انا نحن نزلنا الذكر وان له لحافظون ولقد ارسلنا من قبلك في شيع الاولين. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين فالصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين قال تعالى واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا امنا وارزق اهله من الثمرات من امن منهم بالله واليوم الاخر قال ومن كفر فامتعه قليلا ثم اضطره الى عذاب النار وبئس المصير اي واذكروا اذ دعى ابراهيم للبيت الحرام ان يجعله الله بلدا امنا مطمئنا يجبى اليه ثمرات كل شيء وفي الامر بالتبكير بدعاء ابراهيم تذكير بشكر الله عبده اذا قام العبد مقاما كريما نافعا ولا سيما المقام الذي يعظم نفعه للخلائق ففيه تنبيه ان لا يقصر المرء في اي باب من ابواب الخير يقربه الى ربه ويحسن فيه الى عباد الله وتأمل في الدعاء رب اجعل هذا بلدا امنا فدعاء الرب لا يغفل عنه المؤمن فالله هو ربك الذي يربك بالنعم ويغذيك رب اجعل هذا بلدا امنا. اي يا ربي اجعل هذا البلد بلدا امنا من كل شر امنا من الجبابرة ان يسلطوا عليه ومن عقوبة الله ان تناله كما تنال سائر البلدان من خسف وبركان وغرق وغير ذلك من سخط الله ومثلاته التي تصيب سائر البلاد وقد استجاب الله دعاء ابراهيم فجعل مكة بلدا امنا وهذا في الاعم الاغلب على مر العصور واختلاف الدهور ولا ينافي ذلك ما وقع نادرا كما في تسليط الحجاج على مكة وتسليط القرمطي فالقاعدة تبقى قاعدة وان وجد لها ما ينافيها احيانا اذ الحكم للاعم الاغلب فمكة كانت وما زالت وستبقى امنة مطمئنة وهذا من الناحية القدرية اما من الناحية الشرعية فان الله اوجب على المؤمنين ان يحفظوا امن مكة وارزق اهله من الثمرات من امن منهم بالله واليوم الاخر تدبر كيف ان ابراهيم قيد هذا الدعاء بالمؤمنين تأدبا مع الله مستفيدا من دعائه السابق اذ دعى ربه ان يجعل من ذريته ائمة فابانا الله له ان الظالم لا ينال الامامة في الدين فلما دعا ابراهيم بالرزق وقيده بالمؤمن كان رزق الله شاملا للمؤمن والكافر والطائع والعاصي والثمرات جمع ثمرة وهي ما تحمل به الشجرة وتنتجه مما فيه للانسان او فاكهة له قال تعالى ومن كفر اي ارزقهم كلهم مسلمهم وكافرهم اما المسلم فيعيش بالرزق على عبادة الله ثم ينتقل منه الى نعيم الجنة فربنا قدر الرزق في الدنيا لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم كما قال تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا فالكافر يتمتع قليلا كما قال تعالى في هذه الاية فامتعه قليلا اي بما قدرت له من رزق الدنيا ومهما كان هذا الرزق فهو في الحقيقة شيء يسير قليل لانه زائل فان فامتعه قليلا اي تمتيعا قليلا وزمانا قليلا والدنيا كلها قليل ولا سيما عمر الانسان اذا استجاب الله دعوة ابراهيم في الرزق وجعله عاما والثمار تأتي الى مكة من مختلف بقاع الارض القريبة والبعيدة كما قال تعالى او لم نمكن لهم حرما امنا يجبى اليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن اكثرهم لا يعلمون ثم اضطره اي الجئه واخرجه مكرها الى عذاب النار وبئس المصير اي بئس المكان. الذي يصير اليه في نار جهنم وساء المصير عذاب النار وفي الاية الكريمة بيان للشدة التي تحصل للكافر اضطره اي ادفعه الى النار واسوقه اليها كما قال تعالى يوم يدعون الى نار جهنم دأ فقال تعالى يوم يسحبون في النار على وجوههم فمعنى الاضطرار الاكراه يقال اضطررت فلانا الى هذا الامر اذا الجأته اليه