الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين اما بعد فما زال الحديث في تفسير ايات الاحكام من سورة البقرة وقد تكلمنا عن قوله جل وعلا كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين وقد اختلف العلماء في حكم الوصية فقال طائفة بانها واجبة اخذا من هذه الاية عندما قال كتب وآآ الجمهور على انها ليست بواجبة الا اذا كان هناك سبب يوجبها كما لو كان على الانسان حقوق يلزمه ان يبينها وهذه الاية جمهور اهل العلم على ان حكمها مرفوع وانها منسوخة لانه لا يجوز للانسان ان يوصي لورثته كما في الحديث لا وصية لوارث خالد والاقربون منهم الوارث. ولذلك قالوا بانها منسوخة. وقد اختلف العلماء فيها. فقال طائفة الناسخ هو اية المواريث ايات المواريث. وقال اخرون بان الناسخ بهذه اية قول النبي صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث اختلف العلماء في كيفية الوصية التي تكون للوالد قبل ان تنسخ ولا يترتب على ذلك كبير عمل. وفي قوله جل وعلا بالمعروف المراد به بما يتعارف الناس على انه عدل. وذلك قد ورد تقييده بانه بما لا يزيد عن الثلث كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم الثلث والثلث وقوله في هذه الاية حقا على المتقين. قال طائفة هذا دليل على وجوب الوصية لانه جعلها حقا والحق هو الامر الثابت. وقال اخرون بانها دليل على انها مندوبة. لانه انما جعلها على المتقين فقط لا على سائر المسلمين انظر كيف كل منهم استدل بوجه من وجوه هذه الاية ثم قال تعالى فمن بدله بعد ما سمعه فيها تحريم تبديل الوصايا. وان تبديل الوصية وتغييرها اثمه عظيم وانه من المحرمات ولذا قال فانما اثمه على الذين يبدلونه كانه يقول برئت ذمة الموصي وتوجه اللوم والاثم والوزر على المغير ثم قال تعالى فمن خاف من موص جلفا اي اذا علم احد من الناس ان الموصي سيظلم او سيحيف في الوصية فمن خاف من موص جنفا اي ميلا الى ميلا وعدم عدل او اثما فاصلح بينهم فيه مشروعية الاصلاح. وانه من الاعمال الصالحة التي يتقرب بها لله. بل الاية ان اصلاح الفساد من فروظ الكفايات وفي هذا دلالة في قوله فمن خاف الدليل على جواز استعمال الظن. وانه لا حرج فيه لانه لم يعلق الحكم بالجزم وانما علقه بالخوف الذي هو نوع من انواع الظن ثم قال تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم بايجاب صيام رمظان لقوله كتب والكتب للوجوب والالزام وقوله كتب عليكم الصيام المراد بالصيام الامساك عن المفطرات ومنها الاكل والشرب والجماع وما ماثلها وقوله كما كتب على الذين من قبلكم فيه دليل على ان الشرائع قد تتوافق في باحكام وقيل بان الذين قبلنا هم النصارى وقيل اليهود وقيل غيرهم قوله كان الصيام في اوائل الاسلام يشابه صيام اهل الكتاب اهل الكتاب لا يوجد عندهم سحور. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فصل ما بين صيامنا وصيام اهل الكتاب اكلة السحر يعني اذا نام الانسان لزمه ان يمسك الى المغرب من الغد وكان هذا في اوائل الاسلام ثم نسخ هذا الحكم وجعل ابتداء الصيام من طلوع الفجر وقوله كما كتب على الذين من قبلكم. الى بانه تشبيه في اصل ايجاب الصيام وقيل بان الاية نزلت عندما كان الصيام الواجب هو صيام يوم عاشوراء وذلك انه في اول الهجرة كان الواجب صيام يوم عاشوراء ثم لما فرض صيام رمظان في السنة الثانية رفع وجوب صوم يوم عاشوراء وفي قوله جل وعلا لعلكم تتقون. فيه بيان المعنى الذي من اوجب الصيام وهو زراعة التقوى في القلوب ومن معانيه تتقون ما وقع من الامم السابقة قبلكم من مخالفة حكم الشرع في نوع الصيام وطريقته ونحو ذلك وذلك يدلنا على وجوب اعتماد وقت الصيام الشرعي. وانه لا يجوز التغيير فيه. ولهذا المعنى حرم الله عز وجل صوم يوم العيد لان لا يزاد في الصيام ما ليس منه ومنع من صوم يوم الشك وهو اليوم الثلاثون من شهر شعبان وقال لا تقدموا رمظان بصوم يوم او يومين الا من كان عنده صوم فليصم صومه ومما وقع الخلاف فيه صيام ايام ست من شوال فالمالكية يرون انها غير مشروعة والجمهور يرون استحباب صيام ست من شوال لقول النبي صلى الله عليه وسلم من صام ورمضان ثم اتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر. وما ذاك الا ان الحسنة بعشر امثالها ثم قال تعالى اياما معدودات هذا فيه دليل على من قال بان قوله كتب عليكم الصيام المراد بشهر رمضان. وليس يوم عاشوراء لان يوم عاشوراء يوم واحد وهذا الايام المعدودات لا يقتضي مشروعية الوصال في الصوم بين الايام لان كلمة يوم تطلق على النهار ولا تطلق على الليل. قوله فمن كان منكم مريظا فيه ان المرض من الاعذار التي يرخص فيها للانسان بترك الصيام وهذا على ثلاثة انواع مرض يزيد بالصوم ومرض يتأخر الشفاء فيه بالصوم ومرظ يتألم الانسان معه عند الصوم ومن ذلك الا يكون قادرا على الصوم بحال من الاحوال وانظروا هنا قال مريضا. ليدل على انه مرظ خاص وليس كل مرظ ثم قال او على سفر. فالسفر هنا نكرة. كأنه قال اي سفر فالسفر من الاعذار التي يرخص للانسان فيها في ترك صوم رمضان واي سفر يدخل في هذا والاصل في السفر انه يراد به الظهور والانكشاف. ولذا يقال جاء اسفرت الشمس ويقال المرأة التي تكشف وجهها سافرة من هذا المعنى واختلف العلماء في مقدار المقدار الذي يعد الانسان عند قطعه مسافرا فقال طائفة مسيرة يومين ثمانين تيلا وهذا مذهب مالك والشافعي واحمد. لحديث لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر ان تسافر يومين الا مع ذي محرم وعند الامام ابي حنيفة مسيرة ثلاثة ايام وعند طائفة من التابعين وهو رواية عن احمد مسيرة يوم اربعين يوما. لقول الله عز وجل يوم ظعنكم ويوم اقامتكم ولانه ورد في بعض روايات الحديث السابق تسافر يوما وليلة وقال اخرون بان المرد فيه الى العرف. وقال اخرون باننا ننظر الى الزمن وحينئذ نقول بان هذه المسألة من المسائل الخلافية والخلاف فيها ممهد من قديم وقوله هنا فعدة من ايام اخر فيه دلالة اقتضاء في كلام محذوف كانه قال فمن كان منكم مريضا او على سفر فافطر اما من لم يفطر في المرظ والسفر فانه لا يجب عليه القظاء كما قال الجمهور خلافا لبعض الظاهرية قال فعدة من ايام اخر يعني يجب عليه ان يقضي هذه الايام من ايام اخر ويدل على القول بان المسافر يصح صومه ما ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم من ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر وقوله فعدة من ايام وخر دليل على ان القضاء لا يلزم فيه التتابع. بل يجوز ان يكون متفرقا وقوله وعلى الذين يطيقون فعدة من ايام اخر ظاهره انه يجوز في اي يوم الا ما ورد من الشرع النهي عنه كايام العيد وظاهره انه يجوز تأخيره لو بعد سنة او سنتين. لكن ورد في حديث عائشة انها قالت كان يكون عليها الصوم فلا استطيع ان اصومه الا في شهر شعبان لمكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم والشغل عندها لا زال موجودا الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم فدل هذا على انها اخرت القضاء لاخر ايام في اخر الايام يجوز لها تأخير الصيام اليه ثم قال تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين اختلف العلماء في تفسير هذه الاية فقال طائفة كانت هذه الاية في اوائل الاسلام حيث كان الانسان مخيرا بين الصوم وبين الفدية اما ان تصوم واما ان تدفع فدية وقال اخرون بان المراد به من كان الصيام يشق عليه. لكنه لا يعجز عنه ده الكبير الذي يشق عليه الصوم. فهذا يطعم عن كل يوم مسكينا وقال اخرون وحينئذ على القول الاول تكون الاية منسوخة وعلى القول الثاني تكون الاية غير منسوخة قال المؤلف واختار المؤلف القول بانها نسخ لهذا الحكم قوله فمن تطوع خيرا فهو خير له قيل من تطوع بالزيادة في صدقة المساكين في هذا حث على صدقة التطوع وقيل بان المراد به فمن تطوع بالصوم مع انه يشق عليه فهذا خير له من الاطعام. وقيل بانه لما كان الانسان مخيرا بين الاطعام وبين وبين الصيام كان الصيام خيرا له ولذا قال وان تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون قيل بان المراد به ان الصوم صوم التطوع خير من الفطر اختلف العلماء في المسافر هل الافضل له ان يفطر او الافضل له ان يصوم؟ قال الحنابلة الافظل الفطر يستدل بحديث ليس من البر الصوم في السفر وقال ما لك وابو حنيفة والشافعي الصوم افضل من صوم رمضان افضل من الفطر بالنسبة للمسافر قال اذا قال مالك وابو حنيفة الصوم افضل من الفطر بالنسبة المسافر الخلاف في ذلك قديم وكان من ضمن ما استدل به مالك وابو حنيفة هذا اللفظ وان تصوموا خير لكم هناك قول ثالث يقول بان الافضل هو الارفق بالمسافر فان كان الارفق به ان يفطر ويقضي فهذا الافضل وان كان الافظل به ان يصوم لان صيام الانسان في رمضان قد يكون اسهل عليه من القضاء حال كون الناس مفطرين ثم قال تعالى شهر رمضان اي الايام المعدودات التي كتب علينا صيامها هي شهر رمظان وشهر رمضان هو الشهر التاسع من شهر من شهور السنة القمرية وفي هذا دلالة على تفضيل اتباع التواريخ القمرية لانه تعلم بها الاحكام الشرعية سواء في الحج او في الصوم او في العيدين او في الزكاة او في غيرها من الاحكام وفي هذا وقوله شهر رمضان الشهر هو ما اشتهر وظهر من الاخبار وهذا فيه دلالة على انه لا يثبت الشهر الا اذا ظهر خبره شهر رمضان وفي قوله فمن شهد منكم الشهر استدل به على ان الشهر لا يدخل الا برؤية الهلال او اكمال تعبان وقد ورد في الحديث صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته. وحكي هذا اجماع اهل العلم حكي مع اهل العلم عليه وقوله شهر رمظان الذي انزل فيه القرآن فيه دلالة على ان القرآن منزل من عند الله سبحانه وتعالى والمراد هنا ابتداء نزول القرآن وفي هذه الاية دلالة على ان القرآن هداية وحماية من الضلالة قال وبينات من الهدى والفرقان اي يفرق بين الباطل والحق قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه هذا مراد به مشاهدة ورؤية الهلال. قال المؤلف وقد زل بعض المتقدمين. فقال ليعول على الحساب بتقدير المنازل حتى يدل ما اجتمع حسابه على انه لو كان صح ولا رؤي قال وقد زل ايضا بعض اصحابنا فحكى عن الشافعي انه قال يعول على الحساب وهي عثرة لا لعن لها اي سقوط لا يوجد عند هذا الساقط من يدعو له او من يعينه ليقوم من سقطته وقوله فمن شهد منكم الشهر شهد قد تكون لرؤية الهلال وقد يكون المراد بها الاقامة لان المسافر يجوز له ان يفطر كما تقدم بارك الله فيكم ووفقكم الله لخيري الدنيا والاخرة وجعلنا الله واياكم من الهداة المهتدين هذا والله اعلم صلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين