ثم عقبه بالامر بالايمان لرجوعه الى جلب النعيم المقيم ودفع المفاسد مقدم على جلب المصالح والفلاح يكون بالنجاة من المرهوب والفوز بالمطلوب واذا قيل لهم امنوا كما امن الناس قالوا انؤمن كما امن السفهاء الا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون اي واذا قال لهم الرسول او المؤمنون امنوا اي اكملوا ايمانكم بالايمان الصادق وبالفعل الذي ضيعتموه وهو العمل الصالح كما امن الناس الذين تعرفونهم من اهل الايمان واليقين وهم الصحابة والالف واللام في الناس للجنس والمراد الكاملون الانسانية العاملون بما وهبهم الله من نعمة النقل والعقل العاملون بالشرع المطهر الذي جاء لرعاية مصالح البشر ودفع الشر عنهم والظرر اي امنوا كايمان الصحابة فهم الناس الكاملون على الحقيقة فكان جواب المنافقين انؤمن كما امن السفهاء وهذا من طغيانهم وكبرهم فالسفهاء جمع سفيه والسفيه هو الضعيف الرأي الجاهل القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضار فالسفه خفة وثخافة رأي يقتضيها نقصان العقل وهكذا اهل السوء يصفون اهل الخير بصفات الشر كي يعموا عن عيوبهم في هذه الاية الكريمة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وللعلماء والدعاة لاجل الصبر على ما يلاقون في دعوتهم الى الله فمعنى الاية واذا قيل للمنافقين صدقوا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم واعملوا بما امنتم به وبما انزل من الوحيين قالوا ان يصدق كما صدق الجهال ثم كذبهم الله وحكم عليهم بانهم هم الجهال في الحقيقة لان الجاهل انما يسمى سفيها لانه يضيع من حيث يرى انه يحفظ وكذلك المنافق يعصي ربه ثم يظن نفسه انه يطيعه ويكفر من حيث يظن انه يؤمن وقول المنافقين انؤمن كما امن السفهاء كانوا يقولونه في خفاء واستهزاء فاطلع الله نبيه والمؤمنين وان السفه الحقيقي هو في المنافقين الذين لم يخلصوا لربهم فما خلاص لهم من عذاب الله وقد رد الله عليهم بقوله الا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون اي من تمام جهلهم انهم لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل وهو مما يزيد جهالتهم وتوغلهم في السوء ويبعدهم من الهدى وقد ختمت الاية السابقة بقوله ولكن لا يشعرون وهذه الاية بقوله ولكن لا يعلمون فالافساد في الارض امر حسي. يدركه الانسان باحساسه وشعوره واما السفه فهو امر معنوي يدركه الانسان باثاره بعد النظر وامعان الفكر فيناسبه العلم وهذه الاية الكريمة مع التي قبلها. قد حويت ما ينبغي فعله على كل مؤمن اذ ان كمال الايمان باجتماع الامرين اولا الاعراض عما يجب الاعراض عنه وهو المقصود بقوله لا تفسدوا ثانيا الاتيان بما يجب فعله وهو المطلوب بقوله امنوا وقد بدأ بالنهي عن الذنوب والمعاصي لانه راجع الى دفع العذاب المؤلم