من سورة صاد قوله جل وعلا اذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا من طين فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين الايات يبين الله جل وعلا مبدأ خلق ادم عليه السلام وامره جل وعلا للملائكة في السجود له والله جل وعلا بين هذه القصة في ست سور من القرآن الكريم في سورة البقرة وسورة الاعراف وسورة الاسراء وسورة الكهف وسورة طه وسورة صاد والله جل وعلا قال في الايات السابقة قل هو نبأ عظيم انتم عنه معرضون ما كان لي من ما كان لي من علم بالملأ الاعلى اذ يختصمون اذ يختصمون اذ قال ربك للملائكة اذ هذه الاخيرة من تلك بدلوا اشتمال وقيل هذه اذ قال ربك للملائكة منصوبة بفعل مقدر تقديره اذكر اذ قال ربك للملائكة اني خالق بشر اني خالق موجد بشر جسم سمي بشر الذي هو ادم وذريته لمباشرتهم الارض وقيل لظهور بشرته وان بشرته ظاهرة بادية ليس عليها صوف ولا شعر ولا وبر ولا ريش اني خالق بشر وبشرا منصوب بخالق اني خالق بشرا من طين اي هذا البشر من الطين والله جل وعلا خلق ادم من طين تربة فاذا سويته اكملت صورته وخلقه واوجدت فيه الحياة ونفخت فيه من روحي اوجد الله جل وعلا فيه الحياة بث الحياة في جسم ادم من رح من ملكي من الارواح التي املكها فهو المالك لها جل وعلا وحده وليست هذه من والله جل وعلا منزه عن ان يحل شيء منه بشيء من الخلق تعالى وتقدس فهو جل وعلا مستو على عرشه بائن من خلقه من روح فقعوا له ساجدين. يعني فاسجدوا له وهل هذه هذا السجود سجود خضوع وذل ام سجود تكريم واحترام بل هو السجود تكريم وتحية والسجود في شرعنا حرمه الله جل وعلا الاله وقد كان من قبلنا يحيون من يحيون من العظماء بالسجود لهم فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن ان نسجد لمخلوق وقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ان فارس والروم يسجدون لعظمائهم وانك احق بذلك فلو امرتنا فسجدنا لك وقال النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت امرا احدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها لكن السجود لا يصح ولا يحق الا لله جل وعلا والله جل وعلا امر الملائكة عليهم الصلاة والسلام بان يسجدوا لادم سجود تحية لاظهار شرفه وتكريمه كما ميزه الله جل وعلا عليهم باطلاق على علم ما لم يعلموه نعم هذه القصة ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة البقرة وفي اول سورة الاعراف وفي سورة الحجر وسبحان والكهف وها هنا وهي ان الله سبحانه وتعالى اعلم الملائكة قبل خلق ادم عليه الصلاة والسلام بانه سيخلق بشرا من صلصال من حمأ مسنون وتقدم اليهم بالامر متى فرغ من خلقه وتسويته فليسجدوا له اكراما واعظاما واحتراما وامتثالا لامر الله عز وجل فامتثل الملائكة كلهم سوى ابليس ولم يكن منهم جنسا كان من الجن فخانه طبعه وجبلته احوج ما كان اليه فاستنكف عن السجود لادم وخاصم ربه عز وجل فيه وادعى انه خير من ادم فانه مخلوق من نار وادم خلق من طين. نعم قوله جل وعلا فاذا سويته ونفخت فيه من روحي تكلم بعض المتكلمين على الروح فقالوا اهي جسم ام عرب ليست بجسم ولا عرض والاولى ان نقول فيها كما قال ربنا جل وعلا ويسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا فحقيقة الروح نقول لا يعلمها الا الله جل وعلا وقوله جل وعلا تقعوا له ساجدين اي اسجدوا له على الارض وقوله جل وعلا فسجد الملائكة كلهم اجمعون الا ابليس اكبر وكان من الكافرين سجد الملائكة