افتتح الله سبحانه وتعالى كتابه العزيز بالانتصار للقرآن ثم بذكر الذين اخلصوا دينهم لله وواطأت فيه قلوبهم السنتهم ووافق سرهم علنهم وفعلهم قولهم ثم الكلام عن الذين محضوا الكفر ظاهرا وباطنا قلوبا والسنة ثم ثلث بالذين امنوا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم وابطنوا خلاف ما اظهروا وهم الذين قال فيهم مذبذبين بين ذلك. لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء وسماهم المنافقين وكانوا اخبث الكفرة وابغضهم اليه وانقسهم عنده لانهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليسا وتزويرا وبالشرك استهزاء وخداعا ولذلك قال فيهم ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار وقد وصف حال الذين كفروا في ايتين وحال الذين نافقوا في ثلاث عشر اية نعى عليهم فيها خبثهم ومكرهم وفضحهم وسفههم ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر نزلت في المنافقين حين اظهروا كلمة الايمان واسروا الكفر فنفى الله سبحانه عنهم الايمان بقوله وما هم بمؤمنين فدل ان حقيقة الايمان ليس الاقرار فقط واصل ناس اناس حذفت همزته تخفيفا وحثها مع لام التعريف كاللازم لا يقال الاناس وسموا لظهورهم وانهم يؤنسون اي يبصرون كما سمي الجن لاتنانهم وكذا سمي الانسان بنسيانه وكذا لان الانسان يأنس بمثله فاشتقاقه من الانس ضد الوحشة بان الانسان مدني بالطبع كما قال ابن خلدون امنا بالله وباليوم الاخر قالوه على وجه النفاق خديعة للمسلمين واستهزاء بهم واروهم انهم مثلهم في الايمان الحقيقي وكان فعلهم خبثا اذا خبث. وكفرا الى كفر والنفاق هو اظهار الخير واصرار الشر وهو انواع اعتقادي وهو الذي يخرج صاحبه في النار وعملي وهو من اكبر الذنوب قال ابن جريج المنافق يخالف قوله فعله وسره على نيته ومدخله مخرجا ومشهده مغيبة والنفاق اقبح الخصال فهو يجمع الكذب والجبن والمكيدة واذن الرأي والبلى وسوء السلوك والطمع واضاعة العمر وزوال الثقة وعداوة الاصحاب واضمحلال الفظيلا اما الايمان وهو الاعتقاد الجازم لثبوت ما يعلم انه من الدين والايمان بان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وتؤمن بالقدر خيره وشره والايمان اعتقاد وقول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والايمان والاسلام هما الاصلان اللذان تنبعث عنهما الخيرات وهما الحد الفاصل بين اهل الشقاء واهل الخير حدا لا يقبل تفاوته وحاصل معنى الايمان حصول الاعتقاد بما يجب اعتقاده وحاصل معنى الاسلام اظهار المرء انه اسلم نفسه باتباع الدين ودعوة الرسول واليوم الاخر هو اليوم الذي يبتدأ بالبحث ولا ينقطع ابدا ويراد منه اليوم الذي يبتدأ بالبعث وينتهي باستقرار اهل الجنة في الجنة واهل النار في النار والمنافقون اكدوا كلامهم نهيا للريبة وابعادا للتهمة. فنفى الله عنهم الايمان باوكد الالفاظ فقال وما هم بمؤمنين