ان الذين كفروا سواء عليهم اانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون لما قدم ذكر اوليائه وخالصة عباده بصفاتهم التي اهلتهم لاصابة الزلفى عنده وبين ان الكتاب هدى ولطف لهم خاصة بانهم اقبلوا عليه واستمعوه سماع قبول قفى على اثرهم بذكر اضدادهم وهم العتاة الطغاة المردة من الكفار الذين لم يقبلوا على القرآن وهم لا ينفع فيهم الهدى ولا يجدي عليهم اللطف وسواء عليهم وجود الكتاب او عدمه وانذار الرسول والدعاة او سكوتهم فربنا ابتدأ هذه السورة بالكلام عن القرآن الكريم وموقف الناس منه وذكر انهم انواع فمنهم من امن به وعمل صالحا واولئك هم المفلحون ومنهم من كفر واستكبر عن الحق قولا وعملا واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ومنهم المنافقون وسيأتي الكلام عنهم ان الذين كفروا اي كثروا ما انعم الله عز وجل به عليهم من الهدى والايات فجحدوها وتركوا توحيد الله واخلاص العبادة له والكفر مأخوذ من الكفر وهو الستر والتغطية ومنه يقال لليل كافر بانه يستر الاشياء بظلمته وسواده وسمي الزارع كافرا بانه يستر الحبة بالتراب ويغطيه وسمي السحاب كافرا لستره ضوء الشمس ويسمى الكافر كافرا لانه يستر نعم الله تعالى بكفره ويصير في غطاء من دلائل الاسلام وبراهينه ولا يظهر حمد الله قولا ولا عملا ولا حالا ولا باطنا علما ان اظهار حمد الله قولا وعملا وحالا وباطلا هو الواجب كما مر معنا في سورة الفاتحة في قوله تعالى الحمد لله رب العالمين اي قولوا الحمد لله رب العالمين فالكفر بالضم ضد الايمان واصلها المأخوذ منه الكفر بالفتح وهو ستر الشيء وتغطيته ثم شاع الكفر في مجرد ستر النعمة بان المنعم عليه قد غطى النعمة بجحوده لها ولخطورة الامر ولان كفر النعمة قد يؤول الى الكفر بالله سمي كفر النعمة كفرا والكفر يرد في نصوص الوحيين في عدم الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وسمي من لم يؤمن بما يجب الايمان به كافرا لانه صار بجحوده بذلك الحق وعدم الاذعان اليه كالمغطي لنعمة الايمان التي فطر الله الناس عليها وكذلك فان دلائل وجود الله في كل شيء والمراد بقوله تعالى ان الذين كفروا كل طائفة صمت اذانها عن الحق عنادا وحسدا واستكبارا سواء عليهم اي مقتدر ومتساو عندهم اانذرتهم اي اعلمتهم وخوفتهم ام لم تنذرهم؟ ام تركت ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يترك ذلك وكذلك واجب كل مؤمن تبليغ رسالات الله بكل وسيلة مشروعة لئلا تبذل نفس بما كسبت سواء عليهم سواء اسم مصدر بمعنى الاستواء والمراد به اسم الفاعل اي مستو والانذار اخبار معه تخويف في مدة تتسع للتحفظ من المخوف فان لم تتسع له فهو اعلام واشعار لا انذار واكثر ما يستعمل في القرآن في التخويف من عذاب الله وسطوة عقابه والمعنى ان الذين كفروا برسالتك يا محمد اللهم صلي على نبينا محمد مستو عندهم انذارك وعدمك وهم لا يؤمنون بالحق ولا يستجيبون لداعي الهدى لسوء استعدادهم وفساد فطرهم وتوغلهم بالسيئات وجاءت جملة ان الذين كفروا مستأنفة ولم تعطف على ما قبلها لاختلاف الغرض الذي سيغ له الكلام في الجمل السابقة حديث عن الكتاب الذي هو اعظم كتاب وهو القرآن واثاره وعظمته. وهنا حديث عن الكافرين واحوالهم ثم يأتي الكلام عن المنافقين لاجل ان ندرك اقسام الناس امام رسالة القرآن ولنجتهد في تبليغها في هذه الاية الكريمة لم يذكر الله التبشير مع الانذار لانهم ليسوا اهلا للبشارة ولان الانذار اوقع في القلوب والذي لا يتأثر بالانذار يكون عدم تأثره بغيره او لا وفي الاية الكريمة تنبيه كريم فلم يقل الله سواء عليك اانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون بانه بالنسبة له صلى الله عليه وسلم وكذا كل داعية لا يستوي الامران. الانذار وعدم الانذار اذ ان النبي صلى الله عليه وسلم وكذا وكل داعية في حالة انذاره لهم مثاب ومأجور اما في حالة عدم الانذار فهو مؤاخذ من الله تعالى لانه مكلف بتبليغ ما انزل اليه من ربه وكذا دلت عليه الاية الخامسة والسبعين من هذه السورة وقد ادى النبي صلى الله عليه وسلم الرسالة وبلغ الامانة والحكمة في الاخبار بعدم ايمان هذه الطائفة المعينة من الكفار هو تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وكذا تسلية كل داعية حتى لا يكون في صدره حرج من تمردهم. وعدم ايمانهم بعد ان قام بواجب دعوتهم ويلاحظ ان القرآن ذكر هنا كلمة المتقين في الاية اثنين كما سبق في مقابل الكافرين هنا ولم يقل هناك المؤمنين مع انها الاقرب في المقابلة وذلك تنبيه ان من شأن الايمان الصحيح ان يبلغ بصاحبه منازل المتقين