كلهم طاعة لله جل وعلا لم يتخلف منهم احد سجدوا كلهم اجمعون اي في وقت واحد وقوله كلهم تشعر بانه لم يتخلف منهم احد وقوله اجمعون تشعر بانهم في وقت واحد سجدوا. تحية لادم قوله جل وعلا الا ابليس استكبر الا اداة استثناء وهل هذا الاستثناء متصل او منقطع قولان للعلماء رحمهم الله قال بعضهم ان الاستثناء متصل يعني ان ابليس كان مع الملائكة ومختلطا بهم فهو داخل معهم وهو ممن يعبد الله جل وعلا ولذا الاستثناء متصل لان لانه اذا كان ما بعد الا من جنس ما قبله الا الاستثناء متصل تقول جاء الطلاب الا محمدا بعضهم قال الاستثناء هنا منقطع بمعنى لكن وذلك ان ابليس ليس من الملائكة ولا من جنسهم والقاعدة انه اذا كان ما بعده الا من غير جنس ما قبل الا فالاستثناء حينئذ منقطع تقول مثلا جاء الرجال الا حمارا وذلك ان حمار من غير جنس ما قبل الا الذي هو للرجال. وهنا الملائكة وابليس فابليس ليس من جنس الملائكة فحينئذ الاستثناء هنا بمعنى لكن فسجد الملائكة كلهم اجمعون لكن ابليس استكبر. فليس من جنس الملائكة واستكبر ولم يسجد فالاستثناء حينئذ منقطع الا ابليس استكبر اي اتصف بصفة الكبر والكبر خصلة ذميمة يتصف بها من يشعر بالنقص فهو يشعر بالنقص فيحاول ان يكمل نقصه هذا بالتكبر والتعاظم المصطنع والا فالكبر حقيقة لا يصلح الا لله جل وعلا والله جل وعلا هو المتكبر وهو المستحق للكبر جل وعلا الا ابليس استكبر تعاظم عن السجود لادم وكان من الكافرين. اي بكبره هذا وتعاظمه اصبح من الكافرين ومن الكبر ما هو كفر والعياذ بالله ومنه ما هو كبيرة من كبائر الذنوب ولا يصل الى الكفر. فاستكبار استكبار استكبار كبر وكفر الا ابليس استكبر وكان من الكافرين. اي كان في علم الله جل وعلا ازلا انه يكفر لان الله جل وعلا يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون جل وعلا. لا عليه خافية فهو جل وعلا يعلم ازلا ان ابليس سيكفر وان عبد الله مع الملائكة وكان من الكافرين اي في علم الله. او كان من الكافرين باستكباره هذا ثمان الله جل وعلا سأله قائلا له يا ابليس ما منعك ان تسجد ما الذي منعك من السجود الم آمرك الا يجب عليك الطاعة والامتثال فاذا جاء امر الله جل وعلا فلا مجال للرأي فيه واذا جاء امر رسوله صلى الله عليه وسلم فلا مجال للرأي فيه فعلى المسلم على المطيع ان يسلم لامر الله جل وعلا. وان يسلم لامر رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يقل لم؟ او كيف او هذا غير لائق قال يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقته بيدي لما خلقت بيدي بالتثنية وفي قراءة بيدي فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال خلق الله اربعا بيده العرش وجنة عدن والقلم وادم وروى عبدالله بن الحارث قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله ثلاثة اشياء بيده خلق ادم بيده وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده اخرجه ابن ابي الدنيا في صفة الجنة وابو الشيخ العظمة والبيهقي في الاسماء والصفات ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي استكبرت هل منعك الاستكبار والتعاظم كنت من العالين من المتصفين بصفة العلو التعاظم والترفع لما لما لم تطع الامر وكان جواب ابليس اللعين بقوله كما قال الله جل وعلا عنه قال انا خير منه انا يقول ابليس انا خير من ادم فكيف اسجد له ما وجه هذه الخيرية في نظرك قال خلقتني من نار وخلقته من طين قال انا مخلوق من نار وادم مخلوق من طين فهو اولا عصى امر الله جل وعلا واذا جاء امر الله فلا قياس ولا امتناع ولا توقف هم ان قياسه باطل في قوله انا خير منه فالنار ليست خيرا من الطين فهو زعم ان عنصر النار اشرف من عنصر الطين وافضل منه بزعمه ان النار ترتفع والنار والطين يهبط في الارض وما كان يرتفع فهو اقرب الى عالم العلو وما كان في العلو فهو افضل من السفلي هذا زعمه وليس الامر كذلك افضل من النار اولا ان الطين مادة للاشياء الحية منها ادم عليه السلام ومنها الشجر وان وان النار محرقة واثارها الرماد والرماد لا خير فيه والطين من اثاره الانبات والايجاد والنار يستخدمها الخارج من الطين الموجود من الطين ويستفيد منها اذا احتاج اليها والطين يقضي على النار ويتلفها والاستفادة من الطين في كثير من الامور اكثر بكثير من الاستفادة من النار وعاقبة الطين واثاره افضل بكثير من عاقبة النار واثارها عند ذلك قال الله جل وعلا له قال فاخرج منها فانك رجيم اخرج منها اي من السماء او من الجنة او من السورة الحسنة النورانية سلبها الله جل وعلا اياه وجعل له الظلمة فانك رجيم اي مرجوم مبعد مطرود عن رحمة الله جل وعلا لماذا لانه عصى الله جل وعلا ومن عصى الله جل وعلا يستحق الطرد والابعاد من رحمة الله فليحذر ابن ادم ان يطرد من رحمة الله جل وعلا بمعصيته لله جل وعلا المعصية شأنها عظيم وخطرها جسيم وردت ابليس من رحمة الله جل وعلا المعصية اخرجت ادم عليه السلام من الجنة فليتنبه العبد الذي يريد النجاة لنفسه وليحذر من الطرد والابعاد عن رحمة الله بمعصية يعصي الله فيها ولا يستحقر المسلم المعصية وان قلت وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفا. وفي رواية ابعد مما بين المشرق والمغرب لا يلقي لها بال لا يهتم لها او يظن انها توصله الى ما وصلته اليه ربما قالها على سبيل التهكم او على سبيل المزح او على سبيل اظحاك الاخرين نحو ذلك فليحذر ان يقول كلمة توبق دنياه واخرته والرجل الذي قال على سبيل الغيرة التي في غير محلها والله لا يغفر الله لفلان الرجل رأى صاحبه على المعصية فنهاه ثم رآه فنهاه فلم ينتهي فقال والله لا يغفر الله لفلان فقال الله جل وعلا من ذا الذي يتآلى علي؟ يعني يحلف علي الا اغفر لفلان. لقد غفرت لفلان واحبطت عملك فهذا الرجل قال هذا هذه الكلمة على سبيل الغيرة لكن في غير محلها فليحذر المسلم ان يتكلم بكلمة تكون سببا لخسارته في الدنيا والاخرة والعياذ بالله قال فاخرج منها فانك رجيم. اي مرجوم مطرود مبعد من رحمة الله وان عليك لعنتي الى يوم الدين وان عليك يا ابليس لعنة الله جل وعلا لعنه وابعده وحرمه من الخير كله الى متى لان المرء قد يمقته الله جل وعلا ثم يتوب اليه قد يطرده الله جل وعلا من رحمته ثم يتوب عليه جل وعلا وهو تواب رحيم اذا اقبل العبد على ربه بعد المعصية والوقوع فيها وصاحب المعصية مبعد لكنه اذا تاب واناب ورجع الى الله واستغفره الح على ربه جل وعلا وقد يستجيب الله له ويرده ويقبله جل وعلا كما قال تعالى قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم يعني في المعاصي لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا لكن لعنته جل وعلا لابليس مستمرة الى يوم القيامة. اخبر بانه لن يقبله ولن يتوب عليه. ولن يمكنه من التوبة. وان عليك لعنتي الى يوم الدين الذي هو يوم القيامة. وسيأتي الكلام على بقية القصة ان شاء الله. والله اعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين