فانه الباب الاعظم الى العلم بالتوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل من غيره وقوله واستغفر لذنبك ايطلب من ربك المغفرة لذنبك بان تفعل الاسباب التي تحصل بها المغفرة المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فقد كنت كتبت كتابا في تفسير القرآن مبسوطا مطولا يمنع القراء من الاستمرار بقراءته. ويفطر العزم عن نشره. فاشار علي بعض العارفين الناصحين ان اكتب كتابا غير مطول يحتوي على خلاصة ذلك التفسير. ونقتصر فيه على الكلام على بعض الايات التي نختارها وننتقيها من جميع مواضيع علوم القرآن ومقاصده اعنت الله على العمل في هذا الرأي الميمون لامور كثيرة منها انه بذلك يكون متيسرا على المشتغلين معينا للقارئين ومنها ان القرآن العظيم ليس كغيره من الكتب في الترتيب والتبويب لانه بلغ في البلاغة نهايتها وفي الحسن غايته وفي الاسلوب البديع والتأثير العجيب ما هو اكبر الادلة على انه كلام الله وتنزيل من حكيم حميد فنجده في اية واحدة يجمع بين الوسائل والمقاصد وبين الدليل والمدلول وبين الترغيب والترهيب وبين العلوم الاصولية والفروعية وبين العلوم الدينية والدنيوية والاخروية وبين الاغراض المتعددة والمقاصد النافعة ويعيد المعاني النافعة على العباد. ليتم علمهم وتكمل هدايتهم ويستقيم سيرهم على الصراط المستقيم علما وعملا الوقوف على تفسير بعض القرآن يعين اعظم عون على معرفة باقيه. والله جعله مثاني تثنى فيه العلوم النافعة. والمعاني الجليلة الكاملة وهذا من تيسيره تعالى لكتابه. قال تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟ ومما يدعو الى هذا ما تحتوي عليه هذه المقدمة المذكورة بقولنا مقدمة في ذكر اوصاف القرآن العامة الجامعة قد وصف الله كتابه باوصاف جليلة عظيمة تنطبق على جميعه تدل اكبر دلالة على انه الاصل والاساس لجميع العلوم النافعة والفنون المرشدة لخير الدنيا والاخرة وصفه بالهدى والرشد والفرقان وانه مبين وتبيان لكل شيء فهو في نفسه هدى ويهدي الخلق لجميع ما يحتاجون من امور دينهم ودنياهم ويرشدهم الى كل طريق نافع ويفرق لهم بين الحق والباطل والهدى والضلال وبين اهل السعادة والشقاوة بذكر اوصاف الفريقين وفيه بيان الاصول والفروع بذكر ادلتها النقلية والعقلية فوصفه بهذه الاوصاف المطلقة العامة التي لا يشذ عنها شيء في ايات كثيرة وقيد هدايته في بعض الايات بعدة قيود قيد هدايته بانه هدى للمؤمنين المتقين بقوم يعقلون ويتفكرون ولمن قصده الحق وهذا بيان منه تعالى لشرط هدايته وهو ان المحل لابد ان يكون قابلا وعاملا فلابد لهدايته من عقل وتفكير وتدبر لاياته. فالمعرض الذي لا يتفكر ولا يتدبر اياته لا ينتفع به ومن ليس قصده الحق ولا غرض له في الرشاد بل قصده فاسد وقد وطن نفسه على مقاومته ومعارضته ليس له من هدايته نصيب فالاول حرم هدايته لفقد الشرط والثاني لوجود المانع فاما من اقبل عليه تفكر في معانيه وتدبرها بحسن فهم وحسن قصد وسلم من الهوى فانه يهتدي به الى كل مطلوب وينال به كل غاية جليلة ومرغوب ووصفه بانه رحمة وهو الخير الديني والدنيوي والاخروي. المترتب على الاهتداء بالقرآن فكل من كان اعظم اهتداء به فله من الرحمة والخير والسعادة والفلاح بحسب ذلك ووصفه بانه نور وذلك لبيانه وتوضيحه العلوم النافعة والمعاني الكاملة وان به يخرج العبد من جميع الظلمات ظلمات الجهل والكفر والمعاصي والشقاء الى نور العلم واليقين والايمان والطاعة والرشاد المتنوع ووصفه بانه شفاء لما في الصدور وذلك يشمل جميع امراض القلوب فهو يوضح امراض القلوب ويشخصها. ويرشد العباد الى كل وسيلة يحصل بها زوالها وشفاؤها فيذكر لهم امراض الجهل والشكوك والحيرة واسباب ذلك ويرشدهم الى قلعها بالعلوم النافعة واليقين الصادق تلوك الطرق الصحيحة المزيلة لهذه العلل ويذكر لهم امراض الشهوات والغي ويبين لهم اسبابها وعلاماتها واثارها الضارة ويذكر لهم ما به تعالج من المواعظ والتذكر والترغيب والترهيب والمقابلة بين الامور وترجيح ما ترجحت مصلحته العاجلة والاجلة ووصفه بانه كله محكم فكن له متشابه في الحسن وبعضه متشابه من وجه محكم من وجه اخر. فاما وصفه في عدة ايات انه كله محكم فلبلاغاته وبيانه التام اشتماله على غاية الحكمة في تنزيل الامور منازلها. ووضعها مواضعها وانه متفق غير مختلف. ليس فيه اختلاف ولا تناقض بوجه من الوجوه واما حسنه فلما فيه من البيان التام لجميع الحقائق. ولانه بين احسن المعاني النافعة بالعقائد والاخلاق والاداب. فهي في غاية الحسن لفظا ومعنى واثارها احسن الاثار. وكل هذه المعاني المثناة في القرآن يشهد بعضها لبعض في الحسن والكمال ويصدق بعضها بعضا. واما وصفه بان منه ايات محكمات هن ام الكتاب. واخر متشابهات فالمتشابهات هي التي يقع الاشكال في دلالتها لسبب من الاسباب اللفظية والعبارات المركبة فامر الله بردها الى المحكمات الواضحة بينت المعاني التي هي نص في المراد. فاذا ردت المتشابهات الى المحكمات طارت كلها محكمات وزال الشك والاشكال وحصل البيان للهدى من الضلال ووصفه بانه كله صلاح ويهدي الى الاصلاح والى اقوم الامور وارشدها وانفعها في كل شيء من دون استثناء وهذا الوصف المحيط لا يخرج عنه شيء فهو اصلاح للعقائد والقلوب وللاخلاق والاعمال ويهدي الى كل صلاح ديني ودنيوي بحيث تقوم به الامور تعتدل به الاحوال ويحصل به الكمال المتنوع من كل وجه بالارشاد الى كل وسيلة نافعة تؤدي الى المقاصد والغايات المطلوبة فلا سبيل الى الهداية والصلاح والاصلاح لجميع الامور الا بسلوك الطرق التي ارشد القرآن اليها. وحث العباد عليها فمتى عرفت ان القرآن العظيم موصوف كله بهذه الاوصاف التي هي اعلى الاوصاف واكملها واتمها وانفعها للعباد. وانه اعيدت فيه هذه المعاني الجليلة. ومزجت فيه مزجا عجيبا غريبا في كماله وحسنه فهمت ان طالب العلم اذا وقف على تفسير بعض الايات تدرب بها توسل بها الى معرفة بقية الايات لهذه الاسباب وغيرها رأينا ان المصلحة تدعو الى الاقتصار على خلاصة ذلك التفسير راجين من الرب ان يتم نعمته وان يحصل به المقصود ورأينا ان الاحسن ان نذكر كل موضوع على حدته لما فيه من التقريب والسهولة وجمع المعاني التي هي من فن واحد في موضع واحد. مع انه كما تقدم لابد ان يدخل في ايات الاصول كثير من الفروع بايات الفروع كثير من الاصول ويدخل فيها من الترغيب والترهيب والقصص شيء كثير وهذا المزج العجيب من كمال القرآن وعظم تأثيره فانه كتاب تعليم يزيل الجهالات المتنوعة كتاب تربية يقوم الاخلاق والاعمال. فهو يعلم يقوم ويهذب ويؤدب باعلى ما يكون من الطرق التي لا يمكن للحكماء والعقلاء ان يقترحوا مثلها ولا ما يقاربها. علوم التوحيد والعقائد والاصول بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. اياك اياك نعبد واياك نستعين. اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين سين اي ابتدأ بكل اسم لله تعالى لان لفظ اسم مفرد مضاف فيعم جميع اسماء الله الحسنى فيكون العبد مستعينا بربه وبكل اسم من اسمائه على ما يناسبه من المطالب واجل ما يستعان به على عبادة الله واجل ذلك الاستعانة على قراءة كلام الله وتفهم معانيه والاهتداء بهديه. الله هو المألوه المستحق لافراده بالمحبة والخوف والرجاء وانواع العبادة كلها لما اتصف به من صفات الكمال وهي التي تدعو الخلق الى عبادته والتأله له. الرحمن الرحيم اسمان دالان على انه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء وعمت كل مخلوق وكتب الرحمة الكاملة للمتقين المتبعين لانبيائه ورسله فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة المتصلة بالسعادة الابدية. ومن عاداهم محروم من هذه الرحمة الكاملة بانه هو الذي دفع هذه الرحمة واباها بتكذيبه للخبر وتوليه عن الامر فلا يلومن الا نفسه واعلم ان من القواعد المتفق عليها بين سلف الامة وائمتها ما دل عليه الكتاب والسنة من الايمان باسماء الله اهي كلها وصفاته جميعها. وباحكام تلك الصفات فيؤمنون مثلا بانه رحمن رحيم ذو الرحمة العظيمة التي اتصف بها المتعلقة بالمرحوم. فالنعم كلها اثار رحمته وهكذا يقال في سائر الاسماء الحسنى فيقال عليم ذو علم عظيم يعلم به كل شيء قدير ذو قدرة يقدر على كل شيء فان الله قد اثبت لنفسه الاسماء الحسنى والصفات العليا واحكام تلك الصفات فمن اثبت شيئا منها ونفى الاخر كان مع مخالفته للنقل والعقل متناقضا مبطلا الحمد لله الحمد هو الثناء على الله بصفات الكمال وبافعاله الدائرة بين الفضل والعدل. المشتملة على الحكمة التامة. ولا بد في تمام حمد الحامد من اقتران محبة الحامد لربه وخضوعه له فالثناء المجرد من محبة وخضوع ليس حمدا كاملا رب العالمين الرب هو المربي جميع العالمين بكل انواع التربية وهو الذي خلقهم ورزقهم وانعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة. وهذه التربية العامة لجميع الخلق برهم وفاجرهم بل المكلفين منهم وغيرهم. واما التربية الخاصة لانبيائه واوليائه فانه مع ذلك يربي ايمانهم فيكمله لهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق التي تحول بينهم وبين صلاحهم وسعادتهم الابدية وتيسيرهم لليسرى وحفظهم من جميع المكاره. وكما دل ذلك على انفراد الرب بالخلق والتدبير والهداية. وكمال الغنى فانه يدل على تمام فقر العالمين اليه بكل وجه واعتبار فيسأله من في السماوات والارض بلسان المقال الحال جميع حاجاتهم ويفزعون اليه في مهماتهم ما لك يوم الدين المالك هو من اتصف بالصفات العظيمة الكاملة التي يتحقق بها الملك التي من اثارها انه يأمر وينهى ويثيب ويعاقب ويتصرف في العالم العلوي والسفلي التصرف التام المطلق بالاحكام القدرية والاحكام الشرعية واحكام جزاء فلهذا اضاف ملكه ليوم الدين مع انه المالك المطلق في الدنيا والاخرة فانه يوم القيامة الذي يدين الله فيه العباد باعمالهم خيرها وشرها ويرتب عليها جزاءها شاهد الخليقة من اثار ملكه وعظمته وسعته وخضوع الخلائق كلها لعظمته وكبريائه واستواء الخلق في ذلك اليوم على اختلاف طبقاتهم في نفوذ احكامه ما يعرفون به كمال ملكه وعظمة سلطانه. اياك نعبد واياك نستعين اي نخصك يا ربنا وحدك بالعبادة والاستعانة فلا نعبد غيرك ولا نستعين بسواك فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة. فهي القيام بعقائد الايمان واخلاقه واعماله محبة لله وخضوعا له الاستعانة هي الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به في حصول ذلك وهذا التزام من العبد بعبودية ربه وطلب من ربه ان يعينه على القيام بذلك وبذلك يتوصل الى السعادة الابدية والنجاة من جميع الشرور. فلا سبيل لذلك الا بالقيام بعبادة الله الاستعانة به وعلم بذلك شدة افتقار العبد لعبادة الله والاستعانة به. اهدنا الصراط المستقيم اي دلنا وارشدنا ووفقنا للعلم بالحق والعمل به الذي هو الصراط المستقيم المعتدل الموصل الى الله والى جنته وكرامته وهذا يشمل الهداية الى الصراط وهي التوفيق للزوم دين الاسلام. وترك ما سواه من الاديان الباطلة ويشمل الهداية في الصراط وقت سلوكه علما وعملا فهذا الدعاء من اجمع الادعية وانفعها للعبد ولهذا اوجبه الله ويسره وهذا الصراط هو صراط الذين انعمت عليهم بالنعمة التامة المتصلة بالسعادة الابدية. هم الانبياء والصديقون والشهداء والصالحون غير المغضوب عليهم وهم الذين عرفوا الحق وتركوه اليهود ونحوهم ولا الضالين الذين ضلوا عن الحق كالنصارى ونحوهم فهذه السورة على ايجازها قد جمعت علوما جما. تضمنت انواع التوحيد الثلاثة. توحيد الربوبية يؤخذ من قوله رب العالمين توحيد الالوهية من قوله اياك نعبد واياك نستعين فهو المألوه بعبادته والاستعانة به توحيد الاسماء والصفات بان يثبت لله صفات الكمال كلها. التي اثبتها لنفسه. واثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم قد دل على ذلك اثبات الحمد لله فان الاسماء الحسنى والصفات العليا واحكامها كلها محامد ومدائح لله تعالى. وتضمنت اثبات الرسالة في قوله اهدنا الصراط المستقيم. لانه الطريق الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك فرع عن الايمان بنبوته ورسالته تضمنت اثبات الجزاء وانه بالعدل. وذلك مأخوذ من قوله مالك يوم الدين. وتضمنت اثبات مذهب اهل السنة والجماعة في القدر وان جميع الاشياء بقضاء الله وقدره وان العبد فاعل حقيقة ليس مجبورا على افعاله. وهذا يفهم من قوله اياك نعبد واياك نستعين فلولا ان مشيئة العبد مضطر فيها الى اعانة ربه توفيقه لم يسأل الاستعانة وتضمنت اصل الخير ومادته وهو الاخلاص الكامل لله في قول العبد اياك نعبد واياك اياك نستعين. ولما كانت هذه السورة بهذه العظمة والجلال اوجبها الشارع على كل المكلفين في كل ركعة من صلاتهم فرضا ونفلا. وفيها تعليم من الله لعباده. كيف يحمدونه ويثنون عليه ويمجدونه بمحامده. ثم يسألون ربهم جميع مطالبهم ففيها دليل على افتقارهم الى ربهم في الامرين. مفتقرين اليه في ان يملأ قلوبهم من محبته ومعرفته ومفتقريه اليه في ان يقوم بمصالحهم ويوفقهم لخدمته والحمد لله رب العالمين نان قوله تعالى قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل حاق ويعقوب واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربه لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون هذه الاية الكريمة لها شأن كبير كان عليه الصلاة والسلام تقرأها كثيرا في الركعة الاولى من سنة الصبح. وقد اشتملت على جميع ما يجب الايمان به فان الايمان الشرعي هو تصديق القلب التام واقراره بهذه الاصول. المتضمن لاعمال الجوارح ولاعمال القلوب وهو بهذا الاعتبار يدخل فيه الاسلام. وتدخل فيه الاعمال الصالحة كلها. فهي ايمان وهي من اثار الايمان بان فاذا اطلق الايمان دخل فيه ما ذكر كذلك اذا اطلق الاسلام فانه يدخل فيه الايمان. فاذا قرن بين الاسلام والايمان فسر الايمان بما في القلب من العقائد الصحيحة والارادات الصالحة. وفسر الاسلام بالاعمال الظاهرة كذلك اذا جمع بين الايمان والعمل الصالح فالايمان لما في الباطن والعمل الصالح هو الظاهر. ومع اطلاق الايمان يدخل فيه العمل الصالح كما في كثير من الايات وقوله تعالى قولوا امنا بالله الى اخره اي قولوا ذلك بالسنتكم متواطئة عليها قلوبكم وهذا هو القول التام الذي يترتب عليه الثواب والجزاء فكما ان النطق باللسان بدون اعتقاد القلب ليس بايمان بل هو نفاق فكذلك القول الخالي من عمل القلب عديم التأثير قليل الفائدة وفي قوله قولوا اشارة الى الاعلان بالعقيدة والصدع بها والدعوة لها اذ هي اصل الدين واساسه وفي مثل قوله امنا وما اشبهها من الايات التي يضاف الفعل فيها الى ضمير الجمع اشارة الى انه يجب على الامة الاعتصام بحبل الله جميعا والحث على الائتلاف والنهي عن الافتراق. وان المؤمنين كالجسد الواحد عليهم السعي لمصالحهم كلها جميعا. والتناصح التام وفيه دلالة على جواز اضافة الانسان الى نفسه الايمان على وجه التقييد بان يقول انا مؤمن بالله كما يقول امنت بالله. بل هذا الاخير من اوجب الواجبات كما امر الله به امرا حتما. بخلاف قول العبد انا مؤمن ونحوه فانه لا يقال الا مقرونا بالمشيئة لما فيه من تزكية النفس لان الايمان المطلق يشمل القيام بالواجبات وترك المحرمات وهو كقوله انا متق او ولي او من اهل الجنة. وهذا التفريق هو مذهب محققي اهل السنة والجماعة. فقوله وامنا بالله اي بانه واجب الوجود واحد احد فرد صمد. متصف بكل صفة كمال. منزه عن كل نقص مستحق لافراده بالعبودية كلها. وهو يتضمن الاخلاص التام وما انزل الينا يدخل فيه الايمان بالفاظ الكتاب والسنة ومعانيهما. كما قال تعالى انزل الله عليك الكتاب والحكمة. وقال وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ان فيدخل في هذا الايمان ما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله من اسماء الله وصفاته وافعاله وصفات رسله. واليوم الاخر والغيوب كلها والايمان بما تضمنه الكتاب والسنة ايضا من الاحكام الشرعية كالامر والنهي واحكام الجزاء وغير ذلك وما انزل الى ابراهيم الى اخره فيه الايمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الانبياء والايمان بالانبياء عموما. وخصوصا من نص عليهم منهم في الاية الكريمة وغيرها. لشرفهم ولكونهم اتوا بالشرائع الكبار فمن براهين الاسلام ومحاسنه وانه دين الله الحق الامر بالايمان بكل كتاب انزله الله وقل لرسول ارسله الله مجملا ومفصلا فكل من ادعى انه على دين حق كاليهود والنصارى ونحوهم فانهم يتناقضون فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض فيبطل كفرهم وتكذيبهم تصديقهم. ولهذا اخبر عنهم انهم الكافرون حقا. وانه لا سبيل يسلك والى الله الا سبيل الايمان بجميع الرسل وبجميع الكتب المنزلة على الرسل وفي قوله وما اوتي النبيون من ربهم برهان على ان الانبياء وسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه وانه ليس لهم من الامر شيء وفي الاخبار بانه من ربهم بيان ان من كمال ربوبيته لعباده التربية التامة انه ارسل اليهم رسلا انزل عليهم كتبه ليعلموهم ويزكوهم ويخرجوهم من الظلمات الى النور. وانه لا يليق بربوبيته حكمته ان يتركهم سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون. ويفهم من الاية الكريمة الفرق بين الانبياء الصادقين وبين من يدعي النبوة من الكاذبين فان الانبياء يصدق بعضهم بعضا ويشهد بعضهم لبعض ويكون كل ما جاءوا به متفقا لا يتناقض. لانه من عند الله محكم منتظم. واما الكذبة فانهم لابد ان قضوا في اخبارهم واوامرهم ونواهيهم ويعلم كذبهم بمخالفته لما يدعو اليه الانبياء الصادقون فلما بين تعالى جميع ما يجب الايمان به عموما وخصوصا وكان القول لا يغني عن العمل قال ونحن له مسلمون اي خاضعون لعظمته منقادون لعبادته بباطننا وظاهرنا. مخلصون له بذلك فان تقديم المعمول على العامل يدل على الحصر فهذه الاصول المذكورة في هذه الاية قد امر الله بها في كتابه في عدة ايات من القرآن اجمالا وتفصيلا واثنى على القائمين بها واخبر بما يترتب عليها من الخير والثواب. وانها تكمل العبد وترقيه في عقائده واخلاقه وادابه تجعله عدلا معتبرا في معاملاته وتوجب له خير الدنيا والاخرة ويحيا بها الحياة الطيبة في الدارين وتجلب له السعادتين وتدفع عنه شرور الدنيا والاخرة وقد اخبر في هذه السورة ان الرسول والمؤمنين قاموا بهذه الاصول علما وتصديقا واقرارا. وعملا ودعوة وهداية وارشادا. فكتب اهل العلمي المصنفة في العقائد كلها تفصيل لما في هذه الاية الكريمة. ثلاثة الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الارض من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والارض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم قد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان هذه الاية اعظم ايات القرآن على الاطلاق وانها تحفظ قارئها من الشياطين والشرور كلها بما احتوت عليه من معاني التوحيد والعظمة وسعة صفات الكمال لله تعالى فاخبر انه الله الذي له جميع معاني الالوهية وانه لا يستحق الالوهية غيره فالوهية غيره وعبادة غيره باطلة ضارة في الحال والمآل. وعبادته وحده لا شريك له هي الحق الموصلة الى كل كمال وانه الحي كامل الحياة من كمال حياته انه السميع البصير القدير المحيط علمه بكل شيء الكامل من كل وجه فالحي يتضمن جميع الصفات الذاتية والقيوم الذي قام بنفسه واستغنى عن جميع المخلوقات وقام بها فاوجدها وابقاها وامدها بكل ما تحتاج اليه في بقائها فالقيوم تضمن جميع صفات الافعال ولهذا ورد ان اسم الله الاعظم الذي اذا دعي به اجاب واذا سئل به اعطى الله لا اله الا هو الحي القيوم فان هذين الاسمين الكريمين يدخل فيهما جميع الكمالات الذاتية والفعلية. ومن كمال حياته وقيمته انه لا تأخذه سنة ولا او اي نعاس بانهما انما يعرضان للمخلوق الذي يعتريه الضعف والعجز والانحلال وينزه عنهما ذو العظمة والكبرياء والجلال. واخبر انه مالك لجميع ما في السماوات وما في الارض فكلهم عبيده ومماليكه لا يخرج احد منهم عن هذا الوصف اللازم فهو المالك لجميع الممالك. وهو الذي اتصف بصفات الملك الكامل التصرف التام النافذ والسلطان والكبرياء ومن تمام ملكه انه لا يشفع عنده احد الا باذنه فكل الوجهاء والشفعاء عبيد له. مماليك لا يقدمون على الشفاعة لاحد حتى يأذن لهم قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والارض ولا يشفعون الا لمن ارتضاه الله ولا يرضى الا عن من قام بتوحيده واتباع رسله. فمن لم يتصف بهذا فليس له في الشفاعة نصيب واسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال لا اله الا الله خالصا من قلبه. ثم اقبر عن علمه الواسع المحيط وانه يعلم ما بين ايدي الخلائق من الامور المستقبلة التي لا نهاية لها وما خلفهم من الامور الماضية التي لا حد لها وانه لا تخفى عليه خافية يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين. وان الخلق لا يحيط احد منهم بشيء من علم الله. ولا معلوماته الا بما شاء منها وهو ما اطلعهم عليه من الامور الشرعية والقدرية. وهو جزء يسير جدا بالنسبة الى علم الباري. فاضمحل العلوم كلها في في علم الباري ومعلوماته كما قال اعلم المخلوقات وهم الرسل والملائكة. سبحانك لاعلم لنا الا ما علمتنا ثم اخبر عن عظمته وجلاله وان كرسيه واسع السماوات والارض وانه قد حفظهما بما فيهما من العوالم بالاسباب والنظامات التي جعلها الله في مخلوقاته مع ذلك فلا يؤوده ان تثقله حفظهما لكمال عظمته وقوة اقتداره وسعة حكمته في احكامه. وهو العلي بذاته على جميع مخلوقاته فهو الرفيع الذي باين جميع مخلوقاته وهو العلي بعظمة صفاته الذي له كل صفة كمال ومن تلك الصفات اكملها ومنتهاها. وهو العلي الذي قهر جميع المخلوقات ودانت له كل الموجودات وخضعت له الصعاب وذلت له الرقاب. العظيم الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء والمجد الذي تحبه القلوب وتعظمه الارواح ويعرف العارفون ان عظمة كل موجود جلت عن الصفة انها مضمحلة في جانب عظمة العلي العظيم فتبارك الله ذو الجلال والاكرام. فاية احتوت على هذه المعاني التي هي اجل المعاني وافردها على العباد يحق ان تكون اعظم ايات القرآن ويحق لمن قرأها متدبرا متفهما ان يمتلئ قلبه من اليقين والعرفان والايمان وان يكون بذلك محفوظا من غرور الشيطان. وقد نعت الباري نفسه الكريمة بهذه الاوصاف في عدة ايات من كتابه اربعة شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم هذه اجل الشهادات على الاطلاق فانها صدرت من الملك العظيم ومن ملائكته وانبيائه واهل العلم على اجل مشهود عليه وهو توحيد الله وقيامه بالقسط وذلك يتضمن الشهادة على جميع احكام الشرع واحكام الجزاء فان الدين اصله وقاعدته توحيد الله وافراده بالعبادة والاعتراف بانفراده بصفات العظمة والكبرياء والمجد والعز والجلال وبنعوت الجود والبر والرحمة والاحسان والجمال وبكماله المطلق الذي لا يحصي احد من الخلق ان يحيطوا بشيء منه او يبلغوه او يصلوا الى الثناء عليه بل هو كما اثنى على نفسه وفوق ما يثني على عباده واما القسط فهو العدل الكامل والله تعالى هو القائم بالعدل في شرعه وخلقه وجزائه فان العبادات الشرعية والمعاملات وتوابعها والامر والنهي كله عدل وقسط لا ظلم فيه بوجه من الوجوه بل هو في غاية الاحكام والانتظام وفي غاية الحكمة والجزاء وفي غاية الحكمة والجزاء على الاعمال كله دائر بين فضل الله واحسانه على الموحدين المؤمنين به وبين عدله في عقوبة الكافرين والعاصين فانه لم يهضمهم شيئا من حسناتهم. ولم يعذبهم بغير ما كسبوا ولا تزر وازرة وزر اخرى وقال تعالى قل اي شيء اكبر شهادة قل الله فتوحيد الله ودينه قد ثبت ثبوتا لا ريب فيه وهو اعظم الحقائق واوضحها وقد شهد الله له بذلك بما اقام من الايات والبراهين والحجج المتنوعة عليه من شهادته تعالى انه اقام اهل العلم العارفين بهذه الشهادة فانهم المرجع للعباد في تحقيق كل حق. وابطال كل باطل بما خصهم الله به من العلم الصحيح واليقين التام والمعرفة الراسخة وهذا من جملة فضائل العلم واهله فان الله جعلهم مسائط بينه وبين عباده يبلغونهم توحيده ودينه شرائعه الظاهرة والباطنة وامر الناس بسؤالهم والرجوع الى قولهم وانهم هم الائمة المتبعون فغيرهم تابع لهم في الدنيا والاخرة ولهذا لهم الكلمة الرفيعة حتى في الاخرة لما ذكر تعالى اختصام الخلق واختلافهم ذكر القول الفصل في ذلك الصادر من اهل العلم وقال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون وفي هذا دليل على كمال عدل اهل العلم فان الله استشهد بهم على عباده وذلك تعديل منه لهم وفي هذا من الشرف وعلو المكانة ما لا يخفى خمسة فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم العلم لابد فيه من اقرار القلب ومعرفته بمعنى ما طلب منه علمه ولا يتم ذلك الا بالعمل بمقتضى ذلك العلم في كل مقام بحسبه وهذا العلم الذي امر الله به فرض عين على كل انسان لا يسقط عن احد كائنا من كان والضرورة الى هذا العلم والعمل بمقتضاه من تمام التأله لله فوق كل ضرورة والعلم بالشيء يتوقف على معرفة الطريق المفضية الى معرفته وسلوكها وللطريق الى العلم بانه لا اله الا هو على وجه الاجمال والعموم امور احدها وهو اعظمها واوضحها واقواها تدبر اسماء الله وصفاته وافعاله الدالة على كماله وعظمته وجلاله فان معرفتها توجب العلم بانه لا يستحق الالوهية سواه وتوجب بذل الجهد في التأله والتعبد لله الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال الثاني العلم بانه الرب المنفرد بالخلق والرزق والتدبير فبذلك يعلم انه المنفرد بالالوهية ثالث العلم بانه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية ان ذلك يوجب تعلق القلب به محبة وانابة تأله له وحده لا شريك له الرابع ما يراه العباد ويسمعونه من الثواب لاوليائه القائمين بتوحيده من النصر لرسله واتباعهم. ومن النعم العاجلة المشاهدة ومن عقوبته لاعدائه المشركين به فان هذا برهان على انه وحده المستحق للالوهية الخامس معرفة اوصاف الاوثان والانداد التي عبدت مع الله اتخذت الهة وانها فقيرة الى الله من كل وجه ناقصة من كل وجه لا تملك لنفسها ولا لمن عبدها نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فالعلم بذلك يعلم به بطلان الهيتها وان ما يدعون من دون الله هو الباطل وان الله هو الاله الحق المبين السادس اتفاق كتب الله على ذلك وتواطؤها عليه السابع اتفاق الانبياء والرسل والعلماء الربانيين على ذلك وشهادتهم به وهم خواص الخلق واكملهم اخلاقا وعقولا وعلما ويقينا الثامن ما اقامه الله من الادلة والايات الافقية والنفسية التي تدل على التوحيد اعظم دلالة واوضحها. وتنادي عليه بلسان المقال ولسان الحال مما اودعها من لطائف صنعته وبديع حكمته وغرائب خلقه التاسع ما اودعه الله في شرعه من الايات المحكمة والاحكام الحسنة والحقوق العادلة والخير الكثير وجلب المنافع كلها ودفع المضار ومن الاحسان المتنوع وذلك يدل اكبر دلالة انه الله الذي لا يستحق العبادة سواه ان شريعته التي نزلت على السنة رسله شاهدة بذلك فهذه الطرق التي لا تحصى انواعها وافرادها قد ابدعها الله في كتابه واعادها ونبه بها العباد على هذا المطلوب الذي هو اعظم المطالب واجل الغايات فمن سلك طريقا من هذه الطرق افضت به الى العلم واليقين بانه لا اله الا هو كلما ازداد العبد سلوكا لهذه الطرق ورغبة فيها ومعرفة ازداد يقينه ورسخ ايمانه كان الايمان في قلبه ارسخ من الجبال واحلى من كل لذيذ وانفس من كل نفيس الطريق الاعظم الجامع لذلك كله تدبر القرآن العظيم والتأمل في اياته من الدعاء بالمغفرة والتوبة النصوح وفعل الحسنات الماحية وترك الذنوب والعفو عن الخلق والاحسان اليهم ومن ذلك الاستغفار لهم. فلهذا قال وللمؤمنين والمؤمنات فهذا من ثمرات الايمان بسبب ايمانهم كان لهم حق على كل مسلم ان يدعو لهم بالمغفرة واذا كان العبد مأمورا بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات فمن لوازم ذلك ان يكون ناصحا لهم يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه ويحثهم على الخير حالك طلبه. وقد نشأ بين امة امية في غاية الجهل والضلال قد جاءهم بهذا الكتاب العظيم الذي لم يطرق العالم اعظم منه ولا اعلى معاني واغزر علما ولا ابلغ من الفاظه وينهاهم عن الشر ويعفو عن معايبهم ومساوئهم ويحرص على اجتماعه اجتماعا تتألف به قلوبهم ويزول ما بينهم من الاحقاد المفضية للمعاداة والشقاق فانه بالائتلاف تقل الذنوب وبالافتراق تكثر الشرور والمعاصي والله يعلم متقلبكم ومثواكم اي تصرفاتكم وحركاتكم وذهابكم ومجيئكم وما اليه تنتهون وبه تستقرون فهو المحيط بكم في كل احوالكم وهذا فيه التخويف والترغيب من الجزاء على الاعمال حسنها وسيئها ستة هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم والله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى. يسبح له ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم هذه الايات الكريمة قد اشتملت على كثير من اسماء الله الحسنى التي عليها مدار التوحيد والاعتقاد فاخبر انه المألوه الذي لا يستحق العبادة سواه وذلك لكماله العظيم واحسانه الشامل تدبيره العام وحكمه الشاملة فهو الاله الحق وما سواه فعبوديته باطلة لانه خال من الكمال ومن الافعال التي فيها النفع والضر ووصف نفسه بالعلم المحيط بما حضر وغاب وما مضى وما يستقبل وما هو حاضر وما في العلم العلوي وما في العلم السفلي وما ظهر وما بطن فلا تخفى عليه خافية في مكان من الامكنة ولا زمان من الازمنة ومن كمال علمه وقدرته انه يعلم ما تنقص الارض من الاموات وما تفرقوا من اجزائهم وما استحال من حال الى حال احاط علما بذلك على وجه التفصيل. فلا يعجزه اعادتهم للبعث والجزاء ووصف نفسه بانه الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته الخليقة باسرها وملأت الوجود كله ووصف نفسه بانه الملك وهو الذي له الملك التام المطلق له صفات الملك التي هي نعوت العظمة والكبرياء والعز والسلطان وله التصرف المطلق في جميع الممالك الذي لا ينازعه فيها منازع والموجودات كلها عبيده وملكه ليس لهم من الامر شيء واخبر انه القدوس السلام اي المقدس المعظم تالم من جميع العيوب والنقائص المنافية لكماله المؤمن المصدق لرسله وانبيائه بما جاءوا به من الايات البينات والبراهين القاطعات والحجج الواضحات. الذي له العلم كله ويعلم من اوصافه المقدسة ونعوته العظيمة ما لا يعلمه بشر ولا ملك ويحب نفسه وما هو عليه من الجلال والجمال العزيز الذي له العزة كلها عزة القوة والقدرة وهو القوي المتين عزة القهر والغلبة على كل مخلوق فكلهم نواصيهم بيده وليس لهم من الامر شيء وعزة الامتناع الذي تمنع بعزته عن كل مخلوق فلا يعارض ولا يمانع وليس له نديد ولا ضديد الجبار الذي قهر جميع المخلوقات ودانت له الموجودات واعتلى على الكائنات وجبر بلطفه واحسانه القلوب المنكسرات المتكبر عن النقائص والعيوب وعن مشابهة احد من خلقه ومماثلتهم لعظمته وكبريائه سبحان الله عما يشركون وهذا تنزيه عام عن كل ما وصفه به من اشرك به ولم يقدره حق قدره والله الخالق لجميع المخلوقات البارئ بحكمته ولطفه لجميع البريات المصور بحسن خلقه لجميع الموجودات اعطى كل شيء خلقه ثم هدى كل مخلوق وكل عضو لما خلق له وهيئ الله تعالى قد تفرد بهذه الاوصاف المتعلقة بخلقه لم يشاركه في ذلك مشارك وهذا من براهين توحيده وان من تفرد بالخلق والبرء والتصوير فهو المستحق للعبودية ونهاية الحب وغاية الخضوع له الاسماء الحسنى وقد ورد في الحديث الصحيح ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدة من احصاها دخل الجنة يعني احصى الفاظها وحفظها وعقلها وتعبد لله بها فهو تعالى الذي له كل اسم حسن وكل صفة جلال وكمال فيستحق من عباده كل اجلال وتعظيم وحب وخضوع يسبح له ما في السماوات والارض يعني من المكلفين والحيوانات والاشجار والجمادات يقول سبحانه وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا وهو العزيز الحكيم في خلقه وشرعه سبعة بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد قل اي قل قولا جازما فيه معتقدا له عارفا بمعناه عاملا بمقتضاه من الايمان بالله والتعظيم والخضوع هو الله احد اي الذي انحسرت فيه الاحدية وهي التفرد بكل صفة كمال الذي لا يشاركه في ذلك مشارك الذي له الاسماء الحسنى والصفات العلى والافعال المقدسة والتصرف المطلق الله الصمد اي السيد الذي قد انتهى سؤدده العليم الذي قد كمل علمه الحليم الذي قد كمل في حلمه وفي قدرته وفي جميع اوصاف كماله ولاجل هذا طمدت له المخلوقات كلها. وقصدته في كل حاجاتها وفزعت اليه الخليقة في مهماتها وملماتها والصمد هو الذي صمدت له المخلوقات لما اتصف به من جميع الكمالات ومن كماله انه لم يلد ولم يولد لانه الغني المالك فاتخاذ الولد ينافي ملكه وغناه ولم يكن له كفوا احد اي ليس له مكافئ ولا مثيل في اسمائه وصفاته وافعاله تبارك وتعالى فهذه السورة اصل عظيم من اصول الايمان وقد تضمنت توحيد الاسماء والصفات وهي من لوازم توحيد الالهية. وان المتفرد بالوحدانية من كل وجه الذي ليس له مثيل بوجه من الوجوه هو الذي لا تنبغي العبادة الاله لا اله الا هو ثمانية والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم يخبر الله تعالى وهو اصدق القائلين انه اله واحد اي متوحد متفرد في اسمائه وصفاته وافعاله فليس له شريك ولا سمية له ولا كفؤ ولا مثل ولا نظير ولا خالق ولا مدبر غيره فاذا تقرر انه كذلك فهو المستحق لان يؤله ويعبد بجميع انواع العبادة ولا يشرك به احد من خلقه لانه الرحمن الرحيم المتصف بالرحمة العظيمة التي لا يماثلها رحمة احد فقد وسعت كل شيء وعمت كل حي فبرحمته وجدت المخلوقات. وبرحمته حصلت لها انواع الكمالات وبرحمته اندفع عن كل العباد كل نقمة وبرحمته عرف عباده نفسه بصفاته والائه وبين لهم كل ما يحتاجونه من امور دينهم ومصالح دنياهم بارسال الرسل وانزال الكتب. فاذا علم ان ما بالعباد من نعمة دقت او جلت فمن الله. وان احدا من المخلوقين لا يدفع احدا علم انه لا يستحق العبادة الا المتفرد بالنعم الدافع للمكاره تعين على العباد ان يفردوه بالمحبة والخوف والرجاء والتعظيم والتوكل وغير ذلك من انواع الطاعات وان من اظلم الظلم واقبح القبيح واعظم الضلال ان يعدل عن عبادته الى عبادة العبيد. وان يشرك المخلوقون من تراب بالرب العظيم وان يسوى المخلوق العاجز القاصر الناقص من كل وجه. بالرب الخالق المدبر القوي الذي قهر كل شيء وخضعت له الرقاب ففي هذه الاية اثبات وحدانية الباري والهيته وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين والاستدلال على ذلك بتفرده بالرحمة التي من اثارها جميع البر والاحسان في الدنيا والاخرة ثم ذكر الله الادلة التفصيلية بقوله تسعة ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء ماء فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل وتصريف الرياح والسحاب المسخر السماء والارض والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون اخبر تعالى ان في هذه المخلوقات العظيمة ايات اي ادلة على وحدانية الباري والهيته وعظيم سلطانه ورحمته تائر صفاته واية على البعث والجزاء لقوم يعقلون اي لهم عقول يعملونها فيما خلقت له فعلى حسب ما من الله على عبده من العقل وصرفه في التفكير في الايات ينتفع بها ويعرفها ويعقلها بعقله وفكره وتدبره ففي خلق السماوات بارتفاعها واتساعها واحكامها واتقانها وما جعل الله فيها من الشمس والقمر والنجوم وجريانها بانتظام عجيب لمصالح للعباد وفي خلق الارض وجعلها مهادا للخلق يمكنهم القرار عليها والانتفاع بما عليها والاعتبار فيدل ذلك على انفراد الله بالخلق والتدبير وبيان قدرته العظيمة التي بها خلقها حكمته التي بها اتقنها واحسنها ونظمها وعلمه ورحمته التي بها اودع ما اودع فيها من منافع الخلق ومصالحهم وضروراتهم وحاجاتهم ومن ذلك ابلغ دليل وبرهان على كماله من كل وجه وان يفرد بالعبادة لانفراده بالخلق والتدبير والقيام بشؤون عباده وفي اختلاف الليل والنهار وهو تعاقبهما على الدوام اذا ذهب احدهما خلفه الاخر اختلافهما في الحر والبرد والتوسط وفي الطول والقصر والتوسط وما ينشأ عن ذلك من الفصول التي بها انتظام مصالح الادميين وحيواناتهم واشجارهم وزروعهم والنوابت كلها كل ذلك بتدبير وتسخير تحارف حسنه العقول ويعجز عن ادراك كونه الرجال الفحول وذلك يدل على قدرة مصرفها سعة علمه وشمول حكمته وعموم رحمته ولطفه الشامل وعظمته وكبريائه وسلطانه العظيم يضطر العباد الى معرفة ربهم واخلاص العبادة له وحده لا شريك له الفلك التي تجري في البحر وهي السفن والمراكب ونحوها. مما الهم الله عباده صنعتها واقدرهم عليها بتيسير اسبابها. ثم سخر لهم هذا البحر العظيم. والرياح التي تحملها بما فيها من الركاب والاموال والبضائع التي هي من منافع الناس وبها تنظيم معايشهم فمن الذي الهمهم صنعتها واقدرهم عليها وخلق لهم من الالات المتنوعة ما به يعملونه. امن سخر لها هذا البحر تجري فيه باذنه. وسخر لها الرياح امن خلق للمراكب البرية والبحرية والهوائية النار والمعادن المتنوعة المعينة على حملها وحمل ما فيها من الاموال الثقيلة جدا. فهل هذه الامور حصلت صدفة واتفاقا ام استقل بعلمها وخلق اسبابها هذا المخلوق الضعيف العاجز الذي خرج من بطن امه لا يعلم شيئا ليس له قدرة على شيء ثم اعطاه خالقه القدرة وعلمه ما لم يكن يعلم ام تقولوا الحق تقول بل المسخر لذلك الرب الواحد العظيم العليم الحكيم القدير الذي لا يعجزه شيء ولا يمتنع عليه شيء بل الاشياء كلها قد دانت لربوبيته واستكانت لعظمته وخضعت لجبروته وغاية العبد الضعيف ان جعله الله جزءا من اجزاء الاسباب التي بها وجدت هذه الامور العظام فهذا يدل على رحمة الله وعنايته بعباده ويدعو العباد الى ان يعبدوه وحده لا شريك له وينيبوا اليه في كل حال وما انزل الله من السماء من ماء وهو المطر النازل من السحاب فاحيا به الارض بعد موتها فاظهرت انواع الاقوات واصناف الاشجار والنباتات التي لا يمكن للعباد ان يعيشوا بدونها اليس ذلك برهانا على قدرة من انزله واخرج به ما اخرج وعلى رحمته ولطفه بعباده شدة افتقار الخليقة اليه في كل احوالهم وهو يحدوهم الى اخلاص الدين له والانابة اليه القيام بعبوديته ظاهرا وباطنا كذلك هو دليل على احياء الله للموتى. كما قال تعالى ومن اياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت ان الذي احياها لمحيي الموتى انه على كل شيء قدير وقد ذكر الله هذا البرهان على البعث في عدة ايات كما ذكر ابتداء الخلق برهانا على اعادته وكما ذكر كمال علمه وقدرته وخلق السماوات والارض وانه جعل للعباد من الشجر الاخضر نارا برهانا بينا على البعث وقوله وبث فيها من كل دابة اي نشر في اقطار الارض من الدواب المتنوعة سخرها للادميين ينتفعون بها من وجوه كثيرة ومع هذا وهو قائم بارزاقها متكفل باقواتها فما من دابة في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها وفي تصريف الرياح ايات عظيمة على وحدانية الله وتفرده بالكمال المطلق فتارة تكون باردة وحارة وبين ذلك وجنوبا وشمالا وشرقا ودبورا وبين ذلك وتارة تثير السحاب وتارة تؤلف بينه وتارة تلقحه وتدره وتارة تمزقه وتزيل ضرره وتارة ترسل بالرحمة وتارة ترسل بالعذاب فمن الذي صرفها هذا التصريف ورتب عليها من المنافع للعباد شيئا كثيرا الا العزيز الحكيم الرحيم اللطيف بعباده المستحق للمحبة والثناء والشكر والحمد من الخليقة. وفي تسخير السحاب بين السماء والارض دليل على خفته ولطافته يحمل الماء الكثير فيسوقه الله الى حيث يشاء تجعله حياة للبلاد والعباد ويروي به التلول والوهاد وينزله على الخلق وقت حاجتهم اليه ويصرف عنهم ضرره فينزله رحمة ولطفا ويصرفه عناية وعطفا. فما اعظم سلطانه واغزر احسانه والطف امتنانه. اليس من اقبح القبيح واظلم ظلم ان يتمتع العباد برزقه ويعيش ببره وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه ومع ذلك فمن كمال حلمه وعفوه وصفحه يوالي عليهم الاحسان خيره اليهم على الدوام نازل وشرهم اليه في كل وقت صاعد والحاصل انه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات تغلغل فكره في بدائع الكائنات علم انها خلقت للحق وبالحق وانها صحائف ايات وكتب ابراهيم ودلالات على جميع ما اخبر به عن نفسه ووحدانيته. وما اخبرت به الرسل من اليوم الاخر وانها مدبرات مسخرات ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها. فتعرف ان العالم فتعرف ان العالم العلوي والسفلي كلهم اليه مفتقرون واليه صامدون وانه الغني بالذات عن جميع المخلوقات فلا اله الا هو ولا رب سواه. ولنقتصر على هذا الانموذج من الايات المتعلقة بالتوحيد مع ما دخل في ضمنها من الايمان بالجزاء والبعث وبالرسل والكتب وقد قرن الله ذلك بادلته وبراهينه الموصلة الى العلم التام واليقين الراسخ. وبذلك يعلم ان هذه الاصول الثلاث باتت متلازمة التوحيد والرسالة والمعاد كما ان في ضمن الايات المتعلقة بالجزاء شيئا كثيرا من متعلقات التوحيد والرسالة. فسبحان من جعل في كلامه الهدى والرشاد واصلاح العباد فصل عشرة لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين هذه المنة التي امتن الله بها على عباده المؤمنين اكبر المنن. بل هي اصلها وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم الذي جمع الله به جميع المحاسن الموجودة في الرسل ومن كماله العظيم هذه الاثار التي جعلها الله نتيجة رسالته التي بها كمال المؤمنين علما وعملا واخلاقا وادابا وبها زال عنهم كل شر وضرر. فبعثه الله من انفسهم وانفسهم وقبيلتهم. يعرفون نسبه اشرف الانساب قهوة امانته وكماله الذي فاق به الاولين والاخرين. ناصحا لهم مشفقا حريصا على هدايتهم يتلو عليهم اياته فيعلمهم الفاظها ويشرح لهم معانيها ويزكيهم ان يطهرهم من الشرك والمعاصي والرذائل سائر الخصال الذميمة ويزكيهم ايضا ان ينميهم. فيحثهم على الاخلاق الجميلة. فان التزكية تتضمن هذين الامرين التطهير من المساوئ والتنمية بالمحاسن. ويعلمهم الكتاب وهو القرآن والحكمة وهي السنة. فالكتاب السنة بهما اكمل الله للرسول وامته الدين. وبهما حصل العلم باصول الدين وفروعه وبهما حصلت جميع العلوم النافعة. وما يترتب عليه من الخيرات وزوال الشرور وبهما حصل العلم اليقيني بجميع الحقائق النافعة وبهما الهداية والصلاح بشر. فمحمد صلى الله عليه وسلم هو الامام الاعظم المعلم لهذين الامرين الذين ينابيع العلوم كلها تتفجر من معينه فعلم صلى الله عليه وسلم امته الكتاب والحكمة واوقفها على حكم الاحكام واسرارها. فكانت حياته كلها اقواله افعاله وتقريراته وهديه واخلاقه الظاهرة والباطنة وسيرته الكاملة المتنوعة في كل فن من الفنون تعليما منه للمؤمنين وشرحا للكتاب والحكمة. فجمع لهم بين تعليم الاحكام الاصولية والفروعية. وما به تدرك وتنال. والطرق التي تفضي اليها عقلا ونقلا وتفكيرا وتدبرا استخراجا للعلوم الكونية من مظانها وينابعها. وبين لهم فوائد ذلك كله وثمراته. وشرح لهم الصراط المستقيم اعتقاداته واخلاقه واعماله وما لسالكه عند الله من الخير العاجل والاجل. وما على المنحرف عنه من العقاب والضرر العاجل والاجل. فكان خيار المؤمنين بهذا التعليم الصادر من النبي الكريم مباشرة وتبليغا من العلماء الربانيين الراسخين في العلم. من هداة المهديين من اكابر الصديقين. وحصل لسائر المؤمنين من هذا التعليم نصيب وافر من الخير العظيم. على حسب طبقات ومنازلهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم فخرجوا بهذا التعليم من جميع الضلالات وان جالت عنهم الشرور المتنوعة والجهالات وتم لهم النور الكامل وانقشعت عنهم الظلمات فيا لها من نعمة لا يقدر قدرها ولا يحصي المؤمنون كنه شكرها. الحادي عشر وقال الذين كفروا ان هذا الا افك افتراه واعانه عليه قوم اخرون. فقد جاءوا ظلما وزور وقالوا اساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا. قل انزله الذي يعلم السر في السماوات والارض انه كان غفورا رحيما. ذكر الله تعالى في هذا قدح المكذبين لمحمد صلى الله عليه وسلم. وادلاءهم به هذه الشبه التي يعلمون ويعلم الناس بطلانها فزعموا انه افترى هذا القرآن وانه ساعده على ذلك قوم اخرون. فرد الله عليهم هذه المقالة المنتهية في القبح بان هذا ظلم عظيم. وجراءة يعجب السامع كيف سولت لهم انفسهم هذا القول الهراء. وانه من الزور والظلم فانهم قد كانوا يعرفون بلا شك صدقه وامانته التي لا يلحقه فيها احد. وانه لم يجتمع باحد من اهل العلم ولا واتم من حكمه وحكمه ومبانيه. وقد تحدى اقصاهم وادناهم وافرادهم وجماعتهم واولهم واخرهم ان يأتي بمثله او بعشر سور من مثله او بسورة واحدة من مثله وصرح لهم انهم اذا اتوا بشيء من مثله فهم صادقون وهم اهل الفصاحة والبلاغة في الكلام. فعجزوا غاية العجز عن معارضته والاتيان بمثله. واتضح لهم ولغيرهم عيهم وعجزوا تبين بطلان دعواهم وكل من حاول ان يأتي بكلام يعارض به ما جاء به الرسول صار كلامه ضحكة للصبيان. فضلا عن اهل النظر والعقول. وكل شبهة يدلون بها في معارضة الرسول من حين يوجه لها النظر الصحيح تضمحل وتزهق. ان الباطل كان زهوقا. ومن اتهم انهم قالوا ان هذا القرآن الذي جاء به محمد اساطير الاولين اكتتبها من كتب الاولين المستورة فهي لا عليه بكرة واصيلا. فيا ويحهم من الذي عندهم في بطن مكة يمليها؟ وهل يوجد في ذلك الوقت في مكة او ما حولها كتب كتب تملى ولو فرض وقدر انه يوجد احد لما يختص محمد وحده بالاخذ عنه ولما كانت هذه مقالة زور وافتراء لا يخفى كذبها على احد تشبثوا وقالوا كان محمد يجلس الى قين حداد في مكة فارسي فيتعلم منه فلهذا قال عنهم ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين كان قوله بالغا في البيان والبلاغة نهايتها وغايتها. فلا يمكن الجمع بين النقيضين ان يتعلمه من هذا الابكم اعجمي اللسان الذي لم يعرف عنه علم يرجع اليه ولا معرفة يتميز بها. وهذا القرآن الذي جاء به مع كمال بلاغته حوى علوم الاولين والاخرين ولما كان هذا القول الذي قالوه والمكابرة التي تجرأوا عليها قد علم الموافق والمخالف كذبها وافتراءها كان جميع اعداء الرسول لهم ورثة يقومون بالعداوة للرسول والدين ولو جلبت عليهم ما جلبت من الدخول في الكذب والافتراء والمكابرة. وقد عرف هؤلاء الاعداء المتأخرون مكابرة اخوانهم الذين باشروا تكذيب الرسول ورأوا ان مقالتهم قد بطلت واضمحلت وبان زورها لكل احد صاغها هؤلاء المكذبون بعبارة موهوها وظنوا انها بهذا التمويه تروج. فزعموا وما اسمجه واكذبه من زعم ان محمدا كان يتعلم من نفسه وانه كان يخلو بالطبيعة السماء والارض والشمس والقمر والنجوم ويعطيها لبه ويناجيها بقلبه فيخيل اليه اصناف التخاييل فيأتي بها الى الناس زاعما انها من وحي الله على يد جبريل. وان هذه التخيلات من الامور العالية التي يعتاد الاتيان بها اهل الرأي والحجة ولما رأوا اثارها الجليلة في الاسلام واهله وتعاليمه وتقويمه للامم وظهرهم هذا النور العظيم لجأوا الى هذا التحذلق الذي منتهاه وغايته انهم صوروا النبي صلى الله عليه وسلم ورقوه الى رجل من الطبيعيين كما قال هذا القول الباطل احد ملاحدة الفرنسيين. وتلقاها عنه بعض الملاحدة العصريين وهو مبني على انكار وجود رب العالمين وانه ما ثم الا عمل الطبيعة وقد علم الناس ان هذا القول المزور اعظم مكابرة ومباهتة من قول الاولين وان هذا الافتراء الذي ولدوه بعد مئات السنين اوضح ضلالا وظلما وجراءة ووقاحة من زور الاولين. وان هؤلاء الاراذل الذين اعجبوا بارائهم وتاهوا بعقولهم. قد الله كذبهم فيما قالوه وان عقولا ولدت هذه الاقوال المؤتفكة والخيالات والمقالات الفاسدة لعقول سافلة واراء ساقطة يعرف فسادها بنتائجها ومكابرتها وانكارها اجل الحقائق. ولهذا قال تعالى قل انزله الذي يعلم السر في السماوات والارض فالرب القادر العظيم الذي احاط علمه بجميع الاسرار وعلم احوال العباد حاضرها ومستقبلها انزله لهدايتهم وجعله منارا وعلما يهتدي به المهتدون في كل وقت وحين فجميع الحقائق التي دعا اليها هذا الرسول وهذا القرآن حقائق ثابتة نافعة للعباد فيأتي من الحقائق ما يغيرها. ومحال ان يأتي شيء اصلح منها او مثلها او يقاربها. ومن احسن من الله حكما قومي يوقنون ومن كمال علمه وقدرته انه لو تقول عليه احد بمثل هذه المقالة لعاجله بالعقوبة. فلما ايد من جاء بها بنصره وحججه وارى العباد اياته في الافاق وفي انفسهم التي يتبين بها انه الحق وما سواه ضلال علم ان هذا الرسول اصدق الخلق وانصحهم وابرهم واعلمهم واخشاهم واتقاهم لربه. وان اعدائه المكذبين له اكذب الخلق واغشهم واعظمهم جهلا وضلالا وغيا وفسادا في كل زمان ومكان ومن مكابرة اعداء الرسول انهم جعلوا يتناقضون في مقالاتهم ويتفننون في افكهم المكشوف كذبه. فمنهم من قال انه مجنون منهم من قال ساحر وكاهن ومنهم من قال مسحور ومنهم من قال لو كان صادقا لجاءت الملائكة تؤيده ولو كان صادقا لاغناه الله عن المشي في الاسواق. وجعل له جنات وانهارا واموالا كثيرة. وكل يعلم ان هذه الاقوال مع تناقضها ليست من الشبه فضلا عن كونها من الحجج ولهذا قال تعالى متعجبا انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا. ومثل هذه الاقوال التي يذكرها الله على المكذبين للرسول هي بنفسها تدل على كذبهم ومكابرتهم قبل ان يعرف بطلانها من الادلة الاخرى واذا وزنت هذه الاقوال الجارية من الاولين رأيت نظيرها واقبح منها جارية من الملاحدة المتأخرين ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. فما جاء به الرسول من الهدى في جميع ابواب العلوم النافعة الدين الحق الذي هو الصلاح المطلق اكبر الادلة على انه رسول الله حقا. واكبر الادلة على ابطال كل ما ناقضه من اقوال المؤتفكين الدين والحمد لله رب العالمين اثنى عشر بسم الله الرحمن الرحيم نون والقلم وما يسطرون ما انت بنعمة ربك بمجنون وان لك لاجرا غير ممنون وانك لعلى خلق عظيم. فستبصر ويبصرون بايكم المفتون ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله. وهو اعلم بالمهتدين. يقسم الله تعالى بالقلم وهو اسم جنس شامل للاقلام التي تكتب بها انواع العلوم ويسطر بها المنثور والمنظوم وذلك ان القلم وما يسطر به من انواع الكلام من اياته العظيمة التي تستحق ان يقسم بها على براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مما نسبه اليه اعداءه من الجنون فنفى عنه ذلك بنعمة ربه عليه واحسانه. اذ من عليه بالعقل الكامل والرأي السديد. والكلام الفصل الذي هو من احسن ما به الاقلام وسطره الانام وهذا هو السعادة في الدنيا. ثم ذكر سعادته في الاخرة فقال وان لك لاجرا غير ممنون اي لاجرا عظيما كما يفيده التنكير غير مقطوع بل هو دائم متتابع مستمر. وذلك لما اسلفه صلى الله عليه وسلم من المقامات العالية في الدين والاخلاق الرفيعة. ولهذا قال وانك لعلى خلق عظيم. فعلى صلى الله عليه وسلم بخلقه العظيم على جميع الخلق. وفاق الاولين والاخرين وكان خلقه العظيم كما فسرته به عائشة رضي الله عنها هذا القرآن الكريم وذلك نحو قوله تعالى خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين. وقوله فبما رحمة من الله لنت لهم. وقوله لقد رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم وما اشبهها من الايات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الاخلاق والايات التي فيها الحث على كل خلق جميل. فكان اول الخلق امتثالا لها وسبقا اليها والى تكميلها فكان له منها اكملها واجلها واعلاها. وهو في كل خصلة منها في الذروة العليا فكان سهلا لينا قريبا من الناس. مجيبا لدعوة من دعاه. قاضيا بحاجة من استقضاه. جابرا لقلب من سأله لا يحرمه ولا يرده خائبا واذا اراد اصحابه امرا وافقهم عليه تابعهم فيه اذا لم يكن في ذلك محذور. واذا عزم على امر لم يستبد به دونهم. بل يشاورهم ويامرهم وكان يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم. ولم يكن يعاشر جليسا الا اتم عشرة واحسنها فكان لا يعبس في وجهه ولا يغلظ له في كلامه ولا يطوي عنه بشرا ولا يمسك عليه فلتات لسانه ولا يؤاخذه بما تصدر منه من جفوة بل يحسن اليه غاية الاحسان. ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم فلما انزله الله باعلى المنازل كان اعداؤه يقولون انه مجنون مفتون قال فستبصروا ويبصرون بايكم المفتون؟ وقد تبين انه كان اهدى الناس واكملهم وانفعهم لنفسه ولغيره. وان اعداءه اضل الناس للناس وانهم هم الذين فتنوا عباد الله واضلوهم عن سبيله. وكفى علم الله بذلك فانه المحاسب المجازي وهو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين وفيه تهديد للضالين ووعد للمهتدين وبيان لحكمة الله في هدايته من يصلح للهداية دون غيره فصل ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الارض الا من شاء الله ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون الى اخر السورة الكريمة. من اهم اصول الايمان الايمان باليوم الاخر وهو الايمان بكل ما اخبر الله به ورسوله بعد الموت من فتنة القبر ونعيمه وعذابه واحوال يوم القيامة وما يكون فيه. ومن صفات الجنة والنار وصفات اهلهما الايمان باليوم الاخر هو الايمان بذلك كله جملة وتفصيلا. اما احوال القبر وفتنته وعذابه ونعيمه وتفاصيل ذلك فقد تواترت به الاحاديث الصحيحة والحسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو معروف القرآن اشار اليه في عدة ايات. واما ما يكون بعد ذلك فاذا اراد الملك القادر بعث العباد وحشرهم وجزاءهم نفخ في الصور وهو قرن عظيم لا يعلم عظمه الا الذي خلقه. كما ورد في حديث الصور المشهور او نفخ في الصور على وجه لا يعلم كنهه الا الله نفخا كالصعق والفزع انزعج لهذا اهل السماوات والارض وصعقوا الا من شاء الله من خلقه ثم نفخ فيه اخرى نفخة البعث اذا هم قيام من اجداثهم كامل الخلقة ينظرون الى ما يستقبلهم من هذه الحياة الاخروية التي يجازى فيها العباد اعمالهم حسنها وسيئها اما المؤمنون الطائعون فيقومون مطمئنين طامعين في فضل ربهم ورحمته تبشرين بثوابه وعفوه ومغفرته. يحشرون الى موقف القيامة وفدا مكرمين. واما المجرمون فيقومون فزعين خائفين متحسرين يدعون بالويل والثبور يقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا فيساقون الى جهنم وردا فحينئذ تكثر القلاقل والاهوال ويشيب الولدان من هول ذلك اليوم وفظاعته. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ضاعت وضعوا كل ذات حمل حملها. وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. وجوهي يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوهي يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة اولئك هم الكفرة الفجرة ويوم تشققوا السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا. الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا. وتكور الشمس والقمر تنثر النجوم فتذهب هذه الانوار المشاهدة الارض بنور ربها وينزل الله لفصل القضاء بين عباده ومحاسبتهم على اعمالهم. اما المؤمنون فيحاسبهم حسابا يسيرا نقررهم بذنوبهم ثم يغفرها ويسترها عن الخلائق يضاعف لهم الحسنات ويعطيهم من فضله واحسانه ما لا تبلغه اعمالهم ويعطون كتبهم بايمانهم اكراما واحتراما كما تبيض وجوههم وتثقل موازينهم ويغتبطون بذلك ويستبشرون به فيقولون لاخوانهم ومعارفهم ومحبيهم اؤم اقرؤوا كتابية اني ظننت اي ايقنت اني ملاق حسابية وهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم في الايام الخالية. ويساقون الى الجنة زمرا كل طائفة منهم مع نظرائهم في الخير بحسب طبقاتهم وسبقهم كما يردون في عرصات القيامة حوض نبيهم فيشربون منه شربة هنيئة لا يظمأون بعدها ويمرون على الصراط على قدر اعمالهم كلمح البصر وكالبارق الخاطف وكاجاويد الخيل والابل وكسعي الرجال وكمشيهم ودون ذلك اذا عبروا على الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض مظالم وتبعات كانت بينهم في الدنيا حتى اذا هذبوا ونقوا اذن لهم في دخول الجنة. حتى اذا جاءوها وفتحت ابوابها بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم لم فتلقاهم خزنة الجنة سلمون عليهم ويهنئونهم بالنجاة من العذاب اصول الخير والثواب والخلود الابدي بسبب طيبهم ولهذا قالوا سلام عليكم طبتم اطابت قلوبكم بالعقائد الصحيحة الصادقة والاخلاق الجميلة والسنتكم بذكر الله والثناء عليه وجوارحكم بخدمته والقيام بطاعته فادخلوها خالدين فاذا دخلوها ورأوا ما فيها من النعيم المقيم. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر حمدوا الله على منته عليهم بالسوابق والايمان والاعمال الصالحة وبانجاز ما وعدهم به على السنة رسله وعلى ان الله اورثهم الجنة يتبوأون من خيراتها حيث يشاؤون. وانا يشاؤون مما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين من نعيم القلوب والارواح ومن نعيم الابدان والاجسام على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون باكواد واباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون. وفاكهة مما يتخيرون. ولحم طير مما يشتهون وحور عين كامثال اللؤلؤ المكنون. خيرات الاخلاق لسان الوجوه قد جمع الله لهن حسن البواطن والظواهر فهن سرور النفس وقرة النواظر تمام ذلك ان الله يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم ابدا وانه يقال لهم وان لكم ان تشبوا فلا تهرموا ابدا. وان لكم ان تصحوا فلا تمرضوا ابدا وان لكم ان تنعموا فلا تبأسوا ابدا وان لكم ان تحيوا فلا تموتوا ابدا. فلهم كل ما يشاؤون فيها وتتعلق به امانيهم ولهم فوق ذلك مما لم تبلغه امانيهم ولهم نعيم اعلى من ذلك كله وهو التمتع بالنظر الى وجهه الكريم وسماع خطابه والابتهاج برضاه وقربه والسرور بمحبته وذكره وحمده والثناء عليه وشكره مما يشاهدون من كثرة الخيرات سوابغ النعم والهبات وزيادة النعيم وتواصله ومما يزدادون من معرفته والانس به فتبارك الله ذو الجلال والاكرام واما الكافرون المجرمون فيحاسبهم الله على ما اسلفوه من الجرائم ويقرعهم ويخزيهم بين الخلائق ويعطون كتبهم من وراء ظهورهم بشمائلهم اسود منهم الوجوه تخف موازينهم ويساقون الى جهنم جياعا عطاشا منزعجين مرعوبين زمرا كل طائفة تحشر مع نظيرها من اهل الشر. حتى اذا جاءوها فتحت ابوابها في وجوههم ففاجأهم حرها المفظع وحل به الفزع الاكبر الذي لا يشبهه فزع. وتلقتهم خزنة الجحيم يوبخونهم على ما قدموه وقالوا لهم الم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم ايات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا بلى قد جاءتنا الرسل وبلغتنا النذر فما كان منا اليهم الا الاستهزاء بهم والتكذيب فلو كان لنا اسماع واعية وعقول نافعة ما وصلنا الى هذه الدار بل خالفنا المنقول والمعقول فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير ما اشد شقائهم وعنائهم ينوع عليهم العذاب انواعا. فتارة يعذبون بالسعير المحرق لظواهرهم وبواطنهم. كلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غير رهى تارة بالزمهرير الذي قد بلغ برده ان يهري اللحوم ويكسر العظام تارة بالجوع المفرط والعطش المبدع. واذا استغاثوا لذلك اغيثوا بعذاب اخر ولون من الشقاء ينسي ما سبقه. فيغاثون بطعام ذي غصة بشجرة الزقوم التي تخرج في اصل الجحيم وثمرها في غاية المرارة والنتن والحرارة. اذا وصلت بطونهم غلت فيها كغلي الحميم الذي يوقد عليه في النار وان يستغيثوا للشراب يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه. اذا قرب اليها فلا يدعهم العطش مع ذلك الا يتناولوها فاذا وصلت الى بطونهم قطعت امعائهم ولا يزالون في عذاب متنوع شديد لا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا يرجون رحمة ولا فرجا يتمنون الممات ليستريحوا فينادون مالكا رئيس خزنة النار يا مالك ليقضي علينا ربك فيقول لهم انكم ماكثون فلا تلوموا انفسكم لما اسلفتموه من الجرائم لقد جئناكم بالحق ولكن اكثركم للحق كارهون وينادون اهل الجنة مستغيثين بهم ان افيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله فيقول لهم اهل الجنة ان الله حرمها على الكافرين وينادون ربهم فيقولون ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون فيجيبهم الله اخسئوا فيها ولا تكلمون فحينئذ ييأسون من كل خير ومن كل فرج وراحة ويتيقنون انه الخلود الدائم والعذاب الابدي والشقاء المستمر نسأل الله الجنة وما قرب اليها من قول وعمل ونعوذ بالله من النار وما قرب اليها من قول وعمل فصل اربعة عشر وله من في السماوات والارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون. الايمان بالملائكة احد اصول الايمان. ولا يتم الايمان بالله وكتبه ورسله الا بالايمان بالملائكة وقد وصفهم الله باكمل الصفات وانهم في غاية القوة على عبادة الله والرغبة العظيمة فيها. وانهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون وانهم لا يستكبرون عن عبادته بل يرونها من اعظم نعمه عليهم وانهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ففي هذا بيان كمال محبتهم لربهم وقوة انابتهم اليه ونشاطهم التام في طاعته وانهم لا يعصونه طرفة عين. وهم الوسائط بينه وبين رسله. وخصوصا جبريل افضلهم واعظمهم واقواهم وارفعهم عند الله منزلة فانه ذو قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم امين. وما هو على الغيب بضنين. وانه لتنزيل من رب العالمين نزل به الروح الامين. على قلبك كون من المنذرين. وكما انهم الوسائط بينه وبين عباده في تبليغ الوحي والشرائع الى الانبياء وهم الوسائط في التدبيرات القدرية. فان الله وصفهم بانهم المدبرات امرا. فكل طائفة منهم قد وكله على عمل هو قائم به باذن الله فمنهم الموكلون بالغيث والنبات والموكلون بحفظ العباد مما يضرهم وبحفظ اعمالهم وكتابتها والموكلون بقبض الارواح وبتصوير الاجنة في الارحام كتابة ما يجري عليها في الحال والمآل والموكلون على الجنة والنار. ومنهم حملة العرش ومن حوله من الملائكة المقربين. الى غير ذلك مما وصفوا به في الكتاب والسنة. فيجب الايمان بهم اجمالا وتفصيلا. وكثير من سور القرآن فيها ذكر الملائكة. والخبر عنهم فعلينا ان نؤمن بذلك كله. ولا تكاد تجد احدا ينكر وجود الملائكة الا الزنادقة المنكرين لوجود ربهم. ومن تستر الايمان منهم فانه ينكر الملائكة حقيقة. وينكر خبر الله ورسوله عنهم ويفسر الملائكة تفسيرا سيئا وتحريفا خبيثا فيزعم ان الملائكة هي القوى الخيرية والصفات الحسنة الموجودة في الانسان وان الشياطين هي القوة الشريرة فيه. وغرضهم من هذا التحريف دفع الشنعة عنهم. وقد ازدادوا بهذا التحريف شرا الى شرهم ورا جهاد التحريف الخبيث وراج هذا التحريف الخبيث على بعض الذين يحسنون الظن بهؤلاء الزنادقة وليس عندهم بصيرة في اديان الرسل وان اظهروا تعظيمهم فان زنادقة الفلاسفة اعظم في قلوبهم من الرسل وكفى بالعبد ضلالا وبغيا ان يصل الى هذه الحال ونعوذ بالله من مضلات الفتن. ولم تزل بهم هذه الجرأة والخضوع لاقوال جهلة الزنادقة. حتى فسروا الملائكة بذلك التحريم حتى زعم بعضهم ان سجود الملائكة لادم ليس حقيقة وانما ذلك تسخير الله للادميين جميع ما في الارض من قوى والمعادن وغيرها. فانكر ما هو معلوم بالضرورة بخبر الله الصريح في كتابه وخبر رسوله وقال هذه المقالة التي فيها مع تكذيب الله ورسوله تسوية كفار الادميين وفجرتهم واولهم واخرهم بادم ومضمون ذلك بل صريح قولهم ان الملائكة سجدت لجميع الادميين برهم وفاجرهم فاين قول الناس في موقف القيامة يا ادم انت الذي خلقك الله بيديه ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته فلولا ان مثل هذه التحريفات والتكذيب لله ورسوله موجود في كتب من يشار اليهم بالعلم لم يكن بنا حاجة الى دفع هذا القول الجريء. الذي يعلم كل مسلم لم تغيره العقائد الباطلة بطلانه ولنقتصر على هذا المقدار من الاشارة الى العقائد المتعلقة بالتوحيد والرسالة واليوم الاخر والجزاء. وان كان القرآن معظمه في تقرير هذه الاصول العظيمة بشدة الحاجة والضرورة اليها في كل وقت وحال ولكن حصل ولله الحمد التنبيه الذي يحصل به المقصود ويعين على غيره والله اعلم فصل في ذكر الفوائد والثمرات المترتبة على التحقيق بهذه العقائد الجليلة. اعلم ان خير الدنيا والاخرة من ثمرات ايماني الصحيح وبه يحيا العبد حياة طيبة في الدارين وبه ينجو من المكاره والشرور وبه تخف الشدائد وتدرك جميع المطالب. ولنشر الى هذه الثمرات على وجه التفصيل فان معرفة فوائد الايمان وثمراته من اكبر الدواعي الى التزود منه فمن ثمرات الايمان انه سبب رضا الله الذي هو اكبر شيء فما نال احد رضا الله في الدنيا والاخرة الا بالايمان وثمراته بل صرح الله به في كتابه في مواضع كثيرة واذا رضي الله عن العبد قبل اليسير من عمله ونماه وغفر الكثير من زلله ومحاه ومنها ان ثواب الاخرة ودخول الجنة والتنعم بنعيمها النجاة من النار وعقابها انما يكون بالايمان فاهل الايمان هم اهل الثواب المطلق وهم الناجون من جميع الشرور ومنها ان الله يدفع ويدافع عن الذين امنوا شرور الدنيا والاخرة فيدفع عنهم كيد شياطين الانس والجن ولهذا قال تعالى انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. ولما ذكر ان جاءه ذا النون قال وكذلك ننجي المؤمنين اي من الشدائد والمكاره اذا وقعوا فيها والايمان بنفسه وطبيعته يدفع الاقدام على المعاصي. واذا وقعت من العبد دفع عقوباتها بالمبادرة الى التوبة. كما قال صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن الى اخر الحديث. فبين ان الايمان يدفع وقوع الفواحش وقال تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون. ومنها ان الله وعد المؤمنين من القائمين بالايمان حقيقة بالنصر واحقه على نفسه فمن قام بالايمان ولوازمه ومتمماته فله النصر في الدنيا والاخرة وانما ينتصر اعداء المؤمنين عليهم اذا ضيعوا الايمان وضيعوا حقوقه وواجباته المتنوعة. ومنها ان الهداية من الله للعلم والعمل ولمعرفة الحق وسلوكه هي بحسب الايمان والقيام بحقوقه قال تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ومعلوم ان رضوان الله الذي هو حقيقة الاخلاص هو روح الايمان وساقه التي يقوم عليها. وقال تعالى ومن يؤمن بالله يهد قلبه. فهذه هداية عملية بداية توفيق واعانة على القيام بوظيفة الصبر عند حلول المصائب اذا علم انها من عند الله فرضي وسلم وانقاد. ومنها ان الايمان يدعو الى الزيادة من علومه واعماله الظاهرة والباطنة فالمؤمن بحسب ايمانه لا يزال يطلب الزيادة من العلوم النافعة ومن الاعمال النافعة ظاهرا وباطنا. وبحسب قوة ايمانه يزيد ايمانه ورغبته وعمله. كما قال تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا. وقال انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون ومنها ان المؤمنين بالله وبكماله وعظمته وكبريائه ومجده اعظم الناس يقينا وطمأنينة وتوكلا على الله وثقة بوعده الصادق ورجاء لرحمته وخوفا من عقابه واعظمهم اجلالا لله ومراقبة واعظمهم اخلاصا وصدقا. وهذا هو صلاح القلوب لا سبيل اليه الا بالايمان. ومنها انه لا يمكن للعبد ان يقوم بالاخلاص لله ولعباد الله ونصيحتهم على وجه الكمال لا بالايمان فان المؤمن تحمله عبودية الله وطلب التقرب الى الله ورجاء ثوابه والخشية من عقابه على القيام الواجبات التي لله والتي لعباد الله ومنها ان المعاملات بين الخلق لا تتم ولا تقوم الا على الصدق والنصح وعدم الغش بوجه من الوجوه وهل يقوم بها على الحقيقة الا المؤمنون؟ ومنها ان الايمان اكبر عون على تحمل المشقات والقيام باعباء الطاعات ترك الفواحش التي في النفوس وترك الفواحش التي في النفوس داع قوي الى فعلها فلا تتم هذه الامور الا بقوة الايمان ومنها ان العبد لابد ان يصاب بشيء من الخوف والجوع وناقص من الاموال والانفس والثمرات وهو بين امرين اما ان يجزع ويضعف صبره فيفوته الخير والثواب. ويستحق على ذلك العقاب. ومصيبته لم تقلع ولم تخف بل الجزع يزيدها اما ان يصبر فيحظى بثوابها الصبر لا يقوم الا على الايمان واما الصبر الذي لا يقوم على الايمان كالتجلد ونحوه فما اقل فائدته وما اسرع ما يعقبه الجزع فالمؤمنون اعظم الناس صبرا ويقينا وثباتا في مواضع الشدة ومنها ان الايمان يوجب للعبد قوة التوكل على الله بعلمه وايمانه ان الامور كلها راجعة الى الله ومندرجة في قضائه وقدره. وان من اعتمد عليه كفاه من توكل على الله وقد توكل على القوي العزيز القهار ومع انه يوجب قوة التوكل فانه يوجب السعي والجد في كل سبب نافع لان الاسباب النافعة نوعان دينية ودنيوية. فالاسباب الدينية هي ايمان وهي من لوازم الايمان والاسباب الدنيوية قسمان سبب معين على الدين ويحتاج اليه الدين. فهو ايضا من الدين كالسعي في القوة المعنوية والمادية التي فيها قوة المؤمنين. وسبب لم يوضع في الاصل معينا على الدين ولكن المؤمن لقوة ايمانه ورغبته فيما عند الله من الخير يسلك الى ربه وينفذ اليه من كل سبب وطريق. فيستخرج من المباحات بنيته وصدق معرفته. ولطف علمه بابا يكون به معينا على الخير مجما للنفس مساعدا لها على القيام بحقوق الله وحقوق عباده الواجبة والمستحبة. فيكون هذا المباح حسنا في حقه عبادة لله بما صحبه من النية الصادقة حتى ان بعض المؤمنين الصادقين في ايمانهم ومعرفتهم ربما نوى في نومه وراحاته ولذاته التقوي على الخير تربية البدن لفعل العبادات وتقويته على الخير. وكذلك في ادويته وعلاجاته التي يحتاجها ربما نوى في اشتغاله في المباحات او بعضها الاشتغال عن الشر ربما نوى بذلك جذب من خالطه وعاشره بمثل هذه الامور على فعل خير او انكفاف عن شر. ربما نوى بمعاشرته الحسنة ادخال السرور والانبساط على قلوب المؤمنين ولا ريب ان ذلك كله من الايمان ولوازمه ولما كان الايمان بهذا الوصف قال تعالى في عدة ايات من كتابه وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين ومنها ان الايمان يشجع العبد ويزيد الشجاع شجاعة. فانه لاعتماده على الله العزيز الحكيم وبقوة رجائه وطمعه فيما عنده تهون عليه المشقات ويقدم على المخاوف واثقا بربه راجيا له راهبا من نزوله من عينه لخوفه من المخلوقين ومن الاسباب لقوة الشجاعة ان المؤمن يعرف ربه حقا. ويعرف الخلق حقا فيعرف ان الله هو النافع الضار المعطي المانع الذي لا يأتي بالحسنات الا هو. ولا يدفع السيئات الا هو انه الغني من جميع الوجوه وانه ارحم بعباده من الوالدة بولدها والطف به من كل احد. وان الخلق بخلاف ذلك كله ولا ريب ان هذا داع قوي عظيم يدعو الى قوة الشجاعة وقصر خوف العبد ورجائه على ربه وان ينتزع من قلبه خوف الخلق ورجاءهم وهيبتهم ومنها ان الايمان هو السبب الاعظم لتعلق القلب بالله في جميع مطالبه الدينية والدنيوية والايمان القوي يدعو الى هذا المطلب الذي هو اعلى الامور على الاطلاق. وهو غاية سعادة العبد في مقابلة هذا يدعو الى التحرر من رق القلب للمخلوقين ومن التعلق بهم ومن تعلق بالخالق دون المخلوق في كل احواله حصلت له الحياة الطيبة والراحة الحاضرة التوحيد الكامل. كما ان من عكس القضية نقص ايمانه وتوحيده فتحت عليه الهموم والغموم والحسرات ولا ريب ان هذين الامرين تابع لقوة الايمان وضعفه صدقه وكذبه وتحققه حقيقة او دعواه والقلب خال منه. ومنها ان الايمان يدعو الى حسن الخلق مع جميع طبقات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا وجماع حسن الخلق ان يتحمل العبد الاذى منهم ويبذل اليهم ما استطاع من المعروف القولي والبدني والمالي وان يخالقهم بحسب احوالهم بما يحبون اذا لم يكن في ذلك محذور شرعي ان يدفع السيئة بالتي هي احسن ولا يقوم بهذا الامر الا المؤمنون الكمل قال تعالى وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. واذا ضعف الايمان او نقص او انحرف اثر ذلك في اخلاق العبد انحرافا بحسب عن الايمان ومنها ان الايمان الكامل يمنع من دخول النار بالكلية كما منع صاحبه في الدنيا من عمل المعاصي ومن الاصرار على ما وقع منه منها والايمان الناقص يمنع الخلود في النار وان دخلها كما تواترت بذلك النصوص بانه يخرج من النار من كان معه مثقال حبة خردل من ايمان. ومنها ان الايمان يوجب لصاحبه ان يكون معتبرا عند الخلق امينا ويوجب للعبد العفة عن دماء الناس واموالهم واعراضهم. وفي الحديث المؤمن من امنه الناس على دمائهم واموالهم واي شرف دنيوي ابلغ من هذا الشرف الذي يبلغ بصاحبه ان يكون من الطبقة العالية من الناس بقوة ايمانه وتمام امانته. ويكون محل الثقة عندهم. واليه المرجع في امورهم. وهذا من ثمرات الايمان الجليلة حاضرة. ومنها ان قوي الايمان يجد في قلبه من ذوق حلاوته ولذة طعمه واستحلاء اثاره التلذذ بخدمة ربه واداء حقوقه وحقوق عباده التي هي موجب الايمان واثره ما يزري بلذات الدنيا كلها باسرها. فانه مسرور وقت قيامه بواجبات الايمان ومستحباته ومسرور بما يرجوه ويأمله من ربه من ثوابه وجزائه العاجل والاجل مسرور بانه ربح وقته الذي هو زهرة عمره واصل مكسبه. ومحشو قلبه ايضا من لذة معرفته بربه ومعرفته ما له وكمال بره وسعة جوده واحسانه ولذة محبته والانابة اليه الناشئة عن معرفته باوصافه وعن مشاهدة احسانه ومننه. فالمؤمن يتقلب في لذات الايمان وحلاوته المتنوعة ولهذا كان الايمان مسليا عن المصيبات مهونا للطاعات ومانعا من وقوع المخالفات جاعلا ارادة العبد وهو اه تبعا لما يحبه الله ويرضاه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ومنها ان الايمان هو السبب الوحيد للقيام بذروة سنام الدين وهو الجهاد البدني والمالي والقولي. جهاد الكفار بالسيف والسنان وجهاد الكفار والمنافقين والمنحرفين في اصول الدين وفروعه بالحكمة والحجة والبرهان فكلما قوي ايمان العبد علما ومعرفة وارادة وعزيمة قوي جهاده وقام بكل ما يقدر عليه بحسب حاله ومرتبته نالت درجة العالية والمنزلة الرفيعة. واذا ضعف الايمان ترك العبد مقدوره من الجهاد القولي بالعلم والحجة والنصيحة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وضعف جهاده البدني بعدم الحامل له على ذلك. ولهذا قال تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا. وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون وصادق الايمان يحمله صدقه على القيام بهذه المرتبة التي هي مرتبة الطبقتين العاليتين بعد النبيين طبقة المجاهدين بالعلم والحجة والتعليم والنصيحة وطبقة الشهداء الذين قاتلوا في سبيل الله ثم قتلوا او ماتوا من دون قتل وهذا كله من ثمرات الايمان ومن تمامه وكماله. وبالجملة فخير الدنيا والاخرة كله فرع عن الايمان ومترتب عليه والهلاك والنقص انما يكون بفقد الايمان او نقصه. والله المستعان فصل في ذكر بعض الايات الحاثة على القيام بحقوق الله وحقوق الخلق. قال تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا اه وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب وصاحبي بالجنب وابن السبيل وما ملكت ايمانكم ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا. والايات التي في سورة الاسراء وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا. اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. الى قوله ذلك مما اوحى اليك ربك من الحكمة. ولا تجعل مع الله الها اخر فتلقى في جهنم ملوما سحورا. هذه الايات الكريمة فيها الامر بعبادة الله وحده لا شريك له. والدخول تحت رق عبودياته التي هي غاية شرف عبد الانقياد لاوامره واجتناب نواهيه محبة وذلا له واخلاصا لله وانابة له في جميع الحالات وفي جميع العبادات الظاهرة والباطنة وفيها النهي عن الشرك به شيئا سواء كان شركا اكبر بان يصرف نوعا من انواع العبادة لغير الله او شركا اصغر مثل الشرك كالحالف بغير الله والرياء. ونحو ذلك مما يتذرع به الى الشرك بل الواجب المتعين اخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه. التدبير الكامل الشامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه احد ثم بعدما امر بالقيام بحق الله المقدم على كل حق. امر بالقيام بحقوق ذوي الحقوق من الخلق اهم فالاهم فقال وبالوالدين احسانا. اي احسنوا اليهم بالقول الكريم. والخطاب اللطيف وبالفعل بالقيام بطاعتهما واجتناب معصيتهما. والحذر من عقوقهما والانفاق عليهما. واكرام من له تعلق كن بهما وصلة الرحم التي لا رحم لك الا من جهتها. اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما افوا ولا تنهرهما. وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة. وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. والامر بالاحسان الى الوالدين واطلاقه يدخل فيه كل ما عده الناس احسانا وذلك يختلف باختلاف الاوقات والاحوال والاشخاص وفيه النهي عن ضد الاحسان اليهما. وهو امران الاساءة والعقوق الذي هو ايصال الاذى القولي والفعلي اليهما وترك القيام ببعض حقوقهما الواجبة. والامر الثاني ترك الاحسان وترك الاساءة. فان ذلك داخل في العقوق. فلا الولد ان يقول اذا قمت بواجب والدي وتركت معصيتهما فقد قمت بحقهما. فيقال بل عليك ان تبذل لهما من الاحسان الذي تقدر عليه ما يجعلك في مرتبة الابرار البارين بوالديهم وقوله كما ربياني صغيرا. بيان لبعض الاسباب الموجبة للبر وان الوالدين اشتركا في تربية بدنك وروحك بالتغذية والكسوة والحضانة والقيام بكل المؤن وبالتعليم والارشاد والالزام بطاعة الله والاداب والاخلاق الجميلة. وفي هذا دليل على ان كل من له عليك حق تربية بقيام مؤونة نفقة وكسوة وغيرها ان له حقا عليك بالاحسان والبر والدعاء. واعلى من ذلك من له حق عليك بتربية عقلك وروحك تربية علمية تهذيبية ان له الحق الاكبر عليك وهذا من جملة فضائل اهل العلم المعلمين العاملين. ومن حقوقهم على الناس فانهم ربما فاقوا في هذه التربية تربية الوالدين باضعاف مضاعفة. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقوله ذي القربى اي احسنوا الى اقاربكم القريب منهم والبعيد. بالقول والفعل واوصلوا لهم من الهدايا والصدقات والبر الانسان المتنوع ما يشرح صدورهم. وتتيسر به امورهم. فتكون بذلك واصلين. وللاجر من الله حائزين اليتامى هم الذين فقدت اباؤهم وهم صغار. فمن رحمة ارحم الراحمين امر الناس برحمتهم. والحنو عليهم والاحسان اليهم وكفالتهم وجبر خواطرهم وتأديبهم. وان يربوهم احسن تربية. كما يربون اولادهم. سواء كان اليتيم ذكر ذكرا او انثى قريبا او غير قريب. والمساكين هم الذين اسكنتهم الحاجة والفقر. فلم يحصلوا على كفاياتهم ولا فاية من يمونون. فامر تعالى بسد خلتهم ودفع فاقتهم. والحض على ذلك وقيام العبد ما امكنه من ذلك من غير ضرر عليه والجار ذي القربى اي الجار القريب الذي له حق الجوار وحق القرابة. والجار الجنب الذي ليس بقريب. فعلى العبد القيام بحق جاره مطلقا. مسلما كان او كافرا قريبا او بعيدا بكف اذاه عنه. وتحمل اذاه وبذل ما يهون عليه ويستطيع من الاحسان وتمكينه من الانتفاع بجداره او طريق ماء على وجه لا يضر الجار. وتقديم الاحسان اليه على الاحسان على من ليس بجار وكلما كان الجار اقرب بابا كان اكد حقا لحقه. فينبغي للجاري ان يتعاهد جاره بالصدقة والهدية والدعوة واللطافة بالاقوال والافعال. تقربا الى الله واحسانا الى اخيه صاحب الحق. والصاحب بالجنب. قيل هو الرفيق وفي السفر وقيل هو الزوجة وقيل هو الرفيق مطلقا في الحضر والسفر. وهذا اشمل فانه يشمل القولين الاولين. فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد اسلامه من مساعدته على امور دينه ودنياه. والنصح له والوفاء معه في العسر واليسر المنشط والمكره وان يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه كلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد. وابن السبيل. وهو الغريب من غير بلده سواء كان محتاجا ام غير محتاج فحث الله على الاحسان الى الغرباء لكونهم في مظنة الوحشة والحاجة وتعذر ما يتمكنون عليه في اوطانهم فيتصدق على محتاج ويجبر خاطر غير المحتاج بالاكرام والهدية والدعوة والمعاونة على سفره. وما ملكت ايمانكم اي من الرقيق والبهائم بالقيام بكفايتهم. والا يحملوا ما لا يطيقون. وان يعاونوا على مهماتهم. وان يقام بتقويمهم تأديبهم النافع فمن قام بهذه المأمورات وهو الخاضع لربه المتواضع لعباد الله المنقاد لامر الله وشرعه الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل ومن لم يقم بذلك فانه عبد معرض عن ربه عات على الله متكبر على عباد الله معجب بنفسه فخور باقواله على وجه الكبر والعجب واحتقار الخلق. وهو في الحقيقة السافل المحتقر. ولهذا قال ان الله لا يحب من ان كان مختالا فخورا. فهؤلاء ما بهم من الاوصاف القبيحة تحملهم على البخل بالحقوق الواجبة. ويأمرون الناس باقوالهم وافعالهم بالبخل ويكتمون ما اتاهم الله من فضله. اي من العلم الذي يهتدي به الضالون. ويسترشد به الجاهلون فيكتمونه عنهم ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق. فهؤلاء جمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم. وبين السعي في بخسارة انفسهم والسعي في خسارة غيرهم. وهذه هي صفات الكافرين. ولهذا قال واعتدنا للكافرين عذابا ام مهينة اي كما استهانوا بالحق وتكبروا على الخلق. واستهانوا بالقيام بالحقوق. اهانهم الله بالعذاب الاليم والخزي الدائم. وقال تعالى ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا. اي احذر هذين الخلقين الرذيلين البخل بالواجبات في بذل المال. فيما ينبغي بذله فيه تبرير بالنفقة فيما لا ينبغي او زيادة على ما ينبغي فتقعد ان فعلت ذلك ملوما اي تلام على ما فعلت من الاسراف. لان كل عاقل يعرف ان الاسراف مناف للعقل الصحيح كما انه مناف للشرع فان الله جعل الاموال قياما لمصالح الخلق. فكما ان منعها وامساكها عن وضعها فيما جعلت له مذموم. فكذلك بذلها في الامور الضارة او زيادة غير اللائقة في الامور العادية وغيرها مذموم لانه اتلاف للمال بغير مصلحة. وانحراف في حسن التصرف والتدبير. وضعف التدبير وعدم انتظامه مذموم في كل شيء. كما ان حسن التدبير محمود ونافع لفاعله وغيره. محصورا اي فارغ اليد. فلا بقي ما في يدك من المال. ولا خلفه مدح ثناء وهذا الامر بايتاء ذي القربى وغيرهم مع القدرة. فاما مع العدم او تعذر النفقة الحاضرة. فامر تعالى ان يردوا فامر على ان يردوا ردا جميلا فقال واما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها. اي تعرضن عن عطائهم حاضرا ولكنك ترجو فيما بعد ذلك تيسير الامر من الله فقل لهم قولا ميسورا اي لطيفا برفق ووعد جميل عند الوجود واعتذار بعدم الامكان في الوقت الحاضر لينقلب عنك مطمئنة قلوبهم عاذرين راجين كما قال تعالى قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها اذى. وهذا من لطف الله بالعباد امرهم بانتظار الرحمة والرزق منه. لان انتظار عبادة وسبب لحصوله. فان الله عند ظن عبده به وكذلك وعدهم ان يعطوهم اذا وجدوا عبادة حاضرة لمن وعى لان الهم بفعل الخير والحسنة خير. ولهذا ينبغي للعبد ان يفعل ما يقدر عليه من الخير. وينوي فعل ما لم يقدر عليه عليه اذا قدر ليثاب على ذلك ولعل الله ييسره له. وفي قوله ابتغاء رحمة من ربك ترجوها. فيه الحث على تعليق القلب والرجاء والطمع بالله. وصرف في التعلق بالمخلوقين فالموفق في حال الوجود والغنى قلبه متعلق بحمد الله وشكره والثناء عليه. لا ينسى ولا يبتر النعمة. وفي حال الفقد والفقر صابر راض راج من الله فضله وخيره ورحمته وهذا من اجل عبادات القلوب المقربة الى علام الغيوب. ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق وذلك ان الله ارحم بعباده من الوالدة بولدها فنهى الوالدين عن هذا الخلق الذي هو من ارذل الاخلاق واسقطها. قتل اولادهم خشية الفقر ففيه عدة جنايات قتل النفس الذي اي هو من اعظم الفساد واشنع من ذلك قتل الاولاد الذين هم فلذات الاكباد. وسوء الظن برب العالمين وجهلهم وضلالهم البليغ ظنوا ان وجودهم يضيق عليهم الارزاق فتكفل لهم بقيامه برزق الجميع. فاين هذا الخلق الشنيع من اخلاق خواص مؤمنين الذين كلما كثرت اولادهم وعوائلهم قوي ظنهم بالله وراجوا زيادة فضله وقاموا بمؤنته المطمئنة النفوس ورجو زيادة فضله وقاموا بمؤنتهم مطمئنة نفوسهم. حامدين ربهم ان جعل رزقهم على ايديهم. ومثنين على ربهم ان اقدرهم على ذلك وراجين ثواب ذلك عنده ومشاهدين لمنة الله عليهم بذلك. قال صلى الله عليه وسلم هل تنصرون ترزقون الا بضعفائكم بدعائهم ورغبتهم الى الله. قوله ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا. والنهي عن قربان الزنا يشمل النهي عنه. وعن جميع دواعيه ومقدماته كالنظر المحرم والخلوة بالاجنبية وخطاب من يخشى الفتنة بخطابه ونحو ذلك ووصف الزنا باقبح الاوصاف بانه فاحشة اي جريمة عظيمة تستفحش شرعا وعقلا. لان فيها انتهاك حرمة الشرع والتهاون به فيه افساد المرأة وافساد الانساب واختلاط المياه وفيه اضرار باهلها وبزوجها وبكل من يتصل بها وفيه من المفاسد شيء كثير. وامر تعالى بايفاء المكاييل والموازين والمعاملات كلها بالقسط من غير بخس ولا نقص ولا غش ولا كتمان وفي ضمن ذلك الامر بالصدق والنصح في جميع المعاملات فانه بذلك يصلح الدين والدنيا. ولذلك قال ذلك خير واحسن تأويلا اي هو خير في الحاضر واحسن عاقبة في الاجل يسلم به العبد من التبعات تحل البركة في هذه المعاملة. وقوله ولا تقف ما ليس لك به علم. اي ولا تتبع ما ليس لك به علم. بل تثبت في كل ما قولوا وتفعلوا فان التثبت في الامور كلها دليل على حسن الرأي وقوة العقل. وبه تتوضح الامور ويعرف بعد ذلك هل الاقدام خير ام الاحجام؟ لان المتثبت لا بد ان يعمل فكره ويشاور في الامور التي عليه ان يتثبت فيها. والفكر والمشاورة اكبر الاسباب بالاصابة الصواب والسلامة من التبعة. ومن الندم الصادر من العجلة. ومن عدم استدراك الفارق. ولهذا قال ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا. اي لابد ان تسأل عن حركة هذه الجوارح. وهل هي حركات نافعة بان وضعت فيما يقرب الى ام ضارة بان وجهت الى معصية الله؟ فليتعاهد العبد بحفظها عن الامور الضارة ليعد لهذا السؤال جوابا. فمن استعمل بطاعة الله فقد زكاها ونماها واثمرت له النعيم المقيم. ومن استعملها في ضد ذلك فقد دساها واسقطها واوصلته الى العذاب الاليم. وقوله ولا تمش في الارض مرحا. اي لا تتكبر على الحق ولا على الخلق فان التكبر ارزل الاخلاق. المتكبر المعجب بنفسه ليبلغ ما يظنه وتطمح له نفسه من الخيالات الفاسدة ايه ده ؟ انه في مقام رفيع على الخلق بل هو ممقوت عند الله وعند خلقه. مبغوض محتقر قد نزل بخلقه هذا الى اسفل سافلين لين ففاته مطلوبه من كبره وعجبه وحصل على نقيضه. ومن مضار للكبر انه صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل جنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر. والنار مثوى المتكبرين والكبر هو بطر الحق وغمط الناس اي احتقارهم وازدراؤهم وهذه الاوامر الحسنة والارشادات في هذه الايات من الحكمة العالية التي اوحاها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم. وهي من اعظم محاسن الدين. فالدين هو دين الحكمة التي هي معرفة الصواب والعمل به معرفة الحق والعمل به في كل شيء. قال سبحانه وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. الى اخر السورة العبودية لله نوعان. عبودية لربوبية الله وملكه فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم. فكلهم عبيد لله. مربوبون مدبرون وعبودية لالوهية ورحمته وهي عبودية انبيائه واوليائه. وهي المراد هنا. ولهذا اضافها الى اسمه الرحمن. تنبيها على انه انما وصلوا الى هذه الحال برحمته بهم ولطفه واحسانه. فذكر صفاتهم اكمل الصفات. وبالاتصاف بها يكون العبد تحققا بعبوديته الخاصة النافعة المثمرة للسعادة الابدية. فوصفهم بانهم يمشون على الارض هونا اي ساكنين لله وللخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده واذا خاطبهم الجاهلون اي خطاب جهل فانه اضاف الخطاب لهذا الوصف. قالوا سلاما اي خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من من الاثم ولا يقابلون الجاهل بجهله. وهذا ثناء عليهم بالرزانة والحلم العظيم والعفو عن الجاهل. ومقابلة مسيئي بالاحسان والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما اي يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له كما قال تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا. وقال سبحانه والذين يقولون ربنا اصرف عنا اداب جهنم اي دفاعه عنا بالعصمة من اسبابه ومغفرة ما وقع منا مما هو مقتض للعذاب. ان عذابها كان غراما اي ملازما لاهلها ملازمة الغريم لغريمه. انها ساءت مستقرا ومقاما. وهذا منهم على وجه التضرع لربهم وبيان شدة حاجتهم اليه. وانه ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب. وليتذكروا منة الله عليهم. فان صرف الشدة يعظم وقعه بحسب شدتها وفظاعتها. والذين اذا انفقوا اي النفقات الواجبة والمستحبة لم يسرفوا اي يزيدوا على للحد فيدخلوا في قسم التبذير واهمال الحقوق الواجبة. ولم يقتروا فيدخلوا في باب الشح والبخل. وكان انفاقهم بين اسرافي والتقطير قوام تقوم به الاحوال فانهم يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة. وفيما ينبغي من الامور النافعة على المحتاجين. وفي المشاريع الخيرية وفي الامور الضرورية والكمالية الدينية والدنيوية من غير ضرر ولا اضرار هذا من اقتصادهم وعقلهم وحسن تدبيرهم. والذين لا يدعون مع الله الها اخر. لا دعاء عبادة ولا دعاء مسألة بل يعبدون وحده مخلصين له الدين حنفاء. مقبلين عليه معرضين عما سواه ولا يقتلون النفس التي حرم الله وهي نفس المسلم والكافر المعاهد الا بالحق كقتل النفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة ولا يزنون ومن يفعل ذلك ذلك المذكور من الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله والزنا يلقى اثاما. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه. اي باب مهانا فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها ثابت في الكتاب والسنة واجماع الامة. وكذلك لمن اشرك بالله كذلك الوعيد بالعذاب الشديد على كل واحد من هذه الثلاثة بكونها كلها من اكبر الكبائر واما خلود القاتل بغير حق والزاني في العذاب. فقد دلت النصوص القرآنية وتواترت الاحاديث النبوية ان جميع المؤمنين وان دخلوا النار فسيخرجون منها ولا يخلد فيها مؤمن فان الايمان الكامل يمنع من دخولها ومطلق الايمان ولو مثقال ذرة يمنع من الخلود فيها كما تقدم ونص الله على هذه الاشياء الثلاثة لانها اكبر الكبائر وفسادها كبير. الشرك فيه فساد الاديان بالكلية والقتل يتلو فيه فساد الابدان والزنا فيه فساد الاعراض الا من تاب عن هذه المعاصي وغيرها بان اقلع عنها في الحال وندم على فعلها وعزم عزما جازما الا يعود وامن بالله ايمانا صحيحا يقتضي فعل الواجبات وترك المحرمات وعمل عملا صالحا فيدخل فيه جميع الصالحات من واجب ومستحب. فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات بان يوفقهم للخير فتبدل اقوالهم وافعالهم التي كانت مستعدة لفعل السيئات تتبدل حسنات. فيتبدل شركهم ايمانا ومعصيتهم طاعة. وتتبدل نفس السيئات التي عملوها. ثم احدثوا عن كل ذنب منها توبة وندما وانابة طاعة تبدل حسنات كما هو ظاهر الاية وورد فيه حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه فعددها عليه ثم ابدل مكان لسيئة حسنة الى اخر الحديث. وكان الله غفورا رحيما. لمن تاب يغفر ذنوبه كلها. وكان الله غفورا لمن تاب يغفر ذنوبه كلها رحيما بعباده اذا دعاهم الى التوبة بعد مبارزته بالعظائم. ثم وفقهم لها ثم قبيلها منهم ومن تاب وعمل صالحا فانه يتوب الى الله متابا. اي فليعلم ان توبته في غاية الكمال لانها رجوع الى الطريق الموصل صلي الى الله الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه فليخلص فيها وليخلصها من شوائب الاغراض الفاسدة. والمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة وان تكون على اكمل الوجوه واجلها. لتحصل له ثمراتها الجليلة والذين لا يشهدون اي لا يحضرون. الزور القول المحرم والفعل المحرم فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على كل قول وفعل محرم. كالخوض في ايات الله بالباطل والجدل بالباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء وشرب الخمر والغناء المحرم وفرش الحرير والصور ونحو ذلك واذا كانوا لا يشهدون الزور فانهم من باب اولى لا يفعلونه ولا يقولونه شهادة الزور داخلة في قول الزور. واذا مروا باللغو وهو الكلام الذي لا فائدة فيه. دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم مروا كراما. اي نزهوا انفسهم واكرموها عن الخوض فيه. ورأوه سفها منافيا لمكارم الاخلاق. وفي قوله واذا مروا باللغو اشارة الى انهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه. ولكن يحصل ذلك بغير قصد. فيكرمون سهم عنا. والذين اذا ذكروا بايات ربهم التي امروا بالاستماع لها والاهتداء بها. لم يخروا عليها صما وعميان. اي لم يقابلوها بالاعراض عنها والصمم عن سماعه وصرف القلب عنها كما يفعله من لم يؤمن بها ويصدق. وانما حال هؤلاء الاخيار عند سماعها كما قال تعالى انما يؤمن باياتنا الذين اذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون. يقابل بالقبول والافتقار اليها والانقياد والتسليم لها. وتجد عندهم اذانا سامعة وقلوبا واعية. فيزداد بها ايمانهم ويتم بها يقينهم وتحدث لهم فرحا ونشاطا واغتباطا. لما يعلمون انها افضل المنن الواصلة اليهم من ربهم الذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا اي قرنائنا من اصحاب واخلاء واقران وزوجات وذرياتنا قرة اعين قروا بهم اعيننا. واذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من علو هممهم ومراتبهم ان مقصودهم بهذا الدعاء للذريات ان يطلبوا منه صلاحهم. فان صلاح الذرية عائد اليهم والى والديهم. لان النفع يعود على الجميع. بل صلاحهم عودوا الى نفع المسلمين عموما. لان بصلاح المذكورين صلاحا لكل من له تعلق بهم. ثم يتسلسل الصلاح والخير عنا للمتقين اماما. اي اوصلنا يا ربنا الى هذه الدرجة العالية. درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين هي درجة الامامة في الدين. وان يكونوا قدوة للمتقين في اقوالهم وافعالهم يقتدى باقوالهم وافعالهم. ويطمئن اليها لثقة في المتقين بعلمهم ودينهم. ويهتدي المهتدون بهم. ومن المعلوم ان الدعاء بحصول شيء دعاء به. وبما لا يتم الا به. وهذه درجة درجة الامامة في الدين لا تتم الا بالصبر واليقين. كما قال تعالى وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون. فهذا الدعاء يستلزم من حصول الاعمال الصالحة والصبر على طاعة الله وعن طيته وعلى اقداره المؤلمة. ومن العلم النافع التام الراسخ الذي يوصل صاحبه الى درجة اليقين خيرا كثيرا وعطاء جزيلا ولما كانت هممهم واعمالهم عالية كان الجزاء من جنس العمل فجازاهم من جنس عملهم فقال اولئك يجزون الغرفة. اي المنازل العالية الرفيعة الجامعة لكل نعيم روحي وبدني. بسبب صبرهم على القيام هذه الاعمال الجليلة ويلقون فيها تحية وسلاما من ربهم ومن الملائكة الكرام ومن بعضهم على بعض ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات. والحاصل ان الله وصفهم بالوقار والسكينة التواضع له ولعباده وحسن الادب والحلم وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين والاعراض عنهم ومقابلة اساءتهم بالاحسان. وقيام الليل والاخلاص فيه. والخوف من النار والتضرع لربهم ان ينجيهم منها. وانهم يخرجون الواجبات المستحبات في النفقات على وجه الاقتصاد. واذا كانوا مقتصدين في النفقات التي جرت عادة اكثر الخلق بالتفريط فيها او الافراط اقتصادهم وتوسطهم في غيرها من باب اولى. ووصفهم بالسلامة من كبائر الذنوب وفواحشها. وبالتوبة مما يصدر منهم منها منها الاخلاص لله في عبادته وانهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية ولا يفعلونها وانهم يتنزهون عن اللغو والاقوال الرديئة التي لا خير فيها ولا نفع. وذلك يستلزم كمال انسانيتهم ومروءتهم. وكمالهم ورفعة نفوسهم عن كل امر رذيل. وانهم يقابلون ايات الله بالقبول لها. والتفهم عانيها والعمل بها والاجتهاد في تنفيذ احكامها وانهم يدعون ربهم باكمل دعاء ينتفعون به وينتفع به من يتعلق بهم وينتفع به المسلمون من صلاح ازواجهم وذريتهم. ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم لان من حرص على شيء ودعا الله في حصوله لابد ان يكون مجتهدا في تحصيله بكل طريق مستعينا بربه في تسهيل ذلك وانهم دعوا الله في حصول اعلى الدرجات الممكنة لهم وهي درجة الامامة والصديقية. فلله ما اعلى هذه الصفات وارفع هذه الهمم واجل هذه المطالب وازكى تلك النفوس. ولله فضل الله عليهم ولطفه بهم. الذي اوصلهم الى هذه المقامات والمنازل ولله الحمد من جميع عباده. اذ بين لهم اوصافهم وحثهم عليها. واعان السالكين ويسر الطريق من سلك رضوانه والله الموفق المعين. قال سبحانه خذ العفو وامر بالعرف واعرظ عن الجاهلين هذه الاية الكريمة جامعة لمعاني حسن الخلق مع الناس. وما ينبغي للعبد سلوكه في معاملتهم ومعاشرتهم. فامر تعالى باخذ العفو وهو ما سمحت به انفسهم وسهلت به اخلاقهم من الاعمال والاخلاق. بل يقبل ما سهل ولا يكلفهم ما لا تسمح به بضائعهم ولا ما لا يطيقونه. بل عليه ان يشكر من كل احد ما قابله به من قول وعمل وخلق جميل. وما هو دون ذلك ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم. وعن ما اتوا به وعاملوه من النقص. ولا يتكبر على صغير لصغره ولا ناقص العقل لنقصه ولا الفقير لفقره بل يعامل الجميع باللطف وما تقتضيه الحال الحاضرة وبما تنشرح له صدورهم. ويوقر الكبير ويحنو على الصغير. ويجامل النظير. وامر بالعرف وهو كل قول حسن وفعل جميل. وخلق كامل للقريب والبعيد. فاجعل ما ياتي الى الناس منك اما تعليم علم ديني ديني او دنيوي او نصيحة او حثا لهم على خير من عبادة الله وصلة رحم وبر الوالدين واصلاح بين الناس او رأي طيب او او معاونة على بر وتقوى او زاجر عن قبيح او ارشاد الى مصلحة دينية او دنيوية او تحذير من ضد ذلك ولما كان لابد للعبد من اذية الجاهلين له بالقول او بالفعل امر الله بالاعراض عنهم. وعدم مقابلة الجاهلين بجهلهم. فمن ذاك بقوله او فعله فلا تؤذه. ومن حرمك فلا تحرمه. ومن قطعك فصله. ومن ظلمك فاعدل فيه فبذلك يحصل لك الثواب من الله ومن راحة القلب وسكونه ومن السلامة من الجاهلين ومن انقلاب العدو صديقا. ومن التبوأ من مكارم الاخلاق واعلاها اكبر حظ واوفر نصيب. قال تعالى ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم. وما يلقاها الا الذين صبروا وما تلقاها الا ذو حظ عظيم. ولنقتصر في هذا الموضوع على هذه الايات. ففيها الهدى والشفاء والخير كله. فصل في احكام الشرع الفروعية المتنوعة في الصلاة والزكاة وما ينضم اليهما من المعاني الاخرى. قال تعالى اقم الصلاة الشمس الى غسق الليل. وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا. ومن الليل فتهجد به نافلة لك. عسى ان يبعثك ربك مقاما محمود حمودا. هذا الامر من الله لعباده بالصلاة التي امر بها في ايات متعددة. ويأتي الامر بها في القرآن بلفظ الاقامة كهذه الاية ومثل واقيموا الصلاة ونحوها. وهو ابلغ من قوله افعلوها. فان هذا امر بفعلها وبتكميل اركانها وشروطها ومكملاتها ظاهرا وباطنا. وبجعلها شريعة ظاهرة قائمة من اعظم شعائر الدين. وفي هذه الاية زيادة عن بقية في الايات وهي الامر بها لاوقاتها الخمسة او الثلاثة. وهذه هي الفرائض. واضافاتها الى اوقاتها من باب اضافة الشيء الى سببه الموجب له فلدلوك الشمس اي زوالها واندفاعها من المشرق نحو المغرب فيدخل في هذا صلاة الظهر وهو اول الدلوك. وصلاة العصر وهو اخر الدلوك الى غسق الليل اي ظلمته. فدخل في ذلك صلاة المغرب وهو ابتداء الغسق. وصلاة العشاء الاخرة. وبها يتم الغسق والظلمة وقرآن الفجر اي صلاة الفجر وسماها قرآنا لمشروعية اطالة القراءة فيها. ولفضل قراءتها لكونها مشهودة يشهدها الله وتشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ففي هذه الاية الكريمة فوائد منها ذكر الاوقات الخمسة صريحا ولم يصرح بها في القرآن في غير هذه الاية. واتت ظاهرة في قوله فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون فيها ان هذه المأمورات كلها فرائض. لان الامر بها مقيد في اوقاتها. وهذه هي الصلوات الخمس. وقد تستتبع ما يتبعه من الرواتب ونحوها ومنها ان الوقت شرط لصحة الصلاة. وسبب لوجوبها ويرجع في مقادير الاوقات الى تقدير نبي صلى الله عليه وسلم كما يرجع اليه في تقدير ركعات الصلاة وسجداتها وهيئاتها. وفيها ان العصر والظهر يجمعان يعني للعذر وكذلك المغرب والعشاء. لان الله جمع وقتهما في وقت واحد للمعذور. ووقتان لغير المعذور. وفي اما فضيلة صلاة الفجر وفضيلة اطالة القرآن فيها. وان القرآن فيها ركن. لان العبادة اذا سميت ببعض اجزائها دل ذلك على فضيلته وركنيته. وقد عبر الله عن الصلاة بالقراءة وبالركوع وبالسجود وبالقيام. وهذه كلها اركانها المهمة قوله ومن الليل فتهجد به اي صل به في اوقاته نافلة لك اي لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو المقامات ورفع الدرجات بخلاف غيرك فانها تكون كفارة لسيئاته. ويحتمل ان يكون المعنى ان الصلوات الخمس فرض عليك وعلى المؤمنين. واما صلاة الليل فانها فرض عليك وحدك دون المؤمنين. لكرامتك على الله. اذ جعل وظيفتك اكثر من غيرك ومن عليك بالقيام بها ليكثر ثوابك ويرتفع مقامك تنال بذلك المقام المحمود. وهو المقام الذي يحمده فيه الاولون والاخرون. مقام الشفاعة العظمى حين يستشفع الخلائق باكابر الانبياء. ادم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام. وكلهم يعتذر ويتأخر عنها. حتى يستشفعوا بسيد ولد ادم ليرحمهم الله من هم الموقف وكربه. ويفصل بينهم فيشفعه الله ويقيمه مقاما يخبطه به الاولون والاخرون وتكون له اليد البيضاء على جميع الخلق صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. وادخلنا في شفاعته من علينا بالسعي في اسباب شفاعته التي اهمها اخلاص الاعمال لله. وتحقيق متابعته في هديه وقوله وعمله. قال سبحانه ولكل وجهة هو موليها تستبق الخيرات اينما تكونوا يأتي بكم الله جميعا ان الله على كل شيء قدير. لما امر الله تعالى رسوله خصوصا والمؤمنين عموما بيته الحرام اخبر ان كل اهل دين لهم وجهة يتوجهون اليها في عباداتهم. وليس الشأن في القبل والوجهات المعينة فانها من الشرائع التي تختلف لا في الازمنة ويدخلها النسخ والنقل من جهة الى اخرى. ولكن الشأن كل الشأن في امتثال طاعة الله على الاطلاق. التقرب اليه وطلب الزلفة عنده. فهذا عنوان السعادة ومنشور الولاية. وهو الذي اذا لم تتصف به النفوس حصلت لها الخسارة في في الدنيا والاخرة. كما انها اذا اتصفت به فهي الرابحة على الحقيقة. وهذا امر متفق عليه في جميع الشرائع وهو الذي خلق الله له الخلق وامرهم به. الامر بالاستباق الى الخيرات قدر زائد على الامر بفعلها. فان الاستباق اليها يتضمن الامر بفعلها وتكميلها وايقاعها على اكمل الاحوال. والمبادرة اليها ومن سبق في الدنيا الى الخيرات فهو السابق في الاخرة الى الجنات سابقون اعلى الخلق درجة. والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل. من صلاة وصيام وزكاة وصدقة وحج وعمرة ان وجهاد ونفع متعد وقاصر. فهذه الاية تحث على الاتيان بكل ما يكمل هذه العبادات من ركن وواجب وشرط ومستحب حب ومكمل ومتمم ظاهرا وباطنا. كالمبادرة في اول الوقت فعل السنن المكملات والمبادرة الى ابراء الذمم من الواجبات فعل جميع الاداب المتعلقة بالعبادات فلله ما اجمعها من اية وانفعها. ولما كان اقوى ما يحث النفوس الى المسارعة الى الخيرات. ما رتب الله عليها من الثواب وما يخشى بتفويتها من الحرمان والعقاب قال اينما تكونوا يأتي بكم الله جميعا ان الله على كل شيء قدير فيجمع الله العباد يوم القيامة بقدرته. ويجازيهم بما اسلفوه من الاعمال خيرها وشرها. حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى اسطا وقوموا لله قانتين. فان خفتم فرجالا او ركبانا. فاذا امنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم ابدأ بما بدأ الله به فهو وان كان واردا في الحج فانه يعم كل شيء مع ان جميع الواصفين لوضوءه صلى الله عليه وسلم ذكروه مرتبا. ومنها ان الموالاة شرط ايضا ووجه ذلك ان كونوا تعلمون. يأمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات عموما. وعلى الصلاة الوسطى وهي صلاة العصر خصوصا. بفضلها فيها وحضور ملائكة الليل والنهار فيها. ولكونها ختام النهار والمحافظة على الصلوات عناية العبد بها من جميع الوجوه التي امر الشارع بها وحث عليها من مراعاة الوقت وصلاة الجماعة والقيام بكل ما به تكمل وتتم وان تكون صلاة كاملة صاحبها عن الفحشاء والمنكر ويزداد بها ايمانه وذلك اذا حصل فيها حضور القلب وخشوعه. الذي هو لبها وروحها ولهذا قال وقوموا لله قانتين. اي مخلصين خاشعين لله فان القنوت هو دوام الطاعة مع الخشوع ومن تمام ذلك سكون الاعضاء عن كل كلام لا تعلق له بالصلاة. وفيها ان القيام في صلاة الفريضة ركن ان كان المراد بالقيام هنا الوقوف فان اريد به القيام بافعال الصلاة عموما دل على الامر باقامتها كلها. وان تكون قائمة تامة غيرنا ناقصة. فان خفتم فرجالا او ركبانا اي فصلوا الصلاة رجالا اي ماشيين على ارجلكم او ساعين عليها او ركبانا على الابل وغيرها من المركوبات. وحدث المتعلق ليعم الخوف من العدو والسبع. ومن فوات ما يتضرر بفواته او تفويته في هذه الحال لا يلزمه استقبال القبلة. بل قبلته حيثما كان وجهه. ومثل ذلك اذا اشتبهت القبلة في السفر. ومثل ذلك ذات النافلة في السفر على الراحلة. وكل هذا داخل في قوله ولله المشرق والمغرب. فاينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع عليم. فهذه صلاة المعذور بالخوف فاذا حصل الامن صلى صلاة كاملة. ويدخل في قوله فاذا امنتم فاذكروا الله تكميل الصلوات. ويدخل فيه ايضا الاكثار من ذكر الله شكرا له على نعمة الامن وعلى نعمة التعليم. وفي الاية الكريمة فضيلة العلم وان على من علمه والله ما لم يكن يعلم الاكثار من ذكر الله. وفيه تنبيه على ان الاكثار من ذكر الله سبب لنيل علوم اخر لم يكن العبد ليعرفها. فان الشكر مقرون بالمزيد. وقد ذكر الله صلاة الخوف في سورة النساء في قوله واذا كنت انت فيهم فاقمت لهم الصلاة. فامر بها على تلك الصفة تحصيلا للجماعة لها وقياما للالفة. وجمعا بين بالصلاة والجهاد حسب الامكان. وبالقيام بالواجبات مع التحرز من شرور الاعداء. فسبحان من جعل في كتابه الهدى والنور او الرشاد واصلاح الامور كلها فصل قال تعالى واقيموا الصلاة واتوا الزكاة. وقال خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها. وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم. والله عليم وقال يا ايها الذين امنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما اخرجنا لكم من الارض. ولا تيمموا منه تنفقون ولستم باخذيه الا ان تغمضوا فيه. واعلموا ان الله غني حميد قال واتوا حقه يوم حصاده قد جمع