وحملته عليه فكذلك معنى قوله ثم اضطره الى عذاب النار. اي ادفعه اليه واسوقه سحبا وجرا على وجهه لان كل احد يحاول ان يفر من عذاب الله لكن من قدر عليه انه من اهلها فلن يستطيع الهرب من فوائد هذه الاية الكريمة اولا لا غنى للانسان عن دعاء الله مهما كانت مرتبته فابراهيم هو خليل الرحمن ولم يستغني عن دعاء ربه ثانيا الدعاء سبب لحصول المقصود ولذا فان ابراهيم دعا ربه ان يجعل الوادي بلدا وكان واديا مهجورا ليس فيه زرع ولا ماء ولا بناء ثالثا رغبة ابراهيم ورأفته في قصد البيت الحرام ومن يقصده معظما ربه رابعا الاحتياط في الدعاء ان يكون في محله كما هو مقصد ابراهيم اذ طلب ان يكون الرزق لمن امن بالله وباليوم الاخر خامسا رزق الله في الدنيا للمؤمن والكافر فالدنيا ليست دار نعيم لاوليائه ولا دار عقاب لاعدائه سادسا الدنيا دار امتحان واختبار يعطيها الله من يحب ومن لا يحب اما الامام في الدين فهي شرف عظيم ولا يستحق هذا الشرف الا الخلص من اوليائه سابعا اراد الخليل بهذه الدعوات ان تكون للمؤمنين ليستعينوا بالرزق على طاعة الله اذ لا هناء بالرزق من غير الامن والامان ثامنا بئس عذاب النار مصيرا لمن فرط في حق الله جزاء وفاقا تاسعا اهمية الدعاء بالخير اذ ان الله نوه بذكر ابراهيم بسبب دعائه. واعلن بذلك فقال اذ قال اي واذكروا اذ قال عاشرا ظرورة عدم التفريط في الاعمال الصالحة اذ يجب علينا ان نتخذ من هذا الوقت القصير عملا كثيرا ينفعنا في الاخرة وقد من الله علينا بمضاعفة الاجور حادي عشر ان نعمة المؤمن في الدنيا موصولة بالاخرة اما الكافر فان نعمته الدنيوية تنقطع عند موته ثاني عشر الرزق رحمة دنيوية تعم المؤمن والكافر ثالث عشر منقبة عظيمة لابراهيم. اذ استجاب الله دعاءه بحلول الامن والسلام على مكة وقد جعل الله له بهذا لسان صدق في الاخرين ابتذلوا الاية على حرصه لايمان اهل مكة رابع عشر دعوة إبراهيم هذه من جوامع كلم النبوة اذ ان امن البلاد والسبل يستتبع جميع خصال سعادة الحياة. ويقتضي العدل والعزة الرخاء والسعة. ادلاء بدونها. وهو يستتبع التعمير والاقبال على ما ينفع البلاد والعباد خامس عشر اراد ابراهيم بدعائه تيسير الاقامة فيه على سكان مكة ووافدي البلد بتوطين وسائل ما اراده لذلك البلد من كونه منبع الاسلام. ومنه ينبثق النور لدعوة الخلق اجمعين الى الحق سادس عشر الدنيا ليست الاساس في قرب الناس وبعدهم في قضايا العطاء والمنع. بل الدار الاخرة تمثل يوم الفصل الذي جعله الله وهناك يغبن المؤمنون الكافرين سابع عشر في القرآن الكريم تجلت قصة ابراهيم كثيرا لما لها من الاثر في الاجيال ومما ظهر للجميع كثرة دعائه مما يجسم اماله وكثرة مساعيه في جنب الله وحب الخير للغير ثامن عشر جعل الله البلد الحرام امنا كي يتناسى فيه الموتورون احقادهم والمغرظون اهواءهم فلا يتذكرون شيئا الا عبادة الله وحده لا شريك له. ولا يهتمون الا بتعظيم حرمات الله التاسع عشر الموازنة في الدعاء فابراهيم دعا بالامن ثم دعا بالثمرات اذ الثمرات من مستلزمات الامن لانها من مقومات الحياة. فيبقى الناس في البلد. واذا لم يوجد الامن فلا هناء بالثمرات اسأل الله تعالى ان يحفظ مكة واهلها ومن زارها. وان ييسر الله تعالى زيارتها المسلمين اجمعين. وان يحفظ الله تعالى سائر بلاد المسلمين. اللهم ارحمنا وارحم امة محمد اجمعين في كل زمان ومكان هذا وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبركاته