه حكم صلى الله عليه وعلى اله وسلم بالفلاح لمن جمع هذه الخلافة قال الثلاث والفلاح اسم جامع لحصول كل مطلوب محبوب والسلامة من كل مخوف مرهوب. وذلك ان هذه الثلاث جماعة خير الدين والدنيا. فان العبد اذا هدي للاسلام الذي هو دين الله الذي لا يقبل دينا سواه. وهو مدار الفوز بالثواب النجاة من العقاب. وحصل له الرزق الذي يكفيه ويكف وجهه عن عن سؤال الخلق. ثم تمم الله عليه النعمة بان قنعه بما اتاه. اي حصل له الرضا بما اوتي من الرزق والكفن ولم تطمح نفسه لما وراء ذلك. فقد حصل له حسنة الدنيا والاخرة. فان النقص بفوات هذه الامور الثلاثة او احدها اما الا يهدى للاسلام فهذا مهما كان كانت حاله فان عاقبته الشقاوة الابدية. واما ان يهدى اسلام ولكنه يبتلى اما بفقر ينسي او غنى يطغي وكلاهما ضرر ونقص كبير. واما ان يحصل له الرزق الكافي موسعا او مقدرا. ولكنه لا يقنع برزق الله ولا يطمئن قلبه بما اتاه الله. فهذا فقير القلب والنفس فانه ليس الغنى عن كثرة العرض. انما الغنى غنى القلب فكم من صاحب ثروة وقلبه فقير متحسر. وكم من فقير اليد وقلبه غني راض قانع برزق الله. فالحازم اذا ضاقت عليه الدنيا لم يجمع على نفسه بين ضيقها وفقرها وبين فقر القلب وحسرته وحزنه. بل كما يسعى لتحصيل الرزق فليسعى لراحة القلب وسكونه وطمأنينته. والله اعلم الحديث الرابع والسبعون. عن ابي ايوب الانصاري رضي الله عنه انه قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله عظني واوجز فقال اذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع. ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدا. واجمع الاياس مما في ايدي الناس رواه احمد. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه. هذه وصايا الثلاث يا لها من وصايا. اذا اخذ بها العبد تمت اموره وافلح فالوصية الاولى تتضمن تكميل الصلاة بهدف ايقاعها على احسن الاحوال. وذلك بان يحاسب نفسه على كل صلاة يصليها وانه سيتم جميع ما فيها من واجب وفرض وسنة وان يتحقق بمقام الاحسان الذي هو اعلى المقامات وذلك بان يقوم اليها مستحضرا وقوفه بين يدي ربه وانه يناجيه بما يقوله من قراءة وذكر ودعاء ويخضع له في قيامه وركوعه. وسجوده وخفضه ورفعه ويعينه على هذا المقصد الجليل توطين نفسه على ذلك من غير تردد ولا كسل قلبي. ويستحضر في كل صلاة انها صلاة مودع. كأنه لا يصلي غيره ومعلوم ان المودع يجتهد اجتهادا يبذل فيه كل وسعه ولا يزال مستصحبا لهذه المعاني النافعة والاسباب قوية حتى يسهل عليه الامر ويتعود ذلك والصلاة على هذا الوجه تنهى صاحبها عن كل خلق رذيل تحثه على كل خلق جميل. لما تؤثره من زيادة الايمان ونور القلب وسروره. ورغبته التامة في الخير. وان ما الوصية الثانية فهي حفظ اللسان ومراقبته. فان حفظ اللسان عليه المدار. وهو ملاك امر العبد. فمتى ملك العبد لسانه ملك كجميع اعضائه. ومتى ملكه لسانه فلم يصنه عن الكلام الضار فان امره يختل في دينه ودنياه. فلا يتكلم كلام الا قد عرف نفعه في دينه او دنياه. وكل كلام يحتمل ان يكون فيه انتقاد او اعتذار فليدعه. فانه اذا تكلم به ملكه الكلام. وصار اسيرا له. وربما احدث عليه ضررا لا كانوا من تلافيه. واما الوصية الثالثة فهي طين النفس على التعلق بالله وحده. في امور معاشه ومعاده فلا يسأل الا الله. ولا يطمع الا في فضله نفسه على اليأس مما في ايدي الناس. فان اليأس عصمة. ومن ايس من شيء استغنى عنه. فكما انه لا يسأل بلسانه الا الله فلا يعلق قلبه الا بالله. فيبقى عبدا لله حقيقة سالما من عبودية الخلق. قد تحرر من رقهم. واكت بسبب ذلك العز والشرف. فان المتعلق بالخلق يكتسب الذل والسقوط وبحسب تعلقه بهم. والله اعلم. الحديث الخامس سبعون عن مصعب بن سعد ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم كما قال هل تنصرون وترزقون الا بضعفائكم واه البخاري. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث فيه انه لا ينبغي للاقوياء القادرين. ان يستهينوا الضعفاء العاجزين. لا في امور الجهاد والنصرة. ولا في امور بالرزق وعجزهم عن الكسب. بين الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. انه قد يحدث النصر على وبسط الرزق باسباب ضعفاء بتوجههم ودعائهم واستنصارهم واسترزاقهم وذلك ان الاسباب التي تحصل بها المقاصد نوعان. نوع يشاهد بالحس. وهو القوة بالشجاعة القولية والفعلية وبحصول الغنى والقدرة على الكسب. وهذا النوع هو الذي يغلب على قلوب وباكثر الخلق. ويعلقون به حصول النصر والرزق. حتى ووصلت الحال بكثير من اهل الجاهلية. ان يقتلوا اولادهم خشية فقر ووصلت بغيرهن الى ان يتضجروا بعوائلهم الذين عدم كسبهم وهم وفقدت قوتهم. وهذا كله قصر نظر وضعف ايمان وقلة ثقة بوعد الله وكفايته. ونظر للامور على غير حقيقتها. واما النوع الثاني اسباب معنوية وهي قوة التوكل على الله في حصول المطالب الدينية والدنيا وكمال الثقة به. وقوة التوجه اليه طلبي منه وهذه الامور تقوى جدا من الضعفاء العاجزين الذين الجأتهم الضرورة الى ان يعلموا حق العلم. ان ما كيفايتهم ورزقهم ونصرهم من عند الله. وانهم في غاية العجز فانكسرت قلوبهم وتوجهت الى الله. فانزل لهم من نصره ورزقه. من دفع المكاره وجلب المنافع. ما لا يدركه قادرون. ويسر للقادرين بسببهم من الرزق ما لم يكن لهم في حساب فان الله جعل لكل احد رزقا مقدرا وقد جعل ارزاق هؤلاء العاجزين على يد القادرين. واعان القادرين على ذلك وخصوصا من قويت ثقتهم بالله واطمأنت نفوسهم بثوابه. فان الله يفتح لهؤلاء من اسباب النصر والرزق ما لم يكن لهم ببال. ولا دار لهم في خيال. فكم من انسان ان كان رزقه مقترا. فلما كثرت عائلته والمتعلقون به وسع الله له الرزق من جهات واسباب شرعية قدرية الهية ومن جهة وعد الله الذي لا يخلف. وما انفقتم من شيء فهو يخلفه. وهو خير الرازقين. ومن جهة دعاء الملائكة كل صباح يوم اللهم اعط منفقا خلفا. واعط ممسكا تلفا ومن جهة ان ارزاق هؤلاء الضعفاء. توجهت الى من قام بهم وكانت على يده ومن جهة ان يد المعطي هي العليا من جميع الوجوه ومن جهة ان المعونة من الله تأتي على قدر المؤونة ان البركة تشارك كل ما كان لوجهه. ومرادا به ثوابه ولهذا نقول ومن جهة اخلاص العبد لله. وتقربه بقلبه ولسانه ويده. كلما انفق توجه الى الله وتقرب اليه وما كان له فهو مبارك. ومن جهة قوة التوكل المنفق وطمعه في فضل الله وبره. والطمع والرجاء من اكبر الاسباب لحصول المطلوب. ومن جهة دعاء المستضعفين المنفقين عليهم فانهم يدعون الله ان قاموا وقعدوا وفي كل احوالهم لمن قام بكفايتهم. والدعاء سبب قوي. وقال وكل هذا مجرب نشاهد فتبا للمحرومين وما اجل ربح الموفقين. والله هو اعلم الحديث السادس والسبعون. عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يضحك الله الى رجلين يقتل احدهما الاخر يدخلا الجنة. يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل. ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيستشهد. متفق عليه قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث يدل على كرم الكريم. وان كرمه وفضله متنوع من وجوه لا تعد ولا تحصى ولا يدخل في عقول الخلق وخواطرهم فهذان الرجلان اللذان قتل احدهما الاخر. قيض الله لي لكل منهما من فضله وكرمه سببا اوصله الى الجنة فالاول قاتل في سبيله. واكرمه الله على يد الرجل الاخر اخر الذي لم يسلم بعد. بالشهادة التي هي اعلى المراتب بعد مرة مرتبة الصديقين. وغرضه في جهاده اعلاء كلمة الله والتقرب الى ربه بذلك. فاجره على الله. وليس له انا القاتل حق. فثبت اجره على الله. واما الاخر فان الله تعالى جعل باب التوبة مفتوحا لكل من اراد التوبة بالاسلام وما دونه. ولم يجعل ذنبا من الذنوب مانعا من قبول التوبة كما قال تعالى في حق التائبين بادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة ان الله يغفر الذنوب جميعا فلما اسلمت وتاب محى عنه الكفر واثاره كلها. ثم من عليه بالشهادة دخل الجنة. كاخيه الذي قتله واكرمه على يده ولم يهنه على يد اخيه بقتله وهو كافر. فهذا الضحك من الباري يدل على غاية كرمه وجوده وتنوع بره وهذا الضحك الوارد في هذا الحديث وفي غيره من النصوص كغيره من من صفات الله على المؤمن ان يعترف بذلك ويؤمن به وانه حق على حقيقته. وان صفاته صفات كما ليس له فيها مثل ولا شبه ولا ند. فكما ان لله ذاتا لا تشبهها الذوات. فله تعالى صفات لا تشبه الصفات وكلها صفات حمد ومجد وتعظيم. وجلاء وجمال وكمال. فنؤمن بما جاء به الكتاب والسنة من صفات ربنا ونعلم انه لا يتم الايمان التوحيد الا باثباتها على وجه يليق بعظمة الله وكبريائه ومجده وهذا الحديث من جملة الاحاديث المرغبة في دخولي في الاسلام. وفتح ابواب التوبة بكل وسيلة فان الاسلام يجب ما قبله. وما عمله الانسان في حال كفره وقد اسلم على ما اسلم. حتى الرقاب التي قتلها نصره بباطله. والاموال التي استولى عليها من اجل ذلك. كل ذلك معفو عنه بعد الاسلام. وقولنا من اجل ذلك احتراز عن الحقوق التي اقتضتها المعاملات بين المسلمين والكفار فان الكافر اذا اسلم وعليه حقوق وديون واعيان اخذها وحصلت له بسبب المعاملة. فان الاسلام لا يسقطها. لانها معاملات مشتركة بين الناس برهم وفاجرهم مسلمهم وكافرهم. بخلاف القسم الاول فان كلا من الطرفين المسلمين والكفار اذا حصلت الحراب تاب عليه قتل واخذ مال لا يرد الا طوعا وتبرعا ممن وصل اليه والله اعلم. ويشبه هذا من بعض الوجوه قتال