الله في كتابه في ايات كثيرة بين الامر باقام الصلاة وايتاء الزكاة لانهما مشتركتان في انهما من اهم فروض الدين. ومباني الاسلام العظيمة والايمان لا يتم الا بهما. ومن قام بالصلاة وبالزكاة كان مقيما لدينه. ومن ضيعهما كان لما سواهما من دينه اضيع. فالصلاة فيها الاخلاص التام للمعبود. وهي ميزان الايمان والزكاة فيها الاحسان الى المخ مخلوقين وهي برهان الايمان. ولهذا اتفق الصحابة على قتال مانعي الزكاة. وقال ابو بكر رضي الله عنه لاقاتلن ان من فرق بين الصلاة والزكاة فقوله تعالى خذ من اموالهم صدقة. هذا الامر موجه للنبي صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه ان يأخذ من اموال المسلمين صدقة. وهي الزكاة وهذا شامل لجميع الاموال المكمولة من انعام وحروث ونقود وعروض كما صرح به في الاية الاخرى من طيبات ما كسبتم من النقود والعروض والماشية المنماة ومما اخرجنا لكم من الارض من الحبوب والثمار. وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم النصاب في هذه الانواع كلها وبين مقدار الواجب منها. وانها عشر الخارج من الارض مما يسقى بلا مؤونة. ونصف العشر فيما سقي بمؤونة وربع العشر من اموال التجارة. وذلك اذا حال الحول في اموال التجارة وحصل الحصاد والجذاذ وقت حصول الثمار. كما هو صريح الاية المذكورة. وامر تعالى باخراج الوسط فلا يظلم رب المال فيؤخذ العالي من ماله الا ان يختار هو ذلك. ولا يحل له ان يتيمم الخبيث. وهو الرديء من ما له وهو الرديء من ماله فيخرجه ولا تبرأ بذلك ذمته ان كان فرضا. ولا يتم له الاجر والثواب ان كانت نفلا. وبين تعالى الحكمة في ذلك وانها حكمة معقولة. فكما انكم لا ترضون ممن عليه حق لكم ان يعطيكم الرديء من ما له. الذي هو دون حقكم الا ان تقبلوه على وجه الكراهة والاغماض فكيف ترضون لربكم ولاخوانكم ما لا ترضونه لانفسكم. فليس هذا من الانصاف والعدل. وبين تعالى الحكمة في الزكاة وبيان مصالحها العظيمة. فقال تطهرهم وتزكيهم بها فهذه كلمة جامعة يدخل فيها من المنافع للمعطي والمعطى والمال والامور العمومية والخصوصية شيء كثير قوله تطهرهم اي من الذنوب ومن الاخلاق الرذيلة. فان من اعظم الذنوب واكبرها منع الزكاة. وايضا اعطاؤها سبب مغفرة ذنوب اخرى فانها من اكبر الحسنات والحسنات يذهبن السيئات. ومن اشنع الاخلاق الرذيلة البخل. والزكاة تطهره من هذا الخلق الرذيل ويتصف صاحبها بالرحمة والاحسان والشفقة على الخلق وتطهر المال من الاوساخ والافات فان للاموال افات مثل افات الابدان. واعظم افاتها ان تخالطها الاموال المحرمة. فهي للاموال مثل الجرب تسحته تحل به النكبات والنوائب المزعجة. فاخراج الزكاة تطهير له من هذه الافة المانعة له من البركة والنماء. فيستعد بذلك للنماء والبركة وتوجيهه للامور النافعة. واما قوله وتزكيهم بها. فالزكاة هي النماء والزيادة. فهي تنمي المؤتي الزكاة تنمي اخلاقه وتحل البركة في اعماله. ويزداد بالزكاة ترقيا في مكارم الاخلاق ومحاسن الشيم. وتنمي بزوال ما به من ضر وتنمي المال بزوال ما به ضرره وحصول ما فيه خيره. وتحل فيه البركة من الله. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ما نقصت صدقة من مال بل تزيده. تنمي ايضا المخرج اليه. فتسد حاجته وتقوم المصلحة النية التي تصرف فيها الزكاة كالجهاد والعلم والاصلاح بين الناس. والتأليف ونحوها. وايضا تدفع عادية الفقر والفقراء فان ارباب الاموال اذا احتكروها واحتجزوها ولم يؤدوا منها شيئا للفقراء اضطر الفقراء وهم جمهور الخلق وثاروا بالشر والفساد على ارباب الاموال. لهذا ونحوه تسلطت البلاشفة على الخلق. فالقيام بالدين الاسلامي على وجهه بعقائده وحقه طائقه واخلاقه واداء حقوقه هو السد المانع شرعا وقدرا لهذه الطائفة التي بها فساد الاديان والدنيا والاخرة. وامر وتعالى الاخذ منهم الزكاة ان يصلي عليهم فيدعو لهم بالبركة. فان من ذلك طمأنة بخواطرهم وتسكينا لقلوبهم وتنشيطا لهم وتشجيعا على هذا العمل الفاضل. وكما ان الامام والساعي مأمور بالدعاء للمزكي عند اخذها. فالفقير المحتاج اذا اعطيها من باب اولى ان يشرع له الدعاء للمعطي تسكينا لقلبه. وفي هذا اعانة على الخير. ودل تعليل الاية الكريمة لان كل ما اعان على فعل الخير ونشط عليه وسكن قلب صاحبه انه مطلوب ومحبوب لله وانه ينبغي للعبد مراعاته هو ملاحظته في كل شأن من شؤونه. فان من تفطن له فتح له ابوابا نافعة له ولغيره بلا تعب ولا مشقة. وانه ينبغي ادخال السرور على المؤمنين. ولما امر في اية البقرة بالنفقات قال واعلموا ان الله غني حميد. غني بذاته عن جميع المخلوقين وهو الغني عن نفقات المنفقين وطاعات الطائعين. وانما امرهم بها وحثهم عليها لمحض مصلحتهم ونفعهم وبمحض فضله وكرمه عليهم. اذ تفضل عليهم بالامر بهذه الاعمال والتوفيق لفعلها. التي توصل اصحابها الى اعلى المقامات وافضل الكرامات. ومع كمال غناه وسعة عطاياه. فهو الحميد فيما يشرعه لعباده من الاحكام الموصلة لهم الى دار السلام حميد في افعاله لا تخرج عن الفضل والعدل والحكمة. وحميد الاوصاف. لان اوصافه كلها محاسن وكمالات يدرك العباد كنهها ولا يقدرونها حق قدرها. فلما حثهم على الانفاق النافع نهاهم عن الامساك الضار. وبين لهم ان بين داعيين داعي الرحمن يدعوهم الى الخير ويعدهم عليه الفضل والثواب العاجل والاجل وخلف ما انفقوا وداع الشيطان الذي يحثهم على الامساك ويخوفهم ان انفقوا افتقروا. فمن كان مجيبا لداعي الرحمن وانفق مما رزقه الله فليبشر بمغفرة الذنوب وحصول كل مطلوب. ومن كان مجيبا لداعي الشيطان فانه انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. فليختر العبد اي الامرين اليق به. وختم الاية بالاخبار بانه عليم اي واسع الصفات كثير الهبات. عليم بمن يستحق المضاعفة من العاملين المخلصين الصادقين وعليم بمن هو اهل لذلك فيوفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات قال سبحانه انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم. وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله. والله عليم حكيم. المراد بالصدقات هنا الزكاة فهؤلاء الثمانية هم اهلها اذا دفعت الى جهة من هذه الجهات اجزأت ووقعت موقعها وان دفعت في غير هذه الجهات لم تجز هؤلاء المذكورون فيها قسمان. قسم يأخذ لحاجته كالفقراء والمساكين والرقاب. وابن السبيل والغارم لنفسه. وقسم يأخذ لنفعه العمومي والحاجة اليه وهم البقية. فاما الفقراء والمساكين فهم خلاف الاغنياء. والفقير اشد حاجة من من المسكين لان الله بدأ به والاهم مقدم في الذكر غالبا ولكن الحاجة تجمع الصنفين والعاملين عليها وهم وهم السعاة الذين يشبونها ويكتبونها ويحفظونها ويقسمونها على اهلها فهم يعطون ولو كانوا اغنياء لانها بمنزلة الاجرة في حقهم والمؤلفة قلوبهم وهم سادات العشائر والرؤساء الذين اذا اعطوا حصل في اعطائهم مصلحة للاسلام والمسلمين. اما دفع شرهم عن المسلمين واما رجاء اسلامهم واسلام نظرائهم او جبايتها ممن لا يعطيها ويرجى قوة ايمانهم وفي الرقاب اي في فكها من الرق كاعانة المكاتبين كبذلها في شراء الرقاب لعتقها وفي فك الاسارى من المسلمين عند الاعداء والغارمين للاصلاح بين الناس اذا كان الصلح يتوقف على بذل مال فيعانون على القيام بهذه المهمة والمصلحة العظيمة وهي الاصلاح بين الناس ولو اغنياء ومن الغارمين من ركبتهم ديون الناس وعجزوا عن وفائها فيعانون من الزكاة لوفائها. وفي سبيل الله اي بذلها على اعانة المجاهدين بالزاد والمزاد والركوب والسلاح. ونحوها مما فيه اعانة المجاهدين. ومن الجهاد التخلي بطلب العلم الشرعي تجرد للاشتغال به وابن السبيل وهو الغريب المنقطع به في غير بلده. فيعان على سفره من الزكاة. فالله تعالى فرضها لهؤلاء الاصناف بحسب حكمته وعلمه علمه ووضعه الاشياء مواضعها. فان سد الكفايات وقيام المصالح العمومية النافعة من الفروض على المسلمين وهي على اهل الاموال شكر منهم لله تعالى على نعمته بالمال. وتطهير لهم ولها ونماء وبركة. واتصاف بصفات الاخ خيار وسلامة من نعوت الاشرار. فصل في الطهارة بالماء والتيمم. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منكم من الغائط او لامستم النساء او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج. ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون هذه الاية جمع الله فيها احكام طهارة الماء وطهارة التيمم. والتنبيه على شروطهما. وبيان كيفياتهما وذكر فوائد ذلك وثمراته الطيبة. فبين فيها الاحكام وحكمها واسرارها. وهي احكام كثيرة تستفاد من هذا الموضع منها ان الطهارة من الحدثين شرط لصحة الصلاة. لقوله اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا. الى اخره ومنها ان ذلك عام للفرائض من الصلوات والنوافل. فكل ما يسمى صلاة فلا بد فيه من هذه الطهارة. ومنها اشتراط النية للطهارة لقوله اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم. اي لاجل الصلاة ان المتطهر اما ان ينوي رفع ما عليه من الاحداث او ينوي الصلاة ونحوها مما يحتاج الى الطهارة او ينويهما. ومنها ان غسل هذه الاعضاء لابد منه في الحدث الاصغر فحد الوجه ما يدخل في مسماه. وما تحصل به المواجهة وذلك من الاذن الى الاذن عرضا. ومن منابت شعر الرأس الى من حضر من اللحيين والذقن طولا مع مسترسل اللحية. لان هذا هو الذي تحصل به المواجهة. واما اليدان فقد حدهما الله في المرفقين. فقال العلماء ان بمعنى مع المرفقين وايدوا هذا بان النبي صلى الله عليه وسلم ادار الماء على مرفقيه كذلك يقال في الرجلين الى الكعبين واما الرأس فانه يتعين استيعاب مسحه. فان الله امر بمسحه. والباء للالصاق الذي يقتضي الصاق المسح بهذا الممسوح وليست للتبعيض ومنها ان الترتيب بين هذه الاعضاء الاربعة شرط لان الله رتبها وادخل عضوا مسموحا بين الاعضاء المغسولة ولا يعلم لهذا فائدة سوى الترتيب وعموم قوله صلى الله عليه وسلم الله تعالى ذكر الوضوء مقترنا بعض الاعضاء ببعض بالواو الدالة على اجتماع هذه العبادة بوقت واحد فاذا فرقها في وقتين لم تكن عبادة واحدة كما لو فرق الصلاة. وبفعل النبي صلى الله عليه وسلم الدائن الذي انك تشاهده انه كان يوالي بين اعضاء وضوئه. وهذا اولى من استدلال كثير من اهل العلم بقصة صاحب اللمعة الذي امرها النبي صلى الله عليه وسلم ان يعيد الوضوء كله وهو وان كان فيه بعض الدلالة على هذه المسألة لكنه يحتمل ان امره بالاعادة كامر المسيء في صلاته ان يعيد لانه رآه مخلا بوضوئه غير متمم له ومنها بيان الطهارة الكبرى كيفياتها وذكر سببها. فكيفيتها ان يطهر العبد جميع ظاهر بدنه بالماء بقوله وان كنتم جنبا فاطهروا. فلم يخصه بعضو او باعضاء معينة. بل جعل الله التطهير لجميع البدن فعلى المتطهر ان يعمم التطهير لجميع ظاهر بدنه وما تحت الشعور خفيفة او كثيفة. وان يكون ذلك غسلا لا مسحا ومنها ان طهارة الحدث الاكبر لا ترتيب فيها ولا موالاة ومنها ان من اسبابها الجنابة والجنابة قد عرفها المسلمون عن نبيهم صلى الله عليه وسلم انها انزال المني يقظة او مناما وان لم يكن جماع او الجماع وان لم يحصل انزال ووجود الامرين كليهما وقد بين الله ايضا في سورة البقرة سببا اخر للاغتسال وهو الحيض في قوله ولا تقربوهن حتى يطهرن. فاذا تطهرن فاتوهن من حيث امركم الله. فاضاف التطهير فيها الى البدن كله كالجنابة ويشمل ذلك النفاس واما التطهير من اسلام الكافر وتطهير الميت فانه يؤخذ من السنة. ومنها ما استدل به كثير من اهل العلم في قراءة الجر في قوله وامسحوا برؤوسكم وارجلكم انها تدل على مسح الخفين الذي بينته السنة وصرحت به واما قراءة النصب في ارجلكم فانها معطوفة على المغسولات ومنها مشروعية التيمم وان سببه احد امرين اما عدم الماء لقوله فلم تجدوا ماء او التضرر باستعماله لقوله وان كنتم مرضى فكل ضرر يعتري العبد اذا استعمل الماء فانه يسوغ له العدول الى التيمم وانواع الضرر كثيرة واما ذكر السفر فلانه مظنة الحاجة الى التيمم بفقد الماء كتقييد الرهن في السفر لا لان السفر وحده مسوغ للتيمم كما ظنه بعض الناس. وهو مناف لقوله فلم تجدوا ماء. ومنها ان التيمم بكل ما تصاعد على وجه الارض سواء كان له غبار ام لا اذا كان طيبا غير خبيث والخبيث هو النجس في هذا الموضع ومنها ان التيمم خاص بعضوين بالوجه واليدين. وان اليدين عند الاطلاق وعدم التقييد هما الكفان كما في اية السرقة واذا قيدت كما في اية الوضوء الى المرفقين تقيدت بذلك. ومنها التنبيه على ما يوجب الطهارة الصغرى هو الاتيان من الغائط يعني خروج الخارج من احد السبيلين وملامسة النساء شهوة السنة بينت الوضوء من النوم الكثير ولمس الفرج واكل لحوم الابل على اختلاف من اهل العلم في ذلك ومنها ان التيمم كما انه مشروع في الحدث الاصغر فكذلك في الحدث الاكبر. لان الله تعالى ذكره بعد سبب الطهارتين ومنها انه في طهارة التيمم تستوي فيه الطهارة الصغرى بالكبرى في مسح العضوين فقط ومنها ان الاية الكريمة تدل على ان طهارة التيمم تنوب وتقوم مقام طهارة الماء عند عدمه. او التضرر باستعماله. لان ان الله انابه منابه وسماه طهارة كذلك الاحاديث الكثيرة تدل على هذا. وبهذا يعرف ان الصحيح ان طهارة التيمم لا تبطل بخروج الوقت ولا دخوله ولا غير ذلك مما قاله كثير من اهل العلم. بل انها تبطل باحد امرين اما حصول ناقض من نواقض الطهارة واما وجود الماء او زوال الضرر المانع من استعمال الماء. ومنها ان الماء المتغير طاهراتي ولو تغير كثيرا انه يجب تقديمه على طهارة التيمم. لان قوله فلم تجدوا ماء نكرة في يقي النفي فيعم اي ماء سوى الماء النجس. ومنها ما استدل به كثير من اهل العلم ان من كان في موضع ليس فيه ماء ويشك في وجوده فيما يقاربه ان عليه ان يطلبه ويفتش فيما حوله قبل ان يعدل الى التيمم. لان قوله فلم تجد لا يقال الا بعد طلب ما يمكن طلبه فيه من دون مشقة. وهو استدلال لطيف ومنها انه لابد في الطهارة من النية. لقوله في طهارة الماء اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا الى اخر الاية. وفي طهارة تيمم فتيمموا اي اقصدوا صعيدا طيبا. ومن لازم ذلك النية ومنها ان هذه الاحكام التي شرعها الله لعباده انما ذلك رحمة منه بعباده. ليقوموا بالعبادات التي تتوقف سعادتهم وفلاحهم عليها. وانه يريد اتمام نعمته بالاوامر الشرعية التي لا مشقة فيها ولا حرج. لينالوا الفضل العظيم من ربهم. فمنه التفضل على عباده بالسبب المسبب ومنها ان طهارة التيمم وان لم يشاهد فيها نظافة حسية فان فيها طهارة معنوية ناشئة عن امتثال العبد لامر الله ورسوله. ومنها القاعدة الكلية في قوله ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج وان الحرج منفي شرعا في جميع ما شرعه الله لعباده فاصل العبادات في غاية السهولة على المكلفين. ثم اذا عرضت فيها عوارض عجز او مرض او تعذر لبعض شروطها فان شارع يخففها تخفيفا يناسب ذلك العارض ومنها ان هذه الاحكام وغيرها من محاسن الدين الاسلامي لما فيها من المنافع للعباد في قلوبهم وابدانهم واخلاقهم. التقرب بها الى الله التوسل بها الى ثوابه العاجل والاجل فجميع الاحكام من اكبر الادلة على حسن دين الاسلام وانه الدين الحق الذي فيه الصلاح والاصلاح. وان سعادة الدنيا والاخرة منوطة به. مترتبة عليه. فتأمل احكام وما فيها من الحكم والاسرار والمنافع ودفع المضار. تجد هذا مشاهدة