الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن اياته خلق السماوات والارض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم اذا يشاء قدير وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير وما انتم بمعجزين في الارض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير هذه الايات الكريمة من سورة الشورى يقول الله جل وعلا ومن اياته خلق السماوات والارض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم اذا يشاء قدير ومن ايات الله الدالة على وحدانيته وكمال قدرته واستحقاقه للعبادة وحده لا شريك له هذا الخلق العظيم الذي ترونه وتشاهدونه وانتم بينه فراشا لكم وظلالا وسقفا فوقكم خلق السماوات والارض فهذه المخلوقات علامة على عظم الخالق جل وعلا وعلى قدرته وعلى كمال وحداريته خلق السماوات والارض وما بث فيهما من دابة بمعنى اوجد ودب عليها والمراد بالدابة ما دب على وجه الارض ما مشى ودب وما بث فيهما من دابة قال بعض العلماء بث فيهما اي في احدهما وهي الارض لان ما يمشي ويدب وعلى وجه الارض واما السماء وفيها الملائكة صلوات الله وسلامه عليهم وهم يطيرون ولا يمشون مشيا وقال بعضهم يجوز ان في السماوات مخلوقات كثيرة تمشي على على سطح السماء والله جل وعلا قال وما بث فيهما اي في الاثنتين في السماء والارض قال الاولون يأتي ذكر الخلق والايجاد في الاثنتين المراد في احدهما كما في قوله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان من البحرين العذب والملح والمالح قالوا اللؤلؤ والمرجان المعروف انه في احدهما لا في كليهما فهو في المالح فقط والله جل وعلا قال ومن اياته خلق السماوات والارض وما بث فيهما يعني اوجد فيهما من دابة وهو ما يدب على وجه الارض من ادبي وجني وحيوان وغير ذلك وما بث فيهما من دابة يجوز ان يكون معطوفا على خلق ويجوز ان يكون معطوفا على السماوات والارض واذا كان معطوفا على خلق يكون المعنى ومن اياته خلق السماوات ومن اياته خلق ما بث فيهما من دابة على تقدير مضاف ومن اياته خلق ما بث فيهما من دابة ومن اياته خلق السماوات وما بث فيهما من دابة فهو حينئذ يكون في محل رفع على الابتداء معطوف على الابتداء الذي هو خلق ومن اياته خلق السماوات والارض من اياته جار ومجرور خبر مقدم وخلق مبتدأ مؤخر وما بث يكون معطوفا على المبتدع ويجوز ان يكون معطوفا على السماوات ومن اياته خلق السماوات والارض وما بث فيهما وما بث فيهما يكون معطوفا على السماوات فهو في محل وهو على جمعهم غلب العقلاء لان العقلاء يا جماعة على جمعهم ولو كان المراد غير العقلاء لقال وهو على جمعها وهو على جمعها فهذه فيها العقلاء وغير العقلاء وكلها تجمع يوم القيامة كما قال الله جل وعلا يقول الكافر يومئذ يا ليتني كنت ترابا. يعني بعد ما يجب يبعث الله جل وعلا الحيوانات ويقتص لبعضها من بعض يقول الله جل وعلا لها كوني ترابا فحينئذ يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا يتمنى ان يكون مثل الحيوانات والحيوانات يقتص لبعضها من بعض ثم ينتهي امرها فليس لها جنة ولا نار وما وهو على جمعهم يعني جمع ما المخلوقات وذلك في يوم القيامة. وهو على جمعهم اذا يشاء قدير اذا شاء الله جمعهم جمعهم. فهو جل وعلا لا يعجزه شيء كما انه اوجدهم من العدم فهو جل وعلا قادر على ايجادهم بعد ثنائهم من باب اولى لان من اوجد الشيء من اول وهلة اقدر على ايجاد الشيء بعد وجوده ثم فناءه ثم قال جل وعلا وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم. ويعفو عن كثير وما اصابكم من مصيبة اي مصيبة مصيبة مرض فاقد غال على الانسان من قريب او حبيب او مال او ولد او نحو ذلك جوع وعطش وما اصابكم من مصيبة حتى الشوكة يشاكها فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير هذه المصائب التي تصيب الانسان هي بسبب بسبب ما كسبت يده بسبب معصيته بسبب ذنب اقترفه عمران بن حسين رضي الله عنه الصحابي الجليل ابتلي في بدنه بالامراض في اخر حياته فدخل عليه بعض اصحابه فقالوا انا لنبتئس لك. يعني نتألم لك ونتأثر لك لما نرى فيك قال فلا تبتأس لما ترى فانما ترى بذنب وما يعفو الله عنه اكثر ثم تلا قوله تعالى وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير وما يعفو الله عنه اكثر روي عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه انه قال الا ادلكم على ارجى اية في كتاب الله قالوا بلى فذكر هذه الاية رضي الله عنه وقال ان الله جل وعلا قسم ما اقترفه الانسان من ذنب الى قسمين قسم كفره بالالام والمصائب وقسم عفا الله عنه وما كفره الله جل وعلا بالمصائب فهو اكرم جل وعلا من ان يثني العقوبة على الانسان في الاخرة وما عفا الله جل وعلا عنه فهو اكرم من ان يعاقب عليه بعد عفوه معنى هذا ان ذنوب المؤمن في الدنيا كلها يرجى عفو الله جل وعلا عنها ومحوها عنه في الدنيا بين امرين اما مصائب يكفر بعضها واما معفو عن بعضها فيقدم المؤمن على ربه وقد تخلص من ذنوبه في دنياه وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم كسبت ايديكم هناك كسب تكسبه غير الايدي الارجل والاعين والاذان واللسان والقلب وسائر الحواس فكيف حصر الكسب باليدين قيل لانها في الغالب هي وسيلة الاخذ والعطاء والا فقد يكون كسب واثر اللسان اشد واعظم واثر الفرج اشد واعظم واثر القدم اشد واعظم ولكن الله جل وعلا عبر باليدين والمراد جميع الجوارح والحواس يعني ما اقترفته ايديكم وجوارحكم وحواسكم هو سبب المصائب التي اصبتم بها في دنياكم ويعفو عن كثير عن اكثر يعني اكثرها يعفو عنه وقليل منها هو الذي يعاقبكم عليه جل وعلا في المصائب التي تحصل في الدنيا وما اصابكم من مصيبة ما ما هذه يصح ان تكون شرطية واي مصيبة اصابتكم فبما كسبت ايديكم ويصح ان تكون موصولة والذي اصابكم من المصائب بكسب ايديكم وقوله فبما كسبت ايديكم فيها قراءتان سبعيتان باثبات الفاء وبحذفها وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم وما اصابكم من مصيبة بما كسبت ايديكم قال الزجاج اثبات الفاء اجود وهي القراءة المشهورة ويعفو عن كثير يتجاوز جل وعلا عن كثير من المصائب من من الذنوب وما كسبه العبد وهو جل وعلا اذا عاقب عبده في الدنيا على ما اقترف فانه يعاقب على قليل مما اقترف والكثير مما اقترفه المؤمن فالله جل وعلا يعفو ويتجاوز عنه ويكفره الحسنة بالخطى الى المساجد القرب التي يعملها المؤمن بالوضوء والصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر الاعمال الصالحة فان الله جل وعلا يكفر بها كثيرا من الذنوب قال الواحدي رحمه الله وهذه الاية ارجى اية في كتاب الله لانه جعل ذنوب المؤمنين صنفين سيف كفره عنهم بالمصائب وصنف عفا عنه في الدنيا وهو كريم لا يرجع في عفوه فهذه سنة الله مع المؤمنين واما الكافر فانه لا يعجل له في الدنيا عقوبة ذنبه حتى يوافى بها يوم وذلك ان الله جل وعلا يبتلي المؤمنين بالمصائب والامراض والاوجاع ليكفر الله جل وعلا عنهم بها قد يقول قائل قد يبتلى العبد بالاوجاع والامراض او الفقر ولا ذنب له لا ذنب له كما يحصل على الرسل صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين فهم معصومون من الذنوب. والنبي صلى الله عليه وسلم مرض وجاع وعطش وجرح صلى الله عليه وسلم واوذي وعذب عليه الصلاة والسلام كذلك لرفع الدرجات في الدار الاخرة اذا فالمصائب تكون لاحد امرين اما تكفير للسيئات واما رفعة في الدرجات ورد الاثر ذكر ذلك بعض المفسرين ان رجلا جاء لموسى عليه الصلاة والسلام وقال اسأل الله جل وعلا ان يعطيني ما في نفسي وهو اعلم لم يخبر موسى بما اراد فسأل موسى ربه جل وعلا ان يستجيب له ويعطيه ما اراد فاذا به بعد فترة تمزقه السباع تأكله فسأل موسى عليه السلام ربه يا ربي سألتك ان تستجيب له ما في نفسه فحصل له ما حصل. فقال نعم يا موسى انه سألني منزلة لم ينلها في عمله واني استجبت لك فيه بعد فجعلت ما جعلت لينال تلك المنزلة التي سألها وقد يكون العبد له عند الله جل وعلا منزلة عالية رفيعة في الجنة لا ينالها العبد بعمله. ولا يستطيع ان يصل اليها فيعجل الله جل وعلا له المصائب لينال تلك المنزلة وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم اشد الناس بلاء يعني في الدنيا ابتلاء وامتحان الانبياء ثم الامثل فالامثل يعني كل ما كان المرء في دينه صلابة عجل له شيء من المصائب لينال المنزلة التي ادخرها الله جل وعلا له في في الدار الاخرة وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير يتجاوز فلا يعاقب عليها لا في الدنيا ولا في الاخرة ثم قال جل وعلا وما انتم بمعجزين في الارض لا يتصور المرء انه يستطيع الهرب من الله جل وعلا فهو اينما كان واينما حل واينما ارتفع او انخفض فهو في قبضة الله جل وعلا اذا قال جل وعلا وما انتم ايها الخلق بمعجزين الله لا تعجزونه الارض في اي مكان كنتم من الارض فانتم في قبضته وبين يديه وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير هذي فيها تخويف لمن عصى الله جل وعلا الذي يخرج عن سلطة الحاكم يتوقع واحدا من ثلاثة امور اما الهرب يهرب ويختفي قد يهرب ويسلم من حاكم الدنيا شفاه الله جل وعلا هنا ما انتم بمعجزين في الارض اي مكان كنتم في الارض فانتم في قبضة الله وما لكم من دون الله من ولي المتمرد في الدنيا يقول لعل عمي او خالي او ابي او اخي يمنعني من العقوبة شفاه الله جل وعلا وما لكم من دونه من ولي لا احد يتولاك ويدفع عنك في الدار الاخرة قد يكون المرء لا عم له ولا خال ولا قريب لكن يقل قومي ما يقصرون جماعتي ينصرونني يدافعون عني فقال الله جل وعلا ولا نصير لا مهرب ولا ولي ولا نصير اذا فانتم في قبضة الله جل وعلا والله جل وعلا منفذ فيكم ما اراده سبحانه وتعالى وما انتم ايها الخلق بمعجزين معجزين من؟ معجزين الله في الارض وما لكم من دون الله من غير الله من ولي ولا نصير. لا احد يتولاكم ولا احد يناصركم ولا تستطيعون الهرب انتم في قبضة الله جل وعلا فمن ايقن بهذا احسن العمل حتى لا يتمنى الفرار ولا يتمنى الولي ولا يتمنى النصير فيكون معه ما يشفع له وهو عمله الصالح وبعده عن الاجرام والذنوب الله جل وعلا بين كمال قدرته الاية الاولى وبين جل وعلا عفوه وتجاوزه وتسامحه في الاية الثانية وبين في الاية الثالثة كمال احاطته بالخلق وانهم لا يستطيعون الهرب ولا ولا الخلاص منه جل وعلا والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين