حين رفضوا علوم الدين في هذا الباب وتركوا ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وان حيرتهم في هذه الحال من ادل الدلائل على كمال الدين المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فاني قد وقفت على كتاب صنفه عبد الله بن علي القصيمي سماه هذه هي الاغلال فاذا هو محتو على نبذ الدين والدعاية الى نبذه والانحلال عنه من كل وجه وكان هذا الرجل قبل كتابته واظهاره لهذا الكتاب معروفا بالعلم والانحياز لمذهب السلف الصالح وكانت تصانيفه السابقة مشحونة بنصر الحق والرد على المبتدعين والملحدين فصار له بذلك عند الناس مقام وسمعة حسنة فلم يرع الناس في هذا العام حتى فاجأهم بما في هذا الكتاب الذي نسخ به وابطل جميع ما كتبه عن الدين سابقا وبعدما كان في كتبه السابقة معدودا من انصار الحق انقلب في كتابه هذا من اعظم المنابذين له فاستغرب الناس منه هذه المفاجأة الغريبة لسوابقه ولسنا بصدد التعرض للاسباب التي دعته لكتابة هذا الكتاب وكثير من الناس يظنون به الظنون التي تدل عليها القرائن وليست بعيدة من الصواب لظن بعضهم انه ارتشى من بعض جهات الدعاية الاجنبية اللادينية ولكن لما كتب هذا الكتاب وطبعه ونشره بين الناس وجعله دعاية بليغة لنبذ دين الاسلام بلها غيره من الديانات والمبادئ الخلقية فكان هذا اكبر عداء ومهاجمة للدين وجب على كل من عنده علم ان يبين ما يحتوي عليه كتابه من العظائم خشية اغترار من ليس له بصيرة بكلامه حيث كان معروفا قبل ذلك من علماء المسلمين ولم يدرى ما طرأ عليه من الانقلاب واننا نعلم ان الذين يقرؤون كتابه ويقفون عليه ثلاثة اقسام القسم الاول من له بصيرة ومعرفة وتفريق بين الحق والباطل ومعرفة بحقيقة الدين فهذا لا يحتاج الى التنبيه بل مجرد وقوفه على كلامه وفهمه يكفيه معرفة ببطلانه وفساده لان هذا القسم من الناس لا تغرهم الالفاظ المزخرفة ولا الاستدلالات المزورة المبهرجة القسم الثاني من وقف على كتبه السابقة ثم على كتابه هذا ورأى ما فيها من الاضطراب والتناقض والتضارب وعدم الاستقرار على قول ورأي واحد يقول القول اليوم فيهدمه بالغدر ويبني ما هدمه ويهدم ما بناه فبينما تراه يدعي انه ينصر الدين ويغار على المسلمين اذ تراه ملحا في هدم اصول الدين وقواعده حاملا على حملته متهكما بالعلماء والمرشدين مؤيسا لهم من الرقي في الحياة ما داموا متمسكين بدين الاسلام وبين ما تراه يحط على ائمة الدين ومصابيح الدجى اذ يصب الثناء والمدح على ائمة الكفر وزنادقة الملاحدة ويعظمهم غاية التعظيم وبين تراه يذم القديم ويحث على رفظه ومراده به ما جاء به الدين علوما واخلاقا واعمالا ويحث على الاخذ بكل جديد اذ تراه متناقضا يحث على اتباع المنحرفين كارسطو وافلاطون والفارابي وابن سينا ونحوهم من المتقدمين والمتأخرين الى غير ذلك من مناقضاته التي توجب للناظر فيها ان يهدر كلامه ويسقطه من الاعتبار ولو لم يكن من اهل العلم والابصار واما القسم الثالث الذين لا بصيرة لهم يميزون بها بين الحق والباطل ولا وقفوا على تناقضه وعدم استقراره على رأي واحد فانهم يخشى عليهم من الاغترار بكلامه لانهم يسمعون عبارات مزخرفة واستدلالات مموهة لانه يردد المعنى الضئيل بعبارات كثيرة واساليب متنوعة ونحن لا ننكر ما في كلامه وكتابه من المعاني الصحيحة المطروقة التي لم يزل اهل العلم يقولونها ويبدونها من الحث على تعلم العلوم وفنون الصنائع النافعة وما فيه من ذم الجهل واثاره الضارة وما فيه من تأخر المسلمين في الفنون العصرية وما فيه من وصف تفوق غيرهم في فنون المادة فقد ذكر اهل العلم من هذه الامور اكثر مما ذكر هذا الرجل ولم يبين ما بينوه ولا شرح الداء الذي اصاب المسلمين حقيقة ولا كيفية الدواء والمقصود ان ما في كتابه من الحقائق لم يكن اول من قالها بل لم يزل اهل المعرفة يقولون ما هو اتم منها وانما المنكر الفظيع والطامة الكبرى ترويجه بهذه الامور على من لم يعرف الحقائق وجعلها له كالاساس الذي يحمل منه على الدين واهله الحملات المنكرة المتكررة عبدالرحمن بن ناصر السعدي مقدمة ونظرة اجمالية في محتويات ومواضيع هذا الكتاب من نظر فيه وتأمله حق تأمله عرف انه ما كتب اشد وطأة واعظم عداوة ومحاربة للدين الاسلامي ومنفرا منه وانه ما اجترأ احد من الاجانب وغيرهم بمثل ما اجترأ عليه هذا الرجل ولا افترى مفتر على الدين كافتراءه ولا حرف احد له نظير تحريفاته وما صرح احد بالوقاحة والاستهزاء والسخرية بالدين واصوله وتعاليمه واخلاقه وادابه وحملته كاستهزائه وسخريته فانه اشتمل على نبذ الدين ومنابذته ومنافقته ثلاثة لا تبقي من الشر شيئا الا تضمنته فانه صريح في الانحلال عن الدين بالكلية وخروج تام عن عقائده واصوله فضلا عن فروعه وهو اكبر دعاية للالحاد ومقاومة للدين واهله وفيه من البهرجة والتزويرات التي جعلها في صورة نصر الدين ما يعد من اعظم النفاق والكيد والمكر للاسلام واهله ولا يحيق المكر السيء الا باهله وجملة ذلك انه تلقى عن جميع اعداء الدين ما وجهوه الى الدين والى اهله من جميع الوان الشبه التي تدعو الى الكفر والتكذيب بالدين وزاد عليهم زيادات واستدرك امورا لم يصلوا اليها فان النافين للبار الجاحدين له كزنادقة الدهرية وفرعون واشياعه الذين صرحوا بجحد رب العالمين بالكلية وتكذيب رسله جهرا وعلنا ثم اظهره زنادقة الاتحاديين باسلوب اخر وهو ان الوجود كله واجبه وممكنه واحد بالعين فلا ثم رب ولا مربوب ولا خالق ولا مخلوق الجميع شيء واحد ثم اظهر هذا الكاتب صاحب كتاب الاغلال باسلوب اشنع من ذلك كله حيث زعم انه لا فرق بين الخالق والمخلوق وان من فرق بينهما من الانبياء والرسل واهل الاديان فهو غالط ضال عنده اعداء الرسول تنوعوا في تكذيبه فقالوا ساحر وشاعر وقالوا مفتر كذاب وزنادقة الفلاسفة قالوا ان الرسل كذبوا لمصلحة الناس وخيلوا للناس تخييلات خالية من الحقائق وهذا صاحب الاغلال جاء بوجه اخر حيث حلل بزعمه حياة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك التحليل الخبيث الباطل بانه يخلو بالطبيعة ويناجيها وتأخذ بلبه وعقله ويظل ليله ونهاره نازعا اليها وقد افتتح بها رسالته بخلوته بها ومناجاتها في غار حراء وختمها به حيث كان ينزع اليها وهو في سياق الموت ويقول في الرفيق الاعلى فهذا التحليل الخبيث الذي لا يروج على الصبيان قد اخذه بعينه من دعاة النصارى ومضلليهم اذ قالوا هذا القول الذي هو التكذيب المحض فعند صاحب الاغلال ليس ثم وحي ولا مناجاة لله ولا نزول جبريل بالوحي من عند الله وانما ذلك خيال لا حقيقة فظن بجهله انه بهذا الكلام المموه يسلم من الشناعة اعداء الرسل من الدهرين قالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وهذا القصيمي يقول ما هي الا الطبيعة تتفاعل وتتطور وتدير امر العالم وتدبره وتنظم الامور الجليلة والدقيقة وانكر قضاء الله وقدره ورجع ذلك الى العلم بانتظام الطبيعة وهذا انكار منه لله ولافعاله ولصفاته وكما انكر توحيد الربوبية فقد انكر توحيد الالهية والعبادة ولم يرتضي بما قاله المشركون بل انكر عبادة الله بالكلية وانكر الافتقار اليه وتهكم بالمفتقرين الى ربهم الداعين لله المخلصين لربهم وملأ كتابه من السخرية بهم وكما انكر الربوبية والالهية والرسالة اذ فسرها بذلك التفسير الخبيث الذي يرجع الى نفي الرسالة فقد انكر عقوبات الله ومثوباته الدنيوية والاخروية وانكر اسبابها وسخر بالمؤمنين بها وكذلك رمى جميع طبقات الامة وخص منهم العلماء الاعلام وهداة الانام بضعف العلم والعقل والرأي واوجب الكفر بهم وبعلومهم وبما قالوه وصنفوه من كتب الحديث والتفسير والفقه والاصول والفروع وجعلهم مجرمين يستحقون العقوبة واهدر فضائلهم بالكلية واكبر من ذلك واضم انه باهت وصرح بتحقير الانبياء تحقيرا لم يصل اليهم ملحد اذ صرح بان جميع الرسل والانبياء والهداة من اتباعهم لم ينفعوا الناس في الحياة بشيء من النفع ولم يقدروا ان يصيروا فيها مخلوقات متألقة لهم فضائل يهتدى بها وكما رمى الانبياء واهل الاديان الصحيحة كلهم ولم يستثني منهم احدا فانه عظم زنادقة الملحدين الاولين منهم والاخرين واوجب الاخذ عنهم والحذو على منوالهم وحتم نبذ القديم الذي في مقدمته الكتاب والسنة وما عليه الصحابة والتابعون واوجب ان تتخذ ثقافة جديدة الحادية ينبذ فيها الدين الصحيح ويكفر به وبحملته ويعتقد ان الصحابة في طور الاطفال او طور قريب من طور الحيوانات السذج وانهم لا يعلمون الامور على حقيقتها وانما يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وانما العلم والفضل منحصر عنده في الاجانب الافرنج وسلك مسلك الاباحيين في التهتك والاباحة وكذب ما جاء في الكتب وعلى السنة الرسل من قصة ادم وزوجه وذريته فزعم ان الانسان الاول مخلوق شبيه بالحيوان لا يقدر على النطق ولا التخاطب بوجه من الوجوه ثم انتقل الى طور الاشارات في مدد طويلة ثم بعد مدد طويلة جدا تدرج شيئا فشيئا حتى انتقل الى طور التخاطب بالالفاظ المبهمة الساذجة وكذب ما جاءت به الرسل ان الله علم ادم الاسماء كلها واسجد له ملائكته واتبع سفهاء الخرافيين وكذب جميع النصوص من الكتاب والسنة الواردة في التزهيد في الدنيا والترغيب في الاخرة وفي فضل الصبر على المصائب وثواب اهلها واستهزأ بها وباهلها وملأ كتابه من السخريات والاستهزاءات وكل هذه الحقائق وما هو اكثر منها قد تضمنها كتابه المذكور كما سنشير اليها مفصلة مشارا الى صفحاتها من كتابه المذكور فصل ولما كان هذا الكتاب موجها الى قلب الدين وروحه والى هدم علومه واصوله وقواعده وجميع مقوماته وكان هذا الدين العظيم بذاته وحقيقته واشتماله على اعظم الحقائق واجلها وانفعها وعلى البراهين الساطعة والانوار المتلألئة يدفع ويبطل كل ما يقوم في وجهه من الشبهات ويقاومه من الاقوال الباطلة احببت ان اشير اشارة لطيفة قبل ابطال قول هذا الكاتب الى بعض محاسن هذا الدين وانه لا سبيل لاحد من الخلق ان يبطل شيئا من اصوله وقواعده واسسه وان هذا الدين العظيم تزول السماوات والارض والجبال واصوله راسيات وقواعده ثابتات وانواره مشرقة وبراهينه للباطل محرقة فهو الميزان الاعظم الذي توزن به الامور الدينية والامور العقلية والامور الدنيوية وابين عند ذلك منفاتها لقول هذا الكاتب وهذا الرجل لابد قد شعر ان الناس لا يشكون ولا يمترون في منافات كتابه واقواله للدين فتراه في مطاوي كتابه يعتذر ويدعي انه مؤمن بالله ورسوله وبريئ من الالحاد افيظن ان الناس يقيمون لاعتذاره وزنا وكيف تقع اعتذاراته الطفيفة التافهة في جانب حملاته الشديدة على الدين والحث البليغ على نبذه وعلى سلوك طريق الملحدين كيف يقبل اعتذار من هو مجد مجتهد في هذه المواضيع الخبيثة الباطلة فهل هذا الا من باب السخرية والتمويه على الاغرار ونحن نكتب ما يجب علينا كتابته من رد اعتداءاته على الدين والتنبيه على بطلانها كما هو الواجب المتعين على كل مسلم ونرجو الله ان يعيده الى الحق بالتوبة والتنصل ونقضي ما كتبه واجترأ عليه واعلم ان مدار ما بنى عليه بحوثه الباطلة واحتج لها وبرهن عليها ورددها امران احدهما ان المسلمين في هذه الاوقات الاخيرة متأخرون عن غيرهم في الفنون العصرية والاختراعات والصناعات الراقية وعلوم الطبيعة بانواعها والثاني ان غيرهم مهر في هذه الامور مهارة لا تتصورها الافكار ثم بنى على هذين الامرين جميع بحوثه الباطلة ورتب على ذلك انه يجب رفض ما عليه المسلمون من عقائد واخلاق وعلوم واعمال وقرر في كتابه ان الدين الاسلامي اغلال وقيود تقيد الانسانية عن التقدم والارتقاء في درج الكمال وفي مقابلة ذلك حث ورحب بكل ما اتى به الاخرون من مفاسد وعقائد واخلاق واعمال وخير وشر وقرر ان هذا هو الرشد والفلاح وبدء النجاح وكتابه كله يدور على هذا الاصل الذي يعرف كل من له ادنى بصيرة انه بنيان على شفا جرف النهار وان اقل نظر يوجه اليه واقل برهان يقابله يبطله وان هذا الاستدلال هو بالترهات والبهرجات اولى منه بالحقائق الثابتة فاذا تبين بطلان اصله الذي بنى عليه جميع بحوث كتابه بطل كل ما بنى عليه فنشير هنا الى هذا ثم نتتبع ما اشتمل عليه كتابه من المواضيع الفاسدة فنقول الدين الاسلامي هو دين العدل والرحمة والعلم والحكمة وهو دين المدنية الزاهرة المبنية على صلاح القلوب والارواح وصلاح الدين والدنيا وعلى السعي الى الكمال والرقي في معارج السعادة والفلاح وهو الدين الذي حث على كل خير ونفع وصلاح واصلاح وهو الدين الذي ساوى بين طبقات الخلق في القيام بالعدل والحقوق فلم يبح الظلم بوجه من الوجوه فالغني والفقير والشريف والوضيع والقوي والضعيف والعزيز والذليل كلهم عنده سواء قد شملهم عدله ورحمته وهو الدين الذي يحث على القيام بما خلق الله الخلق لاجله وهو عبادة الله وحده والانابة اليه والتعبد له ظاهرا وباطنا ودوام الافتقار اليه وهو الدين الذي يأمر بجميع معاني الاخلاق ومحاسنها وينهى عن جميع مساوئها واراذلها وهو الدين الذي تصلح به الاحوال فكما حث على القيام باصلاح الدين فقد حث على القيام بمصالح الدنيا النافعة وكما امر بتعلم العلوم والفنون التي ترجع الى الانابة الى الله وعبوديته فقد حث على تعلم العلوم والفنون التي تعين على قيام حياة الامة واصلاح احوالها واستعدادها لمقاومة الامم الاخرى ومغالبتها والوقاية من شرورها واضرارها وكما امر بتعلم علوم التوحيد والعقائد والاخلاق التي ترجع الى صلاح القلوب والارواح فقد امر بالتعلم والتفقه في الاحكام التي ترجع الى القيام بالعبادات الظاهرة والمعاملة العادلة والقيام بجميع الحقوق المتنوعة على وجه الوفاء والعدل وموافقة الحكمة وكذلك امر بتعلم الفنون الحربية والاداب العسكرية والاستعدادات السياسية والصناعات النافعة فقال تعالى في جانب مقاومة الاعداء ومهاجمتهم واعدوا لهم ما استطعتم من قوة وهذا شامل لكل ما تتعلق به الاستطاعة من انواع العلوم والفنون العسكرية الموجودة في وقت التنزيل والتي تحدث الى يوم القيامة من قوة عقلية وسياسية داخلية وخارجية وصناعات نافعة وتعلم رمي وركوب وسائر الفنون التي لا تتم مقاومة الاعداء الا بها وقال في جانب المدافعة يا ايها الذين امنوا خذوا حذركم فامر المؤمنين باخذ حذرهم من عدوهم وهو التوقي والوقاية والاحتماء من عدوان الاعداء بكل وسيلة وسبب تحصل به الوقاية من شرهم ومكايدهم واسلحتهم ومداخلهم ومخارجهم وذلك يختلف باختلاف الاحوال والازمان وكل اية او حديث فيه الامر بالجهاد والحث عليه فانه يدخل فيه القيام بجميع الشؤون التي تعين على الجهاد ويختلف ذلك باختلاف الاحوال والازمنة والامكنة وهذا من البراهين على ان هذا الدين والشريعة تنزيل من حكيم حميد عليم بكل شيء فان ارشاداته العالية كما ترى تصلح لكل زمان ومحل بل لا تصلح الامور الا بها وكما انه امر بالاستعداد بالقوة المادية فقد امر بالاستعداد بالقوة المعنوية حيث امر الناس وحثهم على الاجتماع والالفة بين المسلمين والاتفاق على جميع مصالحهم الكلية كما امر بذلك في المصالح الجزئية في كل ما يأتون وما يذرون في احوالهم الداخلية واحوالهم الخارجية وامرهم بالايمان الكامل والتوكل القوي على الله وتمرين النفوس على القوة والشجاعة والتدرب في كل امر نافع في الدين والدنيا فالدين يحثهم على القيام بجميع الاسباب النافعة التي تصل اليها قواهم واستطاعتهم وعلى التوكل على مسبب الاسباب وخالقها ومدبرها ويبين لهم ان الامرين متلازمان لا يقوم احدهما الا بالاخر فالاسباب وان عظمت وقويت فانها محكومة بقضاء الله وقدره ولا يتم للقائم بها امره من كل وجه الا بتوكله واعتماده على الله تعالى مسببها ومصرفها والقابض على ناصيتها وازمتها ويخبركم الدين مع ذلك ان التوكل وحده بدون فعل الاسباب وبدون القيام بالمقدور من الشؤون الدينية والدنيوية ليس بتوكل حقيقي بل هو ضعف وعجز فكلما قوي توكل المسلمين على ربهم قوية اعمالهم النافعة وقويت هممهم وانبعثت عزائمهم الى جميع مصالحهم والرب تعالى لقيامهم بالامرين وتحقيقهم للتوكل عليه واجتهادهم في فعل الاسباب يعينهم وييسر لهم امورهم ويحقق لهم رجائهم وينزل عليهم من نصره ومعونته وتأييده بحسب قيامهم بالامرين والنصوص من الكتاب والسنة تحث على الامر بالتوكل على الله في كل الامور والاوامر بالاخذ بجميع الاسباب النافعة لا تنحصر بل الدين كله قيام بالاسباب وتوكل على مسببها ومصرفها وهذا الذي نبهنا عليه من الدين الاسلامي هو من الكمال الذي لا يقاربه كمال ويسقط به ويضمحل قول هذا الكاتب الذي يقول ان الايمان بقضاء الله وقدره والتوكل على الله يوهن المسلمين ويضعفهم وانه يجب عليهم ترك ذلك وان التوكل على الله هو العلم بنظام الطبيعة وكذلك الايمان بالقضاء والقدر كما صرح بذلك في صفحات سبع عشرة وتسع وعشرين وثمان وستين ومئتين وخمس عشرة وثلاثمائة من كتابه ويتضح بذلك ان المسلمين حقيقة المتبعين لارشادات دينهم وتعاليمه هم المتوكلون على الله حقيقة وانهم اقوى الخلق على فعل الاسباب امتثالا لامر ربهم وطلبا لمصالحهم واستمدادا من قوته وارتقابا لثوابه وان الدين الاسلامي يبطل الطريقين الذميمين طريق العجز والضعف الذي يتعلل صاحبه انه متوكل على الله وانما هو مهين ساقط الهمة معتذر بما لا يعذر به وطريق الملحدين المعطلين الذين يعتمدون على الاسباب ويرونها مستقلة منقطعة عن قضاء الله وقدره وان الله لا يتصرف في الاسباب عندهم بايجاد ولا تقوية ولا اضعاف ولا بمنعها ولا له قدرة على معارضتها كما قرره صاحب هذا الكتاب في ثنايا كتابه خصوصا في الفصل الاخير المعنون بمشكلة لم تحل وهذا هو التعطيل المحض والنفي لربوبية الله ولافعاله وهو في الحقيقة مذهب الدهرين الطبائعيين الجاحدين لله بالكلية وقد سلك ايضا مسلك الدهريين في هذا الذين يقولون ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا المنكرين للثواب والعقاب حيث انكر ان الايمان والتقوى والعمل الصالح سبب بالثواب العاجل والاجل وان الكفر والفسوق والعصيان اسباب للعقوبات العاجلة والاجلة وتهكم بذلك وبالقائلين به المعتقدين له كما صرح به وردده في الصفحات خمس وثلاثين وخمس وستين ومئة وثمان وسبعين ومائة وخمس عشرة وثلاثمائة وتسع عشرة وثلاثمائة وخمس وعشرين وثلاثمائة والسبب الوحيد عنده في المصائب الدنيوية وضدها انما هي الاسباب المادية فقط وعمل الطبيعة ثم لم يزل يقرر هذا الاصل الخبيث حتى زعم ان الايمان بالله وباليوم الاخر يمنع الرقي ويمنع كون العبد سببا محضا منتفعا باعماله وانه غل ورباط يمنع من الخير والصلاح وان الاديان السماوية اكبر المصائب على البشر وقول وصل الى هذا الحد ليس بعده تقدم الى الكفر وانما هو النهاية في الكفر والتعطيل والجحود لرب العالمين والخروج من الديانات السماوية كلها وهو غاية الخروج من العقل والحس فان قضية الايمان بالله ورسوله هي اكبر القضايا واعظمها واوضحها واجلاها براهين وادلة واثبات انه هو الفعال لما يريد الخالق لكل شيء الذي يدبر الامور كلها ويكرم الطائعين ويعاقب العاصين فلا ينكر ذلك الا مكابر مباهت منحل من العقل الحقيقي بعد انحلاله من الدين والمقصود ان صاحب الدين الصحيح هو اقوى الناس توكلا على الله تعالى وعملا بالاسباب النافعة لانه يعلم ان دينه يحثه على ذلك وقد استصحب التوكل على الله والثقة به وان الله لا بد ان يتم امره وخصوصا الاسباب الدينية والاسباب المعينة على الدين فانها من الدين في الحقيقة لان الدين هو جميع ما دل عليه الكتاب والسنة مطابقة والتزاما وتضمنا فهذا الدين لم يدع خيرا الا دعا اليه ولا منفعة الا حث عليها ولا طريقا يوصل الى اصلاح الاحوال الدينية والدنيوية النافعة الا رغب فيه ولا مفسدة وشرا وضررا الا حذر منه وامر باخذ الوسائل الواقية والدافعة له فيا ويح هذا الكاتب القصيمي الذي زعم هذا الزعم الباطل انه مانع من التقدم والرقي ومجاراة الامم الراقية في الحياة وهل رقت هذه الامم وسبقت غيرها في الاختراعات والفنون الصناعية المدهشة الا بعدما ادخلت عليها تعليماتها هذا الدين واقتبسوا اصل هذه الصناعات من المسلمين بعد الحروب الصليبية وغيرها الم يكونوا في غابر الزمان والقرون التي يسمونها القرون المظلمة في غاية الجهل والوحشية والهمجية في معرفة هذه الفنون والصناعات الم يكن المسلمون وقت قيامهم الحقيقي بهذا الدين هم سادات الخلق الذين قهروا بفضل دينهم واخلاقه وتعاليمه العالية جميع الامم وحطموها وافنوا صروح اكبر دول الارض يومئذ الم تكن مدنية الدين الاسلامي هي المدنية الزاهرة الحقيقية حيث كان روحها الدين والعدل والرحمة والحكمة وقد شملت بظلها الظليل واحسانها المتدفق الموافق والمخالف والعدو والصديق فهل اخرهم دينهم ومنعهم الرقي الحقيقي وهل نفع الاخرين كفرهم بالله وبربوبيته والهيته في تلك القرون الطويلة اذا كانوا هم الاذلين المخذولين في مواقف الحياة كما زعم هذا الكاتب الذي يهرج على من لا يعرف الحقائق ثم لما ترك المسلمون الاستمساك بتعاليم دينهم وتفرقوا شيعا وارتقى الاجانب في علوم المادة وفنون الصناعات والاختراعات ووصلوا الى امر لم يسبق له مثيل فهل اغنت عنهم هذه المدنية وهذا الرقي وهلوقتهم الشرور اذ كانت مدنيتهم مبنية على الظلم والجشع والطمع المفرط وطلب استعباد الخلق ولم يكن معها من رح الدين ورحمته شيء فهل ردت عنهم هذه الملاحم والمجازر البشرية والاهلاك والتدمير الذي لم يسبق له نظير ولا مقارب في تاريخ الخليقة وهذا من اكبر البراهين على ان الرقي في هذه الحياة اذا خلا عن الدين الحق صار ضرره اكبر من نفعه وشره اكثر من خيره اذا كان فيه خير كما زعمه هذا الكاتب فلو كانت هذه الامم الراقية في الفنون العصرية معهم دين صحيح وبنوا حضارتهم على الرحمة والعدل والحق والتسوية بين الخلق وبين الامم القوية والامم الضعيفة في الحقوق فما ظنك ان تصل بهم هذه الحضارة وما ظنك بما ينكف بها من الشرور العظيمة التي جرت وهي جارية وستجري ما داموا على حالهم اما تأخر المسلمين الان في الفنون العصرية والاختراعات والصناعات واشباهها فليس هذا التأخر منسوبا الى دينهم فليس في دين الاسلام اصل من الاصول او فرع من الفروع يوجب على اهله التأخر بوجه من الوجوه وانما الامر بالعكس كما تقدم التنبيه عليه بان الدين الاسلامي قد جمع بين المصالح الدينية والدنيوية وحث على جميع المنافع وعلى الاعمال والعلوم النافعة عكس ما رماه به هذا الكاتب من الجمود والتأخر ومنافاة الحضارة والتقدم وخدمة الحياة بزعمه وانما السبب الوحيد الذي اخرهم في هذه الفنون هو ترك الاستمساك بروح الدين ومقوماته وترك الاخذ بما يحث عليه من الاجتماع والائتلاف واتفاق الكلمة والتشاور في الامور كلها وترك الاغراض الشخصية للمصالح الكلية وبتركهم الجهاد القولي والبدني والمالي وهو مقاومة الاعداء بكل وسيلة تناسب الزمان والمكان بحسب الاستطاعة فالدين يحث على الاخذ التام بهذه الامور التي لا قوام للامم بدونها وهم كسلوا وغفلوا عنها علما وعملا واهملوا مصالحهم ومالو الى الترف وادعى والرضوخ والاستعباد للاجانب فلما رآهم الاجانب بهذه الحالة المؤلمة لعبت بهم سياساتهم وفككتهم وفرقتهم زيادة على ما اتصفوا به من التنافر والاختلاف وعلى ما زهدوا فيه من الجهاد ومقاومة الاعداء واستعبدوهم بكل حيلة وحللوا معنويتهم وروحهم الدينية وصاروا يضربون بعضهم ببعض ويقيمون لهم من جنسهم ومن بني قومهم ممن يتسمى بالاسلام من يقيم الدعايات الباطلة في تزويدهم من هذه الحال الحرجة وممن يفت في اعضاضهم ويخدر اعصابهم ويسعى بكل مقدوره في تأييسهم من التقدم وفي اماتتهم هممهم كما ترى هذا الكاتب الذي توسل باسم الدين والغيرة على المسلمين وسعى في نبذ الدين ومحاربته بهذه الطريقة التي اربت على طرق المنافقين وزعم من بهرجته التي لا تروج على احد ان المسلمين على اختلاف طبقاتهم من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة واصناف المحدثين والمفسرين والفقهاء والاصوليين وسائر طبقات الامة كلهم زعم انهم لم يفهموا الدين وانه مستحيل ان يسعوا في مصالحهم وغير ممكن لهم ذلك الا بنبذه وانه قيود تمنع التقدم كما صرح بذلك في الصفحات سبع عشرة وست وثلاثين وثمان وستين وست وسبعين وسبع وسبعين وسبع وتسعين واربعين ومئة وخمس عشرة وثلاثمائة من كتابه وهذه دسيسة خبيثة فان كان احد عنده ادنى تمييز يعلم حق العلم ان هذه المباحث التي اشتمل عليها كتابه منافية للدين بالكلية ومناقضة له من كل وجه ولكنه جاء بهذه الوسيلة ليقول المفترون ليس دين الاسلام ما فهمه المسلمون والائمة والعلماء على اختلاف طبقاتهم وانما هو شيء اخر مجهول عندهم وقد علمه هذا الكاتب وهو ما اراده وسعى اليه من معانقة دين الملحدين ورفض دين المسلمين وسائر المرسلين ثمان هذا الكاتب لم يكفه ان يقدح في هؤلاء المتأخرين من المسلمين بل وصلت به الحال الى ان قدح في خير القرون وهم الصحابة والتابعون لهم باحسان وائمة الدين والهدى حيث زعم انهم لم يفهموا من دينهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم الا ظاهرا من الحياة الدنيا وان معارفهم وعلومهم النافعة كلها بالنسبة الى معارف المستأخرين من الملحدين كنسبة معارف الاطفال الى العقلاء الراشدين او اقل من ذلك وحث غاية الحث على رفض مقالات هذه القرون المفضلة وانه يجب تعليم الناس الكفر بهؤلاء الائمة وبمعارفهم وفضائلهم وما قالوه وعملوه او ورثوه وتهكم بمن يدعو الى الاخذ بما اخذ به الاولون وملأ كتابه من هذه المواضيع الخبيثة والوقاحة والجراءة التي لم يرتكبها غيره كما صرح به في الصفحات اربع عشرة وست عشرة وتسع وعشرين واحدى وستين واربع وستين وست وستين وسبع وستين وتسع وستين وسبعين وخمس وثمانين وعشرين ومئة واربعين ومئة وسبعين ومئة وثلاث وتسعين ومائتين وست وتسعين ومئتين وثمان وتسعين ومئتين واثنتين وثلاثمائة وثلاث وثلاثمائة وثمان وثلاثمائة واحدى عشرة وثلاثمائة وخمس عشرة وثلاثمائة فيا ويحه ما اخسر صفقته واقل حياءه وهل يشك احد او يرتاب مسلم او منصف ولو كان من غير المسلمين انه لم يوجد ولن يوجد احد اكمل علما وفضلا واخلاقا وعدلا ورشدا وعقلا وكمالا في كل الخصال العالية من الصحابة والتابعين لهم باحسان وانه ما وصل لاحد غيرهم خير وفضل وعلم الا على ايديهم وقد كذب في كتابه هذا ما كتبه عنهم في كتبه السابقة وقد شهدت الامم الاجنبية بكمال فضلهم وشمول رحمتهم وعدلهم قال جوستاف لوبون فيلسوف فرنسا الشهير ما عرف التاريخ فاتحا اعدل ولا ارحم من العرب وكانوا اذا فتحوا البلدان وجرت عليها احكامهم العادلة وشفقتهم على بني الانسان امتلأت قلوب الاجانب من محبتهم وتمنوا دوام ملكهم وسلطانهم واختاروهم على قومهم واهل دينهم مع ان النفوس مجبولة على التعصب لما الفت من الاديان والاوطان والانساب والمذاهب فلولا انهم رأوا من رحمتهم وعدلهم ما لم يشاهدوا له نظيرا لم يخضعوا كل هذا الخضوع ويعطوا ما بايديهم مذعنين راغبين غير مقهورين على ارادتهم فانهم يجدون الفرص الكثيرة لحدوث الثورات ولكن الرحمة والعدل من المسلمين اوجب لهم السكون والطمأنينة لظل هذا الدين القويم وهذا الكاتب يعلم حق العلم انه كذب نفسه بنفسه وانه ناقض في كتابه هذا ما كتبه في كتبه السابقة ولهذا جعل يندب نفسه ويندم ويتحسر وينوح على زمانه الماضي وكيف قضاه في عبادة الله ومتعلقاتها لانه لا يجهل ان الناس يعرفون منه هذه الحالة ولهذا كان الكلام معه في هذا الكتاب لا يشبه الكلام مع المبتدعين من المسلمين الذين يعظمون الدين ويؤمنون بالله ورسله وانما يتكلم معه كما يتكلم مع الاجانب عن الدين والكافرين به ويناظر كما يناظرون لانه في كتابه هذا كشف الغطاء وصرح بالعظائم الكبرى المنافية لدين الاسلام بالكلية ثم ان هذا الكاتب يزعم ان تلك القرون المفضلة التي لم يشاهد الناس لها مثيلا في الجلال والجمال والكمال لم تبلغ رشدها بل هي في طور الطفولة وعنده ان الرشد والكمال المفضل منحصر في الماديين من الملحدين كما صرح به في تلك الصحائف انفة الذكر والسبب الذي اداه الى هذه المقالات الجائرة المنحرفة ان الفضل منحصر عنده في شيء واحد وهو عبادة الطبيعة ووجوب اعطائها القلب والقالب والظاهر والباطن والانصراف بالكلية الى هذه الحياة فقط والتمتع بزهرتها والانحلال عن القيود الدينية واباحة جميع ما تشتهيه النفوس واطلاق العنان لها كما اطال في هذا الموضوع وردد فيه الكلام الساقط ثم في مقابلة ذلك التحامل على كل ما يعارض هذا الطريق والتهكم بالدين وحملته فاذا كان هذا هو الكمال عند هذا المنحرف لم يستغرب بعد هذا قدحه في خير العالمين وسخريته من علومهم واخلاقهم واعمالهم وما هم عليه في جميع الاحوال فصار منطبقا عليه وعلى امثاله غاية الانطباق قوله تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم حاق بهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ولهذا ارتكب العظائم في تحليله لحياة النبي صلى الله عليه وسلم وشخصيته الكريمة بكلام طويل مردد كقوله كان يعبد الطبيعة وانها قد اخذت بقلبه وقال به ولبه وانه كان يناجي الليل والنهار والضياء والظلمة والنسيم ونحوها مما يشاهد وانه افتتح رسالته بمناجاة الطبيعة والخلوة بها في غار حراء وختم رسالته وحياته بشدة النزوع اليها وقت السياق حيث كان يقول في الرفيق الاعلى وهذا بعينه قد اخذه من دعاة النصارى المفترين الذين لما بهرهم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين الحق والتعاليم العالية والرقي الكامل والفتوح الباهرة والاثار التي لم يحصل عشر معشارها لاحد من الخلق وفيقوا يموهون على الناس ويحللون حياته صلى الله عليه وسلم تحليل احد رجال الطبيعة يعني الذين لا يؤمنون بالله وملائكته وعالم الغيب من الارواح والجن بل هدار الاخرة وما وراء المحسوسات والملموسات فاخذ عنهم هذا المأخذ الخبيث وانكر الوحي والرسالة بهذا التحليل ورمى النبي صلى الله عليه وسلم بانه طبيعي لا يعرف الله ولا يعرف الوحي فلم ينزل عليه جبريل من عند الله ولا كان يناجي الله ولا يعبده ولا كان عند السياق الا مشتاقا الى الطبيعة فقط لانه لا يعرف الله ولا يريده ولا يحبه ولا يطلبه عند هذا الكاتب الذي تجرأ على ما لم يتجرأ عليه من يتسمى بالاسلام من الملحدين ولا تستغرب هذا عليه فانه سيأتي انه صرح تصريحا لا تردد فيه بالكفر بالانبياء والرسل كلهم وصرح انهم لم ينفعوا الخلق بوجه من الوجوه فمن كانت هذه وقاحته وتصريحاته فلا يستبعد عليه شيء وظهر بهذا غرضه الوحيد وهو الدعاية البليغة الى نبذ الدين واصوله ومحاربته بكل طريق ومن فضل الله ان طريقته في كتابه قد عرفها الناس وعرفوا ما ترمي اليه من الغايات وعرفوا الايدي المحركة لها ويأخذهم العجب الكبير كيف صار هذا الرجل بعد سوابقه فريسة لاعداء الدين والة صماء في طريق مأربهم ومقاصدهم فنسأل الله ان يهدينا واخواننا المسلمين والا يزيغ قلوبنا بعد الهداية والمقصود ان هذا الكاتب جعل الفضل كله في جانب الاجانب الكفار ولم يدري او درى وتجاهل وهو الاحرى بمثل هذا الرجل ان الفضل الحقيقي هو السعي في طرق الكمال والتخلق بكل خلق جميل والتنزه عن كل خلق رذيل وهو الفضل الذي يرقي القلوب والارواح ويوصل اهله الى اعلى الغايات واشرف السعادات الذي اصله واساسه العقائد القلبية المؤسسة على الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره والاعمال القلبية التي مدارها على الانابة الى الله وانجذاب دواعي القلب كلها الى الله رغبة ورهبة ومحبة وخوفا ورجاء وقصدا وطلبا وتعبدا وتألها واخلاصا صادقا لله وحده لا شريك له ثم القيام بالشرائع الظاهرة من اقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام والجهاد في سبيل الله وما يتبع ذلك من القيام بحقوق الوالدين والاقارب والجيران والاصحاب والمعاملين وتوفية الحقوق كلها بالعدل والانصاف وعدم الظلم والجور على القريب والبعيد والعدو والصديق وبذل الجهد بالقيام بكل ما يعين المسلمين على امر دينهم والاستعداد الكامل لمقاومة الاعداء والسعي في جمع كلمة المسلمين ومحبة الخير لهم وتحصيله بكل مقدور فاذا كان هذا هو الفضل الحقيقي وهو كذلك فقد علم كل من له ادنى تمييز ان للصحابة والتابعين لهم باحسان من هذا اوفر الحظ والنصيب وان الصحابة رضي الله عنهم فوق جميع طبقات الامة في كل فضل وعلم وعمل كما ان الامة اكمل الامم في كل فضل وخير واكمل الامم المنتسبة الى الاديان فكيف بالامم المنحلة المعطلين لرب العالمين الذين انحلوا من عبادة الرحمن فعبدوا الطبيعة فتبا لمن اثرها بظاهره وباطنه على الله بئس للظالمين بدلا وزعم هذا الكاتب ان التقيد بالايمان بالله وبما اخبر الله به على السنة رسله قيد وغل يحول بين الانسان وبين المطالب العالية النافعة ويقيده عن عبادة الطبيعة التي هي الغاية عند امثال هؤلاء فيحق لمن كان هذا منتهى مراده وطلبه ان يكون اول من يدخل في قوله تعالى ان الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا وطمأنوا بها وطمأنوا بها والذين هم عن اياتنا غافلون اولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون وفي قوله تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم نوفي اليهم اعمالهم فيها الى اخر الايات ثم ان هؤلاء المنحرفين الملحدين الذين انخدع هذا الكاتب بدعايتهم الخبيثة يدعون الى نبذ كل قديم واعتناق كل جديد وقد ابدى هذا الكاتب في هذا واعاد وكرر ذلك مريدا بهدم القديم هدم اصول الدين وقواعده كما تجده في الصفحات ست عشرة وسبع وثلاثين واربع وستين وتسع وستين وسبعين وست وتسعين وستين ومئة واثنتين وثلاثمائة واحدى عشرة وثلاثمائة من كتابه وغيرها من الصفحات وهذه الدعاية الخبيثة مقصودها الاعظم واساسها الذي بنيت عليه رفض الشرائع والاديان والانحلال من قيود الدين وحله وتحريمه وجميع احكامه والانخراط في سلك المعطلين لرب العالمين المنحلين من جميع شرائع الدين واول ما يدخلون في هذا الاصل الباطل رفض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من اصول واخلاق واعمال وغيرها وتوصلوا بهذا الى الطعن في خير القرون واهدار اقوالهم وعقائدهم وعلومهم بل وجميع محاسنهم والحمل على حملة الشريعة وائمة الهدى ومصابيح الدجى كما اشرنا الى الصفحات الموجود فيها ذلك ثم ان هذا الكاتب بهرج على من لم يعرف الحقائق بالاستدلال باحوال المنحرفين من الصوفية والخرافيين ومن تسمى بالدين وهو منه بريء واورد من خرافاتهم وخزعبلاتهم ما يظن انه يروج به باطله حيث نسبه الى حملة الدين وهو يعلم حق العلم ان الدين واهله الذين هم اهله هم ابعد الناس عن هذه الخرافات واعظم المنكرين لها وانهم يبرأون منها وينزهون الدين الاسلامي عنها فكيف لا يستحي ان يستدل باحوال ابن عربي وخرافات الشعراني وشطحات المتصوفة على الدين واهله ويتوسل بذلك الى القدح في الدين وحملة الدين وهو يعلم حق العلم ان الاسلام بريء من هذه الامور والشطحات والخرافات فكيف لا يستحي من هذه البهرجة والتناقض ايظن الناس كالبهائم العجم التي لا تفهم شيئا ام سحر عقله فصار يهذي بالباطل وبما يغلي به صدره من الغل والالحاد الم يعلم ان الدين واهله الذين هم اهله الذين عرفوا الحقائق ومن يزو بين الحق والباطل والمحقين والمبطلين ينفون عنه انتساب كل مبطل كما ينفون عن حقائقه كل باطل وان المبطل لا يروج امره عليهم بمجرد انتسابه الى الدين فكم انتسب الى الدين من الزنادقة والمشركين والمنافقين من هو شر من اليهود والنصارى فمن احتج باحوال من انتسب الى الدين واهله فهو من المزورين المبهرجين وكذلك من احتج بالاثار والحكايات الباطلة على الدين فهو مفتر كذاب كما فعل هذا الكاتب وملأ كتابه من الخرافات والحكايات الكاذبة ونسبها لاهل الدين ليتوصل بذلك الى القدح فيه وفي اهله والدين كما يعلم كل من له بصيرة انه نقي خالص حق في اصوله وفي فروعه وفي اخلاقه وادابه وتعاليمه جميعها في غاية العلو والسمو والمكانة العالية التي لو اجتمع جميع العقلاء ان يقترحوا احسن منها او ما يقاربها لعجزت افكارهم وقدرتهم عن ذلك لانه تنزيل من حكيم حميد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ويعرف هذا بتتبع اصوله وفروعه ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ان يهدي لاصلح الامور من العقائد والاخلاق والاداب والاعمال للاسباب وغيرها فليأتي هذا الكاتب او غيره بمثله ان كانوا صادقين فان الدين الاسلامي قد فصل الحقائق وبين المناهج الصحيحة والطرائق وميز بين الحق والباطل وبين اولياء الرحمن من اولياء الشيطان وبين الخير والشر وبين العلوم النافعة التي تنفع الخلق في دينهم ودنياهم من العلوم الضارة التي هي بضد ذلك وهذا الرجل يدعي ان العلوم كلها نافعة وليس فيها شيء ضار بوجه من الوجوه والله يقول ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم فالدين هو الميزان الذي توزن به الاقوال والافعال ويعرف به الطيب من الخبيث والنافع من الضار فمن رفض من هؤلاء الملاحدة القديم وعنا به هذا الدين الحق فانه في حقيقة الامر قد رفض جميع الحقائق الثابتة ورفض العلوم والاعمال النافعة يحث على تعلم كل نافع منها ويأمر بكل علم يعين الامة على مقاومة الامم ويوصلها الى مصالحها فمن استدل بتفوق الاجانب في علوم المادة على صلاح دينهم وفساد دين غيرهم فمن اين لهذا النشأ الحديث علوم نافعة واعمال نافعة الا من معين هذا الدين من اين لهم ان يعرفوا رب العالمين باسمائه وصفاته الذي هو اجل المعارف واكبرها واصلها ومن اين لهم ان يوحدوه ويؤمنوا به وبما جاءت به الرسل الا من هذا الدين ومن اين لهم ان يقوموا بحقوقه وحقوق خلقه العادلة الفاضلة ومن اين تأتيهم الا من هذا الدين ومن اين لهم ان يهتدوا للاخلاق الجميلة ويتنزهوا عن الاخلاق الرذيلة الا من هذا الدين ومن اين لهم ان يعرفوا الصراط المستقيم المحتوي على الحق علما وعملا الا من هذا الدين القويم ومن اين لهم معرفة الشرائع والاحكام والحلال والحرام والعقود والعهود والشروط والحدود والمواريث وتوابعها الا من هذا الدين ومن اين لهم الطريق الذي ادركوا به تعلم الصناعات وانواع الفنون والمخترعات النافعة الا بعد ان نشر هذا الدين ظله على الخلق فاشرقت على الارض انواره فاقتبس من هذا النور كل اهل علم نافع في الدين والدنيا كل احد بحسب مشربه فان هذا الدين هو الذي اسس اصول الصناعات وقواعدها النافعة وامر بها حيث يكون فيها مصلحة للدين ومنافع للناس كافة كما تقدمت الاية الكريمة واعدوا لهم ما استطعتم من قوة وقوله خذوا حذركم وقوله وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وامتن على الانسان بان علمه ما لم يعلم من جميع العلوم والفنون النافعة فهذه علوم الشريعة على وجه التنبيه والاختصار كما ترى هل بقي علم نافع الا دخل فيها وهل بقيت معارف يحتاج الخلق اليها في امور دينهم ودنياهم الا احتوى عليها وهل ند عنها وسيلة وسبب وطريق من الطرق النافعة الا واشتمل عليها فاذا رفض هؤلاء الملحدون القديم وعانوا به دين الاسلام فقد رفضوا جميع الامور النافعة فاي شيء يبقى بايديهم يؤسسون عليه علومهم واعمالهم فهؤلاء الذين يذمون القديم ومؤلف كتاب الاغلال حامل رايتهم مراده بذلك التوسل الى رفض الدين الاسلامي بل صرحوا بمرادهم ومع ذلك فهم كذبة يتناقضون في هذا الاطلاق فانهم يذهبون الى تقليد ارسطو وافلاطون والفارابي وابن سينا ونحوهم من ملاحدة الاولين والاخرين فهؤلاء وان كان لهم مهارة في علوم المادة المحضة فان كلامهم في الدين واصوله اضعف بكثير من كلام ادنى طلبة العلم الديني كما هو معروف من احوالهم ومن اراد الوقوف على جهل هؤلاء الذين عظمهم هذا الكاتب فلينظر الى المناظرات بين اقوالهم واقوال ائمة الاسلام ولينظر الى كتب شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله خصوصا العقل والنقل الذي وضح به بالبراهين العقلية فضلا عن النقلية جهلهم البالغ ومعارفهم الضئيلة في اصول الدين وضلالهم العظيم فيها وانما الذي رفع شأنهم عند اتباعهم معرفتهم في علوم الطبيعة الذي يشترك فيه البر والفاجر فهؤلاء وامثالهم يقدمهم هذا الكاتب على ما جاءت به الرسل ويقدمهم بلا خوف ولا خجل على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وما ذهب اليه الصحابة والتابعون وائمة الدين والهدى وحسبك بقول هذا منتهاه وهذا حاصله بطلانا وفسادا وجهلا وضلالا بل مكابرة وعنادا وهذا الكاتب سلك في نصر هذا المذهب الخبيث مسلك الاجانب اي الاجانب عن الدين يريد اعداءه ورافضيه الذي ليس الغرض منه الا اضلال الخلق وهو كما ترى مناف للعقل والدين اما الدين فلا يمتري فيه احد كما نبهنا عليه واما العقل فان العقل والدين متآزران لا يرد الدين بما ينافي العقل الصحيح ولا يمكن ان يرد شيء معقول مقطوع به يخالف الدين بوجه من الوجوه وقد اخبرناك بان الدين قد نبه على الاصول النافعة كلها وان نهاية ما فعله المتأخرون هو ترقية الصناعات وتفريع المخترعات والمهارة العظيمة من امور الطبيعة التي كانت اصولها يتناقلها الخلف عن السلف ثم ان هذا الكاذب موه على الناس وزعم ان الذي اوصل هؤلاء المتفننين في العلوم العصرية والاختراعات نبذهم للدين وكل احد يعلم ان نبذهم الدين لم يوصلهم الى مصلحة دنيوية فضلا عن المصالح الدينية وانما الذي اوصلهم الى الترقي في هذه الفنون جدهم البليغ واجتهادهم ومواصلتهم الليل مع النهار في تعلمها وادراكها وتفريعها وترقيتها وقد تقدم لك ان الدين الاسلامي فهو من اجهل الخلق وابعدهم عن المعارف بالكلية او مغرر مموه يقصد الترويج على من لم يعرف الحقائق كما هو دأب هذا الكاتب الذي يسعى فيه ومن تمويهاته الشنيعة التي يريد بها محاربة الدين واهله ان يزعم ان المسلمين يحثون على الفقر والبأساء والضراء وانواع المصائب ويطلبونها ويسعون في تحصيلها بكل طريق ويسخر منهم ومن ذكر الادلة من الكتاب والسنة الدالة على فضيلة الصبر على الفقر والامراض وانواع المصائب كما صرح بذلك في الصفحات ست وعشرين ومئة واربعين ومئة وتسع عشرة وثلاثمائة وكذلك جميع النصوص الدالة على ذلك من الكتاب والسنة وهذا من باب قلب الحقائق فان ذلك من اعظم محاسن الدين الاسلامي حيث ارشد اهله الى التربية العالية التي هي انفع التربية واجلها واكثرها اثارا حميدة فقد تكاثرت نصوص الكتاب والسنة في فضل الصبر على المصائب والامراض وانواع المحن التي لابد للخلق كلهم منها في هذه الدار وذكر فضائل الصابرين وما لهم من عند الله من الثواب وذلك ليوطنوا انفسهم على تقلبات هذه الحياة الدنيا من غنى الى فقر ومن يسر الى عسر ومن بأساء وضراء الى خير وسراء ومن عافية الى مرض ويعلمهم كيف يتلقون هذه الامور الملازمة للبشر في اطوار حياتهم فهي من ضرورات الحياة والوجود وامرهم ان يتلقبوا النعم والخيرات بالشكر والاعتراف بنعمة المنعم وصرفها في الامور النافعة في امر الدين والدنيا وعدم الطغيان والبطر فيها وان يتلقوا المكاره والمصائب بالصبر والاحتساب والرضا بما من المولى والرجاء لثوابها العاجل والاجل فهم يتقلبون في احوالهم كلها مسرورين مغتبطين ان اصابتهم سراء شكروا وقاموا بحق المنعم وصرفوها فيما يعود عليهم بالنفع عاجلا واجلا وان اصابتهم الضراء صبروا وتضرعوا فهم اقوى الخلق واجلدهم عند المصيبات والمكاره التي لا يسلم منها بر ولا فاجر بل كثير منهم يتلقونها بالرضا والطمأنينة والشجاعة التامة وعدم الكراهة حيث تخور عزائم المنحرفين عن الدين عند المصائب ويجري لهم من التسخطات والجزع والهلع والالام القلبية والزلازل الروحية والفظائع والفجائع التي قد توصلهم الى الانتحار الذي يبرهن على ضعف النفوس وخورها وانه بلغ معها المكروه مبلغا لا تصبر معه على الحياة فقارن بين هذه الحال الفظيعة وحالة المسلمين القائمين بوظائف دينهم تجد الفرق العظيم بين النفوس والهمم القوية من المهينة ويشهد بذلك قوله تعالى ان الانسان خلق هلوعا اذا مسه الشر جزوعا واذا مسه الخير منوعا الا المصلين وقوله تعالى ولئن اذقن الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه ثم نزعناها منه انه ليؤوس كفور ولئن اذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولا ليقولن ذهب السيئات عني انه لفرح فخور الا الذين صبروا وعملوا الصالحات اولئك لهم اولئك لهم مغفرة واجر كبير وتعرف بذلك ان النصوص التي فيها فضائل الفقر والفقراء والامراض والمصائب المتنوعة والحث على الصبر والمرض وبيان ما في ذلك من الثواب لقصد حث النفوس على مقابلتها خير مقابلة وان ذلك من محاسن دين الاسلام حيث يموه هذا الكاتب ان نقل اهل العلم وهداة الامة هذه النصوص تدل على سوء حال المسلمين وانهم بذلك يسعون ويطلبون هذه الامور بجدهم وهذا من التمويه الذي لم يصل اليه احد من الاجانب فاين دعواه انه ينصر الدين وهو من اكبر المحاربين له ولقد علم كل احد ان هذه النصوص قصيد بها تربية المسلمين على مجابهة هذه البلايا بصدور منشرحة ونفوس مطمئنة وكل عارف بدين الاسلام يعرف انه يأمر بالاخذ بجميع اسباب الصحة من تدبير الاغذية والنوم والنظافة الايمانية والحركة الرياضية ونظافة الابدان والثياب والفرش والمساكن وغيرها حيث يدعي هذا الكاتب عكس ذلك فليأتنا بمثال واحد ونص واحد من الدين يدل على ما قاله من رميه الدين واهله بالدنس والوسخ والاخلاق والاداب المزرية فيا ويحه ما اعظم جرأته وكذلك هذا الدين يحث على التداوي اذا وقعت الالام ويخبرهم الشارع انه ما من داء الا وله شفاء ودواء علمه من علمه وجهله من جهله لئلا يخلدوا الى الكسل عن مداواة بعض الالام ويظنون انه لا دواء لها فانهم اذا علموا ان لها دواء جدوا في تعلمه وطلبه وكذلك المسلمون يسعون في دفع مضرات الفقر والامراض والبلايا ويسألون الله العافية منها فهم يدافعون اقدار الله المكروهة شرعا وطبعا باقداره المأمور بها شرعا وطبعا وليسوا كما رماهم به هذا الكاتب انهم يسعون لتحصيلها فهم اصبر الخلق على المصيبات واعظمهم سعيا في جميع الاسباب النافعات وليسوا كمنصرف جميع همته في السلامة من الامراض البدنية والفقر ولا يبالي بدفع الامراض الروحية التي هي اشد فتكا واعظم هلاكا وادوم شقاء وهي امراض القلوب ولا في دفع الفقر الحقيقي وهو الافلاس من الباقيات الصالحات كما يدعو اليه هذا الرجل ويحث عليه في كتابه ويحث على صرف الهمة كلها للوسائل ويزهد ويثبت عن المقاصد النافعة التي لا تنفع الوسائل بدونها فهل ينفع اصلاح الابدان فقط مع فساد القلوب وهل يفيد اصلاح الدنيا فقط مع تخريب الاخرة فالآخرة والعمل لها ليس عند هذا الكاتب لها ذكر ولا خبر واذا انهار الاصل تداعت الاركان والفروع فالمسلمون بالمعنى الحقيقي يقومون بعبودية الله التي خلقوا لاجلها ويستعينون بما في هذه الدنيا على هذا المطلوب الاعظم فهم اطيب الخلق نفوسا واغناهم قلوبا واشكرهم لله عند النعم والمحبوبات واصبرهم عند البلايا والمكروهات فدين الاسلام من محاسنه انه يدعو الى هذه الحياة الطيبة ويجمع بين الوسائل النافعة والمقاصد المطلوبة حيث تدعو الاراء المنحرفة التي يدعو اليها هذا الكاتب الى اللذات الحاضرة الجزئية والشهوات والاغراض السفلية ومن تأمل كتاب هذا المنحرف رأى انه يبدي ويعيد في صرف القلوب بالكلية الى الشهوات واللذات واطلاق السراح للنفوس وانه لا ينبغي ان تتقيد بشيء يصدها عن تحصيل مآربها السفلية ثم في مقابلة ذلك يهون الجزاء الاخروي وقد يستهزأ به ويجيء باساليب استهزاء وسخرية محزنة كما ذكره في الصفحات سبع عشرة وخمس وثلاثين وسبع وثلاثين وست وستين وثمان وسبعين وخمس وثمانين وست وعشرين ومئة وثمان وسبعين ومئة وتسع عشرة وثلاثمائة وخمس وعشرين وثلاثمائة فيا ويحه ماذا ابقى على دينه بل ماذا ابقى على عقله فان الاستهزاء والسخرية بوعد الله ووعيده كما انه مخرج من الدين فانه مخرج من طور العقل فهل من القضايا والحقائق اعظم واكبر من وعد الله ووعيده وهل في جميع المسائل الكلية والجزئية اجلى برهانا واوضح ادلة من ادلة هذا الاصل العظيم الذي اجتمع على تحقيقه وتصديقه جميع الانبياء والرسل والادلة السمعية والعقلية بل والادلة الحسية المشاهدة فمن انكر ذلك واستهزأ به فقد نادى على عقله بالسفه والخروج عن طور العقلاء بعدما خرج من الدين فكل من استهزأ بالايمان وبوعد الله ووعيده فانه داخل في قوله تعالى قل ابالله واياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ومن بحوث هذا الكاتب الخبيثة انه انحى على خيار الخلق وحمل عليهم في قيامهم بخالص العبودية وروح الدين والاسلام وهو الافتقار التام الى الله وتفويض العبد اموره كلها الى الله ونقل كلام ابن القيم رحمه الله في حقيقة الفقر ذلك الكلام النفيس القيم في تحقيق العبد افتقاره الى ربه وتعلق قلبه التام بربه الذي جاءت به الكتب ودعت اليه الرسل وتنافس في نيله ارباب الصدق والاخلاص واولوا الالباب فساقه مع غيره نافيا له متهكما ساخرا بعباد الله المخلصين هازئا بالاخيار المفتقرين الى الله خالقهم الغني الحميد وهو في الحقيقة المسخور منه المبتلى ببلوى يسألون الله منها العافية وهذه السخرية في الحقيقة والتكذيب موجهة الى رح الدين فان روح الدين هو التواضع والذل التام لرب العالمين ورؤية العبد افتقاره الحقيقي الى ربه واضطراره اليه في جلب مصالحه ودفع مضاره وانه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا بوجه من الوجوه وان من تمام عبوديته الى ربه ان يلجأ اليه ويضرع اليه في جميع شؤونه ويعلم انه في غاية العجز والضعف عن القيام التام بفعل الاوامر واجتناب النواهي وعن القيام بجميع الوسائل النافعة وانه وان لم يعنه ربه لم يتم له امرا فالمسلمون يعلمون ان افتقارهم الى ربهم لا ينافي قيامهم بالاسباب النافعة كما ان القيام بالاسباب لا ينافي الافتقار الى الله تعالى بل كل واحد من الامرين يمد الاخر فكلما ازداد العبد افتقارا الى ربه والتجاء اليه جاءه من معونة ربه وتيسير اموره ما لا يحصل له بدون ذلك وكلما قام بالاسباب مستعينا بالله امده باعانته وتوفيقه فهذا الكاتب ظن او جعل افتقار المسلمين الى ربهم يوجب الضعف والكسل وموت الهمم وصوره بهذه الصورة الشنيعة ثم طفق يحط على خيار المؤمنين ويرميهم بضعف الرأي والهمة والعقل ولم يعلم المسكين انه ينادي على نفسه بسفاهة العقل وقلة الادراك اذ كان هذا ظنه وان كان الامر غير ذلك فهو يبرهن على خداعه وبهرجته وتصويره حالة المسلمين بحالة شنعاء ليتوسل الى القدح فيهم وفي دينهم عند من لا يعرف الحقائق ويح هذا الرجل اذا انكر روح الدين ومقوماته واصوله العظيمة التي لا تستقيم جميع الامور الا بها فماذا يعترف به واذا ذم الافتقار الى الله والرجاء له في كل الاحوال والاعتراف بانه هو الميسر للامور المسهل للصعاب الذي ما بالعباد من نعمة وخير وتوفيق فليس الا منه ولا يأتي بالحسنات الا هو ولا يدفع السيئات الا هو وهو الذي يجيب دعوات المضطرين ويرحم ضعف المفتقرين ويجبر قلوب المنكسرين لجلاله الطامعين كل الطمع في فضله ونواله اذا ذم هذا فاي شيء يحمد ويمدح ايحمد النفس الضعيفة المهينة العاجزة عن مصالحها الا باعانة ربها او يثني على الطبيعة ويأمر بالافتقار اليها وصرف الهمم والقلوب اليها وهذا ما يدعو اليه فيا ويحه ما اخسر صفقته ويا ليت شعري ماذا يقول في اكمل الخلق في جميع الصفات الكاملة وسيدي المتوكلين وقدوة المفوضين واعظم الخلق افتقارا الى ربه بكل معنى واعتبار حين يقول صلى الله عليه وسلم اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني الى نفسي طرفة عين ولا الى احد من خلقك واصلح لي شأني كله اللهم ان تكلني الى نفسي تكلني الى ضعف وعورة وعجز وخطيئة واني لا اثق الا برحمتك فارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك لابد ان يقول ان هذه حالة ذميمة صاحبها مهين ضعيف النفس كسلان كما صرح به حيث وجه الذم الى المسلمين المفتقرين الى ربهم حسبك بقول فسادا وبطلانا وشناعة ان يبلغ هذا المبلغ ولقد تمم كلامه في الافتقار الى الله كلامه في التوكل حيث فسر التوكل بتفسير طويل مردد يرجع حاصله الى ان معناه العلم بنظام الكون وانه لا يتغير ولا يمانعه ممانع ولا يغير الله اسبابه بايجاد او تقوية او زيادة او نقص فابطل التوكل من اصله ونفاه من اسه والتوكل هو من اعظم اصول الدين واعمال القلوب التي لا تتم شروطها الا بالايمان التام بالله تعالى والايمان بقضائه وقدره وانه تعالى هو المتصرف ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وان الامور كلها بيده وتحت تدبيره وان نواصي العباد بيده تعالى وان ارزاقهم واجالهم واعمالهم وجميع شؤونهم الجليلة والحقيرة منتظمة في قضائه وقدره وان افعالهم من طاعات ومعاص داخلة في مشيئته وقدره وان الله جعل له الاختيار فيها ولم يجبرهم عليها فاذا علم العبد ذلك حق العلم اعتمد على ربه اعتمادا حقيقيا في جلب مصالحه وفي دفع مضاره الدينية والدنيوية ووثق بتحقيق مطلوبه وان الله كاف من توكل عليه فهذا التوكل الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب واتفق عليه جميع اهل الملل والاديان الصحيحة وهذا قد ابطل ذلك كله لان من كان اصله نبذ الايمان والحث على نفيه وزعمه انه لا تقوم الاسباب الا برفض الايمان ومن كان مذهبه ان التدبيرات في العالم العلوي والسفلي كلها من تدبيرات الطبيعة ونظامها وتفاعلها وتطورها ومن كان مذهبه في الوحي ذلك التفسير الذي نبهنا عليه ومن كان رأيه في الجزاء الدنيوي والاخروي ما اشرنا اليه ومن كان يدعو الى رفض القديم الذي هو كتاب الله وسنة نبيه ومن كان يأمر الناس بثقافة جديدة الحادية ينبذ فيها تعاليم الدين واخلاقه كلها ومن صرح بالكفر بجميع الانبياء تصريحا لا يمتري فيه كما سيأتي ان شاء الله نص كلامه ومن كانت هذه الاصول الخبيثة وغيرها اصوله التي يبني عليها فلا تستغرب عليه انكاره للتوكل على الله وتكذيبه جميع نصوص الكتاب والسنة في معناه وكذلك من مباحث هذا الكتاب الضارة التي بلغت في الفظاعة ووصلت في الخلاعة مبلغا ما وصل اليه ولا تجرأ عليه احد له ادنى عقل وبصيرة من الاولين والاخرين ما يبديه ويعيده ويكرره ان الانسانية لا تزال في تطورها وترقيها حتى تصل الى الاتصاف بصفات الرب العظيم ان كان يثبته بلفظه فالانسان بزعمه يمكنه ان يكون بكل شيء عليما وعلى كل شيء قديرا وانه قد علم ما كان في اول الموجودات وما يكون من اخرها وانه علم مبدأ هذه الخليقة وخلف علوم الرسل خلف ظهره وهو يحاول علم ما سيكون في هذا العالم بل علم مقدار ما بقي من عمر هذا العالم وقد علم حالة العالم السفلي وهو يحاول وسيدرك علم العالم العلوي وصنع الصور والاجسام وهو يحاول ان ينفخ فيها الروح فهو لا يستبعد ايجاده للحيوان الصناعي والانسان الصناعي غير مبال بتكذيبه لله ورسله فقد زعم انه قد يتمكن ان يوجد الحيوانات ويزعم ان التفريق بين الخالق والمخلوق اكبر الاغلاط وانه يجب الا يفرق بين الرب العظيم وبين الانسان وان من فرق بينهما فلجهله وضلاله وغلطه كما صرح بذلك في هذه الصفحات من كتابه المذكور ثمان وثلاثين وثمان وخمسين وسبع وستين وسبعين وسبع وسبعين وثمان وسبعين وسبع وتسعين فانظر كيف رمى بهذا الامر الفظيع وهو تضليله للمفرقين بين الله وبين خلقه كل رسول ارسله الله الى الخلق وفي مقدمتهم محمد صلى الله عليه وسلم فضلا عن ائمة الهدى ومصابيح الدجى فان زبدة ما جاءت به الكتب السماوية والرسل العظام هو توحيد الباري واعتقاد انفراده بجميع معاني الكمال المطلق الذي لا تدركه العبارات ولا تتصوره الافكار وان جميع المخلوقات في العالم العلوي والعالم السفلي لا يمكن بل يستحيل ويمتنع ان يساووا رب العالمين وان يماثلوه في صفة من صفاته ولا نعتم من نعوته وان اظهر القضايا الدينية والعقلية والفطرية هو التفريق بين الخالق والمخلوق في كل النعوت فالرب هو الخالق وما سواه مخلوق وهو الرزاق المدبر وما سواه مرزوق مدبر وهو الاول الذي ليس قبله شيء والاخر الذي ليس بعده شيء والعليم بكل شيء والقدير على كل شيء والعزيز بكل معاني العزة والحكيم الجامع لمعاني الحكمة والعظيم الذي له جميع صفات الكبرياء والعظمة الى غير ذلك من نعوت جلاله وصفات كماله والمخلوق حادث بعد العدم له اول واخر وهو ضعيف العلم ضعيف القدرة والله تعالى هو الذي اعطاه ما اعطاه من علم وقدرة فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم فاعظم الخلق وهم الرسل والملائكة قد اعترفوا انه لا علم لهم الا ما علمهم الله فمن سوى بين الله وبين خلقه فلا يعدو اما ان يكون اعظم الخلق جهلا وضلالا واغترارا واما ان يكون منكرا لرب العالمين جاحدا له من كل وجه يريد ان يخادع ويماكر باظهار الايمان به فهذا الكاتب خادع ومخدوع بما رآه في تفوق الامم المتقدمين في الصناعات والاختراعات والفنون العصرية وانهم لما مهروا في علوم المادة والطبيعة فلا بد ان يصلوا الى العلوم التي لا يعلمها الا الله ويقدروا على ما ليس في وسع الخلق وطاقتهم القدرة عليه وان جاز ان يظن هذا الظن فليعلم ان كان لم يعلم ان الله تعالى خلق الانسان في هيئة وخلقة قابلة للترقي في العلوم والاعمال التي هي في طوره وطاقته وامده بالعقل والفكر وارشادات الرسل ومن سلك سبيلهم في هداية الخلق وهيأ له الاسباب التي توصله الى اعلى ما يمكن الوصول اليه من الاطوار البشرية وجعل له حدا ينتهي اليه ويتعذر عليه مجاوزته جعله يترقى في اشرف العلوم وهو علم التوحيد والعقائد والاخلاق والاحكام وفي علوم السياسة وتدبير الامم وطبقات الناس وسخر له هذا الكون يستخرج اثاره ويستمد بقواه على صنائعه ومخترعاته فحصل للناس في هذه الامور ارتقاء الى حيث هيئ لهم كل على حسب مشربه اما الرسل وورثتهم من العلماء الربانيين والائمة المصلحين الهادين المهديين فشربوا من العلوم الدينية وتغذوا بالمعارف الربانية المصلحة للقلوب والارواح