ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ختم الله على قلوبهم اي طبع الله على قلوبهم واستوثق منها حتى لا يدخلها الايمان وعلى سمعهم اي مسامعهم حتى لا ينتفع بما يسمعون من الحق وعلى ابصارهم اي على اعينهم غشاوة قطار فلا يبصرون الحق ولهم عذاب عظيم متواصل قوي قائم لا تتخلله فرجة وهو عذاب يوم القيامة اما الختم على السمع والابصار والغشاوة فهي عقوبة معجلة في الدنيا فالذنوب جراحات غائرة لها عقوبات عاجلة قال تعالى من يعمل سوءا يجزى به وهذه الاية اية الختم جارية مجرى التعليل على الحكم السابق في قوله تعالى سواء عليهم اانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون فالختم على القلوب عدم الوعي عن الحق الختم على القلوب عدم الوعي عن الحق سبحانه وتعالى وعلى السمع عدم فهمهم للقرآن اذا تلي عليهم او دعوا الى توحيد الله وعلى الابصار عدم هدايتها للنظر في مخلوقاته وعجائب مصنوعاته والكفار لما اعرضوا عن التدبر ولم يصغوا الى القرآن وكان ذلك عند ايراد الله تعالى عليهم الدلائل اضيف ما فعلوا الى الله تعالى بان حدوثه انما اتفق عند ايراده تعالى دلائله عليهم كما قال تعالى في سورة التوبة فزادتهم رجسا الى رجسهم. اي ازدادوا بها كفرا الى كفرهم فالختم على القلوب بسبب الذنوب ومن الذنوب الاعراض عن هدايات القرآن وان الذنوب على القلب تحف به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه فالتقاؤها عليه الطبع والطبع الختم والختم على القلب والسم وهي عقوبة عاجلة. قال تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم وقال تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون وانما ختم الله على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل وتركهم الحق وهذا عدل منه تعالى مجازاة لكفرهم فقوله تعالى وعلى ابصارهم غشاوة فالغشاوة الغطاء الذي يحول بين البصر والرؤيا وجاء ذكر الابصار بالجمع بدل الافراد لتعدد المبصرات التي يتوجه البصر اليها فسماء ذات ابراج وارض ذات اوتاد وفجاج وماء ينزل من السماء ومرسلات حاملات للرياح والسحاب وخلق متجدد مستمر وحياة وموت وليل ونهار وشمس وقمر تدل على الواحد القهار وعلى دلائل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الارض كيف فتحت وهكذا تتعدد المبصرات وفيها الايات البينات الدالة على قوة القادر على كل شيء القاهر فوق عباده فلتعدد هذه المبصرات ذكرت الابصار بالجمع لا بالمفرد والله بكل شيء محيط فحملت الاية عقوبتين عاجلا واجلا ومن العقاب ان لا يشعر المرء انه في عقاب ومن العقاب ما فسدت به الطبائع وتشوهت به المدارك فان نزول الانسان عن مرتبة الانسان الى ما دونه من مرتبة الحيوان والخنزير. الذين ينزون الى الشهوات نزوا هو في ذاته عقوبة مستمدة من ذواتهم