لما ذكر الله نعمة الحياة ذكر الله بعدها نعمة خلق السماوات والارض وهي النعمة التي عمت الخلائق اجمعين فقال هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم وكذلك بعد ان ذكر ما يشهد بقدرته ووحدانيته عن طريق الادلة المتعلقة بذوات المكلفين اردف ذلك بالكلام عن الادلة الكونية هو الذي خلق لكم اي لاجلكم فلكم يدل على ان المذكور خلق لاجل انتفاعنا به لاجل انتفاعنا به في الدين والدنيا اما في الدنيا فليصلح ابداننا ولنتقوى به على الطاعات واما في الدين فللاستدلال لهذه الاشياء والاعتبار بها ما في الارض جميعا جميع المنافع فمنها ما يتصل بالحيوان والنبات والمعادن والجبال ومنها ما يتصل بظروب الحرف والامور التي استنبطها العقلاء وبين تعالى ان كل ذلك انما خلقه كي ينتفع به وفي تقرير هذه النعمة تحريك للوجدان فكأنه سبحانه وتعالى قال كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فاحياكم وكيف تكفرون بالله وقد خلق لكم ما في السماوات وما في الارض وكيف تكفرون بقدرة الله على الاعادة؟ وقد احياكم بعد موتكم ولانه خلق لكم ما في الارض جميعا فكيف يعجز عن اعادتكم وهذه الاية دليل ان الاصل في الاشياء الاباحة الا ما ورد الدليل بتحريمه فان ربنا ذكر ذلك على سبيل المنة ولا يمن الا بمباح ثم استوى الى السماء اقبل على خلقها وقصد اليها لانه خلق الارض اولا ثم عمد الى خلق السماء فسواهن سبع سماوات فجعلهن سبع سماوات مستويات لا شقوق فيها ولا خطورة ولا تفاوت وهو بكل شيء عليم اذ بالعلم يصح الفعل المحكم وعلى هذا فان الله الذي تجب عبادته وطاعته هو الذي تفضل علينا فخلق لمنفعتكم وفائدتكم كل النعم الموجودة في الارض فانتبهوا يا عباد الله فان هذه الاية الكريمة تزرع في النفوس واجبا كبيرا فبعد ان ذكر نعمة الحياة والاشارة الى المبدأ والميعاد ذكر ربنا بعدها هذه الاية والتي فيها امات النعم فالارض فراش والسماء غطاء نعمتان والذي بينهما نعم وتبدل الليل والنهار وهما كالوعائين لتخزين الاعمال الصالحة فعلى الانسان ان يدرك قيمته في هذه الارض وسيادته على ما فيها من موجودات لاجل ان نفهم المهمة العظيمة التي خلقنا من اجلها وسخر لنا ما في السماوات والارض لاجل القيام بها في ساحة الوجود