الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين اما بعد فاسأل الله جل وعلا ان يوفقنا واياكم بخيري الدنيا والاخرة وان يجعلنا واياكم من الهداة المهتدين وبعد باذن الله جل وعلا نتدارس في هذه الايام ايات الاحكام التي في سورة البقرة وسورة البقرة سورة عظيمة فيها احكام كثيرة فيها مسائل فقهية عديدة فيها فضل كبير قد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بان البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بان سورة البقرة تقدم يوم القيامة تحاج عن صاحبها كانها غمامة او غياية واخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفظل ايات مخصوصة من هذه السورة العظيمة سورة البقرة وفيها اية الكرسي التي هي اعظم اية في كتاب الله حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابي ليهنك العلم ابا المنذر عند ما علم بذلك وفي اخرها ايتان قال النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ بهما في ليلة كفتاه وفضل هذه السورة فضل عظيم وسميت هذه السورة بهذا الاسم سورة البقرة لمعنى دقيق قد لا يتفطن الناس له الا وهو ان هذه السورة جاء فيها ايراد قصص عديدة واقعية فيها احياء للموتى لتكون دليلا على ما في يوم القيامة من احياء الموتى من اول قصص هذه السورة في ذلك قصة البقرة فان الله عز وجل امرهم ان يضربوا بجزء من البقرة ذلك المقتول فقام فاخبر بمن قتله وفي هذه السورة نماذج واقعية وقعت في الحياة فيها احياء اناس بعد موتهم فهؤلاء بنو اسرائيل لما اخذتهم الرجفة احياهم الله عز وجل بعد ذلك وهكذا ايظا في قصة عزير عندما ماته الله مئة عام ثم احياه وهكذا ايضا بقصة ابراهيم عندما جاء محاجا للنمروذ ملك زمانه فقال انا احيي واميت وقال ابراهيم ان الله ان الله هو الذي يحيي ويميت وهكذا ايظا في قصة ابراهيم عندما احيا الله عز وجل له الطير بين يديه بعد ان ذبحها وقسمها اربعة اقسام وجعل على كل جبل منها جزءا في قصص متعددة وردت في هذه السورة العظيمة سورة البقرة وهذه السورة سورة مدنية ومن صفات السور المدنية ان تكون اياتها طويلة وان تكون اياتها مشتملة على احكام فقهية وهذه السورة قد اشتملت على احكام متعلقة باركان الاسلام ففيها ايات تتعلق بالصيام وفيها ايات تتعلق بالحج وفي ظمنها اوامر كثيرة متعلقة بالصلاة وهكذا بالزكاة فاركان الاسلام فيها وهكذا ايضا فيها احكام المعاملات من البيوع والديون وفيها احكام المناكحات واحكام الطلاق واحكام القصاص والجنايات واحكام الوصايا ومن ثم فهذه السورة اشتملت على جملة كبيرة من جمل احكام الفقه ولذلك كان في هذه الاية من الخصائص كان في هذه السورة من الخصائص ما لا نجده في غيرها من سور القرآن بعض اهل العلم يحصر ايات الاحكام في هذه السورة في تسعين اية كما فعلها العلامة ابن العربي وغيره وايات هذه السورة مئتان وست وثمانون بينما اخرون يرون ان الاحكام في هذه السورة في اكثر من هذا العدد ومنشأ هذا من امرين الامر الاول اعتبار الشرائع السابقة فان من قال بان شرع من قبلنا ليس حجة لنا وليس شرعا لنا استبعد الايات التي تتحدث عن قصصي بني اسرائيل الواردة في هذه السورة ومن ثم قل العدد عنده واما الامر الثاني الدلالات على انواع منها منطوق ومنها مفهوم ومن الدلالات ما هو محل اتفاق ومنها ما هو محل اختلاف فحينئذ من نظر الى محل الاتفاق من انواع الدلالات قصر عدد الايات التي وردت في هذه السورة مما يتعلق بالاحكام على ما صرح رب العزة والجلال فيه بالحكم واستبعد ما وقع من العلماء بحجية نوع دلالته ولهذا وقع الاختلاف بعدد الايات التي ورد فيها احكام في هذه السورة قال جل وعلا في اوائل هذه السورة الف لام ميم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين في قوله لا ريب فيه فيه تحريم ان يقع الشك بقلب المسلم في ايات هذا الكتاب ومن ثم يجب تصديق اياته ويحرم التردد بقبول ما جاء فيها وفي هذه الايات ان الهدى يحصل بالعمل بهذا الكتاب فمن عمل بهذا الكتاب اهتدى قوله للمتقين فيه ان التقوى من اسباب حصول الهداية ومن اسباب فهم الكتاب فمن كان من اهل التقوى يسر الله عز وجل له فهم القرآن ومكنه الله من استنباط معان من معاني كتاب الله لا يصل اليها غيره ثم قال تعالى مبينا صفات المتقين الذين يوفقون لفهم الكتاب فقال الذين يؤمنون بالغيب والمراد بالغيب ما غاب عن الناس فلم يدركوه بحواسهم سواء كان من اخبار الماضيين او مما يأتي من الاخبار ومن اعظم ذلك اخبار يوم المعاد ومن ذلك يرى كونهم يؤمنون بالله عز وجل ويؤمنون بما اخبر الله به من امور الملائكة ومن امور الوحي ونحو ذلك فكل هذا غيب ويدخل فيه ايظا القدر بهذا بيان فرق بين المؤمنين وبين المنافقين فان اهل الايمان عندهم جزم باخبار الله المتعلقة بالامور الغيبية بخلاف اهلي النفاق واما الصفة الثانية ففي قوله ويقيمون الصلاة في هذا بيان ان اقامة الصلاة سبب من اسباب فهم الكتاب وفيه الثناء على من اقام الصلاة وقوله يقيمون الصلاة ولم يقل يصلون لانهم يودون الصلاة على اكمل وجوهها فيشمل هذا ما كان قبل الصلاة من الكون الانساني يتوضأ ويستقبل القبلة ويشمل ايضا ما يكون في اثنائها من ركوع وسجود وهكذا يظع يشمل الاعمال الظاهرة ويشمل الامور الباطنة كاخلاص النية لله سبحانه وتعالى فان من لم يخلص النية لله فانه لم يقم الصلاة ولو كان قد ادى الاركان الظاهرة تامة وفي قوله سبحانه ومما رزقناهم ينفقون هذه الاية في قوله ينفقون يدخل فيها الزكاة الواجبة ويدخل فيها نفقة الانسان على من تجب عليه نفقته من القرابة والزوجات والمماليك والحيوانات وفي هذا ايضا يدخل صدقة التطوع فانها تدخل في هذه الاية والاية ليست في تقرير ما هو واجب وانما في الثناء على من يؤدي هذه الافعال وبهذا دلالة على ان الصدقة تجعلك واسع الفهم وتفهم كلام الله عز وجل وتنزله على موطنه وفي قوله هنا ومما اصلها من ماء من للتبعير وما اسم موصول بمعنى الذي فبهذا دلالة على انه ليس من المستحسن الذي يثنى على صاحبه ان ينفق الانسان جميع ما له وانما الذي يثنى عليه من ينفق جزءا من ماله وقد اختلف العلماء في ايها افضل بجهة النفقة المستحبة ونفقة التطوع فقال طائفة ينفق ثلث ماله كما في الوصية وقال اخرون بل من كان عنده يقين بوعد الله وبان الله سيرزقه فينفق من كل ما له كما فعل ابو بكر الصديق وقال بعضهم بل يغض من الثلث قليلا ما الى الربع واما الى الخمس لان النبي صلى الله عليه وسلم قال الثلث والثلث كثير ولذلك استحبوا ان ينقص عن مقدار الثلث وعلى كل فان نفقة الانسان من ما له يترتب عليها ثمرات عظيمة من رضا الله ومن علو في المنزلة في الاخرة ومن الخلف الجميل في الدنيا وفي قوله والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك فيه وجوب الايمان بالرسل السابقين ووجوب التصديق بما نزل اليهم من الكتب والمراد وجوب تصديق ما كان منها قبل التحريف وفي قوله وبالاخرة هم يوقنون اي يجزمون بذلك ولا يترددون وفيه ان من الصفات الفاضلة التي يتصف بها لي اهل الايمان ان يكونوا على يقين من الاخرة ومن يقين الاخرة ان يستعد الانسان للاخرة وان ينظر لاي عمل قبل ان يعمله هل ينتفع به في الدار الاخرة او لا ينتفع به ثم قال تعالى اولئك على هدى من ربهم به دلالة على ان الهداية من الله وانه سبحانه يهدي من يشاء من عباده ومن ثم يشرع للعبد ان يكثر من طلب الهداية من الله سبحانه وتعالى وفي قوله واولئك هم المفلحون اي ان اصحاب هذه الصفات هم الفائزون وهذا فيه دلالة على انحصار الفلاح في هذا الصنف وهم الذين هداهم الله وهم الذين يفوزون يوم القيامة وذلك ان هذه الايات قسمت الناس ثلاثة اقسام اهل التوحيد والايمان وهذه صفاتهم وهم اهل التقوى والثاني اهل الكفر كما في قوله ان الذين كفروا الاية وفي هذه الايات ان العبد قد يختم على قلبه ويكون هذا من اسباب صده عن الاهتداء بالحق. ومن ثم يكون له عذاب عظيم فان قال قائل كيف يختم الله على قلبه ثم يعذبه لكونه لم يؤمن بسبب ما ختم على قلبه والجواب ان الختم من الله لكن بسبب من العبد فاذا عمل العبد بعظ الاعمال كان هذا من اسباب ختم الله على قلبه كما قال تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه العقوبة بسبب من العبد لكن الذي اوقعها على العبد هو رب العزة والجلال ولهذا لا يقولن قائل كيف يخلقه كافرا ثم يعذبه يوم القيامة فيقال التعذيب من الله ولكن سبب التعذيب نشأ من قبل العبد فانه هو الذي كفر في حياته ثم ذكر رب العزة والجلال الصنف الثالث وهم اهل النفاق فقال جل وعلا ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين قوله وما هم بمؤمنين هل المراد به انه انتفى عنهم دين الاسلام بالكلية او انه انتفت عنهم رتبة الايمان وبقي عندهم رتبة الاسلام قولان للعلماء ولذلك في اواخر صفاتهم قسمهم رب العزة والجلال الى قسمين اسم صم بكم عمي فهم لا يرجعون ليس عندهم شيء من النور بينما هناك قسم اخر كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا. القسم الثاني عندهم سمع قليل وبصر قليل. ولذا قال الله عنهم ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم لكن القسم الاول صم بكم عمي فهم لا يرجعون. ولذلك اهل النفاق على قسمين قسم قد طمس على قلبه بالكلية وقسم عنده نور ضئيل يسير به قليلا لكنه لم يطمس على قلبه بالكلية وقال جل وعلا في صفاتهم يخادعون الله ان يظنون انهم خادعون لله لكن حقيقة الامر ان هذا الخداع انما يعود عليهم هم ولا يعود على رب العزة والجلال. ولعلنا باذن الله عز وجل ان نذكر بقية الاحكام المتعلقة بهذا الصنف في يوم اخر. اسأل الله جل وعلا ان يوفقنا واياكم لكل خير وان يجعلنا واياكم من الهداة المهتدين. هذا والله اعلم. صلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين