الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين اما بعد فهذا هو اللقاء الثالث في لقاءاتنا في احكام سورة البقرة وتقدم معنا ان هذه السورة قدمت بذكر تقسيم الناس الى ثلاثة اقسام اهل التقوى واهل الكفر واهل النفاق وقد زيد في وصف اهل النفاق في اوائل هذه السورة قيل اما لكثرتهم وقيل بانه يكثر او يرد النفاق على القلب ولا يستشعر صاحبه انه من اهل النفاق وقيل انما ذلك لشدة خطرهم وسوء ظررهم عن الاسلام والمسلمين وقد نشأ بهذا نزاع بين العلماء فيما يتعلق بالمنافقين وتعامل النبي صلى الله عليه وسلم معهم فانه لم يقتلهم ولم يقم بايقاع العقوبات عليهم وانما افشل مخططاتهم وهم اظهروا اسم الايمان واظهروا افعالا جميلة قد ينخدع بها الناس فافشل النبي صلى الله عليه وسلم مخططاتهم بدون ان يسبهم وبدون باعيانهم وبدون ان يقوم بايقاع العقوبة بهم فمثلا بقصة مسجد الضرار بنوا مسجدا لا لله وانما كفرا وارصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم الا ان هدم مسجدهم ولم ينزل بهم العقوبة بل في اعظم من هذا ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من تبوك اجتمع المنافقون وتآمروا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا اذا جاء على الجبل الفلاني وهو جبل دقيق قمنا بالقائه ليستريح الناس منه انظروا ذهبوا معه وقاتلوا معه العدو ولكنهم اهل نفاق يظهرون ما لا يبطنون وانظروا كيف كان تآمرهم فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم الا ان افشل مخططهم في قتله لكنه لم يتعرض لهم اي نوع من انواع الاداء او العقوبة ولم يقتل واحدا منهم مع كونهم حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدلك على دقيق فعل النبي صلى الله عليه وسلم وان بعض التنظيمات والمؤامرات والتآمرات الموجودة في وقتنا الحاضر ليست على هدي النبي به صلى الله عليه وسلم وطريقته وقد قال بعض اهل العلم بانه لم يقتلهم ولم يعاقبهم لانه يأمل ان تألف القلوب عليه ويكون هذا من اسباب دخول الناس في دين الله ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر له او طلب منه ان يقتل بعضا المنافقين. قال النبي صلى الله عليه وسلم اخشى ان يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه ان محمدا يقتل اصحابه ولذلك امتنع من قتال من قتل المنافقين وهناك من قال بان قتلهم لابد فيه من بينة والبينة لا تكونوا على امر باطن فان النفاق في القلب النفاق بالقلب ولا يتمكن احد بان يشهد بان هذا الشخص من اهلي النفاق ومن القواعد المقررة ان القاضي لا يقضي بعلمه خصوصا فيما يتعلق بالعقوبات و الحدود وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتألفهم ويأمل ان يعودوا الى دين الله وهذه الايات التي فيها تمثيل المنافقين وتقسيمهم الى قسمين منهم من طمس على قلبه بالكلية ومنهم من بقي في قلبه بصيص امل يتمكن من المشي معه قليلا في ماثلها ايظا الايات التي بسورة النور عندما قسم الله عز وجل هؤلاء الى قسمين ثم امر الله عز وجل الناس بعبادته فقال يا ايها الناس اعبدوا ربكم بهذه الاية دليل على ان الشريعة عامة تشمل جميع الناس رجالا ونساء كبارا وصغارا ايا كانت بلدانهم او لغاتهم او اجناسهم الجميع مخاطبون بالدخول في دين الله ولذلك كان من احسن ما يصد به اعداء الله عن دينه ان يدعوا الى دين الله فانهم متى دعوا ما ان يستجيبوا واما ان يورث الله في قلوبهم مخافة تجعلهم يهابون الاسلام واهل الاسلام وفي هذه الايات اقامة الدليل على وجوب افراد الله بالعبادة بقوله اعبدوا ربكم فهذا الدليل الاول فان الذي انعم عليك والذي رباك بنعمه يجب عليك ان تفرده بالعبادة ثم قال الذي خلقكم وهذا دليل اخر ثم قال والذين من قبلكم اي خلق من قبلكم ثم اورد دليلا ثالثا فقال الذي جعل لكم الارض فراشا ثم اورد دليلا رابعا والسماء بناء والدليل الخامس وانزل من السماء ماء والسابع فاخرج به من الثمرات رزقا لكم ثم قرر النتيجة فقال فلا تجعلوا لله اندادا اي لا تصرفوا شيئا من عباداتكم لغير الله بحيث تجعلون من تعبدونه ندا مساويا عز وجل وانتم تعلمون ثم استدل بهذا الكتاب وبعجز الناس عن ان يأتوا بمثله وفي قوله الذي جعل لكم الارض فراشا هنا اطلق على الارض انها فراش المعهود ان الفراش ما يكون مصنوعا من قماش او صوف او اه نحو ذلك من المصنوعات فهنا تسمية الارض فراشا تسمية لغوية وهنا عرف بين الناس على استعمال لفظ الفراش في معنى مخصوص فاذا جاءنا لفظ الفراش فهل نحمله على المعنى اللغوي او المعنى الذي تعارف الناس عليه نقول نحمله على المعنى اللفظي. المعنى العرفي المعنى العرفي وذلك لان كل متكلم يحمل كلامه على مدلوله كلامه بحسب ما تعارف عليه ولذلك لو حلف انسان الا يجلس على فراش فجلس على الارض قال احناث او لا يحنث يقول لا يحنث ولا تجب عليه الكفارة في ذلك وبعض العلماء قال السبب ان النية تفسر بان اليمين تفسر بحسب النية ومن اطلق لفظ الفراش فانه لا ينوي الارظ وانما ينوي الفراش المعهود وقد جاء في الحديث وان الاعمال بالنيات ثم قال تعالى هو الذي ثم قال تعالى وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فيه ان وصف العبودية وصف عال ينبغي بالعبد ان يستشعر قيمته وعلوه فان الله عز وجل انما وصف نبيه بالعبودية في المقامات العالية ومنها مقام نزول الوحي كما في هذا الموطن ومنها مقام الاسراء والمعراج. كما في قوله تعالى سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى وفي هذه الايات اعجاز القرآن وعدم قدرة الناس على الاتيان بمثله ولو بسورة منه مع انه بلغتهم عربي اللسان ولذا قدم في اوائل هذه السورة حروف مقطعة للتنبيه على ان هذا القرآن انما بني على حروف من جنس الحروف التي تتكلمون بها بني على الحروف التي تتكلمون بها. ومع ذلك تعجزون عن الاتيان بمثله وهو لا يقتصر على ان يأتي الانسان بمثله وانما لا بد ان يكون له قبول ولذلك بعض الناس جاء بتخاريف وقار هذه تماثل القرآن كما فعل مسيلمة وكما فعل بعض الفرق المبتدعة عندما اوجدوا سورا قالوا سورة الولا وسورة البراءة وسورة ونحو ذلك لكن من قرأها وجد الفرق الشاسع بين سياقها ونظمها ومدلولها وتناسقها وبين ما في كتاب الله عز وجل ثم قال تعالى فان لم تفعلوا اي اذا لم تأتوا بسورة ولم تؤمنوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين في هذا وعد او في هذا وعيد من الله عز وجل لهؤلاء الذين لم يفردوا الله بالعباد ان يكونوا من اهل نار جهنم ثم اخبر بمن يقابلهم بان الذين امنوا وعملوا الصالحات لهم البشارة بان تكون لهم الجنات وبانهم يرزقون في الجنة من جنس ما يرزقون به بالدنيا وهو وان تشابه بما في الدنيا من جهات اللون والمنظر والاسم لكن بينهما بون شاسع وفرق كبير فيما يتعلق بحقيقة كل منهما وهكذا لهم في الجنة ازواج مطهرة مطهرات من الدنس سواء الحسي او المعنوي وهم فيها خالدون اي باقون في الجنة الى يوم القيامة ثم بين الله جل وعلا انه لا يستحيي من الحق بينما ورد في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله حي ستير يستحي اذا رفع عبده يديه ان يردهما صفرا فنقول هنا حياء المنفي حياء خاص وهو الحياء من الحق ولا يستحي من بيان الحق وهناك اخر ايوم مما لا يحسن من الفعل ومن ثم في تفسير القرآن لابد من ملاحظة هذين المعنيين انه قد يأتي اثبات لفعل ويأتي نفي للفعل في موطن اخر فيكون المثبت مغايرا المنفي ويكون الاسم واحدا لكنه ينقسم الى قسمين احدهما مثبت والاخر منفي وفي هذه الايات ايظا ان التمثيل اذا كان على جهة تقريب معنى الحق فانه يكون مقبولا ولو كان من الامور الصغيرة اليسيرة التي يحتقرها الناس وفي هذه الايات ان اهل النفاق واهل الكفر قد لا يفهمون مراد الله عز وجل بما يسوقه في كتابه ولو رددوا النظر فيه وما ذاك الا ان التقوى عندهم قليلة فلم يوفقوا لادراك فهم القرآن تاما قول الله في قول الله جل وعلا بصفة الكافرين الذين يردون الحق الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه به وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق وخصوصا ما يعقده الانسان مع ربه جل وعلا ما يعقده الانسان مع ربه دل وعلى فان ما يعقده الانسان يجب عليه الوفاء به. ويحرم عليه ان يتهاون فيه وعهد الله على انواع منها دينه وشرعه فيجب العمل به ويحرم على الانسان ان يتهاون في الواجبات الشرعية ومما يدخل فيه ايظا العقود التي يعقدها الانسان مع ربه جل وعلا كما في النذر والوقف فانها في الاصل ليست بواجبة لكن العبد يعقد مع الله عقدا يوجب على نفسه فعل هذه الامور بالتالي يحرم عليه ان لا يفي بهذا العهد او او الا يتمه او ان ينقضه بعد اتمامه فلا يجوز للانسان ان يرجع في وقفه ولا ان يرجع في نذره بل يجب عليه ان يفعل مقتضى الوقف ومقتضى النذر وكذلك مما يدخل في هذا العهد باليمين فاذا اقسم الانسان قسما وجب عليه ان يفي به الا اذا كان الا اذا كان هذا العقد او هذه اليمين فيها ترك واجب شرعي فحينئذ يقدم الواجب الشرعي وتحل اليمين بواسطة الكفارة كفارة اليمين على ارجح قولي اهل العلم من الامور المتعلقة بهذا ما لو تقابلت يمين مع عقد عقده الانسان على نفسه فايها فايهما يقدم قال الجمهور يقدم العقد ويكفر عن اليمين وقال الامام ما لك بل يقدم اليمين ولا يجوز له ان يحله من اجل العقد واستدل في ذلك بقول الله عز عز وجل ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا الجمهور يقولون بان النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لا احلف على يمين غيرها خيرا منها الا اتيت بالذي هو قير وكفرت عن يميني ولعل قول الجمهور يرجح لان الحديث الوارد في هذا الباب النص واوضح في الدلالة على هذه المسألة ثم في هذه الايات استدلال عقلي على اولئك الذين يكفرون بالله فانه قد مرت بهم موت ثم حياة ثم سيأتيهم موت ثم حياة ثم يرجعون الى الله مما يوجب عليهم ان يكونوا مستعدين للقائهم لرب العزة والجلال اسأل الله جل وعلا ان يوفقنا واياكم لخيري الدنيا والاخرة وان يجعلنا واياكم من الهداة المهتدين هذا والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين