الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين اما بعد فهذا لقاء اخر نأخذ منه نأخذ فيه تفسير ايات الاحكام من سورة البقرة ابتداء من قول الله عز وجل واذا اخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور تقدم معنا ان الايات الواردة في الاقوام السابقين كبني اسرائيل وقع الاختلاف في اخذ الاحكام منها قال طائفة هي ايات واردة في القرآن فاخذ الاحكام منها جائز قد يستدلون على ذلك بما ورد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من نام عن صلاة او نسيها فليصلها اذا ذكرها لا كفارة لها ذلك ثم قرأ قوله تعالى اقم الصلاة لذكري فان قوله اقم الصلاة لذكري خطاب موجه لموسى عليه السلام في كما في سورة طه قالوا فستدل النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب الموجه للانبياء السابقين وقال اخرون شرع من قبلنا ليس شرعا لنا تدل بقوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنها جا لعل القول الاول اظهر فهي خطاب شرعي سيق في الايات القرآنية والاحاديث النبوية والاصل اتحاد الشرائع الا فيما ورد الدليل على وجود النسخ فيها وهذه الايات التي فيها شرع من قبلنا قد استدل بها النبي صلى الله عليه وسلم وقد امرنا نحن باتباع طريقة الانبياء السابقين قال تعالى فبهداه مقتده فدل هذا على جواز اخذ الاحكام من شرائع الامم السابقة لكن بشرط ورودها في القرآن والسنة اما ما ورد في التوراة والانجيل وما يتناقله بنو اسرائيل فهذا لا يوثق به وذلك لان النصوص قد دلت على وجود تحريف وتبديل فيها وما كان فيه تحريف وتبديل فانه لا يصح الاحتجاج به ولذلك الصواب انه يؤخذ منها الاحكام كما تقدم قال تعالى واذا اخذنا ميثاقكم هذا خطاب لبني اسرائيل ورفعنا فوقكم الطور اي الجبل العظيم خذوا ما اتيناكم بقوة اي التزموا به وسيروا عليه بحيث لا تخضعوا لاحد عندما يأمركم بترك ما فيه واذكروا ما فيه لعلكم تتقون اي تصبحون من اهل التقوى ثم توليتم من بعد ذلك مع ان الجبل العظيم كان فوق رؤوسكم وقد خوفتم به وقد نتق الله الجبل من فوق رؤوسهم ومع ذلك تولوا ثم توليتم من بعد ذلك لكن الله امتن عليهم بان تاب عليهم وقبل منهم التوبة. ولذا قال فلولا فظل الله عليكم لكنتم من الخاسرين ثم ذكرهم الله عز وجل بعقوبة دنيوية حصلت على بعظ بني اسرائيل بسبب مخالفتهم. كانهم يقول احذروا ان تركتم امر الله الذي جاءكم باتباع هذا النبي فقد تنزل بكم عقوبة دنيوية كما نزلت ببعض بني اسرائيل السابقين الذين خالفوا امر الله وفي هذا دلالة على جواز التحذير من المعاصي بوقوع العقوبات الدنيوية بعض العلماء يقول لا تحذر من المعصية الا بتخويف الانسان من عقوبة اخروية وهذا القول ليس بصحيح بل يجوز تحذير من العقوبة الدنيوية المرتبة على المعاصي ولذلك مؤمنة لفرعون خوف قومه ان يصيبهم مثل ما اصاب من قبلهم من الامم. وحذرهم من يوم التناد. ولذلك في القرآن ايات عديدة قد تحذر العباد من العقوبات الدنيوية عندما يخالفون امر الله عز وجل ومن ذلك العقوبات المتعلقة معايش الناس كما في قوله تعالى ظهر ايش؟ الفساد في الارض بما اكتسبت فهنا قد ظهر الفساد اي في الزروع والثمار والمعايش لماذا بما كسبت ايدي الناس وقال في الاية الاخرى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم هذا التحريم ليس تحريما شرعيا وانما هو تحريم كوني لان تشوفون الناس عندهم امراض ولذلك يجتنبون المآكل الهنية الشهية هذه عقوبات من الله جل وعلا والعقوق ولذلك فقد يحذر الانسان غيره من فعل المعصية لان لا تنزل به العقوبة الدنيوية فذكر الله عز وجل بقصة من قصص بني اسرائيل فقال ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت كيف كان اعتداؤهم بمخالفة امر الله وفيه ان مخالف امر الله معتد وكان اعتداؤهم بطريق الحيلة كما بينته سورة الاعراف كانوا يضعون الشباك يوم الجمعة نهوا عن العمل يوم السبت ونهوا عن الاصطياد يوم السبت فابتلاهم الله واختبرهم بان جعل الاسماك لا تأتي الا يوم السبت فقالوا نضع الشباك يوم الجمعة ونأخذها يوم الاحد وبالتالي لا نكون قد صدنا يوم السبت هذا تحيل على امر الله جاءهم من يخوفهم لم يستجيبوا له فامرهم الله عز وجل ان يكونوا قردة خاسئين ولذا قال فقلنا لهم كونوا قردة قاسئين فقال الله عز وجل فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها. وموعظة للمتقين. اي جعلنا هذه القرية التي خالفت امر الله سبحانه وتعالى نكالا اي عقوبة شديدة وموعظة لما بين يديها وما خلفها من القرى من اجل ان يكون هذا من اسباب اقدامهم على الطاعة وابتعادهم عن المعصية ثم قال وموعظة للمتقين اي جعلها تذكرة للصالحين وفي هذا دلالة على جواز قراءة التاريخ بل استحبابه اذا كان لمعرفة سنن الله في القول واخذ العظة والعبرة من قصص الامم السابقة والامم الحاظرة ولا ينبغي ان يكون معرفة التاريخ من اجل السياق التاريخي فقط. وانما تؤخذ منه العبر والمواعظ لقد كان في قصصهم عبرة الاية ثم ذكر الله عز وجل قصة البقرة قال تعالى واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة وهذه الايات سميت بها السورة وذلك لانها من القصص الذي فيه احياء موتى في الدنيا. فيكون تنبيها لبقية القصص ولانه متعلق بقصة من قصص بني اسرائيل وبنو اسرائيل قد خوطبوا بهذه الايات وقد ورد ان رجلا من بني اسرائيل قتل قريبا له من اجل ان يرثه ثم طالب بالقصاص من شخص اخر على انه قتله فترافعوا الى موسى عليه السلام فقال القاتل قريبي قتله هؤلاء. اطالب بالقصاص منهم. وقد وجدته بين منازلهم ومساكنهم فنفوا واعرظوا عن تصديق هذه الدعوة. فامرهم موسى عليه السلام بذبح بقرة واخذ عضو من اعضائها بحيث يضرب به الميت. فيكون هذا من اسباب حياته ليخبرهم لكن بني اسرائيل شددوا على انفسهم بالسؤال فسألوا عن سنها وعن عملها وعن لونها فلم يجدوها الا عند رجل بار بامه او بابويه فطلب ثمنا كثيرا لها فدفعوه له فاخذت فذبحوا البقرة وظربوا بعظو من اعظاءها ذلك الميت فاحياه الله عز وجل وقال قتلني فلان لقريبه ثم اماته الله عز وجل قد اشتملت هذه الايات على عدد من المعاني اول هذه المعاني ان البقرة تذبح لا تنحر الابل تنحر بظربها بطعنها في اسفل الرقبة والغنم تذبح امرار السكين عليها في اعلى الرقبة طيب البقرة تعامل معاملة الغنم فتذبح او معاملة الابل فتنحر. يقول قال الله عز وجل يأمركم ان تذبحوا بقرة فهذا دليل على انها تذبح ولا تنحر وفي هذه الايات ان الدعوة الى الله تبليغ الاحكام الشرعية ليس فيها استهزاء ولا سخرية بالخلق ومن ثم لا يجوز ان يوصف المبلغ لامر الله بمثل هذه الاوصاف بان الاستهزاء بالخلق جهل وفي هذه الايات تحريم الاستهزاء بالاخرين فانهم لما قالوا لموسى تتخذنا هزوا؟ قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين. فدل هذا على ان الاستهزاء نوع من انواع الجهل وقالوا ادعوا لنا ربك يبين لنا ما هي اي ما سن هذه البقرة التي تمرنا ان نذبحها فقال انها بقرة لا فارظ هي ليست كبيرة السن هرمة ولا بكر اي ليست صغيرة عوان بين ذلك اي متوسطة بينهما فافعلوا ما تؤمروا اي بادروا لامتثالها كانه يقول لا تسألوا اسئلة اخرى وفي هذا دلالة على ان الامر المطلق يتحقق باي فرد من افراده فلو ذبحوا اي بقرة في اول امرهم لاجزائهم وفي هذا ان السؤال في زمن التشريع لا يحسن وفي هذا من استفتى الفقيه وبين له حاله فاعطاه الحكم فلا يسأله عن تفاصيل لان الوسواس قد يأتي بعض المستفتين ويقول يمكن انه لم ينتبه لكذا ويمكن انه يؤكد عليه السؤال مرة الاخرى وفي هذه الايات انهم سألوا عن لونها فاخبر انها صفراء شديدة الصفرة تسر الناظرين ان يعجب بها من شاهدها وفي هذه الايات ايضا انهم طلبوا صفات اخرى لها لان البقر قد تتشابه عليهم فقال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض الذلول اي المذللة للعمل الحرص او البذر ولا تسقي الحرث ليس هذا من عملها فهي ليست مما يستجلب به الماء ولا مما يزرع به قالوا لا انا جئت بالحق اي انهم وجدوا تلك البقرة وقالوا الان علمنا ان هذه بقرة حقيقية هذه الصفات فذبحوها اي فذبحوها وما كادوا يفعلون. اي ان سؤالهم بعد السؤال كان على جهة الاستخفاف بذلك الامر وكأنهم يبحثون عن مخرج يسلمهم من فعل هذا الامر ولعل هذا من القاتل لانه خشي ان يعرف من هو ثم قال تعالى واذ قتلتم نفسا اي اذكروا عندما قتلتم نفسا فادرأتم فيها اي كل واحد منكم اتهم غيره بانه قد ذبحها والله مخرج ما كنتم تكتمون. فقلنا اظربوه ايظرب هذا الميت ببعظ هذه البقرة فيكون هذا من اسباب باحياء الله للاموات وقد ذكر المؤلف عددا من المسائل المتعلقة بهذه المسألة منها هل نحدث عن بني اسرائيل وقد ورد في الحديث حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج كما في السنن. وقد ورد الامر بعدم تصديقه وعدم تكذيبهم من المسائل ايظا ما يتعلق دلالة القرائن فان قول هذا الرجل بعد وفاته قتلني فلان هذا ليس شاهدا يشهد وانما هو صاحب الحق ولذلك كان من المسائل التي بنيت على هذه المسألة مسألة القسامة مسألة القسامة لو وجدنا قتيلا بين دور ناس فجاء اولياء الدم وشهدوا ان فلانا قد قتله فلان فحينئذ هل يستدل به او لا يستدل؟ هذه تعرف بمسألة القسامة وبين العلماء والفقهاء خلاف كثير قد قال النبي صلى الله عليه وسلم يحلف خمسون رجلا منكم عن رجل منهم فيدفع اليه من المسائل التي وقع الخلاف فيها بناء على هذه الاية هل ينحصر الحيوان اذا عين بصفات تحدده لا يدخل معه غيره فيها فقال الامام ابو حنيفة لا يحصر الحيوان بصفة ولا يتعين بحلية وقال الامام ما لك بانه يحصر الحيوان في المعين اذا كان بذكر صفاته ورد عن ابن عباس ان بني اسرائيل لو بادروا فذبحوا اي بقرة لاجزأتهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم اخذ العلماء من هذا انه لا ينبغي للانسان ان يعنت على نفسه او يشدد في امتثال الامر يمتثله بدون ان يضع شروطا وصفات لم ترد في النصوص الشرعية. اسأل الله جل وعلا ان يوفقنا واياكم لخيري الدنيا والاخرة وان يجعلكم من الهداة المهتدين هذا والله اعلم وصلى الله على نبيه محمد وعلى اله وصحبه اجمعين