في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون هذه الاية في بيان سوء خصال المنافقين ليعرفوا بها وليحذر المؤمن من التشبه بهم ثم هو بيان سبب عمله من الخداع وهو ان في قلوبهم خللا تزايد الى ان بلغ حد السوء في قلوبهم مرض اي شك ونفاق وحقد وحسد ففي قلوبهم مرض بسكونهم الى الدنيا وغفلتهم عن الاخرة والمرض عبارة مستعارة للفساد الذي في عقائدهم والانهماك في شهواتهم ومعلوم ان المرض يؤول الى الموت وفي القرآن الكريم سمي المؤمنون احياء بسبب انهم انتفعوا من الحياة بالعمل الصالح ففازوا بالحياة الدائمة في الاخرة وسمي الكفار امواتا لانهم لم ينتفعوا من حياتهم ولن يظفروا بالحياة الباقية فزادهم الله مرضا اي بما انزل من القرآن فشكوا فيه كما شكوا في الذي قبله فمعنى فزادهم الله مرضا ان تلك الاخلاق الذميمة الناشئة عن النفاق والملازم له كانت تتزايد فيهم لتزايد الايام لان من شأن الاخلاق اذا تمكنت ان تتزايد بتزايد الايام حتى تصير ملكات والسبب في كون النفاق موجبا للازدياد ما يقارنه من سيء الاخلاق لان النفاق يستر الاخلاق الذميمة فتكون محجوبة عن الناصحين والمربين والمرشدين وحين ذاك تتأصل وتتوالد الى غير حد فالنفاق في كتمه مساوئ الاخلاق بمنزلة شتم المريض داءه عن الطبيب سيكون معنى الاية فزادهم الله مرضا الى مرظهم اي وكلهم الى انفسهم وجمع عليهم هموم الدنيا فلم يتفرغوا عن ذلك الى احتمال بالدين فلم ينالوا التوفيق والرعاية والتأييد وقد سمي الشك في الدين مرضا لانه يظعف الدين كالمرظ يظعف البدن ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون والكذب هو الخبر عن الشيء على خلاف ما هو به وهو حرام كله لانه علم به استحقاق العذاب علما ان الكفر اكبر معصية من الكذب وذكر هنا للاشعار لقبح الكذب وللتنفير منه بابلغ وجه فهؤلاء المنافقون قد جمعوا الخستين الكفر الذي توعد الله مرتكبه بالعذاب الاليم والكذب الذي توعد الله مقترفه بالعقاب الاليم وجاء التعبير بما كانوا يكذبون لافادة تجدد الكذب وحدوثه منهم حينا بعد حين وان هذه الصفة هي اخص صفاتهم وابرز جرائمهم وبين الله عذاب الاخر بانه اليم. لان عذاب الدنيا قد يكون ولا الم فيه. كما مر معنا ان من العقاب ان لا تشعر بالعقاب لتزداد الى ما يجمع عقاب الاخرة فاخبر الله عز وجل ان عذاب الاخرة عذاب شديد عظيم ليس كعذاب الدنيا