اهل البغي لاهل العدل. حيث لم يضم منهم العلماء ما اتلفهم حال الحرب من نفوس واموال للتأويل. كما اجمع على ملك الصحابة رضي الله عنهم حين وقعت الفتنة. فاجمعوا على ان ما تلف من نفوس واتلف من اموال. ليس فيه ضمان من طرفين وفي قوله ثم يتوب الله على الاخر فيسلم دليل على ان توبة الله على من اسلم او تاب من ذنوبه فيه متقدمة على توبة العبد. فانه تعالى اذن في توبته وقدرها ولطف به. اذ قيد له الاسباب الموجبة لتوبته فتاب العبد. ثم تاب الله عليه بعد ذلك بانحى عنهما سبق من الجرائم الكفر فما دونه فتوبة العبد محفوفة بتوبتين. تفضل بهما عليه ربه اذنه له وتقديره وتيسيره للتوبة حتى تاب. ثم وقبول توبته ومحو زلته. فهو تعالى التواب الرحيم والتوبة من اجل الطاعات واعظمها. فهذا الحكم ثابت في جميع الطاعات كلها. يوفق الله لها العبد اولا وييسر له اسبابها ويسهل له طرقها. ثم اذا فعلها المطيع قبلها وكتب له بها رضوانه وثوابه. فما اوسع فضل الكريم وما اغزر كرمه المتنوع العميم. والله اعلم الحديث السابع والسبعون. عن انس رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لا يتمنين احدكم الموت لضر اصابه. فان كان لا بد فاعلا فليقل اللهم احيني ما كانت الحياة خيرا لي. وتوف فاني اذا كانت الوفاة خيرا لي. متفق عليه. قال الشيخ شيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا نهي عن تمني الموت الذي ينزل بالعبد من مرض او فقر او خوف او وقوع فيه في شدة ومهلكة. او نحوها من الاشياء. فان في تمني الموت لذلك مفاسد. منها انه يؤذن بالتسخط والتضجر من التي اصيب بها وهو مأمور بالصبر والقيام بوظيفة ومعلوم ان تمني الموت ينافي ذلك ومنها انه يضعف النفس ويحدث الخور والكسل. ويو في اليأس. والمطلوب من العبد مقاومة هذه الامور والسعي في اضعافها وتخفيفها بحسب اقتداره. وان يكون هنا معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به. وذلك موجب لامرين. اللطف الالهي لمن اتى بالاسباب المأمور بها والسعي النافع الذي يوجبه قوة القلب ورجائه ومنها ان الموت جهل وحمق فانه لا يدري ما يكون بعد الموت. فربما كان كالمستجير من الضر الى ما هو افظع منه. عذاب البرزخ واهواله ومنها ان الموت يقطع على العبد الاعمال الصالحة. التي هو فعلها والقيام بها. وبقية عمر المؤمن لا قيمة له فكيف يتمنى انقطاع عمل الذرة منه خير من الدنيا وما عليها واخص من هذا العموم قيامه بالصبر على الضر الذي اصابه فان الله يوفي الصابرين اجرهم بغير حساب ولهذا قال في اخر الحديث فان كان لا بد فاعلا فليقل اللهم احيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني اذا كانت الوفاة خيرا لي. فيجعل العبد الامر مفوضا ما فيه الخير والصلاح له. الذي يعلم من مصالح عبده ما لا يعلم العبد. ويريد له من الخير فيما لا يريده. ويلطف به في بلائه كما يلطف به في نعمان والفرق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. لا يقل احدكم اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني ان شئت. ولكن ليعزمني المسألة فان الله لا مكره له. ان المذكور في هذا الحديث الذي فيه تليق بعلم الله وارادته. هو في الامور المعينة التي لا يدري العبد عن عاقبتها ومصلحتها. واما المذكور في الحي الاخر فهي الامور التي يعلم مصلحتها. بل صورتها وحاجة كل عبد اليها. وهي مغفرة الله ونحوها. فان العبد يسألها ويطلبها من ربه جازما. لا معلقا بالمشيئة وغيرها. لانه ومأمور ومحتم عليه السعي فيها. وفي جميع ما يتوسل اليه فيها وهذا كالفرق بين فعل الواجبات والمستحبات الثابت يأمر بها فان العبد يؤمر بفعلها امر ايجاب او استحباب وبين بعض الامور المعينة. التي لا يدري العبد عن حقيقتها ومصلحتها. فانه يتوقف حتى يتضح له الامر فيه واستثنى كثير من اهل العلم من هذا جواز تمني الموت خوفا من الفتنة. وجعلوا من هذا قول مريم رضي الله عنها بعضهم تمني الموت شوقا الى الله. وجعلوا منه قول يوسف صلى الله الله عليه وسلم انت وليي في الاخرة يراه توفني مسلما والحقني بالصالحين وفي هذا نظر فان يوسف لم يتمنى الموت وانما سأل الله الثبات على الاسلام حتى يتوفاه مسلما كما يسأل العبد ربه حسن الخاتمة. والله اعلم الحديث الثامن والسبعون. عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه انه وقال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان الدنيا حلوة خضرة. وان الله مستخلفكم فيه فيها فينظر كيف تعملون. فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فان اول فتنة بني اسرائيل كانت في النساء. رواه ومسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه اخبر وصلى الله عليه وعلى اله وسلم في هذا الحديث بحال الدنيا وما هي عليه من الوصف الذي يروق الناظرين والذائقين ثم اخبر ان الله جعلها محنة وابتلاء للعباد. ثم بفعل الاسباب التي تقي من الوقوع في فتنتها. فاخبار بانها حلوة خضرة. يعم اوصافها التي هي عليها فهي حلوة في مذاقها وطعمها ولذاتها وشهواتها فيها خضرة في رونقها وحسنها الظاهر. كما قالت تعالى زين للناس حب الشهوات من نساء والبنين والقناطير. والقناص فطير المقاطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والخيل المسومة والانعام والحرف وقال تعالى انا جعلنا ما على الارض ايهم عملا فهذه اللذات المنوعة فيها والمناظر البهيجة جعلها الله ابتلاء منه وامتحانا. واستخلف فيها العباد لينظر كيف فيعملون فمن تناولها من حلها ووضعها في حقها واستعان بها على ما خلق له من القيام بعبودية الله كانت زادا له وراحلة الى دار اشرف منها وابقى وتمت له السعادة الدنيوية والاخروية. ومن جعلها اكبر همه وغاية علمه ومراده. لم يؤت منها الا ما كتب له وكان مآله بعد ذلك الى الشقاء. ولم يهنأ بلذة ذاتها ولا شهواتها الا مدة قليلة. فكانت لذاته قليلة واحزانه طويلة. وكل نوع من لذات فيه هذه الفتنة والاختبار. ولكن ابلغ ما يكون واشد فتنة النساء. فان فتنتهن عظيمة والوقوع فيها خطير وضررها كبير. فانهن مصايد الشيطان وحبائله. كم صاد بهن من معافى؟ فاصبح اسير شهوته رهين ذنبه. قد عز عليه الخلاص. والذنب ذنبه فانه الذي لم يحترز من هذه البلية. والا فلو خرج منها ولم يدخل مداخل التهم ولا تعرض للبلاء واستعان باعتصامه بالمولى لنجى من هذه الفتنة وخلص من هذه محنة ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم في هذا الحديث منها على الخصوص. واخبر بما جرت على من بالله انا من الامم. فان في ذلك عبرة للمعتبرين عظة للمتقين. والله اعلم. الحديث التاسع والسبعون عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله الله عليه وعلى اله وسلم. الايمان بضع وسبعون او بضع تون شعبة. اعلاها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق. والحياء شعبة من الايمان متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث من جملة النصوص. الدالة على ان الايمان اسم يشمل عقائد القلب واعماله. واعمال الجوارح واقوال فكل ما يقرب الى الله وما يحبه ويرضاه من واجب مستحب فانه داخل في الايمان. وذكر هنا الا هو ادناه. وما بين ذلك وهو الحياء. ولعله ذكر والحياء لانه السبب الاقوال القيام بجميع شعب الايمان فان من استحيا من الله نعمه وسوابغ كرمه وتجليه عليه باسمائه الحسنى. والعبد مع هذا كثير التقصير. مع هذا الرب الجليل الكبير. يظلم نفسه ويجني عليه عليها اوجب له هذا الحياء من الجرائم. والقيام بالواجبات والمستحبات. فاعلى هذه الشعب واصلها واساسها ما قول لا اله الا الله. صادقا من قلبه حيث يعلم ويوقن انه لا يستحق هذا الوصف العظيم. وهو الالوهية الا الله وحده. فانه هو ربه الذي يربيه ويربي في جميع العالمين بفضله واحسانه. والكل فقير وهو الغني والكل عاجز وهو القوي. ثم يقوم في كل احد احواله بعبوديته لربه مخلصا له الدين. فان جميع والمعاملة ما يحب ان يعاملوه به. فهذا هذا هو الميزان الصحيح للاحسان وللنصح. فكل امر اشكل عليك مما تعامل به الناس فانظر هل تحب ان يعاملوك بتلك المعاملة ام لا فان كنت تحب مع شعب الايمان فروع وثمرات لهذا الاصل. ودل على ان شعب الايمان بعضها يرجع الى الاخلاص للمعبود الحق ابعضها يرجع الى الاحسان الى الخلق. ونبه باماطة الاذى على جميع بانواع الاحسان والفعلي. الاحسان الذي فيه وصول المنال والاحسان الذي فيه دفع المضار عن الخلق. واذا علمنا ان شعب الايمان كلها ترجع الى هذه الامور. علم ان كل خصلة من خصال الخير فهي من الشعب. وقد تكلم العلماء على تعيينها. فمنهم من وصل الى هذا مبلغ المقدر في الحديث ومنهم من قارب ذلك. ولكن اذا فهم المعنى تمكن الانسان ان يعتد بكل خصلة وردت عن الشيء شارع قولية او فعلية ظاهرة او باطنة من الشعب ونصيب العبد من الايمان بقدر نصيبه من هذه الخصال قلة وكثرة وقوة وضعفا وتكميلا وضده. وهي ترجع الى تصديق خبر الله وخبر رسوله. وامتثال امرهما اجتناب نهيهما. وقد وصف الله الايمان بالشجرة الطيبة في اصلها وثمراتها التي اصلها ثابت. وفروعها باسقة في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتفكرون. والله اعلم الحديث الثمانون. عن عدي بن حاتم رضي الله عنه ان انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ما منكم من احد الا ربه. ليس بينه وبينه ترجمان. فينظر ايمن منه فلا يرى الا ما قدم وينظر اشأم منه فلا يرى الا ما قدم انظروا بين يديه فلا يرى الا النار تلقاء وجهه. فاتقوا النار لو بشق تمرة. فمن لم يجد فبكلمة طيبة. متفق عليه قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا حديث عظيم تضمن من عظمة الباري ما لا تحيط به العقول ولا تعبر عنه السن اخبر صلى الله عليه وعلى اله وسلم فيه ان جميع الخلق سيكلمهم الله مباشرة. من دون ترجمان وانا واسطة. ويسألهم عن جميع اعمالهم خيرها وشرها دقيقها وجليلها. سابقها ولاحقها ما علمه العباد وما نسوه منها. وذلك انه لعظمته كبريائه كما يخلقهم ويرزقهم في ساعة واحدة. ويبعث في ساعة واحدة فانه يحاسبهم جميعهم في ساعة واحدة واحدة فتبارك من له العظمة والمجد والملك العظيم والجلال وفي هذه الحالة التي يحاسبهم فيها ليس مع العبد انصار ولا اعوان ولا اولاد ولا اموال قد جاءه فردا كما خلقه اول مرة. قد احاطت به اعماله تطلب الجزاء بالخير او الشر. من امامه وشماله وامامهن لابد له من ورودها. فهل الى صدوره منها سبيل لا سبيل الى ذلك الا برحمة الله وبما قدمت يداه من الاعمال المنجية منها. ولهذا حث النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم امته. على اتقاء النار ولو بالشيء اليسير. كشق تمرة. فمن لم يجد فبكلمة طيبة وفي هذا الحديث ان من اعظم المنجيات من النار الاحسان الى الخلق بالمال والاقوال. وان العبد لا ينبغي له ان يحتقر من المعروف ولو شيئا قليلا. والكلمة الطيبة تشمل النصيحة للخلق بتعليمهم ما يجهلون. وارشادهم الى الى مصالحهم الدينية والدنيوية. وتشمل الكلام المسر للقلوب الحديث الثالث والثمانون. عن انس بن مالك رضي الله الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لم من احب ان يبسط له في رزقه وينسأ له في قلوب الشارحة للصدور. المقارن للبشاشة والبشر وتشمل الذكر لله والثناء عليه. وذكر احكامه وشرائعه فكل كلام يقرب الى الله ويحصل به النفع لعباد الله فهو داخل في الكلمة الطيبة. قال تعالى اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وقال تعالى والباقيات الصالحات فهي كل عمل وقول يقرب الى الله. ويحصل به النفع لخلقه والله اعلم الحديث الحادي والثمانون عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم انه قال دعوني ما تركتكم فانما اهلك من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم فاذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه. واذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم. متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذه الاسئلة التي نهى النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم انهاء هي التي نهى الله عنها في قوله يا ايها الذين امنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبدلكم وهي التي تسأل عن اشياء من امور الغيب او من الامور التي عفا الله عنها. فلم يحرمها ولم يوجبها فيسأل السائل عنها وقت نزول الوحي والتشريع. فربما ما وجبت بسبب السؤال. وربما حرمت كذلك. فيدخل السائل في قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم اعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من اجل مسألته وكذلك نهي عن سؤال التعنت والاغلوطات. وينهى ايضا عن عن الامور الطفيفة غير المهمة. ويدع السؤال عن الامور المهمة فهذه الاسئلة وما اشبهها هي التي نهى الشارع عنها واما السؤال على وجه الاسترشاد عن المسائل الدينية من اصول وفروع. عبادات او معاملات. فهي مما امر الله بها ورسوله ومما حث عليها. وهي الوسيلة لتعلم علوم وادراك الحقائق. قال تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون اسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا الهتين يعبدون الى غيرها من الايات. وقال صلى الله عليه وعلى اله وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. وذا بسلوك طريق التفقه في الدين دراسة وتعلما وسؤالا قال الا سألوا اذ لم يعلموا فانما شفاء العي السؤال قد امر الله بالرفق بالسائل واعطائه مطلوبة. وعدم التضجر منه فقال في سورة الضحى واما فهذا يشمل السائل عن العلوم النافعة. والسائل ما يحتاجه من امور الدنيا من مال وغيره. ومما يدخل قولوا في هذا الحديث السؤال عن كيفية صفات الباري. فان الامر في الصفات كلها كما قال الامام مالك. لمن سأله وعن كيفية الاستواء على العرش فقال الاستواء معلوم كيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة فمن سأل عن كيفية علم الله او كيفية خلقه وتدبيره قيل فكما ان ذات الله تعالى لا تشبهها الذوات فصفات لا تشبهها الصفات. فالخلق يعرفون الله. ويعرفون ما عرف لهم به من صفاته وافعاله. واما كيفية ذلك فلا يعلم له الا الله. ثم ذكر صلى الله عليه وعلى اله سلم في هذا الحديث اصلين عظيمين. احدهما قوله صلى الله الله عليه وعلى اله وسلم فاذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه فكل ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم من الاقوال والافعال الظاهرة والباطنة وجب تركه والكف عنه امتثالا وطاعة لله ورسوله. ولم يقل في النهي فاجتنبوا منه ما استطعتم. كما قال في الامر. فان النهي فهو كف النفس. وهو مقدور لكل احد. فكل احد يقدر على ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله. ولم يضطر الله العباد اليه لا شيء من المحرمات المطلقة. فان الحلال واسع. يسع جميع الخلق في عباداتهم ومعاملاتهم وجميع تصرفاتهم واما اباحة الميتة والدم ولحم الخنزير للمضطر. فانه في هذه قالت الملجئة اليه قد صار من جنس الحلال. فان الضرورات تبيح محظورات فتصيرها الضرورة مباحة. لانه تعالى انما حرم المحرمات حفظا لعباده. وصيانة لهم عن الشرور المفاسد ومصلحة لهم. فاذا قاومت ذلك مصلحة اعظم وهو وبقاء النفس. قدمت هذه على تلك رحمة من الله واحسانا وليست الادوية من هذا الباب. فان الدواء الا يدخل في باب الضرورات. فان الله تعالى يشفي المبتلى باسباب متنوعة. لا تتعين في الدواء. وان كان الدواء يغلب على الشفاء به. فانه لا يحل التداوي بالمحرمات كالخمر والبان الحمر الاهلية. واصناف المحرمات. بخلاف في المضطر الى اكل الميتة. فانه يتيقن انه اذا لم يأكل من ها يموت. الاصل الثاني قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم واذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم وهذا اصل كبير دل عليه ايضا قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. فاوامر الشريعة كلها معلقة بقدرة العبد واستطاعته. فاذا لم يقدر على واجب من الواجبات بالكلية. سقط عنه وجوبه. واذا قدر على وذلك البعض عبادة. وجب ما يقدر عليه منه. وسقط عنه انه ما يعجز عنه. ويدخل في هذا من مسائل الفقه والاحكام ما لا يعد ولا يحصى. فيصلي المريض قائما فان لم يستطع صلى قاعدا. فان لم يستطع صلى على جنبه فان لم يستطع الايماء برأسه او مأ بطرفه. ويصوم العبد ما دام قادرا عليه فان اعجزه مرض لا يرجى زواله. اطعم عن كل يوم من مسكينا وان كان مرضا يرجى زواله افطر. وقضى عدته من ايام اخر. ومن ذلك من عجز عن سترة الصلاة الواجبة او عن الاستقبال او توق النجاسة. سقط عنهما عجز عنه وكذلك بقية شروط الصلاة واركانها وشروط الطهارة. ومن تعذرت عليه الطهارة بالماء للعدم. او للضرر في جميع الطهارة او بعضها. عدل الى طهارة التيمم. والمعضوب في الحج عليه ان يستنيب من يحج عنه. اذا كان قادرا على ذلك بماله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. يجب على من قدر عليه باليد ثم باللسان ثم بالقلب. وليس على الاعمى والاعرج والمريض حرام في ترك العبادات التي يعجزون عنها. وتشق عليهم مشقة غير محتملة. ومن عليه نفقة واجبة وعجز عن جميعها بدأ بزوجته فرقيقه فالولد فالوالدين فالاقرب ثم الاقرب. وكذلك الفطرة. وهكذا ما امر به العبد امر ايجاب او استحباب. اذا قدر على بعضه عجز عن باقيه. وجب عليه ما يقدر عليه. وسقط عنهما عجز عنه وكلها داخلة في هذا الحديث. ومسائل القرعة لها دخول في هذا الاصل. لان الامور اذا اشتبهت لمن هي ومن احق بها رجعنا الى المرجحات. فان تعذر الترجيح من كل وجه سقط هذا الواجب للعجز عنه. وعدل الى القرعة التي هي غاية ما يمكن. وهي مسائل كثيرة معروفة في كتب الفقه والولايات كلها صغارها وكبارها. تدخل تحت هذا الاصل فان كل ولاية يجب فيها تولية المتصف بالاوصاف متى يحصل بها مقصود الولاية؟ فان تعذرت كلها وجب فيها فيها تولية الامثل فالامثل. وكما يستدل على هذا الاصل بتلك الاية وذلك الحديث. فانه يستدل عليها بالايات والاحاديث التي نفى الله ورسوله فيها الحرج عن الامة. كقوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها لينفق ذو سعة من سعته. ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها وما جعل عليكم في الدين من حرج بكم العسر. يريد الله ان ان يخفف عنكم. فالتخفيفات الشرعية في سادات وغيرها بجميع انواعها. داخلة في هذا الاصل معنا يستدل على هذا بما لله تعالى من الاسماء والصفات المقتضية لذلك. كالحمد والحكمة والرحمة الواسعة واللطف والكرم والامتنان. فان اثار هذه الاسماء الجليلة الجميلة كما هي سابقة وافرة واسعة في المخلوقات والتدبيرات فهي كذلك في الشرائع. بل اعظم لانها هي الغاية في الخلق وهي الوسيلة العظمى للسعادة الابدية. فالله تعالى خلق المكلفين ليقوموا بعبوديته. وجعل عبودية والقيام بشرعه طريقا الى نيل رضاه وكرامته. كما قال تعالى على بعدما شرع الطهارة بانواعها الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد. ولا ليطهركم وليتم نعمته عليكم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون فظهرت اثار رحمته ونعمته في الشرعيات والمباحات كما ظهرت في الموجودات. فله تعالى اتم الحمد واعلاه. واوفر الشكر والثناء واغلاه. وغاية الحب عظيم ومنتهاه. وبالله التوفيق. الحديث الثاني ثمانون عن جرير بن عبدالله رضي الله عنهما انه قال قال رسول الله الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. من لا يرحم الناس لا يرحمه الله متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه يدل هذا الحديث بمنطوقه على ان من لا يرحم الناس لا يرحمه الله وبمفهومه على ان من يرحم الناس يرحمه الله كما قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم في الحديث الاخر. الراحم يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء لمنقلبون. اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى. اللهم هون علينا سفرنا هذا. واطو في عنا بعده. اللهم انت الصاحب في السفر. والخليفة في الاهل فرحمة العبد للخلق من اكبر الاسباب التي تنال بها رحمة الله التي من اثارها خيرات الدنيا وخيرات الاخرة وفقدها من اكبر القواطع والموانع لرحمة الله. والعبد في في غاية الضرورة والافتقار الى رحمة الله. لا يستغني عنها طرفة عين عين وكل ما هو فيه من النعم واندفاع النقم من رحمة الله فمتى اراد ان يستبقيها ويستزيد منها فليعمل جميع التي تنال بها رحمته. وتجتمع كلها في قوله تعالى ان رحمة الله قريب من المحسنين وهم المحسنون في عبادة الله. المحسنون الى والاحسان الى الخلق اثر من اثار رحمة العبد بهم والرحمة التي يتصف بها العبد نوعان. رحمة غريزية قد جبل الله بعض العباد عليها. وجعل في قلوبهم الرأفة والرحمة والحنان على الخلق. وفعلوا بمقتضى هذه الرحمة جميع ما يقدرون عليه من نفعهم بحسب استطاعتهم. فهم محمودون مثابون على ما اقاموا به. معذورون على ما عجزوا عنه. وربما الله لهم بنياتهم الصادقة. ما عجزت عنه قواهم الثاني رحمة يكتسبها العبد بسلوكه كل طريق ووسيلة تجعل قلبه على هذا الوصف. فيعلم العبد ان هذا الوصف من اجل في مكارم الاخلاق واكملها. فيجاهد نفسه على وفي به ويعلم ما رتب الله عليه من الثواب. وما في فوته من حرمان الثواب. فيرغب في فضل ربه. ويسعى بالسبب الذي ينال به ذلك. ويعلم ان الجزاء من جنس العمل. ويعلم اعلموا ان الاخوة الدينية والمحبة الايمانية. قد عقدها الله وهو ربطها بين المؤمنين. وامرهم ان يكونوا اخوانا متحابين وان ينبذوا كل ما ينافي ذلك من البغضاء والعداوات والتدابر فلا يزال العبد يتعرف الاسباب التي يدرك بها هذا الوصف الجليل ويجتهد في التحقق به. حتى يمتلئ قلبه من الرحمة والحنان على الخلق. ويا حبذا هذا الخلق الفاضل. والوصف الجليل قيل الكامل وهذه الرحمة التي في القلوب تظهر اثارها على الجوارح واللسان. في السعي في ايصال البر والخير والمنافع الى وازالة الاضرار والمكاره عنهم. وعلامة الرحمة الموجودة في قلب العبد ان يكون محبا لوصول الخير لكافة الخلق وللمؤمنين خصوصا. كارها حصول الشر والضرر عليهم فبقدر هذه المحبة والكراهة تكون رحمته فمن اصيب حبيبه بموت او غيره من المصائب. فان كان حزنه عليه رحمة فهو محمود. ولا ينافي الصبر والرضا. لانه صلى الله الله عليه وعلى اله وسلم لما بكى لموت ولد ابنته. قال له سعد ما هذا يا رسول الله؟ فاتبع ذلك بعبرة اخرى وقال هذه رحمة يجعلها الله في قلوب عباده انما يرحم الله من عباده الرحماء. وقال عند موت ابنه ابراهيم القلب يحزن. والعين تدمع. ولا نقول الا ما ايرضي ربنا وانا لفراقك يا ابراهيم لمحزونون وكذلك رحمة الاطفال الصغار والرقة عليهم. وادخال السرور عليهم من الرحمة واما عدم المبالاة بهم وعدم الرقة عليهم. فمن الجفاء والغلظة والقسوة. كما قال بعض جفاة الاعراب حين رأى النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم واصحابه يقبلون اولاده الصغار. فقال ذلك الاعرابي. ان لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم. فقال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اواملك لك شيئا ان نزع الله من قلبك الرحمة ومن الرحمة رحمة المرأة البغي حين سقت الكلب الذي كاد يأكل الثرى من العطش. فغفر الله لها بسبب تلك الرحمة وضدها تعذيب المرأة التي ربطت الهرة. لا ها هي اطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الارض حتى مات ومن ذلك ما هو مشاهد مجرب. ان من احسن الى اهائمه بالاطعام والسقي والملاحظة النافعة. ان الله يبارك ريك له فيها. ومن اساء اليها عوقب في الدنيا قبل قبل الاخرة. وقال تعالى انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد فكأنما قتلن الناس جميعا ومن احياها وذلك لما في قلب الاول من القسوة والغلظة والشر. وما في قلب الاخر من الرحمة والرقة والرأفة. اذ هو بصدد احياء كل من قدرة على احياءه من الناس. كما ان ما في قلب الاول من القسوة مستعد لقتل النفوس كلها. فنسأل الله ان يجعل في قلوبنا رحمة. توجب لنا سلوك كل باب من ابواب رحمة الله ونحن بها على جميع خلق الله. وان جعلها موصلة لنا الى رحمته وكرامته. انه جواد كريم فليصل رحمه. متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه. هذا الحديث فيه الحث على صلة الرحم وبيان انها كما انها موجبة لرضى الله وثوابه في الاخرة فانها موجبة للثواب العاجل. بحصول احب الامور للعباد وانها سبب لبسط الرزق وتوسيعه وسبب لطول العمر وذلك حق على حقيقته. فانه تعالى هو الخالق للاسر بابي ومسبباتها. وقد جعل الله لكل مطلوب سببا طريقا ينال به. وهذا جار على الاصل الكبير. وانه من حكمته وحمده جعل الجزاء من جنس العمل. فكما وصل رحمه بالبر والاحسان المتنوع. وادخل على قلوبهم سرور وصل الله عمره ووصل رزقه. وفتح له من ابواب الرزق وبركاته. ما لا يحصل له بدون هذا السبب الجليل وكما ان الصحة وطيب الهواء وطيب الغذاء واستعمال الامور المقوية للابدان والقلوب. من اسباب طول العمر فكذلك صلة الرحم جعلها الله سببا ربانيا فان الاسباب التي تحصل بها المحبوبات الدنيوية قسمان امور محسوسة. تدخل في ادراك الحواس ومدارك العقول وامور ربانية الهية. قدرها من هو على كل شيء شيء قدير. ومن جميع الاسباب وامور العالم منقادة لمشيئته ومن تكفل بالكفاية للمتوكلين. ووعد الرزق والخروج من المضايق للمتقين. قال تعالى ومن ويرزقه من واذا كان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اقول ما نقصت صدقة من مال. بل تزيده. فكيف بالصدقة والهدية على اقاربه وارحامه. وفي هذا الحديث دليل على آآ ان قصد العامل ما يترتب على عمله من ثواب الدنيا. لا يضر اذا كان القصد وجه الله والدار الاخرة. فان الله بحكمة ورحمته رتب الثواب العاجل والاجل. ووعد بذلك كالعاملين. لان الامل واستشعار ذلك ينشط العاملين. وي ابعثوا همم على الخير. كما ان الوعيد على الجرائم وذكر عقوبات فيها مما يخوف الله به عباده. ويبعثهم على ترك الذنوب جرائم فالمؤمن الصادق يكون في فعله وتركه مخلصا لله مستعينا بما في الاعمال من المرغبات المتنوعة على هذا المقصد الاعلى. والله الموفق. الحديث الرابع والثمانون عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. المرء مع من من احب متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث فيه الحث على قوة محبة الرسل. واتباعهم بحسب بمراتبهم. والتحذير من محبة ضدهم فان المحبة دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه ومناسبته لاخلاقه واقتداءه به. فهي دليل على وجود ذلك وهي ايضا باعثة على ذلك. وايضا من احب الله تعالى فان نفس محبته من اعظم ما يقربه الى الله. فان الله تعالى شكور. يعطي المتقرب اعظم باضعاف مضاعفة مما ومن شكره تعالى ان يلحقه بمن احب وان قصر عمله. قال تعالى ومن يطع الله ورسوله رسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين. وحسن اولئك رفيقا. ولهذا قال انس وما فرحنا بشيء فرحنا بقوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم المرء مع من احب. قال فانا احب رسول الله وابا بكر وعمر فارجو ان اكون معهم. وقال تعالى جنات عدن والذين امنوا الحقنا بهم وهذا مشاهد مجرب اذا احب العبد اهل الخير رأيته منضما اليهم. حريصا على ان يكون مثلك لهم واذا احب اهل الشر انضم اليهم وعمل باعمالهم. وقال صلى الله عليه وعلى اله وسلم. المرء على دين خليله. فلينظر واحدكم من يخالل. ومثل الجليس الصالح كحامل المسك. اما ان واما ان تبتاع منه. واما ان تجد منه رائحة طيبة ومثل الجليس السوء كنافخ الكير. اما ان يحرق ثيابك واما ان تجد منه رائحة خبيثة. واذا كان هذا في محبة الخير القي فيما بينهم. فكيف بمن احب الله وقدم محبته وخشيته على كل شيء. فانه مع الله. وقد حصل له القرب املوا منه وهو قرب المحبين. وكان الله معه. فا ان الله مع الذين اتقوا والذين هم واعلى انواع الاحسان محبة الرحيم الكريم الرحمن محبة مقرونة بمعرفته. فنسأل الله ان يرزقنا حبه وحب من يحبه. وحب العمل الذي يقرب الى حبه. انه جواد كريم. وبالله التوفيق. الحديث الخامس والثمانون. عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. كان اذا استوى على بعيره خارجا الى سفر. كبر ثلاثا ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وانا الى اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر. وكآبة المنظر. وسوء المنقلب طلبي في المال والاهل والولد. واذا رجع قالهن وزاد فيهن تائبون عابدون لربنا حامدون. رواه مسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث فيه فوائد عظيمة تتعلق بالسفر. وقد اشتملت هذه الادعية على طلب مصائب التي هي اهم الامور. ومصالح الدنيا وعلى حصول المحاب ودفع المكاره والمضار. وعلى شكر نعم الله والتذكر لالائه وكرمه. واشتمال السفر على طاعة الله وما قربوا اليه. فقوله كان اذا استوى على راحلته خارجا الى سفري من كبر ثلاثا هو افتتاح لسفره بتكبير الله والثناء عليه كما كان يختمه بذلك. وقوله سبحان الذي سخر ولنا هذا وما كنا له مقرنين. وانا الى ربنا لمنقلبون فيه الثناء على الله بتسخيره للمركوبات تحمل الاثقال والنفوس الى البلاد النائية. والاقطار الشاسعة واعتراف بنعمة الله بالمركوبات. وهذا يدخل فيه المركوبات من الابل ومن السفن البحرية والبرية والهوائية. فكلها تدخل في هذا ولهذا قال نوح صلى الله عليه وسلم للراكبين معه في السفينة اركبوا فيها بسم الله في مجريها ومرساها. فهذه المراكب كلها واسبابها وما به تتم وتكمل كله من نعم الله وتسخيره يجب على العباد الاعتراف لله بنعمته فيها. وخصوصا وقت مباشرتها. وفيه تذكر الحالة التي لولا الباري لما حصل وذللت في قوله وما كنا له مقرنين. اي مطيقين لو رد الامر الى حولنا وقوتنا لكنا اضعف شيء علما وقدرة وارادة ولكنه تعالى سخر الحيوانات. وعلم الانسان صنعة مركوبات. كما امتن الله في تيسير صناعة الدروع الواقية في قوله وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم. فهل انتم شاكرون. فعلى في الحلق ان يشكر الله. اذ علمهم صناعة اللباس الساتر للعورات ولباس الرياش ولباس الحرب والات الحرب. وعلمهم صنعة الفلك البحرية والبرية والهوائية. وصنعة كل ما يحتاج الى الانتفاع به. وانزل الحديد فيه منافع للناس متنوعة ولكن اكثر الخلق في غفلة عن شكر الله. بل في عتو واستكبار على الله. وتجبر بهذه النعم على العباد وفي هذا الحديث التذكر بسفر الدنيا الحسي. الى سفر الاخرة المعنى لقوله وانا الى ربنا لمنقلبون. فكما بدأ الخلق ويعيدهم ليجزي الذين اساءوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى. وقوله اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى. ومن العمل ما ترضى. سأل الله ان يكون السفر بهذا الوصف الجليل. محتويا على اعمال البر كلها المتعلقة بحق الله والمتعلقة بحقوق الخلق. وعلى تقوى التي هي اتقاء سخط الله. بترك جميع ما يكرهه الله من الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة. كما سأله العمل بما يرضاه الله وهذا يشمل جميع الطاعات والقروبات. ومتى كان السفر على هذا الوصف فهو السفر الرابح. وهو السفر المبارك. وقد كانت اسفل صلى الله عليه وعلى اله وسلم كلها. محتوية لهذه المعاني الجليلة. ثم سأل الله الاعانة. وتهوين السفر فقال اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده لان السفر قطعة من العذاب فسأل تهوينه وطيبه يا بعيدة. وذلك بتخفيف الهموم والمشاق. وبالبركة في السير حتى يقطع المسافات البعيدة وهو غير مكترث. ويقيض له من الاسباب المريحة في السفر امورا كثيرة. مثل راحة القلب ومناسبة الرفقة وتيسير السير. وامن الطريق من المخاوف وغير ذلك من الاسباب. فكم من سفر امتد اياما كثيرة. لكن الله طه هونه ويسره على اهله. وكم من سفر قصير صار صعب من كل صعب. فما ثم الا تيسير الله ولطفه ومعونته ولهذا قال في تحقيق تهوين السفر اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر. اي مشقته وصعوبته. وكآبة المنظر اي الحزن الملازم والهم الدائم. وسوء المنقلب في المال والاهل والولد. اي يا رب نسألك ان تحفظ علينا كل ما وراء وفارقناه بسفرنا من اهل وولد ومال. وان ننقلب اليهم مسرورين بالسلامة. والنعم المتواترة علينا وعليه فبذلك تتم النعمة ويكمل السرور. وكذلك يقول وهذا في رجوعه وعوده من سفره ويزيد. ايبون تائبون عابدون لربنا حامدون. اي نسألك اللهم ان تجعلنا في ايابنا ورجوعنا ملازمين للتوبة لك. وعبادتك وحمدك ان تختم سفرنا بطاعتك. كما ابتدأته بالتوفيق لها. ولهذا قال تعالى قال واجعل لي من لدنك كسلطانا نصيرا. ومدخل الصدق ومخرجه ان تكون اسفار العبد ومداخله ومخارجه كلها. تحتوي على الصدق والحق. والاشتغال بما يحبه الله. مقرونة بالتوكل على الله. ومصحوبة بمعونته. وفيه الاعتراف بنعمته اخيرا كما اعترف بها اولا. في قوله لربنا حامدون فكما ان على العبد ان يحمد الله على التوفيق لفعل العبادة والشروع في الحاجة فعليه ان يحمد الله على تكميلها وتمامها والفراغ منها فان الفضل فضله. والخير خيره. والاسباب اسبابه والله ذو الفضل العظيم. الحديث السادس والثمانون عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال خذوا عني مناسككم. رواه احمد ومسلم والنسائي قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا كلام جامع استدل به اهل العلم على مشروعية جميع ما فعله النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. وما قاله في حجه وجوب في الواجبات. ومستحبا في المستحبات. وهو نظير قوله في الصلاة صلوا كما رأيتموني اصلي. فكما ان ذلك يشمل جزئي الصلاة كلها. فهذا يشمل جزئيات المناسك ولشيخ الاسلام ابن تيمية كلام حسن جدا حج النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. ذكره في قواعد النورانية. فقال قدس الله روحه ورضي عنه وقد ثبت عنه بالنقل المتواتر. عند الخاصة من علماء الحديث من وجوه كثيرة في الصحيحين وغيرهما. انه صلى الله الله عليه وعلى اله وسلم. لما حج حجة الوداع احرمه هو والمسلمون من ذي الحليفة. فقال من شاء ان يهل بعمرة يفعل ومن شاء ان يهل بحجة فليفعل. ومن شاء ان الا بعمرة وحجة فليفعل. فلما قدموا وطافوا بالبيت وبين الصفا والمروة امر جميع المسلمين الذين معه. ان يحلوا من احرامهم ويجعلوها عمرة. الا من ساق الهدي انه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله. فراجعه بعضهم في ذلك فغضب وقال انظروا ما امرتكم به فافعلوه. وكان هو صلى الله عليه وعلى اله وسلم قد ساق الهدي. فلم يحل من احرامه ولما رأى كراهة بعضهم للاحلال قال لو استقبل من امري ما استدبرت. لما سقت الهدي. ولجعلتها عمرة ولولا ان معي الهدي لاحللت. وقال ايضا اني بت رأسي وقلدت هدي. فلا احل حتى انحر. فحل المسلمون جميعهم الا النفر الذين ساقوا الهدي. منهم رسول الله صلى الله الله عليه وعلى اله وسلم. وعلي بن ابي طالب وطلحة بن عبيد الله فلما كان يوم التروية احرم المحلون بالحج وهم ذاهبون الى منى. فبات بهم تلك الليلة بمنى وصلى بهم في فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. ثم سار بهم الى نمرة على طريق ضب. ونمرة خارجة عن عرفة. من يمانيها وغربيها. ليست من الحرم ولا من عرفة. فنصبت له القبة وهناك كان ينزل خلفاؤه الراشدون بعده. وبها الاسواق وقضاء الحاجة والاكل ونحو ذلك. فلما زالت الشمس ركب هو ومن ركب معه. وسار المسلمون الى المصلى ببطن عرنة حيث قد بني المسجد. وليس هو من الحرم ولا من عرفة. وان انما هو برزخ بين المشعرين. الحلال والحرام هناك. بينه وبين الموقف نحو ميل. فخطب فيهم خطبة الحج على راحلته. وكان كان يوم الجمعة ثم نزل فصلى بهم الظهر والعصر مقصورتين مجموعة ثم سار والمسلمون معه الى الموقف بعرفة عند الجبل المعروف بجبل الرحمة. واسمه الهلال على وزن هلال وهو الذي تسميه العامة عرفة. فلم يزل هو والمسلم في الذكر والدعاء الى ان غربت الشمس. فدفع بهم الى مزدلفة فصلى المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق قبل حط الرحال. حين نزلوا بمزدلفة وبات بها حتى طلع الفجر. فصلى بالمسلمين الفجر في اول وقتها. مغلسا بها زيادة على كل يوم. ثم وقت وقف عند قزح وهو جبل مزدلفة الذي يسمى المشعر الحرام فلم يزل واقفا بالمسلمين الى ان اسفر جدا. ثم دفع بهم حتى قدم منى فاستفتحها برمي جمرة العقبة. ثم رجع الى منزله بمنى فحلق رأسه ثم نحر ثلاثا وستين بدنة من الهدي الذي ساقه. وامر عليا فنحر الباقي. وكان مائة بدنة ثم افاض الى مكة. فطاف طواف الافاضة كان قد عجل ضعفة اهله من مزدلفة قبل طلوع الفجر. فرموا الجمرة ثم اقام بالمسلمين ايام منن الثلاث. يصلي بهم الصلوات الخمسة مقصورة غير مجموعة. يرمي كل يوم الجمرات الثلاث فبعد زوال الشمس يستفتح بالجمرة الاولى وهي الصغرى. وهي الدنيا الى منى والقصوى من مكة. ويختتم بجمرة العقبة. ويقف بين الجمرتين الاولى والثانية. وبين الثانية والثالثة وقوفا طويلا بقدر سورة البقرة. يذكر الله ويدعو. فان المواقف ثلاثة عرفت ومزدلفة ومنى ثم افاض اخر ايام التشريق بعد رمي الجمرات هو والمسلمون. فنزل بالمحصب عند خيف بني كنانة فبات هو والمسلمون فيه ليلة الاربعاء. وبعثت تلك الليلة عائشة مع اخيها عبدالرحمن لتعتمر من التنعيم. وهو اقرب اطراف الحرم الى مكة. من طريق اهل المدينة. وقد بني بعد هناك مسجد سماه الناس مسجد عائشة. لانه لم يعتمر بعد الحج مع النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم من اصحابه احد قط الا عائشة. لاجل انها كانت قد حاضت لما قدمت وكانت معتمرة فلم تطف قبل الوقوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة وقال لها النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. اقضي ما يقضي الحاج غير الا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة. ثم مودة البيت هو والمسلمون ورجعوا الى المدينة. ولم يقم بعد ايام التشريق شريق ولا اعتمر احد قط على عهده عمرة يخرج فيها من الحرم الحل الا عائشة رضي الله عنها وحدها. فاخذ فقهاء الحديث كاحمد وغيره. بسنته في ذلك كله. الى اخر ما قال رحمه الله ورضي عنه. والله اعلم. الحديث السابع ثمانون عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. قل هو الله احد تعدل ثلث القرآن رواه مسلم. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه تكلم اهل العلم على معنى هذه المعادلة وتوجيهها. واحسن ما قيل فيها ان معادلتها لثلث القرآن. لما تضمنته من المعاني عظيمة معاني التوحيد واصول الايمان. فان المواضيع الجليلة التي اشتمل القرآن عليها. اما احكام شرعية ظاهرة او باطنة عبادات او معاملات. واما قصص واخبار عن المخلوق اوقات السابقة واللاحقة. واحوال المكلفين في الجزاء على الاعمال واما توحيد ومعارف تتعلق بالله واسمائه وصفاته تفرده بالوحدانية والكمال. وتنزهه عن كل عيب ومماثلة احد من المخلوقات. فسورة قل هو الله احد مشتملة على هذا. وشاملة لكل ما يجب اعتقاده من هذا الاصل الذي هو اصل الاصول كلها. ولهذا امرنا الله ان نقول بالسنتنا. ونعرفها بقلوبنا. ونعترف بها ونادين لله باعتقادها. والتعبد لله بها فقال. قل هو هو الله احد. فالله هو المألوه المستحق لمعاني الالوهية كلها التي توجب ان يكون هو المعبود وحده. المحمود وحده والمشكور وحده المعظم المقدسة ذو الجلال والاكرام احد يعني الذي تفرد بكل كمال ومجد وجلال. وجمال وحمد وحكمة ورحمة وغيرها من صفات الكمال. فليس له فيها مثيل فلا نظير ولا مناسب بوجه من الوجوه. فهو الاحد في حياته وقيمه يوميته وعلمه وقدرته وعظمته وجلاله. وجماله وحكمته ورحمته وغيرها من صفاته. موصوف بغاية ونهايته من كل صفة من هذه الصفات. ومن تحقيق احاديث وتفرده بها انه الصمد. اي الرب الكامل والسيد العظيم الذي لم يبقى صفة كمال الا اتصف بها. ووصف بغايتها وكمالها بحيث لا تحيط الخلائق ببعض تلك الصفات بقلوبهم. ولا تعبر عنها السنتهم. وهو المصمود اليه. المقصود وفي جميع الحوائج والنوائب. يسأله من في السماوات فهو الغني بذاته وجميع الكائنات فقيرة اليه بذاتهم. في ايجادهم واعدادهم وامدادهم بكل ما هم محتاجون اليه من جميع الوجوه ليس لاحد منها غنا عنه مثقال ذرة. في كل حالة من احوالها فالصمد هو المصمود اليه. المقصود في كل شيء. لكماله وكرمه وجوده واحسانه. ولذلك لم يلد ولم يولد فان المخلوقات كلها متولد بعضها من بعض. وبعضها بعض. وبعضها مولود. وكل مخلوق فانه مخلوق من مادة واما الرب جل جلاله فانه منزه عن مماثلتها ففي هذا الوصف كما هو منزه عن مماثلتها في كل صفة نقص ولهذا حقق ذلك التنزيه. وتمم ذلك الكمال بقوله ولم يكن له كفوا احد. اي ليس له نظير ولا مكافئ ولا مثيل. لا في اسمائه ولا في اوصافه ولا في افعاله ولا في جميع حقوقه التي اختص بها. فحقه الخاص امران التفرد بالكمال كله من جميع الوجوه. والعبودية الخاصة خالصة من جميع الخلق. فحق لسورة تتضمن هذه الجمل العظيمة عظيمة ان تعادل ثلث القرآن. فان جميع ما في القرآن من الاسماء الحسنى ومن الصفات العظيمة العليا. ومن افعال الله واحكام صفة تفاصيل لهذه الاسماء التي ذكرت في هذه السورة بل كل ما في القرآن من العبوديات الظاهرة والباطنة. واصناف وتفاصيلها. تفصيل لمضمون هذه السورة والله اعلم على هلكته في الحق. ورجل اتاه الله الحكمة. فهو يقضي بها ويعلمها متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه الحسد نوعان. نوع محرم مذموم على كل حال وهو ان يتمنى زوال نعمة الله عن العبد دينية او دنيوية. وسواء احب ذلك محبة استقرت في قلبه. ولم يجاهد نفسه عنها اوسعى مع ذلك في ازالتها واخفائها. وهذا اقبح. فانه ظلم متكرر. وهذا النوع هو الذي يأكل الحسنات كما تأكل نار الحطب. والنوع الثاني الا يتمنى زوال نعمة الله عن الغير ولكن يتمنى حصول مثلها له. او فوقها او دونها. وها هذا نوعان محمود وغير محمود. فالمحمود من ذلك ان يرى نعمة تالله الدينية على عبده. فيتمنى ان يكون له مثلها. فهذا من باب تمني الخير. فان قارن ذلك سعي وعمل لتحصيل ذلك فهو نور على نور. واعظم من يغبط من كان عنده ما قد حصل له من حله ثم سلط ووفق على انفاقه في الحق الحقوق الواجبة والمستحبة. فان هذا من اعظم البرهان على الايمان. ومن من اعظم انواع الاحسان. ومن كان عنده علم وحكمة علمه الله اياها فوفق لبذلها في التعليم والحكم بين الناس. فهذان النوعان من الاحسان لا يعادلهما شيء. الاول ينفع الخلق بماله ويدفع وينفق في المشاريع الخيرية. فتقوم ويتسلسل نفعها وقعها والثاني ينفع الناس بعلمه. وينشر بينهم الدين والعلم الذي يهتدي به العباد في جميع امورهم. من عبادات معاملات وغيرها. ثم بعد هذين الاثنين تكون الغبطة على الخير بحسب حاله ودرجاته عند الله. ولهذا امر الله تعالى الفرح والاستبشار بحصول هذا الخير. وانه لا يوفق لذلك الا اهل الحظوظ العظيمة العالية. قال تعالى وبرحمته فبذلك فليفرحوا. فبذلك فليفرحوا وقال ولا تستوي الحسنة ولا السيئة فاحسنوا فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه وما يلقاها وقد يكون من تمنى شيئا من هذه الخيرات له مثل اجر الفاعل اذا صدقتني نيته. وصمم من عزيمته ان او قدر على ذلك العمل لعمل مثله. كما ثبت بذلك الحديث خصوصا اذا شرع وسعى بعض السعي. واما الغبطة التي هي غير محمودة فهي تمني حصول مطالب الدنيا لاجل اللذات. وتناول الشهوات كما قال الله تعالى حكاية عن قوم قارون يا ليتنا مثلما اوتي قارون انه لذو حظ عظيم فان تمنى مثل حالة من يعمل السيئات فهو بنيته ووزرهما سواء. فبهذا التفصيل يتضح الحسد المذموم في كل حال. والحسد الذي هو الغبطة. الذي يحمد في حال ويذم في حال والله اعلم. الحديث التاسع والثمانون عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان يدعو فيقول اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف عفاف والغنى. رواه مسلم. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الدعاء من اجمع الادعية وانفعها. وهو يتضمن سؤال خير الدين وخير الدنيا فان الهدى هو العلم النافع. والتقى العمل الصالح وترك ما نهى الله ورسوله عنه. وبذلك يصلح الدين فان الدين علوم نافعة ومعارف صادقة فهي الهدى. وقيام بطاعة الله ورسوله فهو التقى. والعفاف والغنى يتضمن العفاف عن الخلق. وعدم تعليق القلب بهم. والغنى بالله في رزقه والقناعة بما فيه. وحصول ما يطمئن به القلب من الكفاء كفاية وبذلك تتم الحياة الدنيا والراحة القلبية وهي الحياة الطيبة فمن رزق الهدى والتقى والعفاف والغنى نال السعادتين وحصل له كل مطلوب ونجى من كل مرهوب. والله اعلم الحديث التسعون عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم من احب ان يزحزح عن ويدخل الجنة. فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم اخر وليأت الى الناس الذي يحب ان يؤتى اليه. رواه مسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه لا شك ان من زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز. وان هذه غاية يسعى اليها جميع مؤمنين فذكر النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم في هذا الحديث في لها سببين ترجع اليهما جميع الشعب والفروع الايمان بالله واليوم الاخر. المتضمن للايمان بالاصول التي ذكرها الله بقوله متضمن للعمل للاخرة والاستعداد لها. لان الايمان الصحيح يقتضي ذلك ويستلزمه والاحسان الى الناس. وان يصل اليهم منه القول والفعل والمال وذلك كنت محبا لهم ما تحب لنفسك. وان كنت لا تحب ان يعاملوك تلك المعاملة فقد ضيعت هذا الواجب العظيم. فالجملة الاولى فيها القيام بحق الله. والجملة الثانية فيها القيام بحق الخلق. والله اعلم الحديث الحادي والتسعون. عن ابي هريرة رضي الله عنه انه وقال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان الله فهيرضى لكم ثلاثا. ويكره لكم ثلاثا. فيرضى لكم ان تعبدوه ولا به شيئا. وان تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال. رواه مسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه فيه اثبات الرضا لله وذكر متعلقاته. واثبات الكراهة منه وذكر متعلقاتها فان الله جل جلاله من كرمه على عباده. يرضى لهم ما فيه وسعادتهم في العاجل والاجل. وذلك بالقيام بعبادة الله وحده وحده لا شريك له. واخلاص الدين له بان يقوم الناس بعقائد الايمان واصوله وشرائع الاسلام الظاهرة والباطنة اعمال الصالحة والاخلاق الزاكية. كل ذلك خالصا لله موافقا لمرضاته على سنة نبيه. ويعتصموا بحبل الله. وهو دين دينه الذي هو الوصلة بينه وبين عباده. فيقوموا به مجتمعين على البر والتقوى. المسلم اخو المسلم. لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره. بل يكون محبا له مصافيا واخا معاونا وبهذا الاصل والذي قبله يكمل الدين. وتتم النعمة للمسلمين ويعزهم الله بذلك وينصرهم. لقيامهم بجميع الوسائل التي امرهم الله بها. والتي تكفل لمن قام بها بالنصر والتمكين وبالفلاح والنجاح العاجل والاجل. ثم ذكر ما كره الله لعباده مما ينافي هذه الامور. التي يحبها وينقصها فمنها كثرة القيل والقال. فان ذلك من دواعي الكذب وعدم التثبت. واعتقاد غير الحق. ومن اسباب وقوع الفتن تنافر القلوب. ومن الاشتغال بالامور الضارة عن الامور النافعة وقل ان يسلم احد من شيء من ذلك. اذا كانت رغبته في القيل والقال واما قوله وكثرة السؤال فهذا هو السؤال المذموم كسؤال الدنيا من غير حاجة وضرورة. والسؤال على وجه التعنت والاعنات وعن الامور التي يخشى من ضررها. او عن الامور التي لا نفع فيها الداء في قوله تعالى واما السؤال عن العلوم النافعة على وجه الاسترشاد او الارشاد. فهذا هذا محمود مأمور به. وقوله واضاعة المال وذلك اما بترك حفظه حتى يضيع. او يكون عرضة للسراق والضيف يع واما باهمال عمارة عقاره او الانفاق على حيوان واما بانفاق المال في الامور الضارة او غير النافعة فكل هذا داخل في اضاعة المال. واما بتولي ناقص العقول لها اه كالصغار والسفهاء والمجانين ونحوهم. لان الله تعالى الا جعل الاموال قياما للناس. بها تقوم مصالحهم الدينية والدنيوية فتمام النعمة فيها ان تصرف فيما خلقت له. من المنافع والامور الشر فرعية والمنافع الدنيوية. وما كرهه الله لعباده فهو يحب انهم ضدها. يحب منهم ان يكونوا متثبتين في جميع ما يقولونه والا ينقلوا كل ما سمعوه. وان يكونوا متحرين للصدق. والا لا يسأل الا عما ينفع. وان يحفظوا اموالهم ويدبروها ويتصرف فيها التصرفات النافعة. ويصرفوها في المصارف النافعة ولهذا قال تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم والحمد لله اولا واخرا والله اعلم. الحديث الثاني والتسعون. عن عائشة رضي الله الله عنها انها قالت دخلته هند بنت عتبة امرأة ابي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم فقالت يا رسول الله ان ابا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي به الا ما اخذته من ما له بغير علمه. فهل علي في ذلك من جناح فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم خذي من ما له بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك. متفق عليه قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه اخذ العلماء من هذا الحديث فقها كبيرا كثيرا ساشير الى ما يحضرني. منه ان المستفتي والمتظلم يجوز ان يتكلم بالصدق فيمن تعلق به الاستفتاء والتظلم. وليس من الغيبة المحرمة. وهو احد المواضع المستثنيات من الغيبة. ويجمع الجميع الحاجة الى التكلم في الغير. فان الغيبة المحرمة في ذكرك اخاك بما يكره فان احتيج الى ذلك كما ذكرنا وكما في النصيحة الخاصة او العامة او لا يعرف الا بلقبه. جاز ذلك بمقدار ما يحصل به المقصود ومنه ان نفقة الاولاد واجبة على الاب. وانه يختص بها. لا تشارك الام فيها ولا غيرها. وكذلك فيه وجوب نفقة الزوجة ان مقدار ذلك الكفاية. لقوله خذي ما يكفيك ويكفي بنيك. وان الكفاية معتبرة بالعرف بحسب احوال الناس في زمانهم ومكانهم ويسرهم وعسرهم وان المنفق اذا امتنع او شح عن النفقة اصلا او تكميلا فلمن له النفقة او يباشر الانفاق ان يأخذ من ما له ولو بغير علمه وذلك لان السبب ظاهر. ولا ينسب في هذه الحالة الى خيانة فلا يدخل في قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. لا تخن من خانك وهذا هو القول الوسط الصحيح. في مسألة الاخذ من مال من له حق عليه بغير علمه بمقدار حقه. وهو المشهور من مذهب الامام احمد انه لا يجوز ذلك. الا اذا كان السبب ظاهرا. كالنفقة على زوجتي والاولاد والمماليك ونحوهم وكحق الضيف. ومنه ان المتولين لي امرا من الامور يحتاج فيه الى تقدير مالي. يقبل قوله تقدير لانه مؤتمن له الولاية على ذلك الشيء. ومنه ان فتوى لها تعلق بالغير. وغلب على ظن المسؤول صدقه لا يحتاج الى احضار ذلك الغير. وخصوصا اذا كان في ذلك مفسدة كما في هذه القضية. فانه لو احضر ابا سفيان لهذه الشكاية لم يؤمن ان يقع بينه وبين زوجه ما لا ينبغي. وليس فيها هذا دلالة على الحكم على الغائب. فان هذا ليس بحكم وانما هو استفتاء والله اعلم. الحديث الثالث والتسعون. عن ابي بكرة رضي الله الله عنه انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول لا يحكم احد بين اثنين وهو غضبان. متفق عليه قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث يدل على امور احدها نهي الحاكم بين الناس ان يحكم في كل قضية معينة بين اثنين وهو غضبان. سواء كان ذلك في القضايا الدينية او الدنيوية وذلك لما في الغضب من تغير الفكر وانحرافه. وهذا فالانحراف للفكر يضر في استحضاره للحق. ويضر ايضا في قصده الحق والغرض الاصلي للحاكم وغيره قصد الحق علما وعملا. الثاني يدل على انه ينبغي ان يجتهد في الاخذ بالاسباب التي تصرف الغضب او تخففه من التخلق بالحلم والصبر. وتوطين النفس على ما يصيبه ما يسمعه من الخصوم. فان هذا عون كبير على دفع الغضب او تخفيفه الثالث يؤخذ من هذا التعليل. ان كل ما منع انسان من معرفة الحق او قصده. فحكمه حكم الغضب. وذلك كالهم الشديد والجوع والعطش. وكونه حاقنا او حاقبا او نحوها مما يشغل الفكر مثل او اكثر من الغضب. الرابع ان النهي عن الحكم في حال الغضب ونحوه مقصود لغيره. وهو انه ينبغي للحاكم الا يحكم حتى يحيط علما بالحكم الشرعي الكلي. وبالقضية جزئية من جميع اطرافها. ويحسن كيف يطبقها على الحكم الشرعي فان الحاكم محتاج الى هذه الامور الثلاثة. الاول العلم بالطرق الشرعية. التي وضعها الشارع لفصل الخصومات والحكم بين الناس الثاني ان يفهم ما بين الخصمين من الخصومة. ويتصورها تصورا تاما. ويدع كل واحد منهما يدلي بحجته. ويشرح قضيته شرحا تاما. ثم اذا تحقق ذلك واحاط به علما الى الامر الثالث صفة تطبيقها وادخالها في الاحكام الشرعية. فمتى وفق هذه الامور الثلاثة. وقصد العدل وفق له وهدي اليه. ومتى واحد منها حصل الغلط واختل الحكم. والله اعلم الحديث الرابع والتسعون. عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. كل واشرب والبس وتصدق من غير سرف ولا مخيلة. رواه احمد وابو داود علقه البخاري. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث مشتمل على استعمال المال في الامور النافعة في الدين والدنيا وتجنب الامور الضارة. وذلك ان الله تعالى جعل المال قواما عباد به تقوم احوالهم الخاصة والعامة الدينية والدنيوية وقد ارشد الله ورسوله فيه استخراجا واستعمالا وتدبيرا وتصريفا الى احسن الطرق وانفعها. واحسنها عاقبة حالا ومآل ارشد فيه الى السعي في تحصيله بالاسباب المباحة والنافعة وان يكون الطلب جميلا. لا كسل معه ولا فتور ولا انهماك في تحصيله انهماكا يخل بحالة الانسان. وان يتجنب من المحرمة الرديئة. ثم اذا تحصل سعى الانسان في حفظه واستعماله معروف بالاكل والشرب واللباس. والامور المحتاج اليها هو هو من يتصل به من زوجة واولاد وغيرهم. من غير تقطير ولا تبذير وكذلك اذا اخرجه للغير فيخرجه في الطرق التي تنفعه ويبقى له ثوابها وخيرها. كالصدقة على المحتاج من الاقارب والجيران ونحوهم. وكالاهداء والدعوات التي جرى العرف بها كل ذلك معلق بعدم الاسراف. وقصد الفخر والخيلاء. كما يده في هذا الحديث. وكما في قوله تعالى ولم قواما. فهذا هو العدل في تدبير المال ان يكون قواما بين رتبتي البخل والتبذير. وبذلك تقوم الامور وتتم وما سوا هذا فاثم وضرر. ونقص في العقل والحال والله اعلم الحديث الخامس والتسعون. عن ابي ذر رضي الله عنه انه قال قيل يا يا رسول الله ارأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده او يحبه الناس وعليه قالت الكعاجل بشرى المؤمن. رواه مسلم. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه اخبر صلى الله عليه وعلى اله وسلم في هذا الحديث ان اثار الاعمال المحمودة المعجلة انها من البشرى فان الله وعد اولياءه وهم المؤمنون المتقون بالبشرى في هذه الحياة وفي الاخرة. والبشارة الخبر او الامر السار الذي يعرف به العبد حسن عاقبته. وانه من اهل السعادة وان عمله مقبول اما في الاخرة فهي البشارة برضى الله وثوابه. والنبي جاءت من غضبه وعقابه عند الموت. وفي القبر وعند القيام الى البعث يبعث الله لعبده المؤمن في تلك المواضع بالبشرى على يدي الملائكة كما تكاثرت بذلك نصوص الكتاب والسنة وهي معروفة واما البشارة في الدنيا التي يعجلها الله للمؤمنين نموذجا وتعجيلا لفضله وتعرفا لهم بذلك وتنشيطا لهم على الاعمال فاعمها توفيقه لهم للخير وعصمته لهم من الشر. كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم. اما اهل السعادة فييسرون لعمل اهل السعادة فاذا كان العبد يجد اعمال الخير ميسرة له مسهلة عليه ويجد نفسه محفوظا بحفظ الله عن الاعمال التي تضره كان هذا من البشرى التي يستدل بها المؤمن على عاقبة امره ان الله اكرم الاكرمين واجود الاجودين. واذا ابتدأ عبده بالاحسان فاعظم منة واحسان يمن به عليه احسانه الديني فيسر المؤمن بذلك اكمل سرور سرور بمنة الله عليه باعمال الخير وتيسيرها. لان اعظم علامات الايمان محبة الخير والرغبة فيه والسرور بفعله. وسرور ثان بطمعه الشديد في اتمام الله نعمته عليه ودوام فضله ومن ذلك ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم في هذا الحديث اذا عمل العبد عملا من اعمال الخير وخصوصا الاثار الصالحة الخيرية العامة النفع. وترتب على ذلك محبة الناس له وثناؤه هم عليه ودعاؤهم له. كان هذا من البشرى ان هذا العمل من الاعمال المقبولة. التي جعل الله فيها خيرا وبركة ومن البشرى في الحياة الدنيا محبة المؤمنين للعبد. لقوله تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم اي محبة منه لهم وتحبيبا لهم في بالعباد. ومن ذلك الثناء الحسن. فان كثرة ثناء المؤمنين على العبد شهادة منهم له. والمؤمنون شهداء الله في