المرقية لها الى اعلى الدرجات واكمل السعادات وكملوا ذلك بعلوم الاحكام ومعرفة الحلال والحرام وعلوم المعاملات والحقوق المتنوعة بين الخلق المبنية على كمال العدل والقسط والصلاح والاصلاح ومعرفة الفنون السياسية وجميع العلوم المعينة على الدين المصلحة للاحوال الجالبة للمنافع الدافعة للمضار حتى صاروا هادين مهتدين بهم يهتدي المهتدون وبارشاداتهم يقتدي الصالحون فلم يصل لاحد علم ولا معرفة ولا خير الا على ايديهم وبهدايتهم وعلومهم ومعارفهم توزن العلوم والمعارف وباخلاقهم واعمالهم يتبين الصالح من الفاسد فبلغوا شأوا وغاية لم يصل الى قريب منها احد من الاولين والاخرين وصار الواحد من اتباع الرسل وائمة الهدى لو قيس به جميع من يعظمهم هذا الكاتب ويخضع لمعارفهم واحوالهم من ائمة الملاحدة لم يصل الى عشر معشار ما اوتيه من القوة العلمية فضلا عما يترتب على ذلك من احوال القلوب والانابة الى الله تعالى وكل من له معرفة يشهد بذلك والكاتب اعترف به وشهد حيث ترجم لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الصراع ترجمة حافلة وفضله على جميع العلماء وانه بزهم بسعة علمه وقوة ارشاده وسعة اطلاعه ومهارته العجيبة ولا فرق بين المسلمين منهم والمبطلين ولكنه كذب نفسه وتناقض في هذا الكتاب فيا ويحه المسكين انى يؤفك ويصرف عن الحق واما في هذا الوقت الاخير فقد جدت الامم الافرنجية والامريكية ومن تبعهم واجتهدت في الفنون العصرية وصرفت لها اوقاتها وراحاتها واقبلت عليها اقبالا عظيما فبلغت هذا المبلغ الذي لم يصل اليه احد وهي جادة في السير الى تكميل فنونها وستصل بحسب ما يرى الى ما تصل اليه قواها ومداركها واما كون معارفهم لا منتهى لها واعمالهم لا حد لها وانها ستزاحم رب العالمين وستعلم كل شيء وتقدر على كل شيء فهذا امر يعرف بطلانه ببداهة العقول نعم هي قد توصلت من علوم المادة الارضية والحيوية وتسخير القوى السفلية الى امور لا يمكن انكارها اما كونها تتصل الى عالم السماوات والعالم العلوي وعلمي ما كان وما سيكون مما لا سبيل لها اليه بوجه من الوجوه او انها ستتمكن من ايجاد الحيوانات ونفخ الروح فيها فهذا ممتنع في العقول الصحيحة كما انه ممتنع في الشريعة فان الله تفرد بغيوب لا يعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب فضلا عن غيرهم وتفرد تعالى بانه هو الذي يميت ويحيي لا يشاركه في ذلك مشارك من اهل السماء واهل الارض فهنا يقال على سبيل التحدي لاي مخلوق يكون قد صنع هؤلاء المخترعون واهل المهارة في علوم المادة الصورة والصنائع المدهشة فهل في امكانهم ايجاد بعوضة او غيرها او يرد الروح اذا بلغت الحلقوم الى موضعها ويقال هذه الامم قد اوجدت المراكب البرية والبحرية والهوائية وسخروا مادة الكهرباء حيث يريدون ويشاؤون وفعلوا كذا وكذا مما هو داخل في قدرة الانسان وحللوا العناصر الكبار والصغار فهل في امكانهم ان يوجدوا اصغر مخلوق وهل لهم طريق الى العلوم الغيبية التي انفرد الله بعلمها فهل عندهم علم متى يجيء المطر ومتى يموت الصحيح وما مقدار عمره وماذا يكسب الخلق في مستقبلهم على سبيل العلم الجازم ونهاية ما عندهم التكهنات والتخرصات بحسب ما يشاهد من الاسباب وهل لهم سبيل الى العلم باحوال البرزخ والاخرة مما اخبرت به الرسل وكيفية ما فيهما وعند هذا الكاتب ان الانسان لا يتعذر على علمه ولا على قدرته شيء فتأمل هذا القول الذي لم يصل اليه احد من العقلاء ولا الحمقى وفي كتابه في مواضع متعددة اعتراف بانفراده عن الناس بكثير مما ذكرناه ونذكره عنه من الاقوال الباطلة وانه ادرك ما لم يدركه الرسل واتباعهم وهذا مع ما فيه من العجب والاغترار البليغ والكذب الصراح اعترافا بالشذوذ ومخالفة العقلاء كلهم وهذا من التجرؤ والافتراء بمكان سحيق المشركون واليهود والنصارى لم يجرؤوا على ما يقارب هذا القول وقد اتفق جميع المثبتين للخالق من اهل الاديان وغيرها ان المخلوق لا يمكن ان يساوي الخالق بوجه من الوجوه ونهاية ما بلغ شرك المشركين انهم جعلوا لهم الهة يزعمون انها يعمل لها من العبودية ما يستحق لله مع اعترافهم انها مخلوقة عاجزة ناقصة وانهم ما عبدوهم الا ليقربوهم الى الله زلفى فتبا لمن صرح بمقالة يتحاشى ويتنزه عنها اليهود والنصارى والمشركون واما قصور هؤلاء المتأخرين في علوم التوحيد والدين مع مهارتهم في فنون الطبيعة فهذا من ايات الله وبراهين قدرته ان تجد اناسا في غاية الذكاء والبراعة وقد ادركوا من العلوم والفنون العصرية ما عجز عنه الاولون وحار فيه الاخرون ثم هم مع هذه البراعة والذكاء المفرط في هذه الاشياء تجدهم في غاية الجهل والقصور العظيم والضلال البعيد عن العلم بالله وتوحيده وما يستحقه من العظمة والجلال وتجدهم يشاهدون من خوارق علم الانسان ما تخبرهم به الرسل عن الله واخباره وغيوبه واحوال الجزاء وهم مقيمون على الكفر والتكذيب افبقدرة الانسان يؤمنون وبقدرة الملك العظيم يكفرون فهؤلاء برعوا في امور خاصة ضئيلة بالنسبة الى العلوم النافعة والمطالب العالية التي لا سعادة للخلق ولا فلاح لهم الا بها وعموا عن المقاصد فبذلك يعلم ان الامر امر الله والقضاء قضاؤه وان اعجاب الانسان بنفسه وتيههه بمعارفه الضئيلة اكبر حجاب بينه وبين الله وانه ان تخلى عنه طرفة عين هلك وشقي ومن فروع غلوه في الطبيعة ان ادعى وكابر وكذب ما جاءت به الرسل واخبر الله به في كتابه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم عن ادم ابي البشر وزوجه وعدوهما ابليس وما قص الله من انباءهم فتجرأ هذا الرجل وترك ما اخبرت به الرسل والكتب السماوية وسلك مسلك ملاحدة الطبائعيين الذين نظروا نظرية خرافية تسمى نظرية دارونا الانجليزي مآلها تسلسل الانسان عن القرد والقرد عن كلب او حيوان دونه وهكذا خطأهم فيها قومهم فضلا عن الرسل واتباعهم حيث زعم ان الانسان الاول في طور شبيه بالحيوان او هو الحيوان وانه بقي مددا طويلة ملايين او ملايين الملايين حسابا جزافا لا ينطق ولا يحسن الخطاب ولا يرد الجواب وانما يتناعتون ويتصايحون تصايح الاجنة في اول وضعهم من بطون امهاتهم وانهم مكثوا تلك المدد العظيمة وهم على هذا الوصف ثم انه ارتقوا عن هذا الانحطاط فتمكنوا من الاشارات وصار بعضهم يشير الى بعض من غير ان يهتدوا الى نطق ثم مكثوا ما شاءت الطبيعة الا ما شاء الله عنده حتى ترقوا فصاروا يتمكنون من النطق فلم يصلوا الى هذا الطور حتى مضت عليهم احقاب بعد احقاب وهذا مع ما فيه من تكذيب جميع الكتب والرسل فانه اخبث التخرصات وابعدها عن الحقائق فاي طريق دلهم على هذا التخرص الباطل واي سند اوصلهم الى هذه الجراءة ولكن يأبى الله تعالى الا ان يفضح النابذين لدينه المكذبين له ولرسله تركوا علوم الرسل والحقائق اليقينية وتبعوا التخرصات وما خرصوه وتخرصوه في الحفريات وما يجدونه من جثث بعض الحيوانات فبعدا لمن اختار هذه الخرافات والخزعبلات على ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب وويل للكافرين من عذاب شديد الذين يكذبون الله ورسوله ويؤمنون بكل شيطان مريد ثم انظر الى المبحث الاخير من كتابه الذي عنوانه المشكلة التي لم تحل في صفحة خمس عشرة وثلاثمائة وما بعدها الى اخر كتابه كيف اتى فيه بالطامات والفظائع وانكر المنكرات وكيف حاول وصرح بان الايمان بالله واثبات وجوده وربوبيته وافعاله من اشكل المشكلات وهي اصل الامور واوضحها واجلاها براهين ثم صرح بهذه الجراءة التي ما وصل اليها احد من البشر الا فرعون واشباهه الذين انكروا رب العالمين وجحدوه بالكلية وقد صرح ان الاولين والاخرين لم يحلوا هذه المشكلة فجميع الكتب المنزلة من الله التوراة والانجيل والزبور والقرآن وجميع ما قالته الرسل عموما وقاله سيدهم وامامهم خصوصا وجميع العلماء الربانيين والهداة المهتدين والحكماء والاساطين الجميع عنده لم يعرف الايمان بالله ولم يحلوا هذه المشكلة التي زعمها فبقيت عند هؤلاء مشكلة الايمان في غاية الاشكال والتعقيد عند هذا الكاتب فيا ويحه ما اعظم هذه الطامة وما اشنع هذه الجراءة على الله وعلى رسله وكتبه وعلى جميع اهل العلم وكيف طاوعته نفسه على هذه الطامة الكبرى وكيف لم يكن له عقل يحجزه ويردعه عن هذه الشناعة التي صار بها مضرب المثل في الالحاد الجنوني والزندقة المتفننة سبحان الله العظيم وصدق رسوله النبي الكريم هذا الدين العظيم الذي وضح الحقائق الاصولية والفروعية وعلوم الباطن والظاهر والعلوم المتعلقة برب العالمين والمتعلقة بالمخلوقين بين كل شيء واوضح كل شيء وهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي هو اعلم الخلق على الاطلاق واكملهم في جميع المعاني والصفات اذا قصر هذا الدين وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيان هذا الاصل الذي هو اصل الاصول والاساس الاكبر لامور الدنيا والاخرة فاي شيء بين ووضح والى اي شيء هدى وارشد واذا لم يحل ما زعمه هذا المفتري مشكلا فاي مشكل حله واي علم ابانه ووضحه لقد كان هذا الدين على زعم هذا الكاتب من اعظم النكبات على البشر نقول على زعمه على وجه الالزام وقد صرح بذلك في مواضع من كتابه وعلى زعمه ما زاد الناس هذا الدين الكامل ولا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم الا شرا ولا اوقعهم الا في اعظم الضرر فسبحان الله وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا هذا الاصل الكبير قد وضحه الله في كتابه ووضحه رسوله توضيحا حتى بلغ من وضوحه ان كان اظهر من الشمس في رائعة النهار وابلغ من جميع المسائل كلها فلا يوجد في الدنيا اي مسألة الا وكان بيان هذا الاصل اعظم من بيانها وبراهينه وادلته اكبر من براهينها وادلتها لقد كاد الكتاب والسنة ان يكونا تأصيلا وتفصيلا لهذا الاصل العظيم واما البراهين العقلية والفطرية فكلها متفقة على الاعتراف بالله حتى المشركون الذين يجعلون معه مخلوقات يدعونها ويصرفون لها شيئا من العبادة معترفون ان الله هو الخالق الرازق المدبر لجميع الامور وقد قالت الرسل افي الله شك وقد عظمت هذه المسألة ان يبرهن عليها كما قيل وليس يصح في الاذهان شيء اذا احتاج النهار الى دليلي وهذا المفتري بعد المحاولة والمجادلة وترديد الكلام والهذر الذي لا حاصل له زعم انه انفرد بحلها فاستنتج بعقله الجنوني وجراءته العظيمة ان حلها الوحيد هو ان ينبذ الناس الايمان وراء ظهورهم ويكونوا معانقين للطبيعة منسلخين من الدين والشريعة بالكلية وانهم اذا فعلوا ذلك فقد حلوا هذا اللغز المعقد وان بقي عليهم بقايا من الايمان فانهم في قيود واغلال قد تعذر عليهم النهوض والرقي فيا ويحه اين قوله انه مؤمن بالله وبكل ما اخبر به وهل بلغ احد من الملحدين هذه الهاوية السحيقة لقد وضح كل الوضوح وزال الاشكال ان هذا الرجل مخادع قد سلك نهجا جديدا في الدعاية الالحادية اتى على جميع الاديان من اصلها ليزيلها ويقلعها فهو بهذه الدعاية قد تصدى لمحاربة الاديان السماوية كلها ويحه المسكين الذي اضحى فريسة الملحدين اذا لم يثبت اصل الايمان فاي شيء يثبت واذا لم يؤمن بالله فبأي شيء يؤمن فبأي حديث بعد الله واياته يؤمنون فمن وصلت به الحال الى هذا الحد من الجحد لم يبق للكلام معه فائدة لان المكابر المباهت تريه اظهر الاشياء فينكرها يزعم هذا الكاتب ان ايمان المتدينين يمنعهم من مباشرة الاسباب وان باشروها فعلى وجه ضعيف هذا حاصل المعنى الذي طول فيه الكلام وردده واستنتج منه انه يتحتم على الناس رفض الايمان بالله وباقداره حتى يخرجوا من غلهم وحبسهم وينطلق سراحهم لقد صدق هذا الكاتب في ان الايمان حبس لهم ولكن عن التهتك في الاخلاق الرذيلة وعن الانغماس في الفجور والفواحش الظاهرة والباطنة وقيد لهم عن التجرؤ على الظلم للخلق في دمائهم واموالهم واعراضهم وجميع حقوقهم وان اهله لا يمكن ان يكونوا اباحيين ما داموا متمسكين به لكن بتركه والاعراض عنه تنحل عنهم القيود الشرعية فيصيروا كالبهائم وتكون امورهم فوضى وهذا ما اراده هذا الكاتب وهو يعلم حق العلم ان هذه الثمرات الجليلة من اعظم محاسن الدين واجل ثمراته ولكنه يسعى احث السعي لقطعها ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون فهذا الرجل لم يسلك مسلك الحذاق من الملحدين الذين يموهون باشياء تروج على كثير من الناس ولكنه جاء الى اظهر الاشياء واجلاها واوضحها فانكره غاية الانكار وكابر فيه اعظم مكابرة زعم ان الايمان بالله يضعف القوى ويوهن العزائم والحال انه لا تقوم القوى كلها ولا تنهض الا بالايمان بالله فانه لا حول ولا قوة الا بالله فكل حول وقوة مستمدة من حول الله وقوته والعبد اذا وكل الى نفسه فقد وكل الى ضعف وعجز ونقص من جميع الوجوه فالمؤمنون بالله حقا هم اقوى الخلق قلوبا وابلغهم شجاعة واصبرهم على المكاره واثبتهم في المواطن الحرجة لايمانهم الكامل بالله ورجائهم لثوابه وخوفهم من عقابه الايمان هو مادة كل خير وكل صلاح واصلاح وبه تندفع شرور الدنيا والاخرة ثم مع ذلك الترويج والجحد للايمان بالله يباهت فيزعم ان اهل الدين لا يمكنهم فهمه على وجهه فعلى قوله لم يفهمه الصحابة والتابعون لهم باحسان ولا العلماء الربانيون ولا سائر اهل العلم من المسلمين وحيث لم يفهموه عنده يتعين عليهم رفضه والاخذ بطريقة الملحدين فاين الايمان والاسلام الذي يدعيه هذا الرجل ويزعم انه يغار على المسلمين وهو متصد لمحاربتهم ومحاربة دينهم واين العقل الذي يبقي على صاحبه ويجعله متماسكا بين الناس فان هذا تهور واستهتار ومناداة على عقله بالسفه والجنون ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه وهو مع هذا يبدأ ويعيد في الاستهزاء بشرائع الدين وباهله وحملته على وجه الوقاحة كدأب الحمقى والمجانين فالمؤمن يحمد الله على العافية من هذه البلية العظمى والمصيبة الكبرى ويسأل الله الا يزيغ قلبه ولا يجعله مثلة بين الخلق والا يكون كمن اتاه الله اياته فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاويين ومن بهرجات هذا الكاتب حين قرر ان المسلمين لا يفهمون دينهم ولا يمكنهم فهمه على حقيقته استشهد على ذلك بما قصه عن الرازي والامدي وابن ابي الحديد وامثالهم من الحائرين في معرفة الله وان كان بعضهم قد تراجع عن حيرته فزعم هذا الكاتب ان المسلمين كذلك حائرون لا يهتدون الى اصول دينهم ولم يعلم او علم وتجاهل ان هؤلاء الحيارى انما حاروا في معرفة الله وان كل من ابتغى الهدى من غيره اضله الله وهذه صفة لكل من كذب بالحق وتركه لابد ان يمرج امره كما قال تعالى بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في امر مريج فانظر الى هذا الرجل كيف لما كذب بالحق وترك الايمان بالله ورفضه ودعا الناس الى رفضه كيف تقلبت به الاحوال ولعبت به الاهواء وصار ينادي ويدعو الى الالحاد بعدما كان يدعو الى دين رب العباد فالمسلمون ولله الحمد قد فهموا الايمان فهما كاملا اعظم من فهم اي قضية كانت فهم اعظم الناس يقينا واثبتهم ايمانا واصحهم اعتقادا لانهم امنوا بالله وصدقوا المرسلين واستقاموا على الصراط المستقيم حيث عدل غيرهم عن هذا الطريق ومن فروع نبذه الايمان بالله وبما اخبر به على السنة رسله انكار الملائكة والجن والارواح وسياقه لهذا الانكار باساليب تهكمية وعبارات سخرية بما اخبر الله به واخبرت به رسله ونطقت به الكتب واعترف به علية الخلق وسائر اهل الاديان السماوية وجاءت به نصوص الكتاب والسنة في نصوص كثيرة زادت على التواتر فاقر بها المسلمون واعترفوا بها وبكل ما اخبر الله به ورسوله عن الملائكة والجن وعن احوال الروح في البرزخ وغيره ولم ينكر ذلك الا جاحد ملحد مكذب لله ورسوله وقد تحاذق هذا الرجل حين نصر قول من كذب بهذه الاصول العظيمة فجمع كل ما يقدر عليه في كتابه من خرافات الخرافيين عن الجن والارواح ونسب ذلك الى المسلمين ليتوسل به الى القدح في الدين ظنا منه انه يروج على الناس ثم لما قرر هذا التكذيب بعبارات كثيرة في صفحة ثلاثمائة وما بعدها شعر ان الناس لابد ان يقولوا هذا كلام مكذب بالملائكة والجن والارواح فقال نفاقا ليعلم بعد هذا اننا ممن يؤمنون بالارواح والملائكة والجان وبما اخبر الله به الى اخر ما قال فانظر الى هذا التناقض والبهرجة التي لا تخفى على من له ادنى عقل ولكن من غروره بنفسه يحسب ان الناس كالبهائم ومن كذب بالمدبرات امرا وتهكم بما يذكر في الكتاب والسنة ويذكره اهل العلم من انواع التدبيرات في العالم العلوي والسفلي التي تتولاها الملائكة بامر الله لم يستغرب بعد ذلك تكذيبه بتأثير العين وتحريف النصوص الواردة فيها وتفسيرها بما لم يفسرها به مسلم بل ولا عاقل ومن كانت هذه الاصول عنده ترهات وخيالات لم تستغرب عليهما نصره من سفور النساء وايجابه لمخالطتهن الرجال الاجانب في جميع المجامع الصغار والكبار وانه ليس للرجال عليهن درجة ولا لهم فضل عليهن وان هذا السفور والتهتك بزعمه هو عين الصلاح وانه لا يمكن اصلاحهن وثقافتهن وتعليمهن الا بهذه الطريقة السافلة وان خيار المسلمين من القرون الماضية من الصحابة والتابعين ومن تمسك بهديهم الى اليوم من خيار المسلمين ان هؤلاء كلهم من اولهم الى اخرهم من الجهلة الهمج حيث صانوا نساءهم عن التبرج والتهتك ثم باهت في ذلك ناقلا مستحسنا ان الشر الحاصل من النساء المصونات المحفوظات بحفظ الله ثم بحفظ اوليائهن اهل الغيرة على الدين وشرائعه اعظم من الشر الحاصل من النساء المتهتكات المزاحمات للرجال في جميع ميادين الحياة ثم نقله القبيح واستحسانه في هذا الموضوع كلام الساقطين من الاباحيين الذين لا يرون شيئا حراما خبيثا بل ما اشتهاه الانسان فعله ولا قبيح عندهم الا ما لم تشتهه النفوس كما نقله في صفحة ثلاث ومئة وما بعدها فيا ويح هذا ماذا ترك للفضائل الدينية والاداب الدينية والصيانة الانسانية لقد رفضها كلها وهذه الطريقة التي استحسنها هي الطريقة الوحيدة للاباحية اباحة جميع ما حرم الله من الشرك والفواحش والمنكرات اذا تقررت هذه المباحث الخبيثة والمنافية للدين من كل وجه الدالة على انحراف عقل صاحبها بعد انحراف دينه فلا تستغرب بعد هذا رده وتكذيبه للادلة الشرعية وتحريفه لنصوص الكتاب والسنة وترويجه بجمع الاحاديث الصحيحة مع اثار باطلة فيرد الجميع وتفسير النصوص بغير تفاسير المسلمين نصرة لباطله وانما هي من جنس تحريفات القرامطة الباطنية ولنذكر نموذجا يسيرا من هذا النوع ليعرف بذلك الحاد هذا الرجل في ذلك قوله في قوله تعالى وفي انفسكم افلا تبصرون ذكر في صفحة اربع واربعين ان معناها ان الله نعى على المسلمين الموجودين وقت نزول القرآن ويعاتبهم كيف لا يبصرون ما في انفسهم من الايات وان الصحابة والقرون المفضلة ومن بعدهم من علماء المسلمين انطوت قرونهم والعتاب موجه اليهم واللوم يقرعهم لكونهم لم يبصروا ما في انفسهم من الاستعداد لاستخراج كنوزها لا لاستخراج كنوز الارض حتى جاء هذا الوقت فانطبقت عليهم هذه الاية وكانوا احق بها واهلها لكونهم العاملين بها حيث عمي عنها الاولون وعلموها حيث جهلها السابقون فهذا التطبيق تحريف لم يسبقه اليه احد من المسلمين ولا ممن يدعي الاسلام ومعناه الجلي عند هذا ان ملاحدة الامم اكمل وافضل واعظم عملا بهذه الاية من السابقين من الصحابة والتابعين لهم باحسان الى اخر الوقت سبحانك هذا بهتان عظيم