وبعد ان ذكر الله الترهيب بقوله فاتقوا النار التي اعدت للكافرين اردفه بالترغيب وهكذا يجب ان تكون الدعوة الى الله ترغيبا وترهيبا فقال تعالى وبشر الذين امنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل واتوا به متشابها ولهم فيها ازواج مطهرة وهم فيها خالدون اي بشر بالنصر بالدنيا وبولاية الله لهم وبالجنة بالاخرة وبشر الذين امنوا اي اخبرهم خبرا يظهر به اثر السرور على بشرتهم فالبشارة سميت بذلك لان اثرها يظهر على البشرة والبشر ظاهر جلد الانسان والمأمور بالتبشير هو النبي صلى الله عليه وسلم. وكل مؤمن فكل مؤمن حامل راية النبي صلى الله عليه وسلم يجب عليه ان يقوم بتبليغ رسالات الله وعمل الصالحات اي الاعمال الصالحات يعني الطاعات فيما بينهم وبين ربهم والصالحات جمع صالحا وهي الفعلة الحسنة وهي كل ما استقام من الاعمال بدليل الكتاب والسنة فالايمان اساس والاعمال تبنى على الاساس ووصف ربنا اعمال الخير بالصالحات لان بها تصلح احوال الدنيا والدين والاخرة والبرزخ ويزول بها عن العبد فساد الاحوال فيصير بذلك من الصالحين الذين يصلحون لدخول الجنة ان لهم اي بان لهم جنات حدائق ذات شجر تجري من تحتها اي من تحت اشجارها ومساكنها. الانهار والانهار جمع نهر وهو الاخدود الذي يجري فيه الماء على الارض واسند اليه الجري في الاية مع ان الذي يجري في الحقيقة هو الماء اخذا بفن معروف بين البلغاء وهو اسناد الفعل الى مكانه توسعا في اساليب البيان وقد وصف الله الجنات انها تجري من تحتها الانهار امعانا بوصف جمالها واكمل محاسن الجنات جريان الماء من خلالها فانفس المناظر عند البشر جريان الماء في مصاغيب لان في الماء طبيعة الحياة والناظر اليه يرى منظرا بديعا لذيذا كلما رزقوا اي اطعموا من تلك الجنات ثمرة قالوا هذا الذي رزقنا من قبل لتشابه ما يؤتون به وارادوا هذا من نوع ما رزقنا من قبل واتوا به متشابها في اللون والصورة مختلفا في الطعم وذلك ابلغ في الاعجاب ولهم فيها ازواج من الحور العين والادميات مطهرة عن كل اذى وقدر مما في نساء الدنيا والمساوئ الاخلاق وافات الشيب والهرم فهن مطهرات الاخلاق مظاهرات الخلق مظاهرات اللسان مطهرات الابصار فاخلاقهن انهن عرب متحببات الى ازواجهن من خلق الحسن والادب القولي والفعلي ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والبول والغائض والمخاط والبصاق والرائحة الكريهة ومظاهرات الخلق ايضا بكمال الجمال فليس فيهن عيب ولا دمامة خلق بل هن خيرات حساب مطهرات اللسان والطرف قاصرات ظرفهن على ازواجهن وقاصرات السنتهن عن كل كلام قبيح وقد وصف ربنا هذا النعيم بالبقاء فقال وهم فيها خالدون بان تمام النعمة بالخلود وهم في هذه الجنات باقون على الدوام لان النعيم انما يتم باطمئنان صاحبه على انه دائم اما اذا كان محتملا للزوال فان صاحبه يبقى منغص البال اذ سيتذكر انه سيفقده في يوم من الايام فجملة وهم فيها خالدون جيء بها على سبيل الاحتراز من وهم الانطباع قال العلماء وفي هذه الاية الكريمة ذكر المبشر والمبشر والمبشر به والسبب الموصل لهذه البشارة فالمبشر هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من امته والمبشر هم المؤمنون العاملون الصالحات والمبشر به هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات والسبب الموصل لذلك هو الايمان والعمل الصالح فلا سبيل الى الوصول الى هذه البشارة الا بهما وهذا اعظم بشارة حاصلة باتباع النبي صلى الله عليه وسلم بافضل الاساليب وفيه تربية على بشارة المؤمنين وتنشيطهم على الاعمال بذكر جزاء ثوابها وثمرتها فانها بذلك تخف وتسهل وينشط الانسان واعظم بشرى حاصل الانسان توفيقه للعمل الصالح الذي كان قبله الايمان فذلك اول البشارة هو اصلها ومن بعده البشرى عند الموت ومن بعده الوصول الى هذا النعيم المقيم نسأل الله ان يجعلنا منهم