ارضه ومن ذلك الرؤيا الصالحة يراها المؤمن او ترى له. فان الرؤيا الصالحة من المبشرات ومن البشرى ان يقدر الله على العبد تقديرا يحبه او يكرهه. ويجعل ذلك التقدير وسيلة الى صلاح دينه وسلامته من الشر وانواع الطاف الباري سبحانه وتعالى لا تعد ولا تحصى ولا تخطر بالبال. ولا تدور في الخيال. والله اعلم الحديث السادس والتسعون. عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما انه يقال قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم رضى الله في رضا الوالدين. وسخط الله في سخط الوالدين. اخرجه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم. قال الشيخ السعدي رحمه الله في في شرحه هذا الحديث دليل على فضل بر الوالدين ووجوبه وانه سبب لرضا الله تعالى. وعلى التحذير من عقوق الوالدين وتحريمه. وانه سبب لسخط الله. ولا شك كأن هذا من رحمة الله بالوالدين والاولاد. اذ بين الوالدين واولاده من الاتصال ما لا يشبهه شيء من الصلات والارتباط الوثيق. والاحسان من الوالدين الذي لا يساويه احسان احد من الخلق. والتربية المتنوعة وحاجة الاولاد الدينية والدنيوية الى القيام بهذا الحق المتأكد وفاء بالحق واكتسابا للثواب وتعليما لذريتهم. ان يعاملوهم بما به والديهم. هذه الاسباب وما يتفرع عنها موجب لجعل رضاه مقرونا برضى الله وضده بضده. واذا قيل فما هو البر الذي امر الله به ورسوله. قيل قد حده الله ورسوله بحد معروف. وتفسير يفهمه كل احد. فالله تعالى اطلق الامر بالاحسان اليهما. وذكر بعض الامثلة التي هي انموذج من الاحسان فكل احسان قولي او فعلي او بدني بحسب احوال والوقت والمكان فان هذا هو البر. وفي هذا الحديث ذكر غاية البر ونهايته التي هي رضا الوالدين. فالاحسان موجب وسبب. والرضا اثر ومسبب فكلما ارضى الوالدين من جميع انواع المعاملات العرفية وسلوك كل طريق ووسيلة ترضيهما فانه داخل في البر. كما ان حقوق كل ما يسخطهما من قول او فعل. ولكن ذلك مقيد بالطاعة اتيلا بالمعصية. فمتى تعذر على الولد ارضاء والديه الا الله وجب تقديم محبة الله على محبة الوالدين. وكان اللوم والجناية من الوالدين. فلا يلومان الا انفسهما. وفي هذا حديث اثبات صفة الرضا والسخط لله. وان ذلك متعلق بمحابه ومراه فالله تعالى يحب اولياءه واصفيائه. ويحب من قام به في طاعته وطاعة رسوله. وهذا من كماله وحكمته وحمده ورحمته ورضاه وسخطه من صفاته المتعلقة بمشيئته وقدرته والعصمة في ذلك انه يجب على المؤمن ان يثبت ما اثبته الله نفسه واثبته له رسوله. من صفات الكمال الذاتية والفعلية على وجه يليق بعظمة الله وكبريائه ومجده. ويعلم ان الله فليس له ند ولا كفو ولا مثيل في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله والله اعلم الحديث السابع والتسعون عن انس ابن مالك رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لم ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم. اخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الامور. ولزوم جماعة المسلمين. فان دعوتهم تحيط من ورائهم. اخرجه الترمذي وابن ماجة واحمد قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله اي لا يبقى فيه غل ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة بل تنفي عنه غله وتنقيه منه وتخرجه منه. فان القلب يغل على شرك اعظم غل. وكذلك يغل على الغش. وعلى خروج عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلالة. فهذه الثلاثة تملؤه غلا ودغلا. ودواء هذا الغل واستخراج اخلاقه بتجريد الاخلاص ومتابعة السنة. انتهى. اي فمن اخلص اعماله كلها لله اه ونصح في اموره كلها لعباد الله. ولزم الجماعة بالائتلاف في وعدم الاختلاف وصار قلبه صافيا نقيا صار لله وليا ومن كان بخلاف ذلك امتلأ قلبه من كل افة وشرا والله اعلم. الحديث الثامن والتسعون عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما انه قال قال رسول الله صلى ان الله عليه وعلى اله وسلم انما الناس كالابل المئة لا تكاد تجد فيها راحلة. متفق عليه. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث مشتمل على خبر صادق وارشاد اما الخبر فانه صلى الله عليه وعلى اله وسلم اخبر ان النقص شامل لاكثر الناس. وان الكامل او مقارب الكمال فيهم قليل. كالابل المئة تستكثرها. فاذا اذا اردت منها راحلة تصلح للحمل والركوب. والذهاب والاياب لم تكد تجدها وهكذا الناس كثير. فاذا اردت ان تنتخب منهم من يصلح للتعليم او الفتوى او الامامة. او الولايات الكبار والصغار او الوظائف المهمة لم تكد تجد من يقوم بتلك الوظيفة قياما صالحا. وهذا هو الواو فان الانسان ظلوم جهول. والظلم والجهل سبب للنقائص وهي مانعة من الكمال والتكميل. واما الارشاد فان مضمون هذا الخبر ارشاد منه صلى الله عليه وعلى اله وسلم الى انه ينبغي لمجموع الامة ان يسعوا ويجتهدوا في تأهيل الرجال الذين يصلحون للقيام بالمهمات. والامور الكلية العامة النفع وقد ارشد الله الى هذا المعنى في قوله فلولا ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا فامر بالجهاد وان يقوم به طائفة كافية. وان يتصدى للعلم طائفة اخرى. ليعين هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء. وامره تعالى بالولايات والتولية امر بها وبما لا تتم الا به من الشروط والمكملات فالوظائف الدينية والدنيوية والاعمال الكلية. لا بد للناس منها. ولا تتم مصلحتهم الا بها. وهي لا تتم الا بان يتولاها الاكفاء والامناء. وذلك يستدعي السعي في تحصيل هذه الاوصاف بحسب الاستطاعة. قال الله تعالى فاتقوا ما استطعتم. الحديث التاسع والتسعون. عن انس بن مالك رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض انا الجمر رواه الترمذي. قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه وهذا الحديث ايضا يقتضي خبرا وارشادا. اما الخبر فانه صلى الله عليه وعلى اله وسلم اخبر انه في اخر الزمان يقل الخير واسبابه ويكثر الشر واسبابه. وان انه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس اقل القليل وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة. كحالة القابض على الجمر من قوة المعارضين. وكثرة الفتن المضلة. فتن الشبهات والشكوك والالحاد. وفتن الشهوات. وانصراف الخلق الى الدنيا وانهماكهم فيها ظاهرا وباطنا. وضع في الايمان وشدة التفرد لقلة المعين والمساعد. ولكن المتمسك بدينه القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها الا اهل البصيرة واليقين واهل الايمان المتين من افضل الخلق وارفعهم عند الله درجة واعظمهم عنده قدرا. واما الارشاد فانه ارشاد لامته ان يوطنوا انفسهم على هذه الحالة. وان يعرفوا انه لابد منها. وان من اقتحم هذه العقبات وصبر على دينه ايمانه مع هذه المعارضات. فان له عند الله اعلى الدرجات وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه. فان المعونة على قدر المؤونة. وما اشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فانه ما بقي يمين الاسلام الا اسمه. ولا من القرآن الا رسمه. ايمان ضعيف وقلوب متفرقة. وحكومات متشتتة وعداوات وبغضاء بين المسلمين. واعداء ظاهرون وباطنون. يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين. والحاد وماديات جرفت بخبيث تيار كريهة وامواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان. ودعايات الى فساد الاخلاق والقضاء على بقية الرمق. ثم اقبال الناس على زخارف في الدنيا بحيث اصبحت هي مبلغ علمهم واكبر همهم. ولها ترضون ويغضبون. ودعاية خبيثة للتزهيد في الاخرة. والاقبال الكلية على تعمير الدنيا وتدمير الدين. واحتقار واستهزاء بالدين وما ينسب اليه. وفخر وفخفخة واستكبار بالمدنيات المبنية على الالحاد حاد التي اثارها وشررها وشرورها قد شاهده العباد فمع هذه الشرور المتراكمة والامواج المتلاطمة والمزعجات الملمة والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة. مع هذه الامور وغيرها تجد مصداق هذا الحديث. ولكن مع ذلك فان المؤمن لا من رحمة الله. ولا ييأس من روح الله. ولا يكون نظره مقصود على الاسباب الظاهرة بل يكون متلفتا في قلبه كل وقت الى سبب الاسباب الكريم الوهاب. ويكون الفرج بين عينيه. ووعده الذي لا ما يخلفه بانه سيجعل الله بعد عسر يسرا. وان الفرج مع الكرب وان تفريج الكربات مع شدة الكربات وحلول المفظعات. فالمؤمن من يقول في هذه الاحوال لا حول ولا قوة الا بالله. وحسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا. اللهم لك الحمد واليك المشتكى. وانت المستعان وبك المستغاث ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. ويقوم لا يقدر عليه من الايمان والنصح والدعوة. ويقنع باليسير اذا لم يمكن الكثير وبزوال بعض الشر وتخفيفه اذا تعذر غير ذلك. ومن يتق ومن يتوكل على الله الله فهو حسبه والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله واصحابه واتباعه الى يوم الدين. تمت هذه الرسالة على شرح تسعة وتسعين حديثا. من الاحاديث النبوية الجوامع. في في اصناف العلوم والمواضيع النافعة. والعقائد الصحيحة والاخلاق الكريمة والفقه والاداب والاصلاحات الشاملة والفوائد العامة. قال ذلك فمعلقوها عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله السعدي غفر الله له ولوالديه ووالديهم وجميع المسلمين. وفرغ منها في العشر عاشر من شعبان سنة احدى وسبعين وثلاثمائة والف